أعياد الثورة

  • الاشتراكي نت / أ‌. د. أحمد قايد الصايدي

الجمعة, 13 تشرين1/أكتوير 2023 22:04
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

* كلمة القاها الدكتور احمد قايد الصايدي، عن (جماعة نداء السلام) في الحفل الفني والخطابي الذي اقامته منظمة الشهيد جار الله عمر بصنعاء، يوم امس الخميس،احتفاءً بأعياد الثورات اليمنية (26 سبتمبر - 14 اكتوبر - 30 نوفمبر) والذكرى الـ 45 لتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني.

الحاضرون جميعاً أسعد الله صباحكم بالخير.

يحتفل شعبنا اليمني في كل عام، وعلى مدى ستين عاماً وعاماً، بإحياء ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وعلى مدى ستين عاماً، بإحياء ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م. ولهذا الاحتفال السنوي دلالاته النفسية والاجتماعية والسياسية. فالتعلق بالثورتين، بما تحقق من أهدافهما وما لم يتحقق، إنما يعبر عن الأمل الذي تمتلئ به نفوس اليمنيين، مجتمعاً وأفراداً، في الانعتاق من حالة الجهل والتخلف والفقر والأمراض والفساد المالي والإداري، وقبل هذا كله الفساد السياسي، الذي تسبب حتى الآن في تعثر بناء الدولة اليمنية المدنية الديمقراطية القوية، القادرة على حماية اليمن والمحافظة على استقلاله وسلامة أراضيه وتحقيق نهضته الشاملة.   

ولأننا نفهم الاحتفال كل عام بأنه تعلق بالأمل، وتمسك بالحلم، الذي تمثله الثورتان، أكثر مما هو احتفال بما حققناه من إنجازات، فإننا كنا دائماً نؤكد على أن عيد الثورة يجب أن يكون محطة للتوقف والمراجعة، ومحاسبة النفس، على تقصيرنا في تمثل معاني الثورة والارتقاء إلى مستواها، والعمل بإخلاص لتحقيق أهدافها وطموحاتها. لنهيئ بذلك أنفسنا للانطلاق في بداية كل عام جديد برؤية أوضح وهمة أعلى، ويقين أعمق بأن اليمنيين قادرون على تحقيق أهداف ثورتهم وصنع مستقبلهم بأنفسهم وإدارة دولتهم دون حاجة إلى وصي خارجي، إقليمي أو دولي.

لقد كان حجم التخلف في اليمن عند قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر مريعاً. ويمكن الوقوف على جوانب من ذلك التخلف في ما سجله الزوار الأجانب، على قلتهم، من وصف دقيق لرحلاتهم، يوماً بيوم. وصفوا الطرق غير المعبدة ووسائل النقل البدائية وانعدام الخدمات الأساسية في كل مناطق اليمن، بما في ذلك عاصمة الدولة (صنعاء). ففي صنعاء، على سبيل المثال، لم تكن توجد طرق مسفلتة، ولا مستشفيات، سوى مستشفى واحد بسيط في تجهيزاته وفي قدرات ومؤهلات العاملين فيه. ولم يكن يوجد فندق واحد في طول البلاد وعرضها. فكان الزائر يحل ضيفاً على الإمام. فيخصِّص له منزلاً من المنازل الحكومية، ويوفر له الطعام والخدمة والحراسة، من لحظة وصوله إلى لحظة مغادرته. وعندما يغادر صنعاء، يرافقه جنود الأمام، ويلازمونه حتى يتخطى حدود المملكة. تماماً مثلما رافقوه عند قدومه، ابتداءً من نقطة الحدود، التي دخل منها، بعد موافقة الإمام شخصياً على دخوله، وحتى مدينة صنعاء. 

هذه هي الصورة، التي تكاد أن تكون صورة نمطية، دونها كل من زار اليمن قبل الثورة. وهي صورة تعكس حجم التخلف في مجمل الأوضاع، التي عاشها اليمنيون في ذلك الزمان، والتي كانت تشكل عائقاً أمام توق اليمنيين إلى الانعتاق وإلى الانتقال من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. الأمر الذي ولد حاجة ملحة للتغيير. فكانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، هي التعبير عن هذه الحاجة. وهي الثورة التي أدخلت اليمنيين إلى عصر كانوا غرباء عنه، ولم يكونوا مهيئين لدخوله. فالظروف الموضوعية، المتمثلة بالتخلف العام، لم تسمح بتوفر أهم شرط من الشروط الذاتية للتغيير، وهو وجود النخبة السياسية المؤهلة علمياً لقيادة اليمن والولوج به إلى العصر الحديث. ولتأكيد هذه الحقيقة، يكفي أن نتذكر أن الثورة قامت ولم يكن عدد خريجي الجامعات حينها، ممن تلقوا تعليمهم الجامعي خارج اليمن، لم يكن يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وقس على ذلك مظاهر التخلف الأخرى في كل جوانب الحياة. 

ولعدم وجود هذه النخبة، لم يكن من السهل استيعاب الثورة وتمثل معانيها والوفاء بمتطلباتها وتحقيق أهدافها المعلنة. لذا حدث ما حدث من تعثر وتخبط، استمر حتى اليوم، مصحوباً بعجز عن التخلص من الماضي وإرثه الثقيل. وفي الواقع أن التخلص من الماضي وإرثه أمر ليس سهلاً. فالماضي لا يموت ولا ينقطع بصورة نهائية، بل يستمر فينا، في تفكيرنا وفي سلوكنا وفي تعاملنا وفي نظرتنا إلى أنفسنا وإلى العالم من حولنا، يستمر بأشكال وصور شتى، بعضها يمكن تبينُه، وبعضها مموه، يتغلغل في عقولنا ووجداننا وقيمنا وأنماط سلوكنا، أو كما يقال في عقلنا الباطن (بالمعنى الجمعي)، دون أن نشعر به.

من هنا لا بد من أن نحول الاحتفال بأعياد الثورة من مجرد زينات وشعارات ومهرجانات، وحماس آني ينتهي بانتهاء المناسبة، إلى محطات نقف فيها لنحاسب أنفسنا ونراجع كل المسافات التي قطعناها، ونعيد تذكر تفاصيلها ومنعرجاتها، وتحديد مواضع التعثر فيها ومواطن الخطأ والصواب، فنعالج الخطأ ونتجاوزه ونستثمر الصواب ونبي عليه. وهذا لا يعني أن نتخلى عن فرحنا أو نقصر في احتفائنا بأعياد الثورة، ولكنه يعني أن نعطي للفرح والاحتفاء مضموناً أهم وأجدى من مجرد المظاهر الاحتفائية العابرة.

إن رمزية الثورة ومكانتها في نفوسنا توجب علينا أن ننقد ممارساتنا منذ فجر الثورة وحتى اليوم، وأن نشخص أخطاءنا، المتعمدة منها وغير المتعمدة، التي أوصلتنا في نهاية الأمر إلى ما نحن فيه اليوم، إلى حرب كارثية طاحنة، لم نحسب لها حساباً، ولم نبذل جهداً صادقاً لتحاشيها. وحتى عندما وقعت الواقعة، تفرقنا شيعاً، وعاد كل منا إلى جماعته الأولية، إلى الأسرة والسلالة والطائفة والعشيرة والمنطقة، واتجه كل منا بولائه لهذه القوة أو تلك، من القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، المتنافسة المتصارعة فيما بينها، بدلاً من أن نتجه جميعنا بولائنا كله لليمن وشعبه. هكذا انقسمنا، وغذت انقساماتنا الحربَ وأطالت بقاءها واستمرارها، وعقّدت الحلول السياسية، بل جعلتها تبدو مستحيلة. وأخشى ما نخشاه أن تؤثر هذه الانقسامات مستقبلاً، تأثيراً سيئاً على تعايشنا الاجتماعي، وعلى وحدة شعبنا وتماسكه، وعلى استقلال وطننا وسلامة أراضيه. 

لقد حددنا في جماعة نداء السلام موقفنا من الحرب عند بدايتها، واضعين في اعتبارنا، شرورها، وأهدافها المستترة التي لم تخف علينا، ودعونا إلى إيقافها نهائياً وحمَلنا على عواتقنا، على مدى سنوات الحرب الكئيبة، ثقل هذه الدعوة، التي لم تحظ عند إطلاقنا لها بالقبول لدى كثيرين، ممن كانوا يراهنون على الحسم العسكري. وكنا ندرك منذ البدء، بأن الحسم العسكري مستحيل وغير مسموح به إقليمياً ودولياً. وأنه وهم لا يمكن أن نراهن عليه. وأن السلام والحوار والتوافق والتصالح بين اليمنيين هو ما يجب أن نراهن عليه جميعنا. 

وها نحن اليوم نعيد التأكيد، بعد أن أصبحت دعوة السلام مقبولة لدى معظم اليمنيين، بأن على اليمنيين جميعهم، أطرافاً مسلحة متقاتلة، ومكونات سياسية واجتماعية مدنية، عليهم جميعاً أن يعملوا بصدق لإحلال السلام، الذي يبدأ بإيقافٍ نهائي للحرب، بكل مظاهرها، ومعالجة ما خلفته من دمار مادي ونفسي، وانقسام سياسي واجتماعي، والوقوف بوعي على أسبابها، ووضع الضمانات اللازمة لعدم ظهور هذه الأسباب مجدداً، والتوجه بجدية ونزاهة وإخلاص إلى طاولة الحوار اليمني _ اليمني، للتوافق على بناء حياتنا الجديدة، في ظل دولة اليمنيين جميعهم: دولة الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والتبادل السلمي للسلطة، عبر صناديق الانتخابات. هذه هي بَوصلتنا في جماعة نداء السلام، الموجِّهة لكل مواقفنا وحواراتنا ومبادراتنا وبياناتنا المعلنة، منذ بدء الحرب وحتى الآن، وستظل هي بَوصلتنا في المستقبل أيضاً، تؤشر دائماً وبثبات نحو مصلحة اليمن وشعبه.

فالحرب دمار وموت وتشريد وجوع وأمراض، وأحقاد تتجذر في النفوس كل يوم، وانقسام اجتماعي يهدد بتقسيم اليمن وتفتيت شعبه. والحرب، لا السلام، هي التي تفرض علينا مزيداً من الولاء والاستسلام للإرادة الخارجية، والتفريط باستقلالنا والتخلي عن قرارنا السياسي، ووضعه في يد قوى إقليمية ودولية، لا يهمها من اليمن سوى موقعه الجغرافي وثرواته الواعدة والخوف من حيوية شعبه العظيم، القادر على تحقيق نهضة شاملة في وقت قصير من الزمن، إذا ما ساد السلام بين أبنائه وانصرفوا عن الحرب إلى بناء دولتهم الواحدة، على أسس الشراكة الوطنية الحقيقية، وتخلوا عن مشاريعهم الصغيرة، وعن طموحاتهم محدودة الأفق قصيرة النظر، وطهروا نفوسهم وعقولهم من الأوهام الضارة بهم.

إن السلام القائم على الشراكة الوطنية، في ظل دولة يمنية واحدة، هو سفينة النجاة لليمنيين كافة. ليعيش الجميع متآلفين متكاتفين، منتجين مبدعين، في رحاب وطنهم الكبير، المليء بالخير، الذي يتسع لهم جميعاً ويحتاج إلى كل فرد فيهم، يحتاج إلى الإنسان اليمني المتطهر من الأنانية وغريزة الاستئثار، الإنسان المحب لكل إخوته اليمنيين. وحب اليمني لإخوته اليمنيين جميعاً هو المقياس الحقيقي لمدى حبه لوطنه اليمن. فالوطن ليس مجرد جبال وسهول ووديان وتراب وصخور، بل هو الإنسان قبل كل شيء. ولا نصدق أن أحداً يحب اليمن، إذا لم يحب أخاه اليمني.

فلنجعل السلام سفينتنا إلى النجاة، في عالم مضطرب صاخب، متلاطم الأمواج، يتشكل الآن من جديد. وعلينا أن نبحث عن مكاننا الطبيعي فيه، في لحظة التشكل هذه، ولا نفوت هذه اللحظة التاريخية ونحن مستغرقين في سفك دماء بعضنا، وتقويض مقومات وجودنا، كوطن واحد وشعب موحد. لنجعل السلام سفينتنا والعقلَ مرشدنا إلى مستقبلنا المنشود. ولنتخل عن كل الدعاوى الضارة: الطائفية والسلالية والعشائرية والمناطقية، التي تفرقنا وتفتت نسيجنا الاجتماعي، ولا تخلف إلا الخسران. ولنقر جميعنا بأن لا أحدَ منا أفضل من غيره، إلا بمقياس واحد، وهو العمل الصالح. والعمل الصالح هو ما يفيد الناس، ما يفيد اليمن وإنسانه. ولنفهم مغزى قول الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم: (لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، فإني لا أُغني عنكم من الله شيئاً). وقوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. وستردون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبِّئُكم بما كنتم تعملون) صدق الله العظيم.

فلنأت رسول الله في يوم القيامة بأعمالنا، لا بأنسابنا وعصبياتنا، ولنجدد شباب ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، لا بمجرد الأقوال والشعارات والحماس الآني، بل بالجهود المخلصة النزيهة المتواصلة، والأعمال الصالحة المنتجة الملموسة. ولنصحح أخطاءنا، ونتلافى أوجه القصور في أدائنا، ونؤْثر المحبة بيننا على الكراهية والبغضاء. ولنوسع أفق طموحاتنا المشروعة، في بناء وطننا ووحدة شعبنا، وتحقيق حلمنا في نهضة شاملة، تعود بالخير على اليمن كله وعلى جميع أبنائه. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخميس 12 أكتوبر 2023م

 

قراءة 570 مرات

من أحدث

المزيد في هذه الفئة : « أيوجد مثل هذا الحزب؟! ثورة 14أكتوبر .. تميز وإنتصار »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى