بعث مطامح الرجل الضعيف

الإثنين, 03 شباط/فبراير 2014 20:07
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عندما بدأت أعي الحياة من حولي، كان عبد ربه منصور هادي هو نائب رئيس الجمهورية، لكنه النائب الذي ليس لديه أي صلاحيات أو طموح. وكان على الدوام يظهر في المناسبات الرسمية، وكأنه يسقط واجبا، قانعا بالدور الهزيل الذي يقوم به. أحتاج صالح لنائب ضعيف يكفيه شر مخاوفه. وطوال تلك السنوات لم يكن ليجد أفضل من هادي نائبا مطيعا، بل وراضخا. واذا كان صالح قد فكر كثيرا في السلطة، ومن المؤكد أنه قد فعل ذلك، فإنه لم يكن ليتوقع أن يصعد شخص كهادي إلى مكانه، سواء في حياته أو بعد مماته. أعتقد أنه كان سيضحك لو أن فكرة كهذه خطرت على باله؛ وهذا ما يجعله موجوعا من هادي على الدوام وقليل الحيلة في مواجهته، حتى بعد أن ضمن عدم مساس هادي بمصالحه التجارية التي نهبها من قوت الشعب طوال سنوات حكمه. لن أخوض في مسألة العلاقة بين صالح وهادي؛ فالجميع يعرف نوع هذه العلاقة؛ لكن علاقة هادي بالسلطة لا تزال مجهولة لدى كثيرين، ولا يزال هادي يوصف بأنه كبش فداء قدم إلى السلطة من أجل سواد عيون اليمنيين. أتذكر إطلالة هادي متحدثا لأول مرة عندما احتدمت الأزمة في البلاد، بعد مغادرة صالح إلى السعودية لتلقي العلاج نتيجة ما تعرض له في النهدين؛ في ذلك الوقت كانت البلاد تحشد مخاوفها على كل الجبهات لمواجهة أبشع السيناريوهات القادمة بعد انقسام النظام على نفسه، وتمترس الطرفين في وضع الاستعداد للذهاب باليمن نحو الجحيم. بدا نائب الرئيس حازما على غير العادة ومتحدثا لا يكترث سوى للأزمات التي أصبح الشعب اليمني يعيشها نتيجة الأوضاع، والمتمثلة بانعدام الوقود، ووجود الانفلات الأمني، وأوضاع مرشحة للتفاقم أكثر، قال نائب الرئيس حينها أن هذه هي المعركة التي يجب أن يواجهها الجميع، ولم يظهر أدنى انحياز لأي طرف، سواء كانوا الثوار في الساحات، أو طرفي النظام المنقسم. ولأن التاريخ يستطيع أن يتصرف على نحو باعث على الدهشة أحيانا؛ فإنه كان قد جعل من هادي الشخص الذي لا يثير حفيظة المتصارعين على السلطة. ونظر له أغلب اليمنيين بأنه الشخص الأصلح لمسك زمام الأمور في مرحلة كثيرة المخاطر، تحيطها أهواء متعددة قد تجلب مزيدا من الويل للبلد المنهك في حال أنها توصلت إلى مبتغاها. قبلت الأغلبية إذن بصعود هادي إلى الحكم، وإن كان بطريقة لم تعد تنتمي إلى العصر بالمطلق؛ فالديمقراطيات الهزيلة في دول العالم الثالث ما كانت لتعدم الحيلة في إنتاج انتخابات رئاسية يصعد فيها شخص يحدد سلفا ولو عبر منافسة شكلية. ذهب اليمنيون إلى صناديق الاقتراع بدون دافع حقيقي لاختيار هادي رئيسا، ربما فقط رغبة في طي صفحة صالح، ومنح البلد فرصة للتنفس عبر رئيس سيعلق عليه الجميع بعد ذلك آمالا كبيرة. ما الذي تغير بعد عامين من رئاسة هادي؟ لقد نمت على شكل طفرة غير متوقعة رغبة الرجل في السلطة، وانتهاجه أسوأ الطرق في سبيل ذلك. هذا ما يمكن الحديث عنه الآن؛ وكأننا شعب يفترض به دوما أن يسير إلى الخلف رغما عن متغيرات الزمن أو عن الكلفة التي يقدمها رغبة في السير نحو طريق مختلف. هل يمكننا أن نلقي باللوم على الطيبة التي يتعامل بها اليمنيون دائما عندما يتعلق الأمر بالسلطة؟ كانت البلاد قد عاشت مرحلة فارقة حقا، وبدا المستحيل ممكننا، حتى عندما صعد هادي إلى سدة الحكم دون ضمانات حقيقية أو مشروع من شأنه بناء دولة؛ فقد ذهب اليمنيون ليلقوا بآمالهم على مؤتمر الحوار الذي سيجلب الحلول السحرية، وسيضع حدا لكل هذا التدهور، ثم انصرفوا إلى حياتهم بصمت مترقبين ما الذي سيحدث. وفي غمرة ذلك فُقد الأمل، ورأينا كيف أننا سلمنا كل شيء للأطماع الشخصية جدا. خلال عامين، ظهر هادي عاجزا تماما عن إحداث أي تحول في حياة الناس أو في حل أيٍّ من المشاكل الكبرى التي يواجهها البلد. وكان الشيء الوحيد الذي أنصرف إليه باهتمام هو تنمية أطماعه التي كان قد ردمها الزمن، لكونه لم يخلص لها طوال مسيرته. ظل يستقطب المشايخ ومراكز القوى إلى صفه يوما تلو الآخر، مستفيدا من ضعف جميع الأطراف أو قبولها الدخول معه في تقاسم مقدرات البلد المختلفة؛ فجميع الأطراف لم تكن تحلم بأكثر من هذا، ليستمر الرجل في إنتاج صورة بائسة من سلفه. عمد هادي إلى إرساء المصالح غير الشرعية التي كانت أطراف النظام القديم تستأثر بها على مدى سنوات، ثم منح الطامحين الجدد مزيدا من الامتيازات. وبقي أمامه فقط أن يلعب دورا بطوليا على الأطراف التي لا تريد أن ترضخ؛ فقد طفش الحراكيين الذين جلبهم إلى الحوار عندما أظهروا أطماعا لا تنسجم مع طموحاته، وقمع الأصوات الأخرى، بعد أن ضمن أن الكبار إلى جانبه. ولأن الحلقة يجب أن تكتمل، بطريقة أو بأخرى، فقد تقدم الحزب الاشتراكي في مؤتمر الحوار الوطني برؤية لمرحلة تأسيسية تضمن تنفيذ مخرجات الحوار. وكان هذا قبل أن ينهي هادي الحوار بالطريقة التي أنهاه بها، وبالطبع بعد أن أخذ من تلك الرؤية الجانب الذي سيجعله يبقى في السلطة لمرحلة أخرى، طالما وقد أبدت أكثر المكونات المشاركة في الحوار قبولا بذلك. أما الأطراف التي أبدت معارضة في البداية لما سمي حينها بالمرحلة التأسيسية، ولا نعرف ماذا تدعى الآن، فإن هادي عرف الطرق المناسبة التي ستجعلهم يقبلون. ببساطة، لقد منح تلك الأطراف كل شيء تريده، بما في ذلك عدم حل القضية الجنوبية وعدم إيجاد أي تغيير حقيقي في البلد، وتطمينات بأن مصالحهم لن تمس. وبدا هذا واضحا في تعامله مع الرؤوس الكبيرة، وأيضا مع الأطراف الخارجية التي لا تكترث سوى للنفط ولمزيد من المصالح. أعتقد أن الاشتراكي، من خلال رؤيته تلك، كان يتصور مرحلة ستعمل على إنتاج أرضية مشتركة للانتقال بالبلد إلى مرحلة أخرى. وإن كان الانتقال بطيئا، فإنه على الأقل سيخلخل المنظومة المتحكمة بمصير البلد والكاتمة على أنفاسه؛ فهو لم يحصل على شيء لقاء تبرعه بفترة رئاسية جديدة لهادي، ولم يدرك ربما أن هادي أصبح لديه من الاطماع ما يكفي ليستأثر بالسلطة، على حساب مشاريع أخرى يجب عليه القيام بها بحكم موقعه. أراد الاشتراكي أن يقلص المطامح القديمة؛ فكان أن هيأ الأرضية الملائمة لمطامح أكثر جنونا، تسعى بدأب إلى إنتاج خارطة ولاءات جديدة، ستبقي على الرئيس هادي رئيسا، وستبقي أيضا على خارطة النفوذ القديمة محتفظة بكل قواها.

قراءة 2587 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة