عن قانونية وأخلاقية حملة "جوازي بلا وصاية"

الإثنين, 20 آذار/مارس 2023 21:15 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

         يوم 11 مارس الجاري نشرت مقالا بعنوان "ألفت الدبعي: الرمزية والقضية والموقف" أكدت فيه أن مجتمع "الميم" هو قصة مختلقة من وحي خيال عادل الشجاع الذي لم يعجبه نجاح حملة "جوازي بلا وصاية" فذهب يخرجها-كلاميا-من مسارها القانوني إلى مسار آخر مصادم لقيم المجتمع اليمني بغرض الإساءة إلى رئيس الوزراء معين عبد الملك في إطار الصراع بين هوامير الفساد. أما إقحام ألفت الدبعي فهو اجتهاد غير موفق من عادل اعتقادا منه أن ذلك سيضفي على القصة المختلقة نوعا من المقبولية المنطقية لدى الرأي العام. والحقيقة أن عادل باختلاق هذه القصة قد أساء لنفسه أكثر مما أساء لمعين وألفت.

         وردا على مقالي المذكور كتب عبد الفتاح الحكيمي مقالا بعنوان: "منطق التهافت.. طاهر شمسان وحكاية سبع نسوان". والحقيقة أن ما كتبه هذا الرجل دال على وعيه ومستواه إن كان فعلا قد كتبه بنفسه. أما إن كان قد كُتِبَ له ووُضِعَ اسمُه عليه فهو أدرى كيف يعيد الاعتبار لنفسه إن كان كاتبا حقا ويعرف أن الكتابة لا تكون إلا لرفع الوعي وليس للتقول والتجني والشتيمة والتدليس والافتراء.

         واحتراما لعقل القارئ الكريم أكتب هذا المقال في صلب الموضوع نائيا بنفسي وبوقت القارئ عن أن أنتصر لشخصي مكتفيا بالرد في الموضوع وفي الموضوع فحسب. ذلك أن القضية قضية حقوق وحريات وليست قضية هزيمة وانتصار، وهي ليست قضية عادل الشجاع وألفت الدبعي، إنها قضية الوعي والمسئولية في مواجهة التعدي على الحقوق والحريات والخروج على الدستور والقانون.

          وفي هذا المقال سأهتم ببيان البعد القانوني والأخلاقي لحملة "جوازي بلا وصاية"، وكيف ذهب عادل الشجاع عن قصد وسابق إصرار وترصد يخرجها-كلاميا-من سياقها القانوني والأخلاقي ويضعها في سياق غير أخلاقي. وهدفي من هذا أولا: المزيد من تنوير القارئ، وثانيا: أن أبعث بأصدق التحايا-إلى السبع الماجدات اللائي وقفن مع المحامي ياسر المليكي أمام مصلحة الأحوال المدنية في مدينة تعز رافعات شعار "جوازي بلا وصاية"-وأقول لهن: أنتن رائدات، ومطالبتكن بحق قانوني سُلبَ منكن لا يكون عملا منحلا وغير أخلاقي إلا عند من هو منحل وبلا أخلاق.

 البعد القانوني لحملة " جوازي بلا وصاية".

         تنص المادة (31) من دستور الجمهورية اليمنية لعام 2011 على أن "النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون"، وتنص المادة (41) من هذا الدستور على أن "المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات"، وتنص المادة (57) من الدستور نفسه على أن "حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين، وحرية الدخول إلى الجمهورية والخروج منها ينظمها القانون، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعه من العودة إليها".

         واضح إذَنْ أن دستور الجمهورية اليمنية يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات. وبما أن المرأة اليمنية مواطن فلها حق دستوري في الحصول على جواز سفر دون وصاية أو قيود من أي نوع كانت. وبقي الآن أن ننظر كيف فصَّلَ القانون اليمني هذا الحق الدستوري وكيف نظَّمه. 

         تقول المادة (6) من القانون رقم (7) لسنة (1990) بشأن الجوازات: "تصرف جوازات السفر العادية ووثائق السفر المنصوص عليها في الفقرات من (1-4) من المادة (3) لكل من بلغ سن السادسة عشر من العمر ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية اليمنية، أما القصر فيضافون في جواز سفر أحد الأبوين إن كانوا مسافرين بصحبته، ويجوز صرف جواز سفر للقاصر عند الضرورة وبعد موافقة ولي أمره"، وتقول المادة (11) من هذا القانون: "يحق لمن يتمتعون بجنسية الجمهورية اليمنية مغادرة الأراضي اليمنية والعودة إليها من الأماكن المخصصة لذلك وبإذن من الموظف المختص، ويكون ذلك بالتأشير على جواز سفره أو الوثيقة التي تقوم مقامه"، وتقول المادة (17) من القانون نفسه: "يلغى أي نص يخالف هذا القانون أو يتعارض مع أحكامه"، وأخيرا تقول المادة (18) من القانون المذكور: "على وزير الداخلية إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون وبما لا يتعارض مع أحكامه".

         واضح إذن أن القانون رقم (7) لسنة (1990) بشأن الجوازات لم يخرج عن نص وروح الدستور قيد أنملة وإنما ساوى بين الرجال والنساء في حق الحصول على جواز سفر دون تمييز ودون وصاية أو قيود من أي نوع كانت. وواضح أيضا أن حملة "جوازي بلا وصاية" كانت متسقة تماما مع نص وروح الدستور، وكانت حملة قانونية 100%، وكل من يشكك في أخلاقية هذه الحملة فإنه ضمنيا يشكك في أخلاقية الدستور والقانون اللذين يؤيدانها.

ألفت الدبعي وحملة "جوازي بلا وصاية":

         لا علاقة لألفت الدبعي بحملة "جوازي بلا وصاية"، لا من حيث التخطيط ولا من حيث التنفيذ وتنظيم التظاهر الاحتجاجي المدني أمام مصلحة الأحوال المدنية في مدينة تعز، وكل ما فعلته أنها استحسنت هذه الحملة وأيدتها واقترحت على منظميها الذهاب إلى رئاسة الوزراء ومقابلة رئيس الحكومة وساعدتهم على لك.

          استمع رئيس الحكومة إلى منظمي حملة "جوازي بلا وصاية" وبناء على ذلك وجَّهَ بطلب الفتوى من وزارة الشئون القانونية وتلقى منها رداً يؤيد ضمنا مصداقية حملة "جوازي بلا وصاية" ويؤكد أن مصلحة الأحوال المدنية فيما يتعلق بحق المرأة في الحصول على جواز سفر تمارس تمييزا تعسفيا ضد النساء في مخالفة صريحة للدستور والقانون. وفي ضوء هذه الفتوى صدر التوجيه من رئيس الحكومة إلى وزير الداخلية بسرعة وضع حد نهائي للتمييز التعسفي الذي يمارس ضد النساء في مصلحة الأحوال المدنية وإلغاء كل الاشتراطات الغير قانونية التي تحول دون حقهن في الحصول على جواز سفر. وبالفعل جاء توجيه وزير الداخلية لينهي معاناة آلاف اليمنيات من ظاهرة التمييز في مصلحة الأحوال المدنية وفي سفارات الجمهورية اليمنية حول العالم.

عادل الشجاع وتشويه حملة "جوازي بلا وصاية": 

         عوضا عن توجيه الشكر لرئيس الحكومة على تفاعله الإيجابي مع حملة "جوازي بلا وصاية" ذهب عادل الشجاع وعن قصد وسابق إصرار وترصد يخرج هذه الحملة كلاميا من سياقها القانوني والأخلاقي ويضعها في سياق غير قانوني وغير أخلاقي بكتابته مقالا بعنوان "جوازي بلا وصاية مقدمة للمطالبة بالحرية المثلية في اليمن". المقال المذكور طافح بالسب والقذف والتشهير ضد ألفت الدبعي التي لم تجد بداً من التوجه إلى القضاء المختص. وما يهمني في هذه الجزئية أن أبين للقارئ كيف لوى عادل الشجاع عنق الحقيقة وبذهنية عدوانية ليخرج حملة "جوازي بلا وصاية" عن مسارها الأخلاقي ويضعها كلاميا في مسار غير أخلاقي.

         يقول عادل الشجاع:".... وبسرعة البرق وعلى الطرف الآخر أصدر رئيس الوزراء معين عبد الملك توجيهاته بمنح النساء جوازات بدون العودة إلى آبائهن أو أزواجهن". هكذا حرفيا "بدون العودة إلى آبائهن أو أزواجهن" وكأنَّ الهدف من حملة "جوازي بلا وصاية" هو تحريض النساء للتمرد على الآباء والأزواج وليس رفع الوصاية التي تمارسها عليهن مصلحة الأحوال المدنية ضدا على الدستور والقانون مسببة الكثير من المعاناة لآلاف اليمنيات.

         إن عبارة "بدون العودة إلى آبائهن وأزواجهن" في السياق الذي جاءت فيه تنطوي على قدر كبير من الخداع وسوء النية بغرض التشويش على القارئ من خلال الخلط بين أمرين اثنين لا يجوز الخلط بينهما من المنظورين القانوني والأخلاقي. الأمر الأول هو حق المرأة في الحصول على جواز سفر، وهذا حق دستوري وقانوني من حقوق المواطنة يناله أي يمني باعتباره مواطنا بصرف النظر عن جنسه. والأمر الثاني هو موافقة ولي الأمر على السفر. وهذا الأمر الثاني خصوصية عائلية تنظمه التفاهمات المتبادلة بين أفراد الأسرة وإدراكهم لمصلحتهم ككل ومصلحة كل فرد فيهم على حدا، وفي هذه التفاهمات يتساوى الرجال مع النساء تحت سقف بيت الأسرة الواحدة بعيدا عن منطق الوصاية، وليس بمقدور جواز سفر حصل عليه أحد أفراد الأسرة-ذكرا كان أو أنثى-أن يعكر صفو هذه التفاهمات بالنظر إلى أن الأسرة مؤتمنة على أفرادها أخلاقيا وليس حقوقيا.

         وفي المجمل الآباء والأزواج لا يمارسون الوصاية على البنات والزوجات بمعنى "الحرمان والتمييز التعسفي" الظالم الذي تمارسه مصلحة الأحوال المدنية ضد النساء وإنما بمعنى "الرعاية" القائمة على الحب والرحمة والمودة. ولهذا كانت حملة "جوازي بلا وصاية" موجهة ضد "وصاية" مصلحة الأحوال المدنية المخالفة للدستور والقانون على النساء، ولم تكن أبدا ضد "رعاية" الآباء والأزواج للبنات والزوجات. وإذا كانت "الوصاية" تمارس أحاديا من طرف قوي على طرف ضعيف فإن الرعاية علاقة إنسانية تكاملية بين طرفيها حيث تأتي من الآباء والأزواج تجاه البنات والزوجات مثلما تأتي من البنات والزوجات تجاه الآباء والأزواج. 

         وعادل الشجاع في موقفه من حملة "جوازي بلا وصاية" أمام احتمالين اثنين لا ثالث لهما: إما أنه لم يفهم شعار الحملة ومقاصدها وأبعادها القانونية والأخلاقية وذهب يكتب مقاله ذاك عن جهل، وإما أنه فهم شعار الحملة جيدا وذهب يحرفه ويشوهه عن قصد. وأنا أستبعد تماما الاحتمال الأول لأن الشجاع أستاذ جامعي وليس من عامة الناس حتى يتعذر عليه فهم الأبعاد القانونية والأخلاقية لحملة "جوازي بلا وصاية). وقد سبق لي أن قلت في مقالي السابق على هذا أن الشجاع كتب مقاله المسيء لتلك الحملة بناء على طلب الغير وليس بدافع النخوة والشرف والغيرة كما حاول أن يقنعنا بذلك عبد الفتاح الحكيمي.

الدولة القانونية والدولة غير القانونية:

         الدولة القانونية هي تلك التي تكون فيها السيادة للقانون ولا سيادة لأحد عليه. والدولة القانونية لا تطبق القانون بصرامة وشمول على مواطنيها فقط وإنما على نفسها أيضا، وفيها يستطيع أي مواطن أن يقاضي أي مؤسسة من مؤسسات الدولة ويحصل على الإنصاف أمام قضاء مستقل ونزيه حتى وإن كانت هذه المؤسسة هي مؤسسة الرئاسة أو مؤسسة الجيش أو مؤسسة الأمن والاستخبارات. أما الدولة غير القانونية فالسيادة فيها ليست للقانون وإنما لمراكز القوى وأهل النفوذ ولكل من له سلطة من أي نوع كانت، بما في ذلك سلطة التراث والثقافة التقليدية السائدة التي تتسم بقدر كبير من الهيمنة في ظل شيوع الجهل والأمية والتعليم المؤدلج والإعلام المسيَّس وضعف الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وانعدام التحديث. 

         ولأن الدولة في اليمن غير قانونية فإنها لا تطبق القانون على مؤسساتها، والقانون فيها لا يعرف الشمول والصرامة وإنما يطبق بطريقة انتقائية بحسب ثقافة ومزاج القائمين على تطبيقه. ومصلحة الأحوال المدنية هي المؤسسة المعنية بتطبيق قانون الجوازات، وهي، مثلها مثل غيرها من مؤسسات الدولة، لا تتعرض للمساءلة القانونية إذا أساءت استخدام سلطتها في تطبيق أي قانون من القوانين التي هي معنية بتطبيقها ومن بينها قانون الجوازات الذي يهمنا في هذا المقال.

         والحقيقة أن إساءة استخدام السلطة في تطبيق قانون الجوازات-بالنسبة للنساء-هو العام والشائع في مصلحة الأحوال المدنية وفروعها بينما التطبيق الجيد لهذا القانون هو الاستثناء والنادر. فالرجل إذا قرر أن يسافر خارج البلاد للنزهة والترفيه على النفس فإنه يحصل على الجواز دون وصاية خلال يوم أو يومين بالكثير حتى وإن كان حظه من التعليم متواضعا جدا، أما المرأة فإنها لا تحصل على الجواز للسفر بغرض العلاج أو الدراسة-مثلا-ما لم يكن برفقتها "مَحْرَمْ" يوافق على حقها في الحصول على الجواز حتى وإن كانت قاضيا لها ولاية الفصل في المنازعات بين الرجال في المحاكم، أو كانت محاميا يركن عليها الرجال في الحصول على الإنصاف أمام العدالة، أو كانت أستاذا جامعيا يقدم المعارف للأجيال التي ستصبح مؤتمنة على مستقبل الوطن ....الخ

         إن الموظف المختص في مصلحة الأحوال المدنية حين يشترط على المرأة أن تكون برفقة "محرم" يزكي حصولها على جواز السفر فإن المرجعية التي يصدر عنها في هذا التصرف ليست الدستور ولا قانون الجوازات وإنما الثقافة السائدة التي تمارس سلطتها عليه من حيث لا يدري، وهي بطبيعة الحال ثقافة ذكورية المركزية فيها للرجل "الكامل" وما المرأة إلا تابع "ناقص" حتى في العقل والدين.

         وإذا كان قانون الجوازات ينظر إلى المرأة على أنها "مواطن" كامل الأهلية مثلها مثل الرجل فإنه في هذه النظرة إلى المرأة يصدر عن مفهوم "الوطن" ومفهوم "المواطنة" وهما مفهومان محوريان في الدستور. أما الثقافة التقليدية السائدة-وهي كما أسلفنا ثقافة ذكورية-فإنها لا تنظر إلى المرأة على أنها "مواطن" وإنما على أنها "أنثى" خلقت لإمتاع الرجل وإنجاب من يحملون اسمه ويحمونه ويكررون دوره في الحياة. والثقافة الذكورية في نظرتها إلى المرأة لا تصدر عن مفهومي "الوطن، والمواطنة" وإنما عن مفهومي "القبيلة" و"العصبية" وما يتوالد عنهما من مفاهيم كالنخوة والشرف والغيرة والعيب والعار والثأر. وإذا كانت الدولة هي التي تنتج القوانين الوطنية المنظمة لحقوق وواجبات المواطنين فإن القبيلة لا تنتج القانون وإنما تنتج الأعراف التي تنظم العلاقة بين أفرادها وعلاقتها مع القبائل الأخرى. وإذا كانت قوانين الدولة مكتوبة في مدونات وتخضع للمراجعة والتعديل والتطوير فإن أعراف القبيلة لا تكتب وإنما تستوعب منذ الطفولة في إطار التنشئة وتصبح ثقافة متأصلة عند أفرادها، وهي لذلك تتمتع بقدر كبير من الثبات بالنظر إلى الركود الطويل في حياة القبيلة حيث كل جيل يكرر حياة الجيل السابق عليه كما هي تقريبا ولقرون. وأخيراً مقابل "المواطن" في الوعاء الوطني يأتي "الغرَّام" في الوعاء القبلي.

         بسبب هيمنة الثقافة التقليدية-وهي بطبيعتها ثقافة ذكورية متعالية على المرأة-فإن الموظف في مصلحة الأحوال المدنية-ومن حيث لا يعي-لا يحمل ثقافة وروح الدولة وإنما ثقافة وروح القبيلة، وهو تبعا لذلك لا يتصرف في حدود صلاحياته واختصاصه كممثل للدولة وإنما كممثل للقبيلة، وهو بالتالي لا يطبق قانون الدولة وإنما يطبق أعراف القبيلة التي هي متأصلة في ثقافته التقليدية وتأثيرها عليه أكبر بما لا يقاس من تأثير القانون الذي يفترض أنه يعمل على تطبيقه كواجب عليه يرتب له حق الحصول على راتب. وفي هذا السياق أتذكر أني قرأت في محرك البحث "جوجل" تحقيقا صحفيا استقصائيا أعده أنور دهاق بعنوان: "اليمنيات وجواز السفر: الحق الممنوع" وفيه أورد نماذج لمعاناة اليمنيات في مصلحة الأحوال المدنية وفي سفارات الجمهورية اليمنية في الخارج. وكانت قصة شذى أحد هذه النماذج.

         يقول دهاق ما معناه: بعد كفاح طويل تمكنت شذى من الحصول على منحة كاملة لدراسة الدكتوراه في هولندا، وعندما ذهبت إلى مصلحة الأحوال المدنية في ديسمبر 2019 لاستخراج جواز سفر طلب منها الموظف المختص موافقة ولي أمرها وحضوره معها. وأمام هذا الطلب وقفت شذى حائرة لأن والدها طريح الفراش منذ ثلاث سنوات بسبب إصابة بليغة تعرض لها في حادث قصف الصالة الكبرى بصنعاء في أكتوبر 2016، أما اخوتها الذكور فجميعهم يقيم خارج البلاد. حاولت شذى أن تقنع الموظف المختص بأنها ستفقد المنحة المتاحة لها ما لم تسافر في الوقت المحدد، لكن الجواب كان جاهزا: كيف أعرف أنك لن تهربي؟ وأصر على حضور والدها. 

         فكرت شذى بالذهاب إلى مصلحة الأحوال المدنية بعدن غير أن صديقة لها أقنعتها أنها ستواجه المشكلة نفسها. وبعد خمسة أشهر من المعاناة اضطرت شذى أن تنقل والدها المقعد إلى مصلحة الأحوال المدنية بصنعاء لتتمكن من الحصول على وثيقة جواز سفر.

         نموذج آخر مثلته سارة العريقي (أم تقيم في تركيا) حيث طلبت منها القنصلية اليمنية هناك موافقة ولي الأمر لتجديد جواز سفرها. الجدير بالذكر أن عدم وجود جواز سفر ساري المفعول يمثل معضلة كبيرة أمام اليمنيات في الخارج، بما في ذلك الطالبات، حيث لا يكون بمقدورهن لا السفر ولا استلام حوالات مالية.

         زينب أرادت السفر للدراسة العليا في الخارج واتخذت من أخيها ولياً لأمرها، لكن طلبها قوبل بالرفض لأن أخاها بحسب موظف الجوازات أصغر منها وقد يعينها على الهرب. وقصة زينب واحدة من قصص كثيرة مؤلمة روتها النساء عن أثر الإجراءات التمييزية في حرمانهن من حق السفر للعلاج ولم الشمل وإثبات الهوية وكثير من الفرص الخاصة بالتعليم في بلدان العالم.

         إن اشتراط موافقة ولي الأمر لحصول المرأة على جواز سفر ليس فقط وصاية غير دستورية وغير قانونية ولكنها أيضا لا أخلاقية، ذلك أنها متكئة على عرف تستند حيثياته إلى اتهام النساء ضمنيا في أخلاقهن وشرفهن وكرامتهن. فالمرأة عندما تذهب إلى مصلحة الأحوال المدنية للحصول على جواز سفر أو إلى سفارة الجمهورية اليمنية لتجديد جواز سفرها فإنها في تلك اللحظة لا تكون محترمة ولا "بنت ناس" إلا إذا جاء رجل-وليس امرأة حتى وإن كانت الأم- يقول غير ذلك ويضمن أنها لن تهرب ويثبت أقواله في استمارة خاصة، وهذا الرجل إما أن يكون الأب أو الزوج أو الأخ الأكبر أو العم أو الخال أو الجد.

دلالات استجابة معين عبد الملك لحملة "جوازي بلا وصاية":

         مشكلتنا في اليمن أننا نلهث وراء الجملة السياسية المعارضة أو الموالية ولا نهتم بقضايا الحقوق والحريات ولا ندرك أهميتها بما فيه الكفاية. ونحن إما أن نعارض بالمطلق أو نوالي بالمطلق على طريقة "بين أخوتك مخطئ ولا وحدك مصيب". وليس بمقدورنا تقدير استجابة معين عبد الملك لحملة "جوازي بلا وصاية" حق قدرها وانتصاره للقانون إلا إذا علمنا أن غياب سيادة القانون هو سبب وصولنا إلى ما نحن فيه اليوم. لكن انتصار معين عبد الملك لقانون الجوازات لن يدوم ما لم يكن في إطار نهج شامل ينتصر لمبدأ سيادة القانون في كل أجهزة الدولة.

         إن انتصار حملة "جوازي بلا وصاية" بادرة رائعة ونموذج لما يمكن أن يفعله الوعي المدني، وهذا الانتصار إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن لدينا إمكانيات حقيقة للانتصار للقانون إذا تسلحنا بالوعي القانوني وأحسنا تنظيم أنفسنا لانتزاع الحقوق والحريات. 

         إن انتصار حملة "جوازي بلا وصاية" لم يتمظهر فقط في استجابة رئيس الوزراء لمطالبها وإنما أيضا في قدرتها على فضح كثيرين ممن تعرفنا على مستوى وعيهم بعد أن كنا مخدوعين بهم لسنوات.

         وأخيرا ليسمح لي القارئ الكريم أن أتوجه بعظيم الشكر ووافر التقدير لياسر المليكي المحامي المدرك لأهمية القانون والمستوعب لحقيقة أن تغيير الواقع يبدأ من خلال رفع الوعي بحقوق المواطنة. والشكر موصول للدكتورة ألفت الدبعي التي بادرت وناصرت وماتزال تقدم المثال في الوعي والثبات

                                                                                               طاهر شمسان

                                                                                      صنعاء 19 مارس 2013

 

قراءة 4975 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة