سياسة بايدن والدور السعودي في الحرب اليمنية مميز

  • الاشتراكي نت / محمد عبدالإله

الخميس, 09 كانون1/ديسمبر 2021 18:35
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

تدخل الحرب في اليمن عامها الثامن، بعد أن أوشك عام 2021، على الرحيل. سبع سنوات من الحرب تجرع خلالها اليمنيون ويلات الفقر المدقع والمجاعة والنزوح والأوبئة. وأصبح البلد الأفقر عربيًا الواقع جنوب غرب الجزيرة العربية بيئة طاردة للاجئين والمهاجرين من دول القرن الإفريقي.

ويٌعد2021، هو العام الذي بدأ يعيد بعض الآمال المتبددة لليميين منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدان إلى السلطة. فقد رسم ملامح جديدة لسياسة بلاه في اليمن. وخلال كلمة له بعد توليه رئاسة البيت الأبيض قال با يدان إن الحرب في اليمن يجب أن تنتهِ، مجدد في الوقت ذاته التزام بلاده بالتعاون مع السعودية ضد التهديدات التي تتعرض لها.

وبعد سنوات من الحرب، بات ملايين اليمنيين خلالها على حافة المجاعة، بعد ارتفاع مؤشر الفقر المدقع. واحتدمت فيه معارك ضارية بين القوات الحكومية وجماعة المتمردين الحوثيين الذي يسيطرون على محافظات(شمال) بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.

ووفقًا لدراسة للكاتب آدم بارون نشرها المركز اليمني للسياسات وهو مركز أبحاث مستقل أسس في العام 2020، ومقره برلين، تتمثل إحدى التغيرات الرئيسية المصاحبة لولاية بايدن في التركيز المُجدَد على كثير من مؤسسات الدولة التي سخر منها ترامب باعتبارها أذرع “الدولة العميقة”. وهذا من شأنه التأثير على اليمن من منظورين: أولًا، لأنه سيجعل السياسة الأمريكية أكثر استقرارا وقابلية للتنبؤ. وبدون الإعلانات الطنانة المفاجئة عبر تويتر والتي ميزت السنوات الأربعة الماضية، ستكون المفاجآت أقل كثيرًا. ويذكر هنا أن بعض الجهات ذات الخبرة بشؤون بايدن، السيناتور السابق، وفريقه قد وصفته بأنه رجل محاورات يتحلّى بالتريث –وهذا يعدّ اختلافا كبيرا يميزه عن سلفه المتقلِّب.

وأشارت الى انه ستقدم إدارة با يدان بإعادة تمكين العمليات المؤسسية -في وزارة الخارجية بشكل خاص- فرصةً لتعزيز المشاركة الدبلوماسية الأمريكية في اليمن والمنطقة الأوسع. وسوف تعم الفائدة أيضًا المحادثات متعددة الجوانب كما في جهود استعادة السلام اليمني. فقد أشارت مصادر دبلوماسية مرارًا إلى مساهمة الولايات المتحدة المتعاونة والنشطة على أنها مفتاح لنجاح المفاوضات السابقة في اليمن، وبالأخص أثناء الفترة الانتقالية التي أعقبت الربيع العربي في عهد أوباما. وفي عهد ترامب حدث تغير كبير في كل من المواقع الدبلوماسية الإقليمية وفي وزارة الخارجية، وقد صعّب ذلك من حدوث مثل ذلك الانخراط في المشاركة.

وبحسب الدراسة فإننا سنشهد تغيرًا جذريًا في موقف الحكومة الأمريكية تجاه الشؤون الخارجية من شأنه أن يترك تأثيرًا عميقًا على طريقة عملها في الخارج. وموقف بايدن تجاه التعددية –المتمثل في دعمه لتوسيع حلف الناتو- يبدو مناقضا، نوعا ما، لمفهوم ترامب الشوفيني المتحيز للمصالح الأمريكية ولأسلوبه المشخصن ذي الطابع التجاري في تناول العلاقات الدولية.

ظاهريًا قد يرى البعض في تصريحات بايدن عن اليمن  تحول في السياسة الأميركية. أبرزها وقف الدعم للعمليات العسكرية الواسعة التي تقودها السعودية في اليمن وأن الولايات المتحدة تريد رفع وتيرة المسار الدبلوماسي لإنهاء الحرب.

إلا أن الضغوطات التي مارستها الإدارة الامريكية الجديدة على السعودية، وكثفت من جهودها الدبلوماسية، وبقيامها برفع التصنيف الإرهابي قدمت خدمة كبيرة للحوثيين، وكما كان متوقعًا، فقد رد الحوثيون على تحركات الولايات المتحدة، لا بالحديث، بل بشن هجوم على مأرب، المعقل الرئيس للحكومة الشرعية، ومركز الموارد الاقتصادية للبلاد، وتحديدًا حقول النفط والغاز، في مأرب وشبوة وحضرموت. وبالنسبة للحوثيين، فإنه من أجل استمرارهم كدولة، لا بد من سيطرتهم على واحدة على الأقل من هذه المحافظات. ولأن مأرب تقع أقصى غرب هذه المحافظات، وتعد الأقرب إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كان التركيز عليها.

فإذا ما نجح الحوثيون في السيطرة على مأرب، من المحتمل أن يتجهوا جنوبًا نحو شبوة في محاولة منهم للسيطرة على حقول النفط هُناك، وبالتالي توسيع قاعدتهم الاقتصادية.

أن الديناميكيات في مأرب قد وضعت الولايات المتحدة في موقف صعب، فليس للولايات المتحدة أي نوع من النفوذ على الحوثيين، كما أن العقوبات المفروضة لم تنجح على الإطلاق. إضافة إلى ذلك، فإن التصريحات شديدة اللهجة الصادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة لا تلقى آذانًا صاغية على الإطلاق. عدا عن أن المشاركة العسكرية الأمريكية المباشرة لم تلق نجاحًا أبدًا. ولا يرى الحوثيون سببًا يدفعهم للتسوية أو التفاوض. فهم يعتقدون – وهم محقون – بأنهم يحققون انتصارات على أرض المعركة، وبأنهم إذا ما واصلوا التقدم في مأرب، فسيكون بإمكانهم السيطرة على حقول النفط والغاز، وتحقيق دولة مستقلة يحكمونها.

عدا عن ذلك، فإن إدارة بايدن، وبعد سنوات من النقد الديمقراطي للتحالف الذي تقوده السعودية، لا ترغب في التراجع عن قرارها بخصوص تزويد السعوديين بالأسلحة الهجومية. فمنذ توليها زمام الحكم، اكتشفت الإدارة بأن ممارسة الضغوطات على جانب واحد أمر لا يجدي نفعًا.

ويبدو أنه لا خيارات أمام الولايات المتحدة الأمريكية. وقد يحدث أمرًا من إثنين: إما أن تحتاج الولايات المتحدة إلى مساعدة خارجية من إيران لإقناع الحوثيين بوقف هجومهم قبل سقوط مأرب (على الرغم من أنه من غير الواضح وجود سبب يدفع إيران لممارسة ضغوط على حلفائها من أجل التوقف، وليس من الواضح ما إذا كان الحوثيين سينصتون لهذه الضغوط إذا ما حدثت)، أو أن الحوثيين سيسيطرون على مأرب ويتقدمون باتجاه شبوة، وبالتالي سينهار هدف المجتمع الدولي المتمثل في إقامة دولة يمنية موحدة.

ولنراجع أيضًا الموقف السعودي من هذه القرارات السعودية بدت متحفظة في موقفها من هذه القرارات، واكتفت بالترحيب بتعزيز التعاون الدفاعي وبتعيين المبعوث الأميركي. لم تبد السعودية أي تعبير عن الاستهجان، ولا سيما إزاء قرار وقف الدعم العسكري الأميركي للعمليات الهجومية السعودية.

فما هي الأسباب التي دفعت بالسعودية إلى التروي؟

ليس واضحا في الوقت الراهن ما مبيعات الأسلحة التي ستركّز عليها إدارة بايدن، وكيف ستحدد العمليات العسكرية "الهجومية" و"الدفاعية" السعودية. وقد تكون السعودية سابقًا دعمت تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كجماعة إرهابية، لكن ذلك لأن هذا ما كانت تريده الحكومة اليمنية والولايات المتحدة في عهد إدارة ترمب.

السعودية تدرك أن خطوة كهذه ستعقد ملف الحل أكثر مما تفيده. وقد رئينا ذلك عندما حاول بعض النواب في الحكومة الشرعية خلال جلسة برلمانية تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية بأنفسهم، إلا أن الرياض تحركت خلف الكواليس وحالت دون حدوث ذلك. فإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب يجعل من الصعب على المملكة الضغط عليهم لقطع علاقاتهم مع إيران مقابل الدعم السعودي الكامل، وهو العرض الذي ظلت تلوح به المملكة للجماعة في محادثتها السابقة.

ويبدو أن الأسباب الأساسية خلف الرد السعودي الهادئ هو أن الاستراتيجية العسكرية للمملكة تشهد تغيرًا منذ بعض الوقت، بما يتماشى جزئيًا مع تغييرات بايدن السياسية. ففي منتصف العام 2019، بدأت السعودية بالتحول من استراتيجية التدخل الصلب إلى التدخل الناعم، مع تراجع لافت في عملياتها العسكرية ضد الحوثيين.

لقد أصبحت التكاليف الاقتصادية والإنسانية والسياسية مرتفعة جدًا، بحيث لم يعد بالإمكان تحملها، ولا سيما بعد تفشي جائحة كورونا. يُسجّل الإنفاق العسكري السعودي، بصورة مستمرة، نسبة مرتفعة من إجمالي الناتج المحلي (13 في المئة عند بداية حرب اليمن في العام 2015)، حتى إنه يتخطى بأشواط نسبة الإنفاق العسكري التي تسجّلها قوى دولية مثل الولايات المتحدة (3.5 في المئة في العام 2015). ويُستخدم جزء كبير من هذا الإنفاق من أجل التصدي للتهديدات الإيرانية، بما في ذلك في اليمن.

نظرًا إلى هذه التكاليف والإخفاقات المتعاقبة في كبح جماح الحوثيين، تُركز الرؤية السعودية الحالية على إضعاف الحوثيين بدلًا من إلحاق الهزيمة بهم. وقد شهدت الهجمات المباشرة التي يشنها التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين تراجعًا كبيرًا بالعام الأول من الحرب التي بلغت نحو 7000 ضربة جوية.

ومع أن الضربات سجلت زيادة في العام الحالي، إلا أنها استهدفت بصورة أساسية المناطق المؤدية للحدود اليمنية -السعودية لا المناطق الداخلية، ما يُشير إلى اعتماد السعودية موقفًا دفاعيًا أكثر لحماية أراضيها الحدودية.

تقوم استراتيجية الرياض في المدى الطويل على تعزيز نفوذها بين جميع الفصائل اليمنية بلا استثناء، لذا من غير المستغرب أنها تفضل التفاوض مع الحوثيين كجزء من هذه الاستراتيجية.

أما عن خفض بايدن الدعم الأميركي للعمليات الهجومية، قد تحاول السعودية الحصول على الأسلحة التي تريدها من بلدان أخرى، مثل روسيا والصين، حيث يمكن أن تتم صفقات السلاح بهدوء، من دون التعرض لضغوط من منظمات حقوق الإنسان. وقد سبق للحوثيين أن لجأوا إلى دول أخرى لشراء السلاح وتهريبه، ما شكّل انتهاكًا لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. ويسمح هذا التهريب لموردي الأسلحة بالتنصل من المسؤولية، وسيستمر في تأجيج النزاع.

في نهاية المطاف، إذا لم تحرز الجهود الدبلوماسية تقدمًا، ستحمي السعودية مصالحها وغالب الظن أنها ستبرر أن الهجمات العسكرية التي تشنها دفاعية لا هجومية. وسوف تسعى للحصول على الأسلحة التي تحتاج إليها للرد على هجمات الطائرات المسيّرة المتطورة التي يشنها الحوثيون، وغيرها من التحركات العدوانية.

يمكن أن تعمل الولايات المتحدة على التهدئة، وربما تؤدّي دورًا أكبر في حال امتلكت استراتيجية شاملة وواضحة تأخذ في الاعتبار تحركات الفرقاء المختلفين في الحرب.

لقد حقق الحوثيون بالحرب والمواجهات العديد من التقدمات، ومن غير المرجح أن يقبلوا باتفاق لتقاسم السلطة، في حين أن عددًا كبيرًا من المواطنين اليمنيين قد لا يقبل بمنح الحوثيين أي دور شرعي في الحكم؛ بسبب الفظائع الإنسانية التي ارتكبوها. وقد يتبين أن الفرقاء الخارجيين الآخرين لديهم نزعة أكبر للتدخل.

فعلى سبيل المثال، تحاول روسيا والصين أداء دور أكبر في انعقاد المحادثات نظرًا إلى علاقاتهما الودية مع إيران. وقد تؤدي الاستراتيجية الأميركية الجديدة في اليمن إلى دفع روسيا والصين نحو استخدام تأثيرهما على الحوثيين من أجل زيادة العراقيل أمام الجهود الدبلوماسية الأميركية.

وفي الأخير هل من فرصة لخروج السعودية في نهاية المطاف من اليمن؟

الجواب ببساطة هو: لا. فحتى إذا كانت الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة في المستقبل تصب في مصلحة السعودية، فإن الكلفة الأمنية لمغادرة اليمن أكبر من كلفة البقاء فيه. غالب الظن أن الرياض سوف تعزز تواجدها داخل الفصائل اليمنية الموالية لها، فيما تواصل خفض تدخلاتها العسكرية المباشرة. ويُعتبر هذا النمط شبيهًا باستراتيجية الإمارات العربية المتحدة، التي أعلنت في تموز/يوليو 2019 سحب قواتها من اليمن، لكنها تركت عددًا كبيرًا يفوق 200,000 عنصر من القوات العسكرية المحسوبة عليها، منتشرين في قواعد عسكرية مختلفة في أنحاء البلاد. وهكذا تستطيع الإمارات أن تنفذ استراتيجيتها من دون أن يكون لها حضور مباشر، فتتملص بذلك من أي مسؤولية مباشرة.

ينطبق هذا بوضوح أيضًا على إيران التي تستخدم الحوثيين الموالين لها من أجل ممارسة نفوذها. وهو نفوذ ينمو بصورة متزايدة. ومن المستبعد أن تسمح السعودية لإيران بأن تمارس هذا النفوذ الذي يهدد أمنها القومي، لذلك سوف تستمر بدعم الفصائل الموالية لها في اليمن، بما فيها القوات الحكومية. وهذا يظهر بصورة جلية في التصريحات السعودية التي أعقبت حديث بايدن عن السياسات التي ستتبعها إدارته. بناءً عليه، سوف يظل المشهد العسكري والسياسي في اليمن مليئًا بأفرقاء يتقاتلون في ما بينهم ومع داعمين من خلف الحدود لن يتوقفوا عن تقديم الدعم.

وفي الخلاصة هناك واقع من الصعب تخطيه، إذ يبدو أن الحوثيون والسعوديون أعداء في الظاهر، لكنهم في الحقيقة شركاء بطريقة غير مباشرة. فوجود الفريق الأول يشرع وجود الثاني؛ بعبارة أخرى، كل فريق هو بمثابة البعبع المناسب للفريق الآخر. فالحوثيون لن يجدوا ذريعة أفضل للحفاظ على سيطرتهم من السعودية التي ارتكبت أخطاء فادحة كثيرة خلال سنوات الحرب الست.

وبالمثل، لن تجد السعودية ذريعة أفضل من الحوثيين للبقاء في اليمن، نظرًا إلى الهجمات المتواصلة التي تُشن بدعم إيراني على الأراضي السعودية وأجزاء من اليمن، ونظرًا أيضًا إلى الانتهاكات التي يقوم بها الحوثيون ضد خصومهم، ما يجعلهم يجدون في السعودية حليفًا مهمًا بالنسبة لهم. باختصار، لن تتخلى السعودية عن أنصارها في اليمن أو تفوت فرص توسيع نفوذها.

قراءة 411 مرات

من أحدث

المزيد في هذه الفئة : « إصابة نازحين بقصف حوثي على مأرب بالتزامن مع اشتعال المعارك جنوبي المحافظة الحوثيون يستخدمون طائرة مروحية للمرة الاولى خلال المعارك في محافظة مأرب »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى