محمد ناصر العنسي فدائي فك حصار السبعين

الأحد, 05 آذار/مارس 2023 20:10 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

في أحد الأيام، وبمعية الرفيق علي الصبري وصلنا إلى مدينة عدن للقاء متعلق بالعمل الشبابي الحزبي، وبعد انتهاء اللقاء تلقيت اتصال من عمي عبدالكريم عمر يطلب مني الحضور للمقيل عنده في البيت، لأن هناك مناضل كبير يريد أن يراني، وكان هذا هو اللواء محمد ناصر العنسي.

بعد انتهاء المكالمة أخبرت الرفيق علي الصبري بأن المقيل سيكون مع مناضل كبير ذلك اليوم، ومن المهم التعرف عليه والجلوس معه، حينها استقلينا الباص باتجاه كريتر.. وأخذت أحكي للرفيق علي عن بعض المواقف الطريفة التي سمعتها عن المناضل العنسي، وبعض القيادات في المكتب السياسي، وعلى رأسهم الشهيد علي عنتر، وكان  الرفيق علي الصبري يتفاعل مع بعضها لطرافة ما فيها إلى مستوى أن قهقهاته كانت عاليه حتى انفجر كل من في الباص بالضحك على قهقهة الصبري والذي رد مازحاً بتساؤل جوهر معناه (هل فيه مناضل من ذمار؟)

وبعد السلام على عمي عبدالكريم، وتعريفي له بالرفيق علي الصبري حتى قام لنا المناضل محمد ناصر للسلام، وما أن أمسك يدي حتى باشرني مازحاً بالقول "احنا في الحزب مولعين بالعدالة لدرجة أن معنا الكثير يحملون اسم عمر" وأضاف أنه كان معنا جارالله عمر، وسلطان أحمد عمر، وشعفل عمر، وعبدالكريم عمر، وذكر رفاق آخرين تنتهي أسمائهم بعمر،  واليوم  جاء لنا عبدالرحمن عمر، وأحمد عمر الهيال، وأسعد عمر، ويعلم الله من عاد جنبكم ( من ذي ما نعرفهم ) يضحك…. ثم انتقل للرفيق علي الصبري، وما أن مد الأخير يده حتى باشره بالقول "عاد بعضهم تقول له بانجلس مع مناضل من ذمار يقلك: شي مناضل من ذمار؟" ويضيف "والأسود العنسي من أول مناضلي التاريخ من ذمار" وأورد كلاماً كأنه كان معنا في الباص، حينها أحمر وجه الرفيق الصبري من الإحراج ثم التفت لي وقال: يبدو أنك تركت التلفون مفتوح والشيبات يسمعوا (الحش الذي كان بيننا) قال العنسي ضاحكاً: يعني توقعي كان في محله؟!

وخلال جلوسنا دار كثير من الحديث حول مراحل مختلفة من تاريخ اليمن الحديث سألناه في سياقه، عن مواقف وأحداث بدأناها بطلب من الرفيق علي الصبري من العنسي بشرح قصته مع الشهيد علي عنتر حينما قال له ( عروكم الزيود ) أي طردوكم فرد العنسي: أنه بعد مغادرته وزملاءه الضباط من صنعاء بعد أحداث أغسطس ١٩٦٨م  تقرر انتقالهم إلى عدن بعد اعتذار الجزائر عن استضافة من سبق إليها، وبينما كان العنسي ورفاقه في منطقة حدودية بين الشمال والجنوب، وصلهم خطاب من الشهيد علي عنتر، وكان مذيلاً بتوقيع ( علي عنتر امزربة ) وتابع بالقول: أنه تولى الرد بخطاب ووقعه باسم محمد ناصر ( امطلحة ) ففهم الرفيق علي عنتر أن ذكر الطلحة لا علاقة له باسم محمد ناصر،  وأن له مغزى آخر و بعد موافقة الرفاق في دولة الجنوب لهم ، استقبلهم علي عنتر بنفسه وبادرهم مازحاً بقوله ( عروكم الزيود ) قال العنسي فرددت عليه بالقول: حياك يا رفيق، هيا أعرفك بهذا الضابط المناضل فلان ابن فلان من تعز شافعي، وهذا فلان من البيضاء شافعي، وذا فلان من صنعاء زيدي، وذا من كذا، إلى أن وصلت لنفسي وقلت: وأنا محمد ناصر العنسي من ذمار (كرسي الزيدية) ليختم حديثه حول هذة القصة بالقول ( رحمك الله يا علي عنتر، كانوا رجال لا يعوضوا لقد فهم الرفيق عنتر من كلامي امتعاضاً من توصيفه، وأن ردي يتضمن رسالة أن صراعنا ليس طائفياً، وأن الثوار من كامل البلد ومن كل الفئات الاجتماعية، وأضاف أن عنتر اعتذر رغم أننا نعرف أنه لا يقصد الطائفية، وأن المقصود بكلامه أن نظام الشمال هو من طردنا، وقد جرى التوصيف للشمال بالزيدي، في اعتياد الناس عن الحديث عنه في الجنوب، وهو توصيف مرتبط بصراعات حقب تاريخية طويلة في ظل تمددات حكم دويلات الائمة المتلاحقة.

ثم سألناه بعدها عن حكاية مقولة ( يادين محمد ديناه من دين محمد ناصر ) حيث ضحك، وقال يبدو أنكم مذاكرين، مضيفاً القول ( خلال حصار السبعين يوماً، وبعد تمكن القوات الملكية من فرض الحصار على صنعاء بعد سقوط جبهة نهم، كنت قائداً للحملة العسكرية المتوجهة لفك الحصار من الجهة الجنوبية لصنعاء، حينها كان هناك العديد من القبائل ممن بادر الإعلان بالإنضمام للثورة قد تراجعوا، متأثرين بنجاح الملكيين بتطويق صنعاء، وبوصول أحد من كانوا يوصفوا بالأمراء، حينها قررنا أن لا نتعامل بلين مع من تراجعوا عن الثورة ليلتحقوا بمحاصري صنعاء، واعترف بشحاعة بقوله (صحيح كان فيه قسوة وتصرفات يمكن لو قستموها بظروف اليوم لوصفتموها بالفاشية، لكن إذا أردتم أن تقيموها فقيموها بظروف تلك اللحظة، لأنه لو لم يكن هناك حزم في مواجهة المشائخ، وبعض القيادات المحلية الذين تراجعوا عن الثورة؛ لكان الوضع أسوأ، فليس لدينا خيار آخر، خصوصاً بعد اقتراح القبائل لفكرة عقد لقاء معه لأجل التفاهم، ليتضح أنهم كانوا معدين العدة لقتله وزملاءه بذلك اللقاء،  وقال أنه أمر حينها الدبابات التابعة له بضرب المكان الذي تم اللقاء به رغم تواجده، وأنه تم فيه سحق كل عصابة الملكيين، وأصيب هو ومن معه من زملائه العسكريين.

وأضاف بالقول: نحن لم يكن أمامنا من خيار سوى فتح الحصار والإنتصار للجمهورية أو الموت أما هؤلاء (يقصد قيادة الملكيبن ومن معهم) فقد كانوا خارجين عن القانون ولابد من هزيمتهم والقضاء عليهم ليكونوا عبرة لضمان بقاء النظام الجمهوري.

كان حديثه ممتعاً للغاية إذ لا يمكن أن تمل من طريقة السرد البديعة التي يمتلكها، وقدرته على توظيف النكتة لتبديد أي ضجر عند المتلقي واستعادتة من شرد عقله، ليعيش جو الحديث مجدداً، وكان من أجمل ما ذكره لنا، قصته مع ضباط من ذمار تجمعوا في عزومة أعدت له في منزل اللواء مطهر رشاد المصري، بعد أن التقى المناضل العنسي بالرئيس علي عبدالله صالح، الذي استدعاه ومجموعة من مناضلي الثورة، ربما لتكريمهم أو هكذا فهمت.

يروي لنا العنسي أن بعض ممن حضروا العزومة قاموا باستعراض ما يملكون من سيارات وأموال وغيرها، ليتوجهوا بعدها لسؤاله عما جمعه وتملكه خلال حياته النضالية الطويلة، وكيف رد عليهم بقوله لم أجمع شي لكني أملك ما لا تملكوه، ولكم أن تتخيلوا ماهو… فقالوا له ما هو؟! فقال لهم الشرف، أنا أمتلك الشرف وهذا ما أفتقده بعضكم للأسف، مضيفاً أن ما دار في جلستهم تم رفعه لعلي عبدالله صالح، الذي حدثه عنه بنفسه، ويقصد هنا الرئيس حينها. وللأسف انقطع جلوسنا معه بسبب اعتذاره، إذ استأذننا لأنه سيعود للضالع، وأنه جاء لمتابعة راتبه، وغادرنا حاملاً حقيبة يد، كان قد دس بها أوراقًا كانت أمامه، وما تبقى من قاته،

ورغم المدة القصيرة؛ إلا أننا استلهمنا منه الكثير، وتأكد لنا كل ما قيل لنا عن شجاعة وجسارة هذا المناضل، والقدرات الفذة التي كان يمتلكها، والتمسنا عذوبة روحه، وأحسسنا بصدق الشرف والورع الذي ميزه وميز العديد من رفاق دربه، ووجدنا كيفية تفضيله للعيش بظروف صعبة ليحافظ على الكرامة، وتميزه بحق وهو يفاخر باعتزاز بعظمة ما قدمه ورفاق دربه في سبيل اليمن وجمهوريته.

رحم الله المناضل الكبير محمد ناصر العنسي، ورحم الله كل مناضلي الثورة اليمنية، وأسكنهم فسيح جناته.

 

قراءة 4219 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة