أعــــلام يمنية

أعــــلام يمنية (5)

الحركي الاول، والقائد الفذ: كان وحدوياً وتوفيقياً ناضجاً ، قاوم ضغط يمين الجبهة ويسارها، وكان يتوخى الإعتدال الفكري في مساره السياسي

 

تتملكني غصة لاذعة ونشوة قصوى وأنا اكتب عن فيصل عبداللطيف الشعبي: دماء كثيرة أريقت لمكافحين تاريخيين حالمين ومؤثرين كان يعول عليهم جداً في إحداث نقلة معتبرة في الوعي السياسي للبلد، والسبب: مواقف متطرفة بين رفاق الدرب الواحد اضافة الى عدم إمعان العقل في اختلافاتهم، بينما الحل لمشكلات اليمن لا يكمن أبداً في الاقصاء والعنف.
يعد فيصل عبداللطيف واحداً من أهم الأسماء الريادية الفذة في الكفاح الوطني تعتز بهم الاجيال تماماً. ذهب ضحية للفهم الخاطئ، وفي مرحلة كان الصخب فيها عالياً للأسف. غير أنه لايمكن القفز على التاريخ بالطبع، أو حتى الاحتيال عليه باختيار ما يسوغ تحيزاتنا، بل إنه يجب عند استدعاء وقائع التاريخ عدم التحيز على الاطلاق، مع وجوب إنصاف الضحايا بالضرورة، وتقدير ادوارهم الخالدة  التي تم نسيانها أو تحييدها.
***
ولد فيصل في وادي شعب الصبيحة العام 39، تلقى تعليمه في مدرسة جبل حديد بمستعمرة عدن، انتقل إلى المدرسة المحسنية في لحج، حتى أكمل الاعدادية فيها، وتم ابتعاثه من سلطنة العبادل اللحجية الى القاهرة، وهناك حصل على البكالوريوس في التجارة والاقتصاد. وبمجرد عودته عمل سكرتيرا لوزير التجارة «حكومة الاتحاد الفدرالي للجنوب العربي» عام 59.
كان والده الشيخ عبداللطيف عبدالقوي ناصر الشعبي من الشخصيات الاجتماعية المعروفة في منطقته، المنطقة التي انجبت لليمن خيارها -كما نعرف- في السياسة والفكر والوطنية. درس والد فيصل في الهند وتركيا، وكان له مساع اصلاحية وتنويرية أيضاً. كانت منطقة شعب جزءاً من اليمن الشمالي عقب انسحاب الاتراك من اليمن في 1919 واستمرت كذلك حتى 1933 أي الى قبل ان يولد فيصل بسنوات. عانت المنطقة من نظام الرهائن الذي اتبعه الأمام ولم يستطع الأهالي التعايش مع سلطته فقاوموا ببسالة ودارت معارك ضارية حتى تحررهم. لكن عبد اللطيف الشعبي اغتيل في ظروف ملتبسة وفيصل صغيراً. وبالتأكيد اثر غياب الأب لاحقاً في حياة فيصل الذي انتهج ذات التنوير الذي انتهجه والده لتضعه الأقدار كي يكون بطل الاستقلال الاستثنائي.
***
كانت الفترة التي قضاها فيصل في مصر هي الأكثر عمقاً في حياته. ويتفق جميع من عرفوه بأنه كان يتمتع بنباهة قوية وبراعة خلابة وقدرة استثنائية في التفكير السياسي. وفي مصر الخمسينيات انخرط في تنظيم حركة القوميين العرب، كما تألق كقائد سياسي جسور فيه، مؤمناً بقضية التحرر من الاستعمار والاستبداد.
هناك كانت شقته خلية نحل للحركيين من عديد بلدان عربية يمارسون فيها قراءاتهم التثقيفية ومناقشة همومهم القومية الواحدة. ولقد ازداد نجم الشاب اليمني الالمعي المتحمس سطوعاً بين رفاقه حينها، كما أنه أثناء العدوان الثلاثي على مصر كان أحد المتطوعين من الطلاب اليمنيين في المقاومة الشعبية ببور سعيد.
عند عودته سرعان ما أسس فرعاً لحركة القوميين العرب في اليمن والجزيرة العربية، وبشكل خاص كانت مهمته الإعداد لثورة الجنوب. لكنه قبل ذلك كان تردد لهذا الغرض على مدينة عدن أثناء العطلات الصيفية، بينما كان يختار اصلب العناصر وأكثرها نضجاً في الوعي السياسي.
***
إنه الحركي الاول والقائد الفذ، في حين ان ابرز قادة الخلايا الأولى للحركة في اقليم اليمن هو من قام بتنظيمهم. كذلك كان فيصل بارعاً في الاستقطاب والتأثير. ولم يكن ديماغوجيا مغلقاً، بقدر ما كان منفتحاً ويثقف نفسه على عديد قراءات فكرية وسياسية متنوعة.
كان وحدوياً ناضجاً. وعلى مستوى الحركة التي دعمت عديد بلدان عربية في ثوراتها انذاك كان فيصل زعيماً عربياً لا يمنياً فقط.كل المنتمين للحركة الدارسين في مصر من ابناء الشمال والجنوب على السواء كانوا بتطلعات واحدة، ومن رفاق مرحلة فيصل الأولى على سبيل المثال: يحيى عبدالرحمن الإرياني وعبدالحافظ قائد وسلطان احمد عمر.
بحكم حلمهم الواحد اصطدم الحركيون العرب تلك الفترة بالانفصال السوري المصري الذي كان قد تملك شغاف قلوبهم نحو الوحدة العربية الكبرى.
 
كان فيصل ورفاقه يؤمنون ان أي تغيير في الشمال يخدم الجنوب، وكان فيصل على رأس الذين وجهوا عديد حركيين من أبناء الجنوب للدفاع عن الثورة في الشمال بمجرد اندلاعها.
برز فيصل نوعي النباهة تكتيكياً واستراتيجياً ، وشديد الولاء لليمن الحر الموحد وللوطن العربي الحر الموحد. فيما كان هو الحامل الاساس للمشروع النهضوي القومي إلى اليمن والجزيرة العربية حيث امتد نشاطه الحركي الرائد الى عدة بلدان خليجية كالبحرين والكويت.
ألف فيصل بالمشاركة مع قحطان كتيباً هاماً بعنوان «اتحاد الامارات المزيف» كشف فيه مخططات الاستعمار الرامية لإنشاء دولة اتحاد الجنوب العربي، واصبح الكتيب واحداً من الكتب التثقيفية الذي اعتمدته قيادة حركة القوميين العرب على كل فروعها.
والثابت ان فيصل عبد اللطيف الشعبي هو رجل الحركة السياسي والتنظيمي الذي كان الاقوى في اليمن، كان النقد سمته الثقافية لا الانقياد المحض، كما كانت له طريقته الديناميكية في استيعاب الوقائع من عدة زوايا انسانية ووطنية وتاريخية وجغرافية ونضالية ماجعله شخصية مرنة غاية في التفهم وراسخة المبدأ في الوقت ذاته.
***
ترأس فيصل قيادة حركة القوميين العرب في الجنوب إذ ترأس قيادتها في الشمال سلطان أحمد عمر، وعندما اندمجت المرتبتان القياديتيان في قيادة موحدة لإقليم اليمن كانت القيادة لفيصل والنائب سلطان.
على ان معظم رفاق فيصل في الحركة والجبهة كانوا يعتبرونه قائدهم الاول رغم فارق السن في مستوى الزعامة لصالح قحطان مثلاً الذي كان أول قائد أعلى في الجنوب بعد الاستقلال «رئيس الجمهورية» إذ كان يتميز بشخصيته الحازمة والعناد والتعامل بأبوية مع الآخرين اضافة الى سياساته التي وصفت بالمحافظة رغم كونه اشتراكياً معتدلاً.
يكبر قحطان فيصل بسنوات وكان والد فيصل الشيخ عبد اللطيف هو من كفله بالرعاية إذ ولد يتيماً. كما تزوج قحطان الشقيقة الوحيدة لفيصل، وكان درس في جبل حديد، ثم في السودان الذي كان يرزح حينئذٍ تحت الاحتلال البريطاني، وفي السودان مارس العمل السياسي فقاد المظاهرات ووزع المنشورات المعادية للاحتلال البريطاني للسودان وتعرض جراء ذلك للاعتقال والضرب مراراً. على انه تخرج كمنهدس زراعي، كما عين في عدن ضابطاً زراعياً بدرجة رفيعة. ويعد قحطان الى جانب فيصل أهم من لعبوا الدور التحضيري الابرز لثورة الجنوب في مراحل الإعداد الأولى.
كان قحطان لاجئاً في القاهرة بعد ان فر من عدن عبر لحج وتعز إثر اكتشاف البريطانيين لنشاطه وكان في الرابطة، وفي القاهرة انضم إلى حركة القوميين العرب على يد فيصل، بعد الانفصال من الرابطة جراء انحرافها عن المبادئ والاهداف القومية واحيائها الدعوة الانفصالية القديمة التي كانت تهدف لإقامة دولة مستقلة بعدن والإمارات ليست يمنية الهوية.
***
كان قحطان يتحمل العبء الذي لايمكن انكاره ايضا في التحضير لثورة الجنوب ، بينما كان يدير الحوارات والمشاورات من مصر رفقة فيصل بمجرد اندلاع الثورة في الشمال ضد الامامة لإقناع عبدالناصر واعلان جبهة قومية تتصدى للكفاح المسلح ضد الاستعمار  .
وفي فبراير 63 عادا الى صنعاء حيث انعقد لقاء عام برئاسة قحطان، حضره مئات الشخصيات من أبناء الجنوب من مختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم تحت اشراف حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي، حيث نتج عنه تشكيل لجنة تحضيرية برئاسة قحطان  الذي صار له نفوذا اجتماعيا واسعاً من أجل قيادة الكفاح لتحرير الجنوب المحتل، واتفق الجميع على تشكيل جبهة مسلحة، كما عُين قحطان بضغط من الحركيين مستشاراً للرئيس عبدالله السلال لشؤون الجنوب المحتل.
وللانصاف فقد تحمل قحطان "مع زميل كفاحه ناصر السقاف وعلى مسؤوليتهما الشخصية كتابة ونشر البيان الأول للجبهة القومية، وحينئذ أصدر فيصل بياناً باسم فرع الحركة يبارك ما جاء ببيان الجبهة، وقام قحطان بتمويل قافلة إغاثة للمقاتلين بردفان الذين كانت القوات البريطانية قد نجحت في محاصرتهم وذلك في يناير 1964"
بعدها والعمل التحرري على قدم وساق انتقل الى تعز لفتح مكتب لثوار الجنوب بعد موافقة عبدالناصر، رغم تعنت وتلكؤ غير مبررين من ضباط المخابرات المصرية حينها على فكرة افتتاح المكتب، ولقد كان المصريون بيروقراطيون لا يحبذون أن يكون هناك مكتب خاص بالجبهة ، وأن مكتبهم يتسع للجميع. كان المصريون يتحفظون وهم يرون زخم الشباب الدافق معتبرين عدم وجود مبرر لفتح ملفين لقضية واحدة (ثورة الجنوب)، ملف لديهم وآخر في مكتب الجبهة القومية. يمكن القول تحديدا انه كان لديهم تصوراتهم  وحساسيتهم السياسية والاستخبارية الخاصة  إزاء ذلك على ضوء أمن مثر القومي في اليمن وباب المندب وعلى ضوء الحرب الباردة والهيمنة السعودية  . صحيح انه رغم اهميتهم الكبرى وتضحياتهم التي لاتوصف في المساندة الثورية لليمنيين شمالا وجنوبا الا ان قبضتهم كما اتضح كانت لاتريد للقرار الداخلي  ان يكون  اكثر استقلالية، وبالتالي انفلاتا . لكن قحطان وفيصل رفضا مقترح المصريين المماطل في تعز، وفتحت الجبهة مكتبها بتأييد شعبي واسع  . فيما حضر اجتماع تأسيس الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل في يونيو 1964عشرات رموز وزعامات قبلية واجتماعية شمالاً وجنوباً.
عقبها تفرغ فيصل عبداللطيف للكفاح المسلح في عدن . وعندما انكشف عاد إلى تعز وتعين بعده في قيادة جبهة عدن نور الدين قاسم "أستشهد في 1973 فيما عرف بطائرة الدبلوماسيين "ثم عبدالفتاح اسماعيل.
والشاهد ان الجبهة خاضت ملاحم مشهودة في الارياف والمدن وبالذات عدن. فلقد جابهت كل عملاء السلاطين والاستعمار وقدمت تضحيات كبيرة من الشهداء والمعتقلين والجرحى الذين صنعوا النصر. بينما كانت طليعة الشعب الجنوبي عن حقيقة وفعل ومبدأ بعيدا عن الانتهازية واستغلال الاحداث او تحولاتها لاحقاً
***
عموماً ثمة مشاكل عرضية وجوهرية حدثت خلال تلك المرحلة قادت الى تباينات حادة بحسب ظروف التباس علاقة الرفاق حينها بين مصر والاتحاد السوفيتي ولاحقاً الحزب اللبناني الشيوعي والصين و نائف حواتمة من ناحية،  اضافة الى عبء المتواطئين مع السلاطين والاستخبارات البريطانية داخل الجبهة كذلك.
أول ثمار هذه المشاكل العرضية والجوهرية قرار الدمج القسري للجبهة القومية مع منظمة التحرير الطارئة في الكفاح المسلح ، بتاريخ 13يناير 66 في كيان واحد أطلق عليه (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل) وفقاً لرغبات المخابرات المصرية التي كانت تسيطر على المنظمة تماماً. وبما ان فيصل وقحطان من أبرز قيادات الجبهة القومية الذين رفضوا مشروع الدمج، فقد اقتيد  فيصل  بسبب موقفه  إلى مقر جهاز المخابرات المصرية بتعز بعد ان اعتقله جيش التحرير الشعبي ثم نقل إلى القاهرة، وهناك ظل يتشبث بما راكمته الجبهة القومية في الواقع ماجعله تحت الإقامة الجبرية "اي الاحتجاز "بمعية قحطان الشعبي وآخرين من قادة الجبهة القومية الرافضين لمشروع الدمج."حيث قضى  9 شهور لفيصل وسنة ونصف لقحطان".
وقتذاك كتب وأصدر فيصل كتيبات أخرى اندثرت بسبب المصادرة والمنع الذي طالها عقب رحيله رغم اهميتها التدوينية كـ«أضواء على الثورة في جنوب اليمن المحتل» و«مؤتمر لندن للخيانة». و«كيف نفهم تجربة اليمن الجنوبية الشعبية» شاركه في تأليفه كل من:علي عبدالعليم، عبدالفتاح اسماعيل وخالد عبدالعزيز.
 
وتذكيراً ، يحكي الفنان القدير محمد محسن عطروس صاحب اشهر اغنية قاومت الاستعمار حينها «برع يا استعمار من أرض الاحرار» أنه كتبها بإيعاز خاص وحثيث من فيصل الذي طلبه الى القاهرة بهذا الخصوص.
ولقد تمكن فيصل  حينها بمساعدة حركة القوميين العرب من الإفلات والسفر إلى بيروت ومنها عاد لليمن. والمؤكد انه بعودته تعززت الجبهة الداخلية للجبهة اكثر وركزت ضرباتها، فيما كانت الجماهير في الجنوب تتظاهر يومياً لتأييد الجبهة القومية كممثل وحيد لتطلعاتها، ما خلخل ممارسات خصوم الجبهة على أكثر من صعيد عسكري وسياسي وتنظيمي.
****
عقب هزيمة العرب في 5 يونيو 67 كادت تنتكس نفسية فيصل عبداللطيف الشعبي، الا أنه بعد اسبوعين فقط ساهم بشدة في انتفاضة طلاب مدرسة الأمن بمساندة ضباط وجنود الأمن والجيش على قوات الاستعمار بحيث خاضوا معارك شرسة بقيادته أسفرت عن الاستيلاء على مدينة كريتر.
وما لم يكن في الحسبان انفجار الاقتتال الأهلي قبيل الاستقلال بين شريكي الكفاح الجبهة القومية ومنظمة التحرير خلال 3-6نوفمبر. وفي 6نوفمبر أعلن الجيش العربي في القوات البريطانية ولاءه للجبهة القومية. ثم في 13 نوفمبر اعلنت بريطانيا استعدادها للتفاوض حول استقلال الجنوب العربي مع الجبهة القومية كممثل وحيد للشعب.
شكلت القيادة العامة للجبهة القومية وفداً برئاسة أمينها العام قحطان للسفر إلى جنيف للتفاوض بشأن الاستقلال، وكان أبرز اعضاء الوفد الى جانبه بشهادة البريطانيين فيصل وعبدالفتاح وسيف الضالعي، بينما ضم كل من خالد محمد عبدالعزيز، ومحمد أحمد البيشي، والعقيد عبدالله صالح عولقي، وعبدالله عقبة (مترجماً)، واحمد علي مسعد (سكرتيراً) إلى جانب هيئة استشارية في مختلف المجالات، ضمت المقدم حسين المنهلي، محمد احمد عقبة، المقدم محمد أحمد السياري، د. محمد عمر الحبشي، ملكة عبداللاه أحمد. أبوبكر سالم قطي، عادل خليفة.
امتدت المفاوضات من 21الى 29 نوفمبر1967 حتى وقع الجانبان على وثيقة الاستقلال. وفي صبيحة اليوم التالي أصدرت القيادة العامة للجبهة قراراً بتعيين أمينها العام رئيساً للجمهورية وقائدا أعلى للقوات المسلحة، كما كلفته بتشكيل حكومة الدولة المستقلة: تولى فيصل عبداللطيف وزارة التجارة والاقتصاد والتخطيط فيها، ثم في 5 ابريل 1969 تولى رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية.
***
انتقل الجنوب اليمني من حكم السلاطين والاستعمار البريطاني إلى مرحلة جديدة لكن للأسف لم تكن بقدر التطلعات والتضحيات الجسام، إذ كانت النوايا لإنشاء تنظيم جماهيري يقود الشعب في مرحلة البناء القادمة، وسرعان ما تفجرت الاختلافات بين رفاق الجبهة حول ماهيته وماهية الدولة، وأساليب إدارتها، وتحديد منهجها وسياستها الخارجية، ما قاد الى انشقاق الجبهة إلى جناحين، كما هو معروف، أحدهما يدعو إلى ضرورة تغيير جذري وسريع في الحكم، قاده عبدالفتاح إسماعيل، سلطان أحمد عمر، عبدالله الاشطل، عبدالله الخامري، وسالمين، علي صالح عباد، ومحمد علي هيثم. وآخر يدعو إلى تغيير تدريجي متريث على رأسه، قحطان، سيف الضالعي، أحمد صالح الشاعر، وعلي عبدالعليم.
بذل فيصل الذي صار بنفوذ تنظيمي وتنظيري واسع دوراً كبيراً لحل الخلاف. وكان مع درء الحس المؤامراتي التدميري، وعدم القبول بتحريضات الرفاق ضد بعضهم.
كانت طبيعة فيصل ضد الاعمال المنفردة، وضد الانجرار الى مواقف لا يرضاها كل طرف.
كان ضد العداء المباشر للدول وللجيران تحديداً لأن هذه العداوات لا تنم عن سياسية وديبلوماسية ووعي بالتاريخ وبالجغرافيا، كما أنها لن تصب في المصلحة العليا والمستقبلية للدولة الوليدة.
وفي تلك الفترة تحملت حكومته ما لم يكن في حسبان موازنتها وخططها، حيث عالج فيصل بروح رفاقية ووحدوية عالية أوضاع الحركيين الذين نزحوا لعدن وغيرهم هرباً من بطش نظام 5 نوفمبر وعقب احداث اغسطس الدامية في صنعاء، لكنه تحسس للغاية تلك الفترة أيضاً من عدم دعوته وقادة جنوبيين في حركة القوميين للمشاركة في تاسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني، إذ كان الرفاق وضعوا الحزب بديلا لفرع حركة القوميين العرب اقليم اليمن -هكذا بدت الصورة له- بينما تنظيم فرع الحركة تنظيم واحد وقيادته واحدة ووحدوية شمالاً وجنوباً.!
***
الثابت ان فيصل كان انموذجاً رفيعاً كانسان وكقائد إذ كان زاهداً عن السلطة كما يجمع كل من عرفوه، كذلك كان اعتداده بذاته جزءاً رئيساً من كرامته التي لا يساوم بها ولا يمكن يخضعها للابتزاز أو الاساءات. غير ان الاقدار وضعته على راس عملية بناء وإدارة الدولة الجديدة، وبالتالي في خضم حساسيات ايديولوجية عارمة انطوت عليها المرحلة.
كان الرجل اشتراكياً معتدلاً ، وكان يقاوم ضغط يمين الجبهة القومية وضغط يسار الجبهة في وقت واحد، ولقد كان كل منهما يريد فرض سياسته عليه وعلى المرحلة وعلى المستقبل. تفسيري الشخصي ان تكوينه الراجح الوسطي العقلاني هو السبب وليس كما قد يعتقد احدهم انه ربما  ليس رجل مواقف.فالمعلوم ان عديد قياديين تلك الفترة من الجهتين اصابتهم حساسيات الزعامة والمغامرات اللامحسوبة، اضافة الى امراض العشائرية التي تورط فيها كل طرف بوعي أو بدون وعي، حتى ان قلة من الساسة حينها فقط كانوا اكثر تبصرا وبروح وفاقية وبحس سياسي اخلاقي على راسهم-بل اكثرهم تميزاً- فيصل عبد اللطيف.
كان فيصل يسعى بمرونة فائقة نحو الوحدة والوفاق والاجماع مولياً اهمية سياسية قصوى للحوار، كما كان لا يريد ان يفاجأ بمواقف ورهانات غير محسوبة تتخذ ويحشر فيها حشرا.
واصل التعبير عن اعتقاده الخاص ولم ينظر الى الاختلاف من ناحية شخصية وانما من ناحية سياسية وفكرية موضوعية كما هي عادته حسب اجماع غالبية من عرفوه.
كان يمسك العصا من المنتصف ولا يريد للمخاطرات ان تنبش مخالبها وأنيابها في الجميع. ومن الطبيعي القول ان هناك من كان يؤجج الوضع حتى خرج عن السيطرة، إذ بينما كان فيصل يترسخ لدى الجميع كضامن للم الصدع بصفته محافظا على المسافة اللائقة التي رآها مناسبة له من كل طرف: ازداد الانشقاق بين الرفاق، لتنكشف الاحتكاكات السيئة بين الجناحين، وصولا إلى المصادمات المسلحة التي تفاقمت ذورتها في 22يونيو 1969.
***
اعتقل فيصل وهو بكامل مجده، ولم يكن أحد يتوقع اعدامه ابداً. بينما ظل قحطان رهن الاعتقال لسنوات.لكنها السابقة الخطيرة التي فتحت شلال الدم والأسى.
في الحقيقة لم يكن فيصل عبداللطيف على الإطلاق متواطئاً مع الرجعيين كما كانوا يصنفون آنذاك بل كان يتوخى الاعتدال الفكري في مساره السياسي محافظاً على عدم الانجرار وراء منطق التعميمات.
صحيح ان السياسة التي كانت تدار بها الدولة اعتباطية في مرحلة التكون، إلا ان رؤى اعتباطية بالمقابل كانت تعتقد امكانية التغيير الفوري الى نتيجة حتمية أفضل بمراحل، وهذا هراء لا شك، خصوصاً في ظل التخلف المتراكم، والنزاعات التي يثيرها المتضررون من الثورة نفسها، فضلاً عن تربصات دول مجاورة مؤثرة في المشهد، ما سيحمل الدولة الجديدة تبعات وتوترات كان فيصل يرى امكانية تجنبها الآن على الأقل، أو حتى يتفق الجميع على الخطوة التالية بنضوج متماسك بدلاً من مخاطر التشدد الأيديولوجي.. وبس.
والحاصل ان ذلك النزاع كان جزءاً من تنافس أكبر بين التيارين ليس من البساطة تحجيمه بالذات مع نوايا الاستئثار ما بين الميكافيلية والمثالية.
على ان الأزمة التي اودت بحياة فيصل الشعبي وعمره لم يتجاوز 34عاماً قادت الى أزمات أخرى أكثر حدة وماساوية للأسف.
***
كان لفيصل عديد مقترحات توفيقية لم يستوعبها احد كما ينبغي. كان له وجهة نظر مثلما كان لمن يناوئونه من الطرفين وجهتي نظرهما أيضاً. لكنها الدوافع البشرية كما هو معلوم تقودنا الى حماقات مرعبة، وهي وحدها كدوافع بشرية يحدث ان تجعلنا نرتقي عن الاخفاقات ونسمو عن السير مرة اخرى في اي طريق له ان يؤدي لها مجدداً."هذا مايجب"
ويقول التاريخ العربي -اليمني بالذات- أنه في عصر السلطة يحدث ان يتخلى سياسيون عن مثالياتهم التي كانوا ينادون بها خصوصاً إذا لم يضبطوا امزجتهم على المسؤولية النوعية الملقاة على عاتقهم مايعني استغلال النفوذ بشكل خاطئ. كذلك فإن الشمولية في الجنوب والشمال على حد سواء استنفذت طاقة الشعب والدولة كثيراً طوال عقود ما بعد الثورتين. لكن بالتدريج يعتذر القادة الكبار عن اخطائهم بدافع تجاوز مثل تلك التجارب القاسية وهذا ما اثبته قادة في الحزب الاشتراكي لاحقاً خصوصاً بعد طامة 86، عبر النقد الذاتي وتقييم التجربة دون دوغمائية وبشجاعة رفيعة كما دون مغالاة او تعصب. فيما تتجلى المفارقة حين نرى من يندبون مصير الفقيد الكبيرفيصل عبداللطيف مخالفين لمبدئه الوطني أساساً.
وفي السياق لنا ان نلاحظ في تاريخ الحزب الاشتراكي أو عبر المكونات التنظيمية التي تأسس منها في الشمال والجنوب كيف همدت الخيلاء والتهور لدى قادته رويداً رويداً حتى تكثفت غاية الحزب تماماً في التزام وحيد تمثل في الديمقراطية والشراكة وحلم الدولة المدنية في المواطنة والحريات والانفتاح، وهذا التطور يحسب له.
***
إن فقدان الحركة الوطنية في اليمن مبكراً لفيصل عبداللطيف الشعبي فقدان لا يعوض؛ ما بالكم وقد اثبتت الايام انه لم يكن مخطئاً في أغلب تصوراته الثاقبة والحكيمة والنوعية. ثم ان المجتمعات المحترمة لم تتخلص من أزماتها البنيوية العميقة إلا بعد استيعابها لقيمة عدالة الانصاف والتسامح والتصالح، فالتاريخ مرايا الشعوب للايجابيات والسلبيات، وذاكرة التاريخ للعبر بحلوها ومرها.
ولئن كان فيصل عبداللطيف وسيظل بمثابة بطل خالد ودرس قيمي واخلاقي يستوعب، فإن ما تعرض له والرئيس قحطان في تلك الحقبة الضارية وصمة عار كبيرة في جبين من لا يزال غير شاعر بها.
الخلاصة ان الاحلام العظيمة تحتاج الى مناهج راجحة لا الى مجرد احتمالات غير موضوعية وغير حيوية بالغة التهور، إذ كما نعرف لم يستفق الرفاق على حقيقة ماحصل الا مع صدمة تفاقم الخسارات الفادحة التي لم يتوقعها احد.
***
 
لعلنا في هذا البروفايل السريع عن شخصية خصوصية كفيصل عبد الطيف الشعبي نبدي  "قلقنا وحزننا-لاشك- من نتائج الأمور الاقصائية الضارية التي كانت سائدة فيما مضى بينما لاتزال الى اليوم   تلقي بتأثيرها على الحركة الوطنية للأسف .والمعنى انه يجب علينا جميعاً الإيمان التام بأن "مرحلة المكاشفة والإنصاف للشخصيات العظيمة التي ظلت منسية أو مهملة هي مرحلة مهمة من تطور المجتمع، عبر تقدم الوعي السياسي للنخبة بالذات"  ضداً من التضليل والحجب  وسوء التقدير الذي مازال قائماً على نحو غير مشرف ضد عديد شخصيات كبيرة في تاريخ اليمن المعاصر..

 

 

"أي مشعل للفكر قد انطفأ وأي قلب قد توقف عن الخفقان". بهذه العبارة نعى الحزب الاشتراكي اليمني رحيل مؤسسه عبدالفتاح إسماعيل في أحداث 13 يناير 1986 الدامية التي مثل استشهاد فتاح فيها أحد أفدح خسائرها المعنوية. 
قدم الفتى الفقيرعبدالفتاح إسماعيل علي الجوفي على أخيه محمد إسماعيل في مدينة عدن ليواصل دراسته التي كان ابتدأها في كتاب قرية الأشعاب الواقعة في عزلة الأغابرة بمديرية حيفان من محافظة تعز حيث ولد في 28 تموز يوليو 1939. وفي عدن واصل فتاح وهو اللقب الذي اشتهر به فيما بعد دراسته حتى أكمل الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الأهلية بحي التواهي ثم التحق بمدرسة تدريب العمال لمصافي الزيت البريطانية. لم يدر بخلد الفتى الفقير في هذه الأثناء أنه سيملأ الدنيا ويشغل الناس في المنطقة فيما بعد وستعرض قوات الاحتلال البريطاني أعلى مبلغ ثمناً لرأسه ثم سيضع لبنات أول وأوحد دولة تقدمية في منطقة الجزيرة العربية. بدأ عبالفتاح نشاطه السياسي في 1959 حين انضم إلى حركة القوميين العرب التي كانت قبلة المثقفين والزعماء السياسيين المناهضين للاستعمار الأجنبي في كل البلدان العربية والمتطلعين. وشارك في إضراب نفذه عمال المصافي عام 1960 وخلال الإضراب، وزع منشوراً بمطالب العمال فتعرض للاعتقال والتحقيق وفصل من وظيفته، فعمل مدرسًا في عدد من مدارس مدينة عدن ثم نشط في نشاطاته السياسية حتى صار من أبرز قياديي حركة القوميين العرب في عدن. 
** عقب قيام ثورة سبتمبر التي أطاحت بنظام الإمامة الملكي قي شمال البلاد سنة 1962، تشكلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب فتلقى فتاح دورة تدريبية في استخدام السلاح وتولى الإعداد العسكري لجبهة عدن والإشراف على تهريب الذخائر والأسلحة إلى مدينة عدن وإخفائها ثم عين مسؤولاً أولاً عن هذه الجبهة واتخذ "عمر" اسمًا تنظيمياً له وتفرغ للعمل في هذه الجبهة بعد أن ترك التدريس وعمل مع أخيه المتعهد عبدالجليل إسماعيل في المقاولات فكان يستغل مخازن مواد البناء في إخفاء الأسلحة وتخزينها. ومذاك، بدأ يشن غارات على مواقع الجنود البريطانيين وصارت جبهة عدن من أخطر الجبهات على القوات البريطانية خصوصاً بعد أن تم تصفية العناصر الاستخباراتية التي تعمل لحساب الاحتلال ولماعلمت بريطانيا بخطورة عبالفتاح، وزعت صوراً له على نقاط التفتيش ورصدت مبلغًا ضخمًا لمن يدل عليه. 
** كان نجم عبدالفتاح إسماعيل السياسي والقائد التحرري قد بزغ في هذه المرحلة، فانتخب عضواً في المجلس التنفيذي للجبهة القومية خلال مؤتمرها الأول الذي انعقد في مدينة تعز عام 1965 فانتقل إلى تعز وشارك في اجتماعت كوادر الجبهة بعد دمجها مع جبهة التحرير قبل أن يُعتقل بأوامر من القيادة المصرية وينقل إلى صنعاء فالقاهرة حيث ظل تحت الإقامة الجبرية إلى أن أعلن في 1966 بالقاهرة تشكيل مجلس قيادة من 12 شخصًا كان أحدهم كما شارك في مدينة القاهرة في الحوارات التي دارت بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير. 
** انتخب عبدالفتاح عضواً في قيادة الجبهة القومية خلال مؤتمر سري عقد في مدينة جبلة بمحافظة إب كما أعيد انتخابه عضواً في قيادة الجبهة في مؤتمر لها التأم في منطقة حمر القريبة من مدينة قعطبة. 
** في مطلع تشرين الأول أكتوبر 1967 تعترف بريطانيا بالجبهة القومية وتقبل التفاوض معها، ويرأس الفتاح إسماعيل وفداً لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر ثم ينضم عضواً في وفد برئاسة قحطان محمد الشعبي تفاوض مع بريطانيا على الاستقلال لنحو عشرة أيام. 
** في 14 من نفس الشهر، كان عبدالفتاح إسماعيل في مدينةعدن يقرأ بيان الاستقلال وسط جمع من الجماهير المحتشدة ويجني فتاح أغلى حلم حمل من أجله البندقية وأرخص في سبيله روحه النبيلة التواقة إلى التحرر دوما ثم يعين وزيراً للإرشاد القومي وشؤون الوحدة في أول حكومة أعقبت الاستقلال. 
** خلال مؤتمر الجبهة القومية الرابع في مدينة زنجبار بمحافظة أبين، سيواجه عبدالفتاح إسماعيل أولى محطات التقاطع مع الحلول الجزئية المتحفظة فيودع السجن مع عدد كبير من قيادات الجبهة كانوا يشكلون فريقاً يرى أن إصلاح الجيش في الجمهورية الوليدة ينبغي أن يتم فورًا بإحلال الفدائيين ومليشيات الجبهة محل قيادات العهد السابق وأطلق على هذا الفريق "التيار اليساري" في مواجهة فريق كان يقول بإصلاح الجيش تدريجياً وسمي "التيار الإصلاحي". 
** لكن الجيش الذي كان قد قاد انقلاباً ضد التيار اليساري وزج بقادته في السجن للحفاظ على مصالحه، تراجع أمام مظاهرات شعبية كشفت حجم التأثير الهائل لأفكار فتاح ورفاقه التقدمية ويغادر فتاح معتقله ثم يسافر للعلاج في بلغاريا متأثراً بتعذيب تعرض له أثناء فترة اعتقاله ومن بلغاريا يعود إلى تعز فعدن حيث كان سالم ربيع علي قد ترأس هيئة مجلس رئاسة الشعب في 1969 بعد استقالة قحطان الشعبي إثر تطور تلك الأحداث فعين عبدالفتاح عضواً في مجلس الرئاسة وأميناً عاماً للجبهة القومية. 
** في هذه الفترة، ظهرت براعة عبدالفتاح إسماعيل في العمل السياسي فعمل على توحيد عدد من الفصائل في الجبهة القومية، لكن ذروة عطائه السياسي والفكري تبرز أكثر حين يُنتخب رئيساً لهيئة رئاسة مجلس الشعب عقب مقتل سالم ربيع في حزيران يونيو 1978 ‘ فبعد نحو عام يكون قد نجح في توحيد كافة الفصائل السياسية في "الحزب الاشتراكي اليمني" إلى جانب قادة فصائل آخرين في تشرين الأول أكتوبر 1978 وهو ذروة ماقدمه في حياته السياسية القصيرة. 
** عقب حرب اندلعت بين شطري البلاد (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الجمهورية العربية اليمنية) في 1997، عقدت قمة في الكويت بين عبدالفتاح والرئيس علي عبدالله صالح، اتفقا فيها على إنهاء كل أشكال الاحتراب والسعي في تحقيق الوحدة اليمنية على قاعدة الدمج فأغضب هذا الاتفاق قيادات في الحزب اعتبرته ضماً للجنوب إلى الشمال، لتشكل تحالفاً ذا ثقل عسكري وقبلي ضد عبدالفتاح الذي قدم استقالته من الأمانة العامة للحزب واختار العاصمة الروسية موسكو منفى اختيارياً، ظل فيها خمس سنوات ثم عاد إلى عدن. ** 
عاد عبدالفتاح إسماعيل إلى عدن عام 1985 في ظل اشتداد الصراع بين علي ناصر محمد الذي كان حينها رئيساً لهيئة رئاسة مجلس الشعب وأميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني ورئيساً لمجلس الوزراء وعلي أحمد عنتر الذي كان قد أقيل من وزارة الدفاع واتهم ناصر بالخروج عن الخط الاشتراكي واحتكار السلطة وكان عبدالفتاح قد عين سكرتيراً لدائرة الحزب العامة بعد عودته وتحالف مع عنتر واشتد الصراع حتى انفجر صباح 13 يناير 1986 وأودى بحياة ثلة من خيرة قيادات وكوادر الحزب كان عبدالفتاح في مقدمتهم بعد حياة مثيرة تقاسمها الكفاح والمعرفة والنضال لإرساء قيم الاشتراكية والتقدم والعدل. 
** لئن كانت شهرة عبدالفتاح إسماعيل قد طارت جراء كفاحه ضد الاستعمار البريطاني وأدواره السياسية فيما بعد فثمة جانب آخر أكثر إشراقاً، أسهم في تخليد اسمه وإرثه العصيين على الفناء؛ كان عبدالفتاح مثقفاً من الطراز الأول وواحداً ممن سبقوا إلى كتابة القصيدة النثرية، فضلاً عن الشعر الغنائي ولعل غنائية "تاج النهار" التي غناها المطرب الكبير محمد مرشد ناجي من أروع ماكتبه في هذا الجانب وفيها يظهر عبدالفتاح - الشاعر – توقه إلى الوحدة التي كانت حلماً يخبل لبه. 
** ومثل عبدالفتاح حالة نادرة في المنطقة العربية آنذاك أو الآن في أن يصعد إلى الموقع الأول في البلاد بإمكانيات مثقف، متجرداً من القبيلة والجيش والمال ويتخذ الأدباء والمثقفين جلساء قصره وندماء مجلسه واشتهر بـ"ذو يزن" اسماً أدبياً له..كان غزير المعرفة حتى أن أكثر من خمسة آلاف عنوان كانت تحويها مكتبته بعد استشهاده. جمع عبدالفتاح ماندر أن يجمعه شخص في موقعه؛ رئاسة البلاد وثقافة الموسوعي وبراعة السياسي وأحاسيس الشاعر. فـ "أي مشعل للفكر قد انطفأ وأي قلب قد توقف عن الخفقان". 
** من مؤلفاته:1- "نجمة تقود البحر"، ديوان شعر، قدم له الشاعر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس). صدر عن دار (ابن خلدون) في بيروت سنة 1988م. 2- مرحلة الثورة الديمقراطية. صدر عن دار الفارابي. 3- الثقافة الوطنية. صدر عن دار ابن خلدون. 
ومن شعره في مقطع من نص "نجمة تقود البحر": وأضحى الخيار خيارا ينبت بأغوار نفسي رائحة من لهيب معطرة بالدماء بالعرق وأمضي..وأمضي بحد الصراط .صراطي سيف وسنة رمح.وحولي تحيط بي النار. ذات اليمين وذات الشمال فتصهر جسمي, لينمو جسما كصلب الحديد. وتشعل أحشاء روحي, فتكسب فكري وضوحاً وعمقا. ويصبح هذا الخيار أكثر ثباتا وكيما يسود القرار..وأي قرار وكان القرار, قرار المطارق..قرار المناجل والبحر في المد والجزر أنشودة الدمار لأجل البناء. قرار تفترشه الصعاب لكنه بلسم لجراح الشقاء يملأ الطريق شوكاً يدمي الضلوع..لكنه يزرع الحب والورد للكادحين. ومن عاصفات الرياح غربا يوجج جمر التضحيات الدماء . ويصبح مغزلة يحيل الظلام ضياء معلن وسطوع النهار. 
*** 
تمت الاستعانة بموسوعة الأعلام من موقعها على الانترنت لتحرير هذه المقالة.

 

عن عبد الفتاح إسماعيل إنسانا وقائدا ومثقفا:

 

قراءة في موضوع أيمن أبو الشعر حول عبدالفتاح اسماعيل انسانا

بقلم أحمد ناجي أحمد النبهاني

الحلقة الأولى 

جرت العادة أننا نقرأ سيرة القادة الكبار بعيون الموتى ولهذا برزت ظاهرة الفقر في الأمة بل والعجز عن انتاج الجديد الملفت للنظر وفي هذا السياق لا أخفي أعجابي وأنا أقرأ موضوع الشاعر العربي أيمن أبو الشعر حول القائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح اسماعيل والذي أختار له هذا العنوان

عبد الفتاح اسماعيل إنسانا وذلك لأنّ هذا الموضوع يحاول أن يقرأ عبد الفتاح اسماعيل الأنسان بعيون الأحياء في اتجاه تكريس القيم التي تميز بها فتاح في الواقع وهو

موضوع في غاية الجمال وشهادة مهمة من مثقف عربي وشاعر متميز من سوريا الشقيقة يحاول فيها أن يجمع شتات ذاكرته ويحاول تقريب الزمن الى الحد الذي يجعله مشدودا نحو اللحظة التي نقرأ فيها هذا المقال فنعيش معهما أي مع الشاعر العربي أيمن أبو الشعر والأديب والشاعر والقائد والمفكر الشهيد عبد الفتاح إسماعيل بهاء اللحظة وجمالها وروعتها تلك التي تفيض بجلال المعنى وجوهر الخلاصة التي ترحل بك نحو العمق حيث عبد الفتاح اسماعيل المتواضع حد الروعة والمحاور حد التميز والأنسان حد الندرة أنت في حضرة فتاح حيث ترى نفسك مأسورا بتلك الحميمية التي يحيط بها فتاح ليس فقط أصدقائه بل أيضا أولائك الذين يختلف معهم أنت أمام انسان لا يدعي امتلاك الحقيقة رغم أنَّ منطقه الجميل يتدفق بشلال روعتها وجمال ضيائها إلى الحد الذي يأسرنا بقوة اليقين الذي تعيشه هذا الشخصية المتعددة الأفاق والمتنوعة الأهتمام والأنسان الذي يفيض عذوبة حين يلتقط اللحظة ويعي تعقيد المرحلة التي يعيشها وعمق المهمة التاريخية التي يحملها ثمة شخصية تتسع مجالات اهتمامها بتنوع عطائها الأبداعي والثقافي والسياسي لكنها تلتقي في المحصلة مع المعنى الرائع والعميق لعبد الفتاح اسماعيل الأنسان

ولكن من أين يبدأ الشاعر العربي محطات سفره الممتع والجميل في مقامات الضوء وفي فصول المعنى الجوهري لعبد الفتاح إسماعيل الأنسان

وللإنسان هنا دلالة مُكَثَّفة وعميقة تستغرق المثقف والسياسي والقائد والأب والثائر والمدني في شخص عبد الفتاح إسماعيل باختصار سَفَرٌ فِي الصِّفات وشهادة من شاعر ومثقف عربي كتبها بمداد الضوء والروح بلغة المشاعر والوجدان والعقل والبوح الذي يُفْضي الحزن العميق على رحيل قامة وطنية وعربية وإنسانية كبيرة بحجم عبد الفتاح إسماعيل ويفضي أيضا إلى الحزن العميق للتناقضات ذات الطابع التناحري بين أبناء المدرسة الواحدة ورفاق الدرب الواحد

لقد مثَّلت تجربة الثورة اليمنية في جنوب الوطن محطة مفصلية وجزء جوهري ومهم من تجربة اليسار العربي وكان للشهيد عبد الفتاح إسماعيل في هذه التجربة موقعا متميزا ويكفي إن تكليف القيادة العامة للجبهة القومية لقحطان الشعبي بتولي رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية جاء ممهورا بتوقيع الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وأنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل كان قائدا لجبهة عدن في الكفاح المسلح ضد الأستعمار البريطاني وواضح جدا ماذا يعني قيادة جبهة عدن في الكفاح المسلح بالنسبة للجبهة القومية

وماذا يعني أن يكون توقيع عبد الفتاح إسماعيل على تكليف القيادة العامة للجبهة القومية لقحطان الشعبي بتولي رئاسة اليمن الديمقراطية الشعبية بعد الأستقلال

المهم أنَّ هذا الموقع الطليعي والقيادي لعبد الفتاح إسماعيل وللتجربة الوطنية والتحررية اليمنية وقاعدتها المادية المتمثلة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كل هذه المعطيات قد جعلت الأنظار تتجه إلى عبد الفتاح إسماعيل باعتباره قائدا بحجم جيفارا وهوشه مينه ولهذا السبب نجد أن الشاعر العربي أيمن أبو الشعر يبدأ شهادته عن عبد الفتاح إسماعيل بالقول: [مرت سنوات عديدة ونجحت ثورة اليمن التحررية في الجنوب ، ومرت بمراحل مفصلية حساسة ، تفاوتت التقديرات بشأنها ، وغدا اسم عبد الفتاح اسماعيل بالنسبة للثوريين اليساريين رديفا – عربيا- لاسم كاسترو وهوشه مينه ، وكنا نتابع أخبار هذه الشمعة المضيئة في ظلام عالمنا الكبير ، وآلمنا كثيرا نشوب صراعات وإشكالات بين رفاق الدرب في عدن ]

لكن السوأل المركزي ما هي الصفات التي التقطها الشاعر أيمن أبو الشِّعر ووثقتها ذاكرته عن هذه القامة التحررية الوطنية والأنسانية الكبيرة والمتمثلة بعبد الفتاح إسماعيل .

يطالعنا الدكتور أيمن أبو الشِّعر بأول الصِّفات التي تميز بها الشهيد والقائد والمفكر والأنسان الكبير عبد الفتاح إسماعيل والمتمثلة بالتواضع الشديد الذي تميَّز به القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل

يبدأ الشاعر العربي شهادته عن عبد الفتاح إسماعيل بالحديث عن أول لقاء جمعه بالقائد عبد الفتاح إسماعيل في موسكو بعد أن غادر عدن نتيجة لظروف خاصة إلى موسكو تجنبا لأي صدام قد يهدد تجربة اليمن الديمقراطية وتجنبا لأي صراع قد يؤدي إلى خسارة الوطن للمزيد من القدرات الواضح أنَّ هذا اللقاء في لحظة مفصلية تمثل أرقى درجات النضج في الرؤيا والموقف الذي تميز به عبد الفتاح إسماعيل في النظر للأمور بعين العقل والحكمة التي تحمل معها تجربة عقود من النضال من أجل تقدم الوطن المهم في هذا اللقاء أنه لَفَتَ نَظَر الشَّاعر العربي أيمن أبو الشِّعر ذلك التواضع الجم الذي يميز عبد الفتاح إسماعيل مع الكثير من الصفات الرائعة والنبيلة حيث نرى أيمن أبو الشِّعر يقول [(كان عبد الفتاح ألمعيا حاضر البديهة )

وخلال دقائق كانت هواجس الوطن على الطاولة . أول ما لفت نظري هذا التواضع العجيب الذي يتمتع به عبد الفتاح ، كان يطرح فكرة ما ثم يترك لي التعليق بحرية عليها دون أية مقاطعة . ومن البديهي أن اولى الأحاديث كانت عن إشكالات اليمن والخروج من هذه المحنة . ومما قلت له : أنتم في عدن انموذج رائع ويؤلمنا كثيرا أن تدخلوا في الصراعات منذ أول الطريق ..

هز عبد الفتاح رأسه وقال : لنقل أنها تباينات في الرأي ، وهو أمر مفيد لإغناء التجربة الديمقراطية .. - صمت قليلا وأردف - لكنه خطر على سلطة وليدة وحزب مناضل حين تتحول تباينات الرأي إلى تكتلات ومحاولة للخلاص ممن لديهم رأي مخالف وحصارهم أو تهميشهم وكأنهم خصوم هنا يكمن الخطر ولا بد من تكريس الحوار المبدأي والديمقراطية .]

من المهم جدا معرفة جملة من الصفات التي تميز الشخصية القيادية في هذا النَّص البالغ التكثيف وأول هذه الصفات حضور البديهة والتواضع الجم وإعطاء محدثك الفرصة الكاملة في التعليق على فكرتك دون أن تقاطعه في الكلام والأمر البالغ الأهمية أن الشهيد عبد الفتاح إسماعيل كان يرى أنَّ التباينات في الرؤى ضرورية لأغناء التجربة الديمقراطية وإثرائها ولكن عندما يسلك الناس طريق الحوار والديمقراطية دون أن تتحول هذه التباينات إلى تكتلات وظيفتها الخلاص من الرأي المخالف والتعامل معه كخصم تسعى إلى تهميشه وحصاره والخلاص منه

يمضي بنا هذا الحوار الخصب والجميل إلى فضاء المعرفة حيث الملكات القيادية والمعرفية لعبد الفتاح اسماعيل تبرز في أبهى صورها حين نراه يميل إلى اللغة بشكلها القائم على الأحتمال لا الأطلاق رغم كل المعطيات التي تسند كلامه وتقنع مستمعه بصحة ما ذهب إليه وهذا أكثر ما لفت نظر الشاعر العربي أيمن أبو الشعر في هذا الحوار الذي جمعه بالقائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح اسماعيل حيث نرى الشاعر العربي أيمن أبو الشعر يقول الشاعر [

 

 [ أكثر ما لفت نظري في هذا الحوار المديد أن عبد الفتاح كان حين يطرح رأيه يستخدم - ربما ، وأعتقد، ولعل، ومن الأفضل - رغم أنه كان يحضر أمثلة ومعطيات دامغة تؤيد ما قاله ، بل ويستشهد بمقررات تم التصويت عليها وأحداث وتدخلات محددة غيرت وجهة هذا القرار أو ذاك متأسفا ..

استمر الحوار طويلا وانتقلنا إلى الأدب والشعر ، أسمعته بعض القصائد وأسمعني بعض قصائده التي تعبر عن عشق مذهل للوطن ، وكان يسألني بكل تواضع عن رأيي ويصغي باهتمام حتى لبعض الملاحظات الطفيفة موافقا ، فعبد الفتاح ليس محاورا رائعا وحسب ، بل هو مستمع واع ومهذب جدا ، والحقيقة أنني وجهت بعض الملاحظات تحديدا لمعرفة مدى تقبله للانتقاد ، وكان يتقبل ذلك بكل رحابة صدر بل وباهتمام شديد .]

ثمة خصوبة في الوصف مع التكثيف العميق لجملة من الصفات التي تميز بها عبد الفتاح إسماعيل وأهمها أنه محاورا جيدا ومستمعا جيدا وشخصية واعية ومهذبة تقبل الأنتقاد بكل رحابة صدر

يمكنني القول من خلال قراءة الموضوع القيم للشاعر العربي حول عبد الفتاح إسماعيل إنسانا أنَّ الموضوع قد تضمَّن عرضا لجملة من الصفات القيادية التي تكشف عن شخصية خصبة ومتنوعة الأبعاد ومثقف مكتمل الوعي بالقضية الوطنية وقائد سياسي يجيد فقه الحركة للأمام ويرفض عملية حرق المراحل في سياق الحركة بالمجتمع نحو التقدم المأمول ولذلك نرى الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يقول :[ تناولنا في هذا الحوار أيضا مسألة المجتمعات والسير بها نحو المعاصرة ، وتوقفنا مطولا عند واقع الشعب اليمني ، وأذهلني انه يعرف الكثير الكثير ويدرك بخبرة عالية أن السير بالمجتمع نحو الأمام لا يمكن أن يتم بحرق المراحل .

تريث فتاح قليلا وقال : ولكن عليك أحيانا أن تندفع خطوتين إلى الأمام لتحقق نتائج خطوة واحدة ، فمن لا يعرف خصوصيات شعبه لن يستطيع التقدم به ومعه كثيرا .

وركز بشكل خاص على ضرورة الاهتمام ببناء جيل جديد بدءا من الأسرة حيث التربية الحقيقية الأولى للفرد ، ومن ثم تباعا في الحي والمدينة وعبر المنظمات الشعبية وأضاف : يجب أن لا ننسى ان تاريخا طويلا من التخلف والاستعمار يحتاج إلى عمل سياسي اجتماعي ثقافي .

بدا لي واضحا أنه كإنسان واع يضع المهمات السياسية والاجتماعية والثقافية في الأولويات . ]

وفي هذا السياق فإنَّ عملية بناء التقدم لا تنفصل عن عملية الأهتمام بالتربية على قيم الحداثة والمعاصرة والتقدم وهي عملية شاملة تبدأ بالفرد مرورا بالأسرة وصولا للمجتمع في سياق استيعاب حقيقة مهمة وهي أَنَّ تاريخا طويلا من التخلف والأستعمار يتطلب عملا سياسيا واجتماعيا وثقافيا طويلا ومعقدا وعميقا

ثمة حزن عميق يشغل فتاح ويسكن فكره نتيجة بعده عن الوطن لحظة مغادرته له إلى موسكو رغبة منه في الحيلولة دون تفجير الأوضاع وحرصا منه على مقدرات الوطنباعتباره أول رئيس جمهورية عربي يغادر السلطة طوعيا من أجل الحفاظ على التجربة الوطنية والتحررية في جنوب الوطن لكن الصراع لم ينتهي برحيلة ولم تهدأ الأوضاع بمغادرته كرسي الرئاسة يكشف الموضوع عن حالة حزن عميق رافقت القائد والمفكر عبد الفتاح إسماعيل أثناء مغادرته للوطن وإقامته في موسكو رغبة منه في استقرار الأوضاع وهدوئها ولهذا نرى الشاعر العربي أيمن أبو الشعر يتحدث عن هذا الجانب في شخصية عبد الفتاح إسماعيل حيث نراه يقول :[ بدا لي واضحا أنه كإنسان واع يضع المهمات السياسية والاجتماعية والثقافية في الأولويات .

استوقفتني في هذه الجلسة حالة الحزن العميق التي كان يحاول ان يخفيها عبد الفتاح ، كان ذلك مرسوما في عينيه ولكنه كإنسان مضياف وودي لم يشأ أن يسيطر علينا هذا الاحساس الذي لم يكن صعبا تقدير أسبابه ألا وهو البعد عن الوطن الذي تفاعل معه وناضل من أجله ، وبات يتقمص وجده حتى بدا ( ثوبا مفصلا عليه ).- من قصيدة لعبد الفتاح .]

ثمة ارتباط عميق بالأسرة يكشف في جوهره عن حضور عاطفة الأبوة في أرقى معانيها ولهذا يتوجه الشاعر العربي أيمن أبو الشعر بالسوأل إلى عبد الفتاح اسماعيل عن أسرته ويقول :[

سألته عن أسرته .. وكأنني نكأت جراحا مريرة وحميمة بآن معا ، وأدهشني أن لدى فتاح العديد من الأطفال وهو يحبهم بشكل جنوني حتى أنه قال مبتسما ربما لإبعاد حالة الوجد عنا

قال : أحيانا كثيرة أخالهم بجانبي بحضور حقيقي بل وأحيانا أحدثهم - ونظر إلى عيني - وقال ضاحكا : بالقلب طبعا ..]وفي ختام هذه الحلقة يهمني القول تعليقا على هذا الموضوع الرائع والجميل أنني

 

حاولت في هذه القراءة أن أركز على الصفات التي تميز بها القائد الشهيد عبد الفتاح اسماعيل وأن أعيد التذكير بها في هذه القراءة وذلك لأنني أؤمن أشد الأيمان أن إعادة انتاج الشخصيات الكبيرة في حياتنا يبدأ من استحضار صفاتها وإعادة انتاج تلك الصفات في الواقع في اتجاه الأحتفاء بتلك الشخصيات العظيمة والخالدة وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق بدون عملية احياء كامل وتنشئة كاملة وشاملة للأجيال على أساس تلك القيم التي تميزت بها تلك الشخصيات العظيمة والخالدة

 

الحلقة الثانية 

تحتل القراءة التي قدمها الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل إنساناً أهمية خاصة كونها تصدر من مثقف عربي بحجم الدكتور أيمن أبو الشِّعر يحظى بثقة كل الأطياف داخل الحزب الأشتراكي اليمني الذين كانوا في صف فتاح أوالذين أختلفوا معه جزئيا أو كُلِّيا فيمايخص الرؤى والخيارات التي ينبغي أنْ يسلكها الحزب الأشتراكي اليمني في السير نحو عملية التقدم الشامل للوطن وهي أختلافات تدخل ضمن إطار الظاهرة الصحية في أي حزب سياسي طالما التزمت الأحتكام للديمقراطية والحوار المبدئي داخل الحزب ولم تلجأ إلى التكتل والأحتراب هذا هو الفهم الفهم الفتاحي لجدل الأتفاق والأختلاف في الحزب الواحد على أنَّ ما يُمَيِّز الشهادة التي يقدمها شاعر كبير بحجم الشاعر العربي أيمن أبو الشِِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل هو أنها تتعلَّق بالمرحلة التي عاشها عبد الفتاح إسماعيل في روسيا وهي المرحلة التي تشمل الفترة من عام 1980م وتستمر حتى عام 1985ميلادية وهي المرحلة التي أختار فيها الشهيد القائد عبد الفتاح إسماعيل الخروج الأختياري من عدن والأستقالة عن منصبه كرئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وعن موقعة كأمين عام للحزب الأشتراكي اليمني وذلك حفاظا على وحدة الحزب الذي أسسه كأول حزب يجمع كل فصائل اليسار في جنوب الوطن وشماله أيضا والذي أخذ مُسَمَّى الحزب الأشتراكي اليمني وحفاظا على جمهورية اليمن الديمقراطية باعتبارها أول دولة لليسار العربي في المنطقة العربية المهم في الأمر أنَّ السَّفر الأختياري لعبد الفتاح إسماعيل إلى موسكو شهادة تضاف إلى رصيد فتاح ولتوجهه السلمي في العمل السياسي كما أنَّ المرحلة التي عاشها في روسيا تمثل على صعيد الرؤى سقف التجربة السياسية والثقافية والفكرية لمثقف بحجم عبد الفتاح إسماعيل الذي بدأ حياته السياسية بانضمامه لحركة القوميين العرب في العام 1959 ميلادية ليصبح بعد ذلك بفترة وجيزة من قيادة حركة القوميين العرب في عدن وأحد القيادات المؤسسة و الفاعلة في الجبهه القومية منذ عام 1962 ثم ليصبح الشخصية الفاعلة في الكفاح المسلح في جبهة عدن والشخصية القيادية البارزة التي قرأت بيان الأستقلال في عدن عام 1967ميلادية ثم بعد ذلك ليصبح أمينا عاما للجبهة القومية في العام 1969 م ثم بعد ذلك أول أمين عام للحزب الأشتراكي بعد أن كان لفتاح شرف تأسيس الحزب من فصائل العمل الوطني أثناء فترة رئاسته لجمهورية اليمن الذيمقراطية الشعبية في عام 1979أي في العام الأول لتوليه مهام رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية

ومِنْ ثَمَّ فَإِنَّ شهادة الشاعر الكبير أيمن أبو الشعر والتي تناولت مرحلة تاريخية تعود إلى الفترة التي قضاها الشهيد عبد الفتاح إسماعيل في روسيا وبغض النظر عن الفترة التي عاشها فعليا الشاعر العربي أيمن أبو الشعر في موسكو ربما كانت مساوية للفترة التي عاشها عبد الفتاح أو أقل أو أكثر لكن الشهادة التي تضمنتها تكفي لمعرفة حقيقة أنها تعبر عن نضج في التجربة السياسية لفتاح تمثل أكثر من ثلاثة عقود ونصف من عمره السياسي وهي من وجهة نظري تعكس تطورا شاملا في حياة عبد الفتاح الأب يكتشفه الشاعر من خلال حواره مع إصلاح عبد الفتاح إسماعيل ينفذ من خلاله إلى فتاح الأب والمربي حيث نراه يقول :[ تكررت لقاءاتي بعبد الفتاح اسماعيل ، وتوطدت الصداقة إلى حد كبير ، وبات يناديني أبو خالد وبت أناديه أبو صلاح ، وازدادت أجواء حزنه بعد أن طال البعاد وتكرست أوضاع راحت تقلص أحلام العودة إلى الوطن ، وذات يوم جئته قبل موعدي معه بحوالي الساعة فاستقبلتني ابنته إصلاح

قالت إصلاح : ان الوالد مشغول الآن في لقاء مع بعض الضيوف

فقلت : حسنا سآتي في

وقت آخر

فأجابت على الفور: لا لقد طلب الوالد ان تنتظره قليلا ..

لفت نظري أن إصلاح متحدثة واعية ومبدأية وجدية جدا ، أحضرت القهوة وسألتني عن دمشق والأهل وبعض الشؤون السياسية ، فبدت في حديثها أكبر من عمرها بكثير ..

قلت لها: تقرأين كثيرا يا إصلاح ..

فأجابت :لا أعتقد ذلك.. مهما يقرأ الإنسان فهو بحاجة للمزيد ، ولكن الوالد يناقشنا ويستمع إلينا ويحاول بشكل غير مباشر إيصال الأفكار لنا عندما يتاح له ذلك ...الكتب لا تغني عن دروس الحياة .

قلت في نفسي حقا هذا أفضل من الكتب أحيانا ، وتوصلت إلى قناعة أن فتاح رغم انشغالاته لا يبخل بالوقت على أولاده حين يستطيع ذلك ، وهذه من أهم خصال الإنسان المتجانس مع نفسه .

حضر عبد الفتاح بعد حين وبدأ يعتذر فقلت له على الفور : ولكنني جئت قبل الموعد أنا المخطئ ..

تابع اعتذاره وشكر إصلاح وابتسم قائلا :أرجو ان لا تكوني أتعبت رأسه .. فنظرت إليه معاتبة فضحك وأضاف: إصلاح جدية ومثقفة وأنا أفتخر بها ابتسمت إصلاح وغادرت بهدوء ما يدل كذلك على الاحترام الكبير والتقدير لظروفه .

قال فتاح : أولادي قطعة من كبدي ولكل واحد سمة مميزة ، لكني فخور بأن إيجابياتهم تفوق كثيرا بعض السلبيات ..طبعا لكل إنسان سلبياته أنا أيضا لي سلبياتي .. - وتابع مع آهة حبيسة -.. كم أشتاق لهم ]

كما أن هذه الشهادة التي يقدمها الشاعر العربي أيمن أبو الشعر حول فتاح تعكس النضج الذي تميز به فتاح في الرؤى على الصعيد الوطني وممارسة عملية النقد الذاتي وتلك الروح الحميمية التي تميز عبد الفتاح اسماعيل في التعامل مع رفاقه بما فيها الذين يختلف معهم في الرأي لم يفقد محبته لجميعهم وكان عفيفا طاهر القلب والضمير واللسان ومؤدبا في وصفه لمن يختلف معهم في الرأي كان يصفهم بأفضل ما فيهم لم يفقد روح الأب والمربي في تعامله مع رفاقة لم يفقد تواضعه في وصفه للتاريخ الوطني رفض أن يطلق عليه أيمن أبو الشعر قائد التجربة وأكتفى بوصف نفسه باعتباره واحدا من قادتها وفي سياق ممارسة فتاح للنقد الذاتي نرى فتاح يقول [كم أشتاق للوطن ، هل تدرك ياصديقي معاناة أن تكون هنا وهناك بآن معا ، هنا بجسدك وهناك بروحك - واستطرد كحالم – لا شك أن لي سلبياتي وإلا لما وصلت الأمور إلى هذه التشنجات ، أود حقا أن تسير الأمور بشكل ديمقراطي ، أن أكون أيضا مع رفاقي وأن نتابع معا الطريق بشكل مبدأي ونقي .. أن أكون في وطني أنا لست بحاجة للاستجمام بل للعمل..] هكذا تأخذ شهادة أيمن أبو الشعر حول محطات مفصلية من تاريخ فتاح هذا القدر الهائل من الخصوبة والجمال

وعلى صعيد الأجابة على السوأل المركزي الذي قدمه الشاعر العربي أيمن أبو الشعر للقائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل لماذا مغادرة السلطة والوطن لماذا الذهاب إلى خارج الوطن فيجيب فتاح بالقول: [يبدو لي أنني لم أكن حازما بما فيه الكفاية في بعض الأحيان.. وكنت حتى أفضل أن يتم اتخاذ القرارات لا نتيجة تصويت الأكثرية، بل لأن القرارات جيدة بمعنى أن يكون التصويت مبدئيا وليس تكتليا، وأن نعتمد الاقناع مهما طال الحوار .. ربما.. ولكنني لم أجبر على المغادرة .. لقد اخترت أن أوافق على هذا الحل حتى لا يحدث صدام دام بين الرفاق وتتمزق التجربة والوطن ، كان هذا الخطر قائما بالفعل.. الحوار قد يقود إلى التفاهم أو الحل الوسط على أقل تقدير أما التناحر فقد يوصل إلى الاحتكام إلى البندقية وهذا يقود إلى خراب وربما إلى حرب أهلية أي إلى الجنون .. لقد قلت في نفسي إذا كان سفري المؤقت سيحول دون هذا الصدام الدامي فليكن ..وسافرت ]

في هذه الأجابة الفتاحية نرى هذا التدفق العارم لسيل المشاعر الأنسانية ولتلك الروح المدنية التي ميزت فتاح وأَهَّلته لاحتلال تلك المساحة التي يحتلها في القلوب لقد القائد والمفكر الشهيد فتاح إنسانيا وحضاريا ورائعا حد الدهشة هذا الرقي وهذا الحرص على التجربة والحزب والوطن وعلى الناس لا ينفصل في سموه عن تواضعه الكبير عندما أشار إليه الشاعر العربي تالكبير أيمن أبو الشعر وخاطبه باعتباره قائد التجربة في جمهورية اليمن الديمقراطية نلاحظ فتاح يقدم إجابة تتدفق تواضعا وعمقا نقرأ من خلالها درسا في القيادة على الطريقة الفتاحية حيث نرى فتاح يجيب على الفور: [: لا انا أحد قادتها وهذه التجربة بحاجة ليس فقط إلى قادتها بل إلى جميع الرفاق ، وبحاجة إلى مساهمة الشعب وبالتالي علينا أن نثبت أننا نستحق أن نكون قدوة لكي يمشي الشعب معنا حين يدرك ويحس بأننا نعمل من أجله..لا أن نشتغل ببعضنا ونظهر للناس أننا غير قادرين على التفاهم فيما بيننا وغير قادرين على حل إشكالاتنا .. إذن كيف نحل إشكالات الناس

قلت له : هل المشكلة في من يكون الرئيس ؟

أجاب بحرارة : ياصديقي أروى بنت أحمد حكت اليمن ووحدت مناطقه وقبائله قبل ألف عام ، والمجتمع لا يرحب عادة برؤية امرأة في سدة الرئاسة ..ومع ذلك قدم لها الولاء ، لأنها كانت جديرة وقادرة على تحمل المسؤولية .. المهم إذن لا من يكون رئيسا أو قائدا بل المهم كيف يحكم وبأية حكمة وخبرة وكيف يتعامل مع الآخرين.]لقد قدم فتاح السوأل الأساسي في فلسفة الحكم كيف تحكم وبأي حكمة وخبرة وكيف تتعامل مع الآخرين

وفي سياق توصيف فتاح لرفاقه نرى فتاح يُعَبِّر بِقَدْرٍ هَاِئلٍ عَنْ تلك الحميمية التي يحيط بها رفاقه وهو الأمر الذي يبرز من خلال هذا الوصف الذي يقدمه الدكتور أيمن أبو الشِّعر للقائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل حيث نرى الشاعر الكبير أيمن أبو الشعر يقول [سألته فيما إذا كان الخلاف متعلقا بعلي عنتر تحديدا، فأوضح لي أن علي عنتر إنسان نقي ولا بد أن يرجع إلى ضميره ووصفه بأنه إنسان طيب ومخلص مضيفا بأن المشكلة في أن التوتر يتحول إلى تشنج ، والتشنج تبنى عليه مواقف ، وتظهر موسوعات من الشائعات ، والشائعات برأي فتاح أشبه ما تكون بالزيت الذي يصب على النار، ثم أوضح فتاح فكرة هائلة وهامة جدا في تجارب الشعوب وعلم الاجتماع ربما دون أن يقصد حيث أوضح متابعا بحرارة أن البلد الذي لاتوجد فيه متنفسات ثقافية وفنية وسياحية وترفيهية كافية يتسلى الناس فيه بالإشاعات ، ثم سرعان ما يتأثربعضهم بها بل ويتصرف ويتكتل بعض آخر على أساسا أنها واقع حقيقي.. وركز على أن حدوث انعطاف ثوري تقدمي في بلد كاليمن كان أشبه بمعجزة قاد إليها تحديدا النضال ضد الاستعمار وليس الثقافة الثورية الوليدة جدا ، لهذا يحمل القادة اليمنيون أيضا جزءا غير قليل من رواسب التخلف والعصبية وركوب الرأس والتشنج فهم جزء من هذا المجتمع وليسوا من المريخ، لهذا كثيرا ما يظهر تباين في الرأي حول موضوع عابر لا يفسد للود قضية ، وسرعان ما يتحول إلى معضلة معقدة تضاف إلى إشكالات سابقة فتبدو خلافا كبيرا ويتخندق الرفاق هنا وهناك ]

يكشف فتاح عن عمق في الرؤية وعمق في التحليل حول طبيعة المجتمعات المتخلفة التي لا توجد فيها متنفسات ثقافية وترفيهية حيث نرى كيف يتسلى الناس فيها بالأشاعات وتكتسب الأشاعة قوة الفعل المحرك للكثير من الأحداث ويكشف فتاح في هذا الحوار حرصا عميقا على التجربة والحزب والوطن كما يعكس نضجا في الرؤى يعكس خبرته النضالية الواسعة بتفاصيل الواقع الوطني وعوامل الحركة الى الأمام في هذا الواقع ويتجلى هذا النضج في كل المجالات السياسية وحتى الثقافية والشعرية والأدبية عموما أدرك الدكتور أيمن أبو الشعر ببصيرته هذا النضج وظن أنه بمحاولته الهروب من السياسة إلى الشعر أنه قد أفلح في الخروج من الموضوع السياسي ولكن الأجابة الفتاحية المتمثلة في قصيدة تاج النهار كانت جمعا للنسقين الأدبي والسياسي في سياق واحد هو الدهشة ذاتها والتطور الهائل في تجربة فتاح الثقافية التي توازي تطوره السياسي الذي يمتد لأكثر من خمسة وثلاثين عاما منذعام 1959 مرورا بتلك الأعوام الخمسة التي قضاها في روسيا والذي أستمرت حتى عام 1985 أي أننا أمام خمسة وثلاثين عاما من النضج الثقافي والفكري والياسي لقائد بحجم المناضل والمفكر والشاعر والأديب والأنسان عبد الفتاح إسماعيل حيث نرى هذا المعنى يبرز في سياق يقتحم فيه تلك الثنائية التي تجمع بين السياسي والثقافي والجمالي والواقعي في حين يظن الشاعر الكبير أيمن أبو الشعر أنه قد نجح في الأنتقال من السياسة إلى الشعر في هذا الحوار الخصب حيث نرى أيمن أبو الشِّعر يقول [كان فتاح يتحدث بحرارة ليس فقط كسياسي وقائد بل كإنسان رائع يتمثل قناعاته .. فأحببت أن أغير الموضوع تماما

قلت له : لا بأس آمل أنها شدة وتمر .. تعال نقرأ بعض الشعر

التقط فتاح الفكرة وقال لي: سأسمعك قصيدة شعبية أقصد كتبتها باللهجة الشعبية العامية - وراح يقرأ متقمصا كل كلمة يقرأها وبحرارة عجيبة - .. .. مخلف صعيب لكن قليبي ما هنش ..

طبعا استمعت إليه حتى النهاية لكنني لم ادرك معاني بعض الكلمات ، ويبدو أنه قرأ ذلك على وجهي فراح يفسر لي بعض الكلمات العامية دون أن أطلب منه ذلك .وهذا أيضا من سمات عبد الفتاح الألمعي والإنسان الكبير ، فهو يود أن يكون التفاعل حقيقيا وليس مجرد تعاطف عابر فيهتم بأن تصل المعاني لمن يصغي إليه مقدرا مفارقة اللهجات . كان الهاجس الأول في لقائنا هذا هو هذه المعاناة في انتظار العودة إلى الوطن حتى أن فتاح راح يتذكر أطفاله من غدا كبيرا ، ومن هو بعد صغير ، والأمكنة الحميمة إلى قلبه البحر والشواطي والأحياء وحتى بعض الحوارات ، وذكريات مع الرفاق الذين يقفون معه وأولئك الذين قلبوا له ظهر المجن ، لكن الشيء الهائل في هذا الإنسان الكبير هو أنني لم أسمعه ولو مرة واحدة يصف هذا الرفيق أو ذاك بأوصاف غير لائقة ، بل يحاول أن يجد لهم الأعذار وأقسى ما كان يعبر عنه هو العتب والأسف ، أو عبارة ما الذي حدث له.. أين التفكير السليم ؟ .

استمر حوارنا حتى وقت متأخر وعدت إلى غرفتي وأنا مسكون تماما بهذه التجربة وبمعاناته فقرأت له في لقائنا اللاحق قصيدة شعبية أيضا كتبتها متقمصا عذابات عبد الفتاح وتتحدث عن تجربته وانتشرت بسرعة بين الشباب اليمنيين ، وسمعت بعد حين أنها لحنت وغناها أحد الفنانين المبدعين، أو انها كانت مشروعا للتلحين والغناء ومطلعها :

إن كنت من صنعا أو كنت من عدن

زرني وخبرني عن بسمة اليمن .]

وفي اعتقادي الشخصي أنَّ من يقرأ قصيدة تاج النهار للشاعر عبد الفتاح إسماعيل في دبوانه نجمة تقود البحر سوف يكتشف مقدار النضج الفني في بناء القصيدة الشعرية وتفوقه في مجال القصيدة الغنائية وأعتقد أنه لو طال به العمر لوجدنا أنفسنا أمام شاعر عربي متميز لقد مثلت الفترة التي قضاها في في موسكو على الرغفم من مرارة البعد عن الوطن ولكن هذه المرحلة فيب تجلياتها تمثل أرقى مراحل التطور الثقافي والفكري والجمالي الذي تميز به القائد الشهيد والأب المربي والشاعر المتميز عبد الفتاح إسماعيل ولهذا فإنَّ هذه الشهادة للشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر ينبغي أن نقرأها بعناية فائقة لأنها تقدم الدليل الواضح والأكيد على هذا الأستنتاج الذي توصلت إليه في هذه القراءة لشهادة الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل إنسانا وفي هذا السياق لا يفوتني أن أقف إجلالا أمام عبد الفتاح إسماعيل الأب والتربوي الذي حرص على تربية أبنائه من خلال الحوار المباشر واستغلال الوقت المناسب للحوار معهم وتربيتهم ليس من خلال الكتب فقط ولكن من خلال المعايشة وما يمكن أن نطلق عليه مدرسة الحياة وهذا ما برز جليا من خلال الحوار في هذه الحلقة بين إصلاح عبد الفتاح إسماعيل وبين الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر نحن إذا أمام شخصية متعددة الأبعاد قدمت في مجموعها نموذج القائد والأنسان والشاعر والمثقف والأب والمربي والشهيد عبد الفتاح إسماعيل

وفي اعتقادي أيضا أَنَّ من يقرأ هذا الحوار الذي جمع الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر مع القائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح إسماعيل سنرى تلك الحميمية التي يحيط بها عبد الفتاح إسماعيل ضيوفة وكيف كان يمنح الشعراء والأدباء والمثقفين اهتماما خاصا يتبادل معهم الرؤى ويناقش معهم التصورات ويتبادل معهم قراءة القصائد الشعرية ويحاول أن يشرح ما يحتاج إلى الشرح في قصائده المتصلة باللهجة الشعبية وفي نفس الوقت هو مستمع جيد يتبادل الأستماع إلى أصدقائه فيستمع إلى قصائدهم ورؤآهم وهي ميزة المثقف والقائد والصديق والأب والأنسان عبد الفتاح إسماعيل

 

الحلقة الثالثة 

فضاء الذاكرة الأنسانية التي التقطتها بصيرة الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل إنسانا هو فَضَاءٌ مَفْتُوحٌ على اللحظة الأنسانية بكل تنوعها السياسي والثقافي والأبداعي والاجتماعي ولأنه فضاء مفتوح على متعدد لم تتمكن الذاكرة من عرض كل مخزونها فما تم تدوينه هو ما التقطته بصيرة المبدع من تلك الذاكرة المضيئة بكل هذا المخزون الأنساني الواسع والرائع والجميل يبدو الشاعر مشدودا في هذه الذاكرة لقطبين رئيسين القطب الأول قطب التجربة الوطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية وأهمية الحفاظ عليها والعمل على رأب الصدع بين مختلف الأطراف داخل النسيج الوطني الديمقراطي في الحزب والدولة ثم أنَّ الشاعر أيمن أبوالشِّعر مشدودا لشخصية عبد الفتاح إسماعيل بكل موضوعيتها وصدقها وعمقها ويرى بأن تجربة بحجم تجربة اليمن الديمقراطية بحاجة للإستفادة من قدرات فتاح وخبراته ورؤيته الناضجة في تشخيص المسألة الوطنية

  يبرز تعاطف عميق مع عبد الفتاح إسماعيل في سياق المهمة الأعظم وهي الحفاظ على التجربة الوطنية الديمقراطية في جنوب الوطن وفي هذا الأطار وضع الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر لنفسه مهمة واضحة لا تقبل اللبس وتتمثَّل تلك المهمة في رأب الصدع بين الأطراف المختلفة والعمل على عودة فتاح إلى عدن ليمارس دوره في إثراء التجربة الوطنية بخبراته وتجاربه ولقد ساعد الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر للوصول إلى هذه القناعة عاملين أساسيين العامل الأول أنه عندما كان يتحاور مع فتاح كان يلاحظ لدى فتاح دعما واضحا لكل الرؤى التي من شأنها رأب الصدع والحفاظ على وحدة التجربة الوطنية والعمل على رسوخ كل عوامل القوة في هذه التجربة أما العامل الثاني وهو الظرف الموضوعي المتعلق بزيارة الرئيس على ناصر محمد إلى موسكو واللقاء الذي جمع علي ناصر محمد مع الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر في السفارة اليمنية في موسكو حيث يتحدث الشاعر أيمن أبو الشِّعر عن هذا اللقاء قائلا:[ حدث ذات يوم أن اتصل بي السفير اليمني في روسيا إبان زيارة الرئيس علي ناصر إلى موسكو ، وأبلغني أن الرئيس يدعوني لجلسة في مبنى السفارة .. رحب الرئيس علي ناصر بحرارة وبعد حوارات عامة طلب مني أن ألقي بعض مقاطع من الحلم في الزنزانه السابعة وقارع الطبل الزنجي ، فاعتذرت متعللا بضعف ذاكرتي فقال على الفور: هل تريد أن أحضر شريط الكاسيت من السيارة ..ربما قال ذلك كمؤشر على صدق الرغبة لا أكثر .. كان علي ناصر شخصية متميزة أيضا ، وكان وديا وحبورا وكنت آمل في تعميق هذه العلاقة الوليدة علي أستطيع المساهمة ولو بقسط صغير في تقريب وجهات النظر ، ولم يكن الأمر قد وصل إلى حد التناحر الحاسم .. وبعد حين أبلغني السفير اليمني وهو إنسان يساري مثقف وحيوي جدا أن هناك دعوة لي لزيارة اليمن وإقامة بعض الأمسيات وإلقاء بعض المحاضرات رحبت كثيرا، وأبلغت فتاح أنني مسافر إلى اليمن ..

توقعت أن يوصيني عبد الفتاح ببعض الأمور خاصة أن الأوضاع تغلي في قواعد الحزب وكوادره ، أو أن يطلب مني نقل رسائل شفهية كونه من جهة يثق بي ، ومن جهة ثانية كانت قد بدأت بعض التحركات هناك في الحزب لتقرير مصيره ، وفي الحقيقة كنت أخشى ذلك فأنا لا أستطيع لعب دور كهذا لكنه لم يطلب شيئا ..أسمعته قصيدة عصية عدن التي اعددتها للإلقاء في هذه الزيارة وكان تفاعله كبيرا حتى أنه قال لي: رائع حديثك عن القبائل بهذه الطريقة الجميلة أنت يمني بامتياز بغض النظر عن هويتك الوطنية ..

نقلت له مجمل أجواء اللقاء بالرئيس علي ناصر ، وبينت له أنني ارتحت لعلي ناصر وأنني أعتقد أن متابعة المشوار معا سيكون مفيدا جدا ، وفوجئت بأنه أثنى عليه وعلى حيويته ، بل وتحدث بود كبير عن معظم الرفاق الذين باتوا يجافون فتاح مع غصة خفية تحمل تساؤلا روحيا غير معلن ، لماذا تتم هذه المماطلة ، وكانت عيناه تقول أما آن لهذا الفارس أن يترجل ..]

  الواضح من خلال هذا اللقاء الذي جمع الرئيس علي ناصر محمد بالشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر شخصية الرئيس علي ناصر محمد الودودة والمتواضعة والرائعة في متابعتها للجديد الثقافي وهي شخصية تترك أثرها الأيجابي في وجدان كل من يقابلها الواضح أيضا أَنَّ هذا الأنطباع الودي الذي تركه الرئيس على ناصر محمد في ذهن الشاعر العربي أيمن أبو الشعر هو نفس الأنطباع الذي يحمله القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل عن الرئيس علي ناصر محمد وعن كل من أختار طريق الخصومة لفتاح من رفاقه في الحزب الأشتراكي اليمني والواضح أيضا أنَّ القائد والمفكر والأنسان عبدالفتاح إسماعيل كان يريد العودة إلى الوطن ولكن ليس عن طريق الوساطة ولهذا نجد أن الشهيد عبد الفتاح إسماعيل عندما طلب منه أيمن أبو الشِّعر توجيه إي رسالة للداخل اليمني عندما تم توجيه الدعوة لأيمن أبو الشعر بزيارة جمهورية اليمن الديمقراطية نلاحظ أنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل لم يتوجه بأي رسالة من نوع خاص بل أنه وَجَّهَ تَحِيَّتَهُ لِلرِّفَاق كُلِّهِمْ وفي هذا السياق يقول الشاعر أيمن أبو الشِّعر:[ قلت لعبد الفتاح : أنا إنسان واضح وأحب اليمن وتجربته بصدق ولذا فإنني لن أدخر جهدا في محاولة رأب الصدع كصديق ، ربما أستطيع أن أجمع بين القلوب ..

أجابني فتاح : لا أعتقد أن ذلك سيكون مجديا رغم نبل المقصد ، وربما يعطي ردود فعل معاكسة ، بل ربما يعتقد البعض أنني طلبت منك ذلك

قلت له : ولكنك لم تطلب مني شيئا

تابع فتاح : أنا أطلب منك شيئا واحدا .. هذه زيارتك الأولى لليمن ولك حضور كبير في أوساط المثقفين ، من المفيد جدا أن تغني تجربتك الإبداعية وأن تتعرف على الشعب اليمني عن قرب ، حاول ألا تقتصر زيارتك على عدن وأن لا تكتفي بالأمسيات في الجامعة والقاعات الكبرى ، من المهم ان ترى الشعب اليمني بطيبته وروعته إنه يستحق أن يكون له مكان لائق في نتاجاتك .. سلم على جميع الرفاق وأتمنى لك التوفيق .].

 

في نصيحة الشهيد عبد الفتاح إسماعيل للشاعر العربي أيمن أبو الشعر والذي ينصحه فيها بزيارة كل المحافظات اليمنية في جنوب الوطنية نراه أيضا ينصح الشاعر أيمن أبو الشِّعر بزيارة المحافظات اليمنية في جنوب الوطن عندما تتوفر له الفرصة لزيارة المحافظات الشمالية ويقول له إنّض الشعب اليمني واحد وهنا يتجلى هذا العمق الوحدوي وهذه الرؤية العميقة للمسألة الوطنية في فكر فتاح حيث نرى الشعار العربي أيمن أبو الشِّعر يتحدث عن هذا العمق في الرؤية التي تميز فتاح حيث نرىأيمن أبو الشِّعر يقول [حدثني فتاح عن المحافظات الأخرى عن الشعب البسيط والمبدع دون ان يذكر حرفا عن أي احتمال أو رجاء لمساهمتي في الحديث عن حلول لأجواء الأزمة مكررا : هذه فرصة جميلة للتعرف على أصالة الشعب اليمني والتفاعل معه هذا هو المهم بالنسبة لك كشاعر.. وأتمنى أن تتاح لك الفرصة في المستقبل لزيارة صنعاء ومدن الشمال فاليمن واحد والشعب اليمني واحد، وردد مترنما ( ضفيرة صنعاء ، ضفيرة عدن )

 

وفي زيارة الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحدث عن حميمية الشعب اليمني وعن الطبيعة الرائعة والودودة للإنسان اليمني والمثقف اليمني وتحدث عن الجوانب الجميلة في شخصية الرئيس علي ناصر محمد وتحدث عن الفعاليات الأدبية الشعرية والمسرحية التي أحياها في اليمن, كان الشاعر الكبير يلامس موضوع عودة عبد الفتاح برفق فقد اتضح له أن الموقف من فتاح ينقسم إلى قسمين القسم الأكبر كان يريد عودة فتاح ومؤيد ومتمسك بدوره القيادي في الحزب والدولة والقسم الثاني كان ينتقد فتاح ولكنه يحترم فتاح كشخصية مناضلة لها اسهامها الوطني في تاريخ الوطن يروي الشاعر أيمن اأبو الشِّعر تفاصيل تلك المشاعر المؤيدة والمتمثلة في الكثير ممن قابلهم من المثقفين والشعراء والسياسيين كان الحزب الأشتراكي يشهد حوارا مكثفا يضغط في اتجاه عودة فتاح والواضح أن عبد الفتاح إسماعيل كان يريد العودة للوطن من خلال هذا الضغط الذي تمارسه الأغلبية في الحزب لترسيخ مبدأ العودة من خلال الحزب وليس من خلال الوساطة إِذا نحن أمام توجه يميز فتاح وهو أنه مع رأب الصدع باعتباره يعكس وعي حريص على وحدة الحزب وتقدم الوطن ولكنه يسعى للعودة للوطن من خلال المراهنة على دور الأغلبية في الحزب العاملة من أجل تحقيق هذا الهدف

تفيض الذاكرة بصور متعددة من هذه المشاعر الأيجابية تجاه القائد عبد الفتاح إسماعيل في جمهورية اليمن الديمقراطية حيث نرى الشاعر أيمن أبو الشِّعر يقول :[ نعم أستطيع القول بكل صدق أنني كنت أرى عبد الفتاح يتجلى في مشاعر الشعب اليمني وتتردد كلماته في حواراتهم وأدرك من فحواها أن القسم الأكبر يحبه كقائد ويقف معه ومعظم القسم الآخر لا يقف معه لكنه يحترمه كإنسان متميز ونموذج فريد .]

يكشف الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر عن العديد من الأنشطة الثقافية التي أقامها في عدن وعدد من المحافظات في جمهورية اليمن الديمقراطية ويكشف في ذكرياته عن جانب مهم متصل بحترام النظامك وتطبيقه على الصغير والكبير فعلى سبيل المثال كان برفقة وزير الثقافة أثناء عودتهم إلى عدن وكانت هناك بقايا قات يمضغها وزير الثقافة وقد دخلوا عدن في يوم صادف أنه ضمن الأيام التي يمنع فيها تناول القات في عدن فماذا حدث في الحوار بين العسكري وبين وزير الثقافة الذي أعترض على تناول وزير الثقافة للقات في السيارة أثناء دخولهم عدن حيث نرى أيمن أبو الشِّعؤ يقول [. ومن المفارقات التي أذكرها جيدا أنني كنت عائدا من إحدى المحافظات في رحلة دعاني إليها وزير الثقافة وهو شاعر معروف ، وحدث أن هطلت أمطار غزيرة وجرى سيل كبير اضطرنا إلى التأخر عدة ساعات، وكنا في السيارة نخزن القات عدا السائق ، وعند مدخل عدن استوقفنا حاجز عسكري فتح السائق النافذة فعرّف وزير الثقافة عن نفسه فقدم له الجندي التحية العسكرية ، وما إن تحركت السيارة حتى استوقفها الجندي من جديد وسأل الوزير بصوت حاسم ملمحا إلى أنه يقوم بواجبه : ماذا أتخزن ؟ واضطر الوزير إلى إزالة ما في فمه .. وتبين لي أن تخزين (مضغ ) القات ممنوع في هذا اليوم . أتخيل ماذا سيحدث لهذا الجندي لو تحدث بهذا الشكل الحاسم مع وزير في إحدى البلدان العربية الأخرى !!.]

هذه المفارقة الجميلة التي أستوقفت الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر والذي تعكس حقيقة أن القانون يتم تطبيقه على الجميع ولأنَّ الأمر كذلك نجد وزير الثقافة يزيل ما في فَمِهِ مِنَ القَاتِ إحتراما للقانون هذه الممارسات التي تجسد هيبة الدولة وتنتصر للنظام والقانون لم يتم الأستفادة منها فيما بعد بحيث يمكن أن نقول أنَّ الواقع المتخلف لم يتمكن من المحافظة على هذه الجوانب المضيئة في تجربة جمهورية اليمن الديمقراطية بعد قيام الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو من عام 1990ميلادية

التقط الشاعر العربي الكبير في زيارته لجمهورية اليمن الديمقراطية العديد من المفارقات التي تعكس الجانب الأنساني للشعب اليمني وللتجربة الوطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية كما عكس الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر الجوانب الأنسانية التي تميزه سواء من خلال حرصه على رأب الصدع بين الأطراف المتباينة في الحزب الأشتراكي اليمني ورأب الصدع بين المختلفين وأهمية عودة قائد متميز بحجم عبد الفتاح إسماعيل للوطن من أجل المشاركة في بنائه ساهمت هذه المذكرات في تقديم شهادة وافية حول المضامين الثقافية والفكرية والسياسية التي تميز بها الشهيد القائد عبد الفتاح إسماعيل وفي سياق البعد الأنساني كان الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعرمِن أفضل الشُّعراء الذين يعملون على التقاط اللحظة التي يتحدث عنها فتاح وتحويلها إلى قصيدة فعلى سبيل المثال يقول أيمن أبو الشِّعر : [، فتذكرت الصورة الجميلة التي ذكرها لي فتاح ذات يوم يصف فيها بعاده عن الوطن بأنه يشعر أحيانا بأنه شبيه بالموجة التي تفقد تكوينها بدون البحر .]

فنلاحظ أنَّ الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يعمل على تحويل هذا المعنى الى قصيدة رائعة وجميلة للشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يقول فيها [خذوا موجةً واشلعوها من البحرِ

ثم اعرضوها ببركة قصر المحافلِ لن تعرفوها

ولن تمنحوها سوى لوحةٍ عنوَنَتها العبارة

هنا حوضُ ماء همد

إذن فامنعوا الموجَ عن رقصه في البحار

لكي تمنعوا عن فؤادي حنين البلد .]

هي قصيدة رائعة وجميلة تصف لحظة البعد عن الوطن بأجمل ما يمكن وصفه هي لحظة تحاول أن تصنع مقاربة مع أشواق فتاح للوطن يقدمها الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر بأجمل ما يمكن تقديمه من المشاعر النبيلة والشِّعر الجميل نحن هنا أمام البعد الأنساني في الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر الذي يتجلى في هذه المقاربة الوجدانية لمكابدات وأحزان الشاعر والقائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل نتيجة البعد عن الوطن في منفاه الأختياري في موسكو من المهم جدا أن نقول أنَّ الحديث عن البعد الأنساني في شخص فتاح قد أتاح الفرصة أمام أجمل التجليات الأنسانية في التجربة اليمنية وفي الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر وقبل هذا وبعده في الشخصية الوطنية والقومية والأممية المتمثلة بالشهيد عبد الفتاح إسماعيل المحتفى به في هذه السطور هي روح فتاح التي ترى بأن البعد الأنساني للقائد يتجلى في أروع صوره بالأثر الأيجابي الذي أحدثه القائد في واقعه وفي مسار حركة التطور الأجتماعي للوطن

الحلقة الرابعة 

للشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر أنْ يُحَلِّقَ بِنَا في هذا الفضاء الفَتَّاحِي الجميل وهو مزيج من القصيدة والنضال مِن أجل التقدم هو فعل حب شمولي يبدأ من الوطن وَيَتَّسِع للأكوان كُلِّها

ولنا أنْ نَعيش تفاصيل هذا السَّفَر في عوالم هي الضوء والوطن الحِلم والأصدقاء ثَمَّة حضور للقصيدة يقتحم كل التفاصيل الصغيرة ويعيد قراءة المسائل الكبيرة على نحو عميق ثمة قلق جميل يبدأ بالحرص على وطن خَالٍ مِن العُنْفِ ودورات الموت التي تستهدف قيم الحرية والحياة

القلق من تسارع التطورات في اليمن الديمقراطية على نحو سلبي هو ما يخشاه فتاح على الدوام

تطورات الأوضاع على صعيد الساحة الوطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية واتساع نطاق المخاطر اتلمحدقة بالتجربة وبالذات من داخلها كل هذا كان يلقي بثقله على كل الحريصين على التجربة الوطنية في هذا البلد الذي أختار طريق التقدم وفق خيار مواجهة الأميريالية

وفي هذا السياق الأكثر إيغالاً بالقلق يتحدث الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر ويقول [ازدادت الأمور تعقيدا بحيث بدت أقرب ما تكون إلى عض الأصابع ، ولم يكن عبد الفتاح اسماعيل ريشة في مهب الريح ، فهو رغم كونه مفكرا هادئا كان علميا وعمليا ، ومن خلال بعض حواراتي في هذه المرحلة الصعبة معه بدا لي أنه بات أكثر هما ، وكثيرا ما يستخدم الأمثال الشعبية لتوصيف حالة محددة إمعانا في الاختصار والتجسيد .

وازددت أنا قلقا حيث كان عبد الفتاح لا يخفي خشيته من أن تتحول الأوضاع إلى مواجهات إن ركب البعض رأسهم. وكان من أقصى أمنياتي أن لا يحدث صدام بين الفرقاء خاصة ان لدي أصدقاء رائعين من الطرفين .. ولفت نظري ان مقر إقامة عبد الفتاح بات مزارا لمعظم القادمين من اليمن وخاصة القياديين الذين ضاقوا ذرعا بحالة التشنج المستمرة وخوفا من الاحتمالات الدامية .]

هذا التصوير الجميل لحالة القلق على مصير التجربة في جمهورية الديمقراطية الشعبية هذا الحرص على عدم تفاقم الأزمة واتخاذها مسارا مأساويا قد أخذ حقه في هذا العرض الذي قدمه الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر ولكنه أي الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشَّشعر يوغل في العوالم الداخلية للقائد والمفكر والأنسان والأديب والشاعر عبد الفتاح إسماعيل ويستغرق في الغوص في العوالم الجميلة والرائعة لفتاح على نحو يجعلنا نعيش معه روعة وجمال وبهاء تلك الشخصية الأستثنائية التي أفرز لها حيزا يتصل بالحديث عن عبد الفتاح إسماعيل إنسانا فمن الناحية الوطنية كان منزل القائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح إسماعيل مزارا لكل الباحثين عن مستقبل أفضل للوطن خارج إطار التشنجات التي تهدد البلد بكارثة سوف تلقي بضلالها القاتمة على مستقبل هذا الجزء التقدمي من خارطة الوطن العربي

ومِن جهة أخرى كان لفتاح عوالمه التي يخلو إليها وأصدقائه الذين يعيش معهم أوقات فراغه فَيَأنَس بِهِم ويأنسوا بتلك الشخصية البالغة الروعة في تواضعها

  للصفات النبيلة في فتاح تنطلق الذاكرة ويبوح الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر بأجمل الذِكرَيات حيث يقول الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر [ذات يوم كنت في زيارته ..

قال لي : هل تعرف الرفيق ( ز ...)

قلت له :نعم وهو صديق أحبه ومثقف ومبدع كبير ..

أجاب فتاح: نعم هو كذلك إضافة إلى أنه يفكر بعقل سليم ..

قلت : مالأمر ؟

قال :لي رجاء عندك .. طالما أنك تعرفه سأرسل معك السيارة فهو يود القدوم إلي ولكنه أضاع الطريق كما يبدو .. ولا أستطيع إرسال السيارة إلى الفندق .

قلت له : سأذهب على الفور ولكن إلى أين .

حدد لي المكان الذي وصفه له الرفيق ( ز ) مع اسم المنطقة ، وأدركت أنها مهمة لا يمكن تحقيقها ، وبالفعل عبثا حاولت العثور عليه فمركز موسكو كبير جدا والشارع يمتد لعدة كيلومترات وكان الجو صقيعيا جدا ، وبعد عودتي خالي الوفاض أبلغني فتاح بأن ( ز ) اتصل به قبل قليل وحددا موعدا آخر إذ لم يعد يتحمل الانتظار في الشارع بهذا الصقيع .. لفت نظري أن فتاح كان متأثرا جدا لكون هذا الرفيق وقف طويلا في الصقيع ، كان فتاح يخطو بضعة خطوات ويفرك يديه ويهز رأسه معاتبا نفسه : هذا خطأ مني ..!! حملته مشقة هذا الصقيع .. آمل أن لا يصاب بوعكة .. جسمه ضعيف من يدري ..

كان تعاطفه كأب يخشى أن يمرض ابنه ]..

هي لحظة انسانية بالغة الأهمية لأنها تكشف عن إحساس فتاح بالأخرين هي لحظة حميمية تكشف تعامل فتاح وتعاطفه مع أصدقائه كأب يخشى مرض إبنه هكذا أجاد الدكتور أيمن أبو الشِّعر وصف العوالم الداخلية لفتاح ومشاعره أزاء أصدقائه وفي هذه المرة يحاول أن يقدم حالة أخرى وهي حالة وفاة السفير الفلسطيني محمد الشاعر ونرى كيف تعامل مع هذا الحدث وننتقل مع تلك التفاصيل الجميلة التي يوردها الدكتور أيمن أبو الشعر حيث يقول [بعد حين اتصلت بفتاح وعرفت من صوته أنه متوعك صحيا ، أخبرته بأن صديقنا السفير الفلسطيني محمد الشاعر قد توفي إثر عمل جراحي في بلغاريا إن لم تخني الذاكرة ، وقد أحضروا جثمانه وأنني أتحدث من منزل هذا الصديق الراحل .. وكنت قد عرفته على فتاح قبل أشهر فهو من أصدقائي القدامى في دمشق (وكان أول من زارني مع الشاعر محمود درويش إثر حادث الاعتداء علي إبان أمسية شعرية..)، أصر فتاح على الذهاب إلى التعزية رغم أنني أوضحت له أن التعزية في يومها الأول ، وربما نذهب غدا أو بعد غد ، لكنه أصر على الذهاب مضيفا بأن هذا من واجبات الوفاء لذكراه ومواساة أسرته .. كان فتاح مريضا حقا فعاتبته عندما خرجنا منوها بأنه كان يمكن الانتظار ليومين إلا أنه نظر إلي معاتبا -هو هذه المرة- مشددا على أن الإنسان تركيبة عجيبة لكنها تبدأ من مشاعر الوفاء وخاصة للراحلين ..وسرعان ما شدتنا الأجواء إلى حوار فلسفي عن الموت والحياة.. وكان فتاح مقتنعا تماما بأن الأجساد لا تعني شيئا في نهاية المطاف ، والمهم هو ما يتركه الإنسان من ذكرى ]

كم هي رائعة تلك الصور الجميلة التي أضاءت فضاء الوجدان بهذا الوفاء النبيل للأصدقاء كم هو رائع وجميل الدكتور أيمن أبو الشِّعر حين يُوَثِّق مقولة الشهيد عبد الفتاح إسماعيل في ذاكرته حين يقول القائد والمفكر والأنسان النبيل عبد الفتاح إسماعيل :[ أن الإنسان تركيبة عجيبة لكنها تبدأ من مشاعر الوفاء وخاصة للراحلين ..]

لقد كان المفكر والمثقف والقائد والأنسان النبيل كتلة من الوفاء لأصدقائه الراحلين وكذلك من تبقَّى منهم على قيد الحياة وهذه صورة من صور وفائه لأصدقائه الأحياء تجد لها مكانا في ذاكرة الدكتور أيمن أبو الشِّعر يوردها ضمن هذه الذاكرة المتدفقة بالجمال والبهاء والضوء حيث نرى أيمن أبو الشِّعر يقول [بعد أيام زارني أحد القادة اليساريين السوريين المناضلين وهو الدكتور نبيه رشيدات ، وإبان الحديث تطرقنا إلى الوضع في اليمن وإلى عبد الفتاح اسماعيل فسألني: وهل أستطيع لقاءه ؟

ذهبت على الفور واتصلت بفتاح الذي قال لي : أنا أعرف هذا المناضل - وأردف على الفور- سآتي إليكم ..

لم يصدق الدكتور نبيه ما سمعه ..وقال : - كأنه لم يسمع جيدا- هو سيأتي إلينا ؟

بعد مدة غير قصيرة وصل عبد الفتاح مع مرافقه ودون أية حراسة إلى بيت طلبة الدراسات العليا ، وأثناء السهرة وعبر أحاديث عن مرحلة النضال ضد الإنكليز قال الدكتور نبيه رشيدات : أنا أرفع القبعة وأحيي عبد الفتاح اسماعيل الذي حرر باب المندب .

وبشكل فوري ودون تردد أجاب فتاح : الشعب اليمني هو الذي حرر باب المندب .

هز الدكتور نبيه رأسه وقال : نعم أنت محق .. وأنا مع ذلك أحيي الإنسان الكبير بتواضعه وإنصافه ، الإنسان الذي يمعن في إنكار ذاته لتقديس نضال شعبه .

قدوم فتاح إلى مبنى الطلبة أغضب الرفيق عبد الغني كثيرا من زاوية الحرص على حياة فتاح ، وأعتقد انه كان محقا تماما في ذلك ، فحتى إن أبدى الإنسان الكبير تواضعا كبيرا علينا أن نكون أكثر حرصا وروية ، رغم أنني رتبت أمور دخوله بسرعة إلي دون أي وقوف في المدخل ]

هي ذاكرة جميلة ورائعة للشاعر الكبير أيمن أبو الشِّعر جعلتنا نعيش تفاصيل دقيقة وعميقة من تلك العوالم الرائعة للشهيد عبد الفتاح إسماعيل وهي تفيض بالتواضع الجم والوفاء المذهل للأصدقاء ولكل الناس

وكيف أنَّ تواضع فتاح يصل إلى درجة تحدي البرتكول بل ويشكل في بعض الأوقات تهديدا مباشرا قد يستهدف حياته كما عرفنا في هذه الزيارة التي قام بها عبد الفتاح إسماعيل للمناضل السوري نبيه رشيدات وكيف أنه في الحوار الذي جمعه مع نبيه رشيدات كان ينسب كل البطولات التي يحاول صديقه نبيه إضافتها إلى عبد الفتاح إسماعيل نرى عبد الفتاح إسماعيل ينسب تلك البطولات للشعب اليمني وهو تواضع أذهل صديقه اليساري السوري نبيه رشيدات

يحتل الحنين إلى الوطن وكذا فكرة العودة إلى الوطن مكانة واسعة في تفكير القائد والمفكر والأنسان عبد الفتاح إسماعيل حيث نرى الدكتور أيمن أبو الشِّعر يصف تلك الحالة بقوله [بعد مدة غير قصيرة هدأ فتاح وأوضح لي الموقف مستندا إلى أمرين، الأول انطلق فيه من القانون الميكانيكي لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس في الاتجاه مضيفا : ولكننا لسنا آلات أو قطع معدنية ، حاولت كثيرا أن يكون هناك تفاهم مبدأي لا فرض آراء وتكتيل للقوى ، وطالما هناك من بدأ بالتحرك بهذا الاتجاه فلابد من التحرك المقابل لا لتكريس هذه الحالة بل لوقف هذا الاتجاه وتحويله إلى طاقة خلاقة .

والأمر الثاني تابع عبد الفتاح : هو أن الرفاق بأعداد كبيرة في القواعد وقسما كبيرا من القياديين يتحركون بشكل مبدأي ويجعلون من عودتي قضية فكيف أخذلهم والأمر في الواقع ليس شخصيا.. لو كان شخصيا بحتا لتحملت كما كنت أتحمل قبل الآن ..كل ما أخشاه هو أن يتم التأثير بشكل غير مبدأي على بعض الرفاق وينزلقون إلى دوامة محرقية ]

الواضح من خلال هذا الحوار أن عبد الفتاح اسماعيل يرحب بفكرة العودة للوطن احتراما للأغلبية الحزبية التي تطالب بعودته للوطن ويرى أيضا أن من ضمن أهداف عودته للوطن هو تحويل التكتلات الى طاقة إيجابية خلاقة وليس تكتلات للموت والدمار كان يخشى أكثر ما يخشاه أن يتم التأثير السلبي على بعض الرفاق وينزلقون إلى المحرقة كان يرفض الاقتتال بين أبناء الدرب الواحد

تستغرق فكرة العودة للوطن جزء كبير ومهم من وقت القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وهاهي فكرة العودة تتحول إلى واقع حيث نرى الدكتور أيمن أبو الشِّعر يتحدث عن تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمعه بفتاح في موسكو وهو لقاء الوداع حيث نرى الدكتور أيمن أبوالشِّعر يقول [انشغالات عبد الفتاح ازدادت وبات حديثنا على الهاتف أكثر من لقاءاتنا وذات يوم اتصل بي فتاح طالبا مني الحضور بسرعة ..

قلت له :ولكنني أعددت مأدبة متواضعة لبعض الأدباء السوفييت وقد بدأوا يتوافدون إلي ..

 

قال فتاح : ضيوفك ضيوفي أحضرهم معك بكل سرور من الضروري أن أودعك .!! 
شغلتني هذه العبارة كثيرا ، ومع ذلك شرحت الموقف لأصدقائي الذين سبق أن 
حدثتهم كثيرا عن عبد الفتاح فرحبوا جدا بالفكرة وانطلقنا إلى الغابة 
الفضية . 
وأثناء الطريق تذكرت جانبا من حوار سابق معه حين ذكرت له أن بعض الرفاق 
يتهمونه بأنه يضيع الوقت في لقاءاته مع الأدباء .. 
آنذاك ابتسم وأوضح باقتضاب قائلا : انا كنت أقوم بواجبي على أكمل وجه 
سواء في اتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها ، أو من خلال اللقاءات مع 
الكوادر والناس والاجتماعات التي كثيرا ما كانت تطول عبر نقاشات متعبة ، 
ولكل مسؤول في نهاية المطاف أوقاته الخاصة الضنينة ، كل يقضيها على هواه 
أما أنا فكنت أرى ان اللقاء مع الأدباء والشعراء يغني الفكر والروح ، وهو 
أفضل بكثير من السهرات غير المجدية ، فكل أديب تجربة حياتية مكثفة غنية ، 
ولكن عندما لم يجد البعض ما يمكن أن يعتبرونه انتقادا جديا لجأوا إلى هذه 
الطرفة مع مبالغات مذهلة وصلني معظمها .. - وضحك فتاح مضيفا- اللقاء مع 
الأدباء تهمة !! 
تحلق الجميع حول فتاح.. الشاعر ايغور اساييف رئيس اتحاد الكتاب والشاعر 
الكاتب أناتولي سافرونوف رئيس تحرير مجلة أغانيوك والشاعر إيغر لابن 
والمسرحي فلاديمير كاسماتشوفسكي والشاعرة الجورجية مزيا خيتاغوري .. 
قلت لفتاح : ها أنت ترتكب الإثم من جديد وهذه المرة ..أدباء سوفييت .. 
ابتسم فتاح فاهما ما قصدته ولم يعلق بل رحب بالحضور معاتبا إياي لأنني لم 
اعرفه على هؤلاء المبدعين من قبل وأضاف : يسعدني أن أرحب بكم ويؤسفني أن 
يكون لقاؤنا هذا توديعا أيضا لكن ما يطمئنني هو أننا لا شك سنلتقي في 
المستقبل .. 
قلت لفتاح : مسافر إذن ؟ 
قال : نعم أخيرا إلى الوطن 
قلت له : فرح لأجلك وخائف عليك قد لا تكون العودة الآن في وقتها 
قال فتاح : لم أعد أطيق الفراق .. ثم إن الأمر تنفيذ لقرار حزبي 
اهتم فتاح بضيوفه واستمع إليهم بشغف .. ولأول مرة كنت أرى فتاح يضحك من 
قلبه وعيونه تشع بريقا أسطوريا عجيبا ، قرأ قليلا من أشعاره وكنت اترجمها 
مباشرة ، كانت مقاطع أقرب ما تكون إلى الصوفية في عشقه للوطن وذوبانه فيه 
، واستطاعت جفونه أن تحبس دمعة أو أن تحتضنها فظلت مترقرقة وكأنها مجهر 
للرؤى، كنت شبه واثق أنه بات وهو بيننا يرى الكثير من مناطق اليمن وأناسه 
عبرها لا حزنا بل كأنه يغسلهم بمطهرها فهي دمعة الفرح باللقاء بعد ألم 
الفراق المديد .] 
الواضح من خلال هذا اللقاء خوف الشساعرأيمن أبو الشعر على حياة الشاعر 
عبد الفتاح إسماعيل وفرحه أيضا لهذا الخبر السار المتصل باستعداد فتاح 
للعودة للوطن ولقد لفت نظري أنَّ الكثير من محبي فتاح وبالذات من أصدقائه 
العرب كانوا يخشون على حياته ولذلك كانوايرون بأهمية بقائه في موسكو وعدم 
عودته لليمن بل أنهم بذلوا جهودا حثيثة لأقناع القيادة السوفيتية بمنع 
فتاح من السفروكذلك بذلوا جهودا في اتجاه إقناع فتاح بأنَّ عودته للوطن 
تشكل تهديدا يستهدف حياته ولكن جهودهم باءت بالفشل ومن هولاءالذين بذلوا 
هذه الجهود جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشوعي اللبناني حيث 
يقول في حوار مع قناة الجزيرة لبرنامج زيارة خاصة في حوار أجراه معه سامي 
كليب في21 يونيه من العام 2005 [اختلفت مع عبد الفتاح اللي هو أعز رفيق 
عندنا وأكثرهم صفاء ذهنيا ونقاء ثوريا وثقافة وأعمقهم ارتباطا بقضية 
التغيير والتقدم على المجيء إلى اليمن، قلت له ما تروح يا عبد الفتاح 
بيقتلوك، قال طالبني قلت له يا عبد الفتاح بيقتلوك والله بيتفقوا عليك 
كلهم والله بيمزقوا صورك، اختلفت أنا وياه بموسكو وطلبت من السوفيت منعه 
قالوا لي ما بنقدر ] 
لقد كان لدى جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشوعي اللبناني 
معلومات مؤكدة من واقع معرفته بالشأن اليمني أنَّ الأتجاهات المتخلفة في 
الحزب قد حزمت أمرها على تصفية فتاح وهي أتجاهات تحظى بوجود قبلي وعسكري 
لدى طرفي الصراع وهذا يعني أن القوى المدنية الموزعة على طرفي الصراع 
كانت ترفض اللجوء للقوة في حسم الصراع وكانت ترفض أيضا تصفية القائد 
والمفكر عبد الفتاح إسماعيل بل وترفض مبدأ العنف في حسم الخلافات داخل 
الحزب الواحد وبين رفاق الدرب الواحد 
قراءة في موضوع أيمن أبو الشعر حول عبدالفتاح اسماعيل انسانا


الحلقة الخامسة والأخيرة 
يمكن أنْ نقول ومعنا كامل اليقين أَنَّ تَطَوُّرًا هائلاً وكبيرا في وعي 
فتاح وفي رؤيته للسلطة وفي تحديده للمهمة الأكبر التي حملها على عاتقه 
وَإِذَا كان عامان من عمر التجربة في جمهورية اليمن الديمقراطية أَبان 
تولِّي الشهيد عبد الفتاح إسماعيل قد آتت ثمارها في العام الأول من توليه 
رئاسة الجمهورية حيث استطاع توحيد فصائل اليسار في شمال الوطن وجنوبه في 
إطار الحزب الأشتراكي اليمني فإن خمس سنوات من البقاء الأضطراري خارج 
الوطن في موسكو قد قد حملت معها تطورا لمفهوم السلطة يستند إلى ثلاثة 
توجهات رئيسة 
حيث يكتب الدكتور أيمن أبو الشِّعر على لسان القائد الشهيد عبد الفتاح 
إسماعيل في سياق الحديث عن عودته إلى عدن بعد غياب دام خمس سنوات نرى 
القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل يقول [أَنَّ القائد الشهيد عبد الفتاح 
إسماعيل عندما عاد إلى عدن أستند إلى أمرين أساسيين لَخَّصهما الشهيد عبد 
الفتاح إسماعيل فيما يلي [، الأول انطلق فيه من القانون الميكانيكي لكل 
فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس في الاتجاه مضيفا : ولكننا لسنا آلات 
أو قطع معدنية ، حاولت كثيرا أن يكون هناك تفاهم مبدئي لا فرض آراء 
وتكتيل للقوى ، وطالما هناك من بدأ بالتحرك بهذا الاتجاه فلابد من التحرك 
المقابل لا لتكريس هذه الحالة بل لوقف هذا الاتجاه وتحويله إلى طاقة 
خلاقة . 
والأمر الثاني تابع عبد الفتاح : هو أن الرفاق بأعداد كبيرة في القواعد 
وقسما كبيرا من القياديين يتحركون بشكل مبدأي ويجعلون من عودتي قضية فكيف 
أخذلهم والأمر في الواقع ليس شخصيا.. لو كان شخصيا بحتا لتحملت كما كنت 
أتحمل قبل الآن ..كل ما أخشاه هو أن يتم التأثير بشكل غير مبدأي على بعض 
الرفاق وينزلقون إلى دوامة محرقية ..] 
أ] ومن هنا فإنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل أراد أن يجعل من عودته 
عاملا مساعدا لجميع الأطراف من أجل تفاهم مبدئي يعمل على تحويل هذه 
الأطراف المتكتلة إلى طاقة خَلاَّقة وكان عبد الفتاح وهو يحترم رغبة 
رفاقه في عودته إلأى الوطن نراه يخشى من أن يتم التأثير على بعض الرفاق 
بشكل غير مبدئي وينزلقون إلى دوامة المحرقة] وبالنسبة لي كقاريء لما 
كُتِبَ عن هذه المرحلة أعتقد أنَّ هناك إضافة تَتَمثَّل في أنَّ عبد 
الفتاح إسماعيل إٍثْر عَودَتِه إلى عدن التقت رؤيته مع رؤية أغلبية أعضاء 
المكتب السياسي والمتمثلة في تحديد موقف صارم من إحتكار السلطة وهو ما تم 
على أساسه مكاشفة الرئيس على ناصر محمد بعدم الجمع بين رئاسة الجمهورية 
ورئاسة الحزب ورئاسة الحكومة وهو نفس النقد الذي تم توجيهه إلى عبد 
الفتاح إسماعيل قبل خمس سنوات ولكن عبد الفتاح إسماعيل أختار الأستقالة 
والخروج الأضطراري من الوطن إلى موسكو لمدة خمس سنوات لكي يفسح المجال 
لتطور السلطة والقضاء على احتكار السلطات في شخص واحد غير أنَّ الأوضاع 
الجديدة عقب خروج عبد الفتاح إسماعيل من السلطة ومن الوطن واستقالته من 
كافة مهامه في الدولة والحزب مفسحا المجال لغيره أقول هذه الأوضاع 
الجديدة التي نتجت عن استقالة الرئيس عبد الفتاح إسماعيل من كافة مناصبه 
لم تؤدِّ إلى تكريس هذا المبدأ كتقليد في حياة الحزب الداخلية وهو الأمر 
الذي أدى إلى عودة فتاح ليناضل مع رفاقه في الحزب الأشتراكي من إجل 
الأنتصار لهذا المبدأ عاد عبد الفتاح إلى عدن ليمارس مهامه كعضو في 
المكتب السياسي ولكن مطالب أغلبية أعضاء المكتب السياسي في التغيير والحد 
من جمع السلطات في شخشص الرجل الأول في الحكم أقول هذه المطالب حملها 
أعضاء المكتب السياسي إلى علي ناصر محمد وذلك عبر جورج حاوي الأمين العام 
السابق للحزب الشوعي اللبناني والذي كان بدوره قبل خمس سنوات قد نقل هذه 
الأفكار نفسها إلى عبد الفتاح إسماعيل كرسالة من عدد من أعضاء المكتب 
السياسي للحزب الأشتراكي اليمني وكانت نتيجة هذه الوساطة أن بادر عبد 
الفتاح إسماعيل بالأستقالة من كافة مناصبه كرئيس للدولة وأمينا عاما 
للحزب الأشتراكي وغادر إلى موسكو لمدة خمس أعوام لكي يفسح المجال لتطور 
التجربة الأشتراكية وتقاليد هذه التجربة على الصعيد الديمقراطي يروي 
الدكتور جرج حاوي تفاصيل تفاصيل المبادرة الأولى في التدخل لدى عبد 
الفتاح اسماعيل قبل خمس سنوات من عودة عبد الفتاح إسماعيل وكذا تفاصيل 
المبادرة الثانية له في التدخل من إجل رأب الصدع ولم الشمل بين علي ناصر 
وأعضاء المكتب السياسي للحزب الأشتراكي اليمني الذين يطالبونالرئيس علي 
ناصر بعدم الجمع بين رئاسة الحكومة والحزب والدولة ثمة تفاصيل مهمة في 
هذا الحوار المنشور في قناة الجزيرة يهمني هنا أنْ أورد هذا الحوار كاملا 
للأمانة والتاريخ لأنه من شخص محايد ويحضى بثقة جميع الأطراف في الحزب 
الأشتراكي اليمني وتربطه علاقة صداقة جميمة مع الرئيس علي ناصر محمد 
فَفِي برنامج زيارة خاصة تاريخ 21 شهر يونيو 2005 ميلادية وذلك في 
قناة الجزيرة وهو البرنامج الذي قدمه سامي كليب كان ضيف الحلقة جورج 
حاوي الأمين العام السابق للحزب الشوعي اللبناني وتم التطرق في الحوار 
إلى الأزمة اليمنية التي أنفجرت في الثالث عشر من يناير عام 1986 ميلادي 
وكان الحوار فيما يخص الأزمة اليمنية على النحو الأتي[ : سامي كليب: لا 
يمكن الوقوف عند تاريخ جورج حاوي دون العودة إلى تجربته اليمنية فهو كان 
الحليف والرفيق والناصح للحزب الاشتراكي اليمني في عدن وحين التهب اليمن 
الجنوبي بنيران اقتتال قادة الحزب الاشتراكي عام 1986 ووقعت المجزرة 
الرهيبة في خلال اجتماع مكتبه السياسي كان جورج حاوي قد غادر عدن قبيل 
ساعات قليلة فقط، فهل ذهب فعلا لصب الماء على النار وإطفائها أم لصب 
الزيت على الرفاق الذين تناهشوا لحم بعضهم البعض؟ 

جورج حاوي: تدخلاتنا كانت مش دائمة كانت وقت انفجار الأزمات وبانفجار 
الأزمات يصبح الإنسان أمام أمر واقع بينما التدخل الوقائي كان يجب أن 
يكون بإطار تشاوري يحوّل دون انفجار الأزمة، بهذا السياق أنا تدخلت 
مرتين، المرة الأولى كان عندما أقصى عبد الفتاح إسماعيل وبهذا.. يعني 
عندما أقصى عبد الفتاح إسماعيل، علي عنتر الله يرحمه وكان صديق عزيز 
علينا جاء إلى دمشق وأتصل في فطلعت أنا إلى دمشق وأخبرني أنه عبد الفتاح 
إسماعيل عمل مؤامرة وكان بده أنه يطرد الآخرين من السلطة وإلى آخره 
وأقصى .. 

سامي كليب: وأبلغك أنه راح يغتاله . 

جورج حاوي: وقال لي بدنا نعدمه، قلت لا ما بيصير هذا الأسلوب غير مقبول 
هذا كذا.. يعني بس حتى أقدر أؤثر رحت معه بالطائرة بدون باسبور طائرته 
الخاصة على اليمن . 

سامي كليب: مع الإشارة إلى أنه كنت نصحت عبد الفتاح إسماعيل بعدم الجمع 
بين الأمانة العامة للحزب ورئاسة الجمهورية . 

جورج حاوي: نعم وقلت له ما بتمشى أنت شمالي عم تحكم بالجنوب، بعدين 
احتكار الأمانة العامة ورئاسة الوزراء ورئاسة الدولة غير صحيح وزع 
صلاحيات، لا وحدة القرار، وحدة الموقف، فباليمن طبعا أن رحت معه ورأسا 
شفت علي ناصر وعلي ناصر كان عاقلا ونصحته أنه هلا استلمت أنت فما بيصير 
عبد الفتاح رمز .. 

سامي كليب: كنت تتهم أنك بتدعمه لعلي ناصر؟ 

جورج حاوي: إيه أنا دعمته لعلي ناصر قلت له عبد الفتاح رمز أهم شيء 
الحفاظ على حياته، قال لي شو الحل قلت له دعوته للاتحاد السوفيتي قال لي 
أنا موافق، رحت شفت السفير السوفيتي هناك، السفير السوفيتي قال هذا وضع 
غير شرعي نحن لا نعترف باجتماع لجنة مركزية ما كان فيها نِصاب، المكتب 
السياسي لم يكن حرا، قلت له يا أخي أنت بفنلندا بالسويد ولا باليمن 
أطلعوا من هذه الترهات كلها، أنت الآن مع واقع معين في علي ناصر ويجب أن 
تتعاطوا معه، قال لي برفض قلت له (Ok) جئت رأسا إلى بيروت بعد ما عملوا 
لي باسبور دبلوماسي يمني وتقابلت مع السفير السوفيتي ببيروت وحطيت له 
الوضع وطلبت دعوة علي ناصر محمد إلى موسكو فورا وأخذ عبد الفتاح إسماعيل 
معه ويكون هناك يعني لاجئ سياسي، تجاوب السوفيت معي بشكل مباشر وفُرض على 
السفير السوفيتي هناك توجيه الدعوى لعلي ناصر، ابتسم علي ناصر عارف أنه 
أنا وراء هذا الموضوع وراح عبد الفتاح لموسكو ودخل إلى المدرسة الحزبية 
وبردت الأمور وجرى ما جرى، رجعت اختلفت مع عبد الفتاح اللي هو أعز رفيق 
عندنا وأكثرهم صفاء ذهنيا ونقاء ثوريا وثقافة وأعمقهم ارتباطا بقضية 
التغيير والتقدم على المجيء إلى اليمن، قلت له ما تروح يا عبد الفتاح 
بيقتلوك، قال طالبني قلت له يا عبد الفتاح بيقتلوك والله بيتفقوا عليك 
كلهم والله بيمزقوا صورك، اختلفت أنا وياه بموسكو وطلبت من السوفيت منعه 
قالوا لي ما بنقدر، جاء عبد الفتاح على اليمن فالتف حوله كل المعارضين 
ورفعوا الشعار اللي كان مرفوع بوجهه وكان هو ضده عدم الجمع بين الأمانة 
العامة ورئاسة الدولة ورئاسة الوزراء بوجه علي ناصر وبدأ علي ناصر يفقد 
أكثريته بالمكتب السياسي لأنه الأكثرية بنيت على مساومة قبائلية أيضا 
نتجت عن المؤتمر اللي استمر في قرار.. تقرير البرنامج والخطة الخمسية 
واللي خلال نصف ساعة والنظام الداخلي أخذ بقية الوقت والخلافات عليه، 
لذلك دخلت بوساطة فعلا وطلبت تأجيل اجتماع المكتب السياسي اللي كان بده 
ينفجر فيه الحدث، أبرز الأمور أنه عبد الفتاح إسماعيل وافق معي على 
التأجيل مشترطا وساطة رسمية مني ومن جورج حبش إلا أن أنا كنت مضطر أرجع 
للشام لظروف استثنائية في العمل .. 

سامي كليب: وساطة وحضور المؤتمر . 

جورج حاوي: وحضور وتحكيم عمليا بينه وبين علي ناصر، قال لي تجيء أنت 
وجورج حبش بتقعدوا بتشاركوا معنا وبتكونوا طرف في الحل بأوافق على تأجيل 
المؤتمر قلت له (Ok). 

سامي كليب: بس يبدو أنه علي عنتر كان قال لك .. 

جورج حاوي: قابلت علي عنتر بعده، قلت يا علي قال لي ما ناوي إرجاء إطلاقا 
بكرة.. بكرة .. 

سامي كليب: إما يخضع علي ناصر .. 

جورج حاوي: بيصير إرجاء، قلت له يا علي يا حبيبي قال لي يا بقتله يا بقتل 
حالي.. بقتله وبقتل حالي، قلت له يا عبد الفتاح ما أنت.. يا علي عنتر ما 
أنت كنت عم تقول لي بدك تقتله عبد الفتاح هلا أما بتجيبوه أمين عام طيب 
لو قتلتوه وقتها كيف كنتم بتعتذروا منه هلا، قال لي كانت ظروف قلت له لا 
مش ظروف لا يمكن يعني في ظروف ما بتسمح بعقد المكتب السياسي أسمعها مني، 
بعدين شفت علي صالح.. صالح مصلح عفوا صالح مصلح وافق معي إذا وافق علي 
عنتر على تأجيل اجتماع المكتب السياسي، طبعا كان علي ناصر منتظر نتيجة 
الوساطة، أنا جئت شفته بآخر الليل وقلت له عبد الفتاح إيجابي ووافق على 
التأجيل ولكن علي عنتر مُصِر على عقد الاجتماع أنا أنصحك بالتأجيل التقني 
يعني أنه أنت ما تروح واتركني أوصل على الشام حتى أحكي مع جورج حبش ومع 
السوفيت، استوضح بعض القضايا التقنية يعني أنه قديش الرفض وشو قال وإلى 
آخره ولكن شوفته أنه صمت ولم يعد بتأجيل اجتماع المكتب السياسي . 

سامي كليب: إذاً علي ناصر لم يكن موافق عمليا يعني؟ 

جورج حاوي: بلى هو كان مع التأجيل بس هو أخذ بالاعتبار أنه التأجيل لن 
يحصل، سيحصل الاجتماع.. سيعقد الاجتماع بدونه.. سيعقد الاجتماع بدونه، 
نحن المشكلة كنت أنا ونديم عبد الصمد وكنت من هناك سأذهب إلى الخرطوم سرا 
بباسبور دبلوماسي يمني لأجتمع بنوكت أمين عام الحزب الشيوعي اللي هلا 
بهنيه على خروجه إلى العلانية ولنتباحث في شأن الوضع في السودان وكانت 
( كلمة بلغة أجنبية) بدها تمر من عدن إلى القاهرة الخرطوم بعدين بأعتقد، 
بهذا الوقت بيجيني برقية عاجلة من عبد الحليم خدام بضرورة الحضور فورا 
إلى دمشق في قضية تتعلق بالعلاقة، طبعا صار في أمرين الحضور إلى دمشق 
بطلب من عبد الحليم خدام فورا، في عندي اجتماع أنا فكرت أنه في موعد مع 
الرئيس الأسد ثاني يوم، ثم موضوع انفجار الصراع خلانا نغير بالليل، أمن 
لنا علي ناصر بطاقات على شركة طيران تجيبنا القاهرة دمشق، تركنا عدن ونحن 
مطمئنين إلى أن الانفجار سيتأجل لأنه عبد الفتاح وعدنا وعلي ناصر وعدنا 
أنه يؤجل بمعني أنه ممكن ما يحضر ممكن . 

سامي كليب: بس علي عنتر كان مهدد صراحة . 

جورج حاوي: علي عنتر كان مهدد بس كنا معتقدين أنه راح تتأجل بطبيعة 
الغياب، وصلنا على مطار الشام أنا رأسا رحت عند جورج حبش ونديم عبد الصمد 
فورا راح لعند السفير السوفيتي، بدون موعد فتنا نناشدهم التدخل لوقف 
احتمالات تدهور الوضع فيها، أنا وعند جورج حبش بيتلفن لي نديم قال لي 
سمعت شو صار باليمن، قال لي انفجر الصراع في قتلي، في جرحى بقلب المكتب 
السياسي، في بيان من علي ناصر أنه حاول وكذا وإلى آخره فأحبط في يدنا، 
طبعا بعدين تقصينا الحقائق اللي كانت مخفية عنا، أنا بأحمِل صديقي الرئيس 
علي ناصر مسؤولية بدء الحدث، صحيح أنه علي عنتر كان مهدد ولكن كان ممكن 
لو حضر الاجتماع أنه يصير في حوار ويصير في نقاش وبعدين هذه العلاقات 
القبلية دائما تأخذ طبائع حادة وغيرها، أنا متأسف أنني لم أبقي هناك 
لأحاول أن أمنع المجزرة، بيجوز كنت رحت فيها بس لو بقيت هناك لما.. ربما 
ما كنتش سامحت نفسي ربما، جئت حتى أمنعها بس سبقتني .] 
ويهمني هنا أن أقول أنَّ مقابلة الدكتور جورج حاوي مع قناة الجزيرة مهمة 
بالنسبة للقاريء للتاريخ من عدة نواحي أولا أنَّ القائد الشهيد عبد 
الفتاح إسماعيل كان لَمَّاحًا وكان يستجيب لكل الملاحظات المرتبطة بتطوير 
طريقة الحكم والقضاء على احتكار السلطة في شخص واحد لم يَسْعَ عبد الفتاح 
إسماعيل إلى الأستقالة من بعض مناصبه والدخول في تسوية بل أنه من أجل 
وحدة الحزب ومن أجل انتصار التجربة الأشتراكية في اليمن الديمقراطي أختار 
عبد الفتاح إسماعيل طوعيا الأستقالة من جميع مناصبه ومغادرة البلاد لمدة 
خمس سنوات لكي يتيح الفرصة لتطوير التجربة ولكن الذي حدث أنه بعد خمس 
سنوات عاد إلى الوطن ورأى مع أعضاء المكتب السياسي أنَّ الواقع لم يتغير 
وأنَّ الرئيس علي ناصر محمد يحتكر الأمانة العامة للحزب ورئاسة الدولة 
ورئاسة الحكومة 
فاختار طريق النضال مع أغلبية أعضاء المكتب السياسي من أجل القضاء على 
هذا الأحتكار للسلطة ولم يحاول أن يستند إلى تصريحات علي عنتر ضده من أجل 
تفجير الأوضاع بل أنه حمل أروع الأنطباعات عن الشهيد علي عنتر وعن الرئيس 
علي ناصر ولم يلتفت إلى تهديدات علي عنتر ضده باعتبار علي عنتر شخص نقي 
السريرة على حد وصف عبد الفتاح إسماعيل وكذلك علي ناصر شخص ودود ورائع 
على حد وصف عبد الفتاح إسماعيل 
أَمَّا الملاحظة الثانية فهي أَنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وهي الأهم 
وتبرز من خلال هذا الحوار الذي جمع الدكتور جورج حاوي مع قناة الجزيرة 
نلاحظ أنه لم يكن مع تفجير الأوضاع على العكس كان مع تهدئة الأوضاع ومع 
تأجيل إجتماع المكتب السياسي بشرط حضور لجنة وساطة مكونة من الدكتور جورج 
حاوي والدكتور جورج حبش لممارسة ضغط قوي على الطرفين من أجل وقف المواجهة 
وعدم أنعقاد المكتب السياسي وهو الأمر الذي لم يتحقق فقد تسارعت الأوضاع 
ولم تحدث الوساطة ولم يكن بوسع الشهيد عبد الفتاح إسماعيل أن يخذل 
الأغلبية التي وقفت معه وناضلت من أجل عودته إلى الحزب والوطن ففي ظل عدم 
تحقق الشرط الذي طرحه عبد الفتاح إسماعيل فإنَّ الأوضاع تسارعت والمواجهة 
حدثت زنرى أنَّ الدكتور جورج حاوي في هذه المقابلة يحمل الرئيس علي ناصر 
مسئولية البدء في تفجير الأوضاع في أحداث يناير 1986 
حيث نرى الدكتور جورج حاوي يقول [أنا بأحمِل صديقي الرئيس علي ناصر 
مسؤولية بدء الحدث، صحيح أنه علي عنتر كان مهدد ولكن كان ممكن لو حضر 
الاجتماع أنه يصير في حوار ويصير في نقاش وبعدين هذه العلاقات القبلية 
دائما تأخذ طبائع حادة وغيرها، أنا متأسف أنني لم أبقي هناك لأحاول أن 
أمنع المجزرة، بيجوز كنت رحت فيها بس لو بقيت هناك لما.. ربما ما كنتش 
سامحت نفسي ربما، جئت حتى أمنعها بس سبقتني ] 
الملاحظة الثالثة أَنَّ الدكتور جورج حاوي في هذا الحوار يصف الشهيد عبد 
الفتاح إسماعيل بأنه رمز وشخص يجب الحفاظ عليه وحين يقارنه بالأخرين من 
قادة التجربة في الحزب الأشتراكي اليمني وفي جمهورية اليمن الديمقراطية 
الشعبية نرى الدكتور جورج حاوي يصف القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل و 
يقول [هو أعز رفيق عندنا وأكثرهم صفاء ذهنيا ونقاء ثوريا وثقافة وأعمقهم 
ارتباطا بقضية التغيير والتقدم ] 
بل أنه تدخَّل من أجل الحفاظ على حياة القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل 
أكثر من مرة في المرة الأولى وقف معه الرئيس علي ناصر محمد وتعاونا على 
خروجه من اليمن إلى روسيا حفاظا على حياته من الأخطار التي تتهدده من 
القوى المتخلفة في هذا الطرف أو ذاك 
بل أنه حاول إقناع الشهيد عبد الفتاح إسماعيل بعدم العودة إلى عدن حفاظا 
على حياته حيث نرى الدكتور جورج حاوي يقول [قلت له ما تروح يا عبد الفتاح 
بيقتلوك، قال طالبني قلت له يا عبد الفتاح بيقتلوك والله بيتفقوا عليك 
كلهم والله بيمزقوا صورك، اختلفت أنا وياه بموسكو وطلبت من السوفيت منعه 
قالوا لي ما بنقدر ] 
يَتَّفِقُ الدكتور الشاعر أيمن أبو الشِّعر مع جورج حاوي في تحميل 
المسئولية الطرف الذي بدأ في تفجير الشرارة الأولى للمواجهة حيث نرى 
الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يقول [حين وصلت الأمور إلى منعطف بالغ 
الخطورة وحدث ما لم يكن يتمناه أي إنسان عاقل ، وحلت المأساة عمليا إذ 
احتكم رفاق الدرب إلى البندقية والرصاص ، وكانت شرارة واحدة تكفي لانفجار 
برميل البارود المحتقن ، من هنا يكون من أشعل هذه الشرارة الأولى في هذه 
الظروف مسؤولا عن حرائقها اللاحقة بغض النظر عن التبيريرات والنوايا ، 
فالطريق إلى جهنم مفروشة بالنوايا الطيبة .. وعدت بالذاكرة إلى حوارات مع 
فتاح عن هذه المخاوف فقد سبق أن طرحت على فتاح تساؤلات عن مدى احتمال مثل 
هذه الخواتيم المرعبة ، ومما أذكره في هذا السياق أنه كان شبه واثق من 
حكمة اليمانيين ، وكان يردد على أن لا يركب البعض رأسهم .. وحين تعمقنا 
قليلا في مفهوم السلطة والثورة وبناء الغد الأفضل وأي الأثمان مشروعة وأي 
الأثمان ممنوعة ، أذكر أنه لخص رأيه في أن جميع الأثمان مشروعة حين يكون 
النضال الثوري في سبيل الخلاص من المستعمر ، ويكون من يسقط في سبيل تحقيق 
هذا الهدف شهيدا ومشعلا ونبراسا للآخرين . وتكون ممنوعة ومحرمة حين تكون 
في سبيل تحقيق مكاسب شخصية عبر شعارات مغامرة وبهدف الحصول على السلطة او 
التمسك بها ، ومن يسقطون في صراع كهذا هم ضحايا ويتسببون في سقوط ضحايا 
أخرى وهذا خطير ومؤسف تماما ، وعلى السياسي حتى في مثل هذه الظروف أن 
يسعى لتحويل هذا الفوران إلى طاقة خلاقة 
سألته : وكيف يمكن ذلك في حالة فوران ؟ 
أجاب : بجعل الأهداف الكبيرة النقية ساطعة وواضحة ، فمن يختلف معك اليوم 
قد يتفق معك غدا او العكس في الشؤون التكتيكية . 
قلت : بمعنى أو أن يغدو ضدك من كان معك 
قال فتاح : أو أن تقتنع أنت بما يطرحه الطرف الآخر - وأضاف - 
وحين يكون الأمر متعلقا بالسلطة لا بالنهج الاستراتيجي فالسلطة وسيلة 
لتحقيق أهداف الثورة وليست غاية بحد ذاتها .. 
وأذكر جيدا أنه وصف السلطة رمزيا بحصان جامح قوي عليك أن تقوده نحو أهداف 
سامية لا أن يقودك نحو التهلكة .. 
وأردف: هذا جنون لا يمكن أن يفكر به أحد .. - وأضاف على الفور- أحد عاقل . 
نعم يا أبا صلاح لا يمكن أن أنسى تمثلك لهذه المبادئ كإنسان كبير حقا 
وعاشق لتراب اليمن حتى وأنت ماض إلى طريق محفوف بالمخاطر بعد أن ضاع لجام 
ذلك الحصان الجامح .. وأنك كنت تؤكد دائما على ضرورة الاحتكام للعقل 
والديمقراطية وقولك : ليكن من يكون في قمة السلطة إن كان يقودها حزب 
متماسك واع يحبه الشعب..( وتذكرت حديثنا عن أروى ) 
ولكن حدث ما حدث .. وكنت أحس بجراح اليمن تنزف في قلبي .. استمر الصراع 
أياما عصيبة دامية ، وسقط الكثيرون ( ضحايا ) .. شرعت الثورة تأكل 
أبناءها .. ورغم ان رفاق عبد الفتاح هم الذين انتصروا في زوبعة الدم هذه 
إلا أن الجراح كانت أكبر من ان تحتمل ، واستشهد عبد الفتاح وقيل إنه 
احترق في مصفحة بعد ان تمكن وبعض الرفاق من النجاة من فخ اجتماع المكتب 
السياسي .. وحين أقيم حفل تأبين كبير له في موسكو ألقيت قصيدتي للعشق 
حدائق لا تروى إلا بنزيف يا أروى .. وقلت في مقدمتها ( ويزداد موقفي أسى 
وبعدا دراميا كون العديد من الرموز ممن تورطوا في زوبعة الدم في عدن 
كانوا من الرفاق الحميمين إلى قلبي وكم كنت أتمنى أن يتابعوا المشوار مع 
البطل الخالد عبد الفتاح اسماعيل لا أن تتلطخ أيديهم بدماء رفاق الدرب 
..) .. وكان حفل التأبين حاشدا جدا من اليمنيين والعرب الذين يعيشون في 
موسكو يعكس مدى التقدير لهذا الرجل .] 

لقد كَرَّس القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل الرؤية السلمية التي 
ميَّزَته وغيره من العقلاء في النظر إلى المسألة الوطنية والتحديات التي 
تعترض الحزب من داخله وتحدَّث عن الأثمان المشروعة والأثمان غير المشروعة 
في سياق يؤكد سلمية هذا الرجل ويتسق مع مجمل الشهادات المحايدة والنزيهة 
والصادقة في رؤيتها للأزمة في اليمن الديمقراطيةوفي التأكيد على هذا 
الملمح الحضاري الذي تميَّز به القائدالشهيد عبد الفتاح اسماعيل والعقلاء 
في الحزب الأشتراكي اليمني 
وفي تعريفه للسلطة باعتبارها حصانا كابحا يتطلب توجيهه في اتجاه البناء 
لا الهدم وفي اتجاه النجاة لا التَّهْلُكة 
غير أنه من المهم التعامل مع التاريخ لاستخلاص العِبَرِ وليس لإنكاء 
الجراح واشعال فتيل الفتن نحتاج إلى قراءة دقيقة للتاريخ تساعدنا على عدم 
تكرار الأخطاء وتساعدنا على بناء قواعد الأتفاق على أساس واضح ومتين من 
المصداقية والمصالحة الوطنية التي لا تقبل العودة للوراء وهو الأمر الذي 
يبدأ بالوفاءلسيرة هؤلاء الشهداء والقادة التاريخيين الذين نعتز بهم 
وندعو كل الشُّرفاء إلى نقش ذكراهم في القلوب والأرواح قبل الأوراق 
والسطور كما أنه لا بد من ممارسة النقد الذاتي مِن جميع الأطراف ضد 
أدائها السلبي في اتجاه الحيلولة دون تكرار الأداء السلبي وفي اتجاه 
الأنتصار للقيم الأيجابية والعمل من أجل ديمومة ما هو إيجابي وجميل 
رحمك الله ياعبد الفتاح وأسكنك فسيح جناته يوم وُلِدْتَ ويومَ استشهدت 
ويوم تُبْعَثُ حَيًّا ورحم الله جميع شهداء الثورة اليمنية في جنوب الوطن 
وشماله

الأربعاء, 26 شباط/فبراير 2014 18:56

رائد التغيير.. الشهيد جار الله عمر

كتبه

الشهيد جار الله عمر-- السيرة الذاتية

 -من مواليد 1942 قرية كهال عمار , مديرية النادرة محافظة إب . ـ بدأ تعليمه في كتاب القرية والمدرسة الشمسية بذمار ثم المدرسة العلمية بصنعاء .

ـ شارك مشاركة فاعلة في التظاهرات الطلابية بصنعاء التي سبقت قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 , كما قاد مظاهرات جماهيرية تعميداً لانتصارات ثورة سبتمبر بعد قيامها ..

 ـ التحق في عام 1963 بكلية الشرطة وتخرج منها وعين في هيئة التدريس بالكلية التحق بصفوف حركة القوميين العرب عام 1960 . ـ شارك في الدفاع عن العاصمة صنعاء أثناء حصار السبعين يوماً .

 ـ من مؤسسي الحزب الديمقراطي الثوري اليمني وعضو في اللجنة المركزية للحزب في مؤتمره الأول عام 1968 .

ـاعتقل إثر أحداث أغسطس عام 1968 في صنعاء لمدة 3 سنوات .

 ـ غادر إلى عدن عام 1971 . ـ انتخب عضواً في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الثوري اليمني في المؤتمر الثاني عام 1972 . ـ من مؤسسي الحزب الاشتراكي اليمني في مؤتمره التأسيسي 14 أكتوبر 1978 .

 ـ عضواً في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي منذ مؤتمره الأول ومسؤولاً أول عن نشاط الحزب في الشطر الشمالي آنذاك تحت مسمى ( حزب الوحدة الشعبية اليمني ) . ـ من قيادي الجبة الوطنية الديمقراطية 1975 ـ 1990 .

ـ أو من دعا إلى تبنى التعددية السياسية والحزبية في الشطر الجنوبي قبل الوحدة اليمنية . ـ عضو في المجلس الاستشاري الذي تلى قيام دولة الوحدة اليمنية العام 1990 . ـ عضو في المكتب السياسي وسكرتير الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية للحزب الاشتراكي اليمني 1990 .

 ـ من ابرز الشخصيات التي شاركت في الحوارات السياسية بين الأحزاب اليمنية خلال الفترة الانتقالية 1990 ـ 1993 . ـ وزير للثقافة والسياحة 1993 .

 ـ من المساهمين الأساسيين في صياغة وثيقة العهد والاتفاق وأحد الموقعين عليها في عمان عام 1994 . ـ من أبرز الشخصيات الحوارية التي حاولت منع قيام خرب صيف 1994 .

 ـ ساهم في إعادة بناء الحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب صيف 1994 من خلال موقعه كعضو في المكتب السياسي مسؤولاً عن الدائرة السياسية للحزب . ـ وأصل نشاطه الحواري مع الأحزاب السياسية اليمنية من أجل ترسيخ العملية الديمقراطية وإزالة آثار حرب صيف 1994 .

ـ أدت تلك الحوارات إلى تأسيس مجلس التنسيق وأخيراً اللقاء المشترك الذي يضم عدداً من أحزاب المعارضة بينها حزب التجمع اليمني للإصلاح.

 ـ أنتخب أميناً عاماً مساعداً للحزب في دورته الثانية عام 2000 . مساهماته الفكرية :

 ـ عضو في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين .

ـ ساهم في كتابة تاريخ الثورة اليمنية من خلال مشاركته الفاعلة في الندوات وكتابة المقالات عن تاريخ الثورة اليمنية ومن خلال كتابه القيم عن حصار السبعين يوماً الذي صدر في عام 1982 .

 ـ من أبرز المساهمين في التأصيل النظري للتحولات السياسية التي مر بها الحزب الاشتراكي اليمني من خلال عدد كبير من الكتابات الفكرية حول ذلك .

 ـ من مؤسسي المؤتمر القومي العربي ومشارك في كل مؤتمراته . ـ من ابرز الشخصيات السياسية التي اعتنقت الديمقراطية والتسامح السياسي من خلال كتاباته النظرية أو سلوكه اليومي .

ـ حائز على احترام وصداقة عدد كبير من المثقفين والأدباء العرب ومساهم نشط في الحوارات الفكرية التي تدور على الساحة السياسية العربية . ـ مزج في كتاباته بين الثقافة الإسلامية المتسامحة التي امتلك ناصيتها خلال دراساته الأولى وبين الثقافة الديمقراطية المعاصرة فكان نعم المفكر المعاصر المتنور .

 - متزوج وله 5 أبناء , 4 أولاد ( قيس , أوسان , عبدالغني وبسام ) وبنت واحدة اسمها مسار.

كلمة الشهيد جار الله عمر قبل دقائق من اغتياله

بسم الله الرحمن ا لرحيم

الوالد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، رئيس الهيئة العليا للإصلاح الإخوة أعضاء الهيئة العليا للإصلاح ضيوف المؤتمر الكرام الأخوات والإخوة المؤتمرون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 يسر اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ومكتبها السياسي وأمانتها العامة أن تهدي المؤتمر العام الثالث للتجمع اليمني للإصلاح ( الدورة الأولى ) تحياتها وتمنياتها لأعماله بالنجاح ،

 كما نبلغكم تحيات الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الأستاذ علي صالح عباد ( مقبل ) واعتذاره عن حضور مؤتمركم هذا الذي ما كان ليتخلف عنه لولا ظروفه الصحية المانعة .

السيدات والسادة .... أعضاء المؤتمر ينعقد مؤتمركم هذا في ظل أوضاع داخلية وخارجية بالغة الخطورة ، حيث تتفاقم الأزمات العامة وتزداد أعمال الانتهاك لحقوق الإنسان وتضيق فرص العيش خصوصاً في بلادنا ،

حيث تتسع البطالة لتبلغ الحد الأعلى في العالم ويخيم الفقر على جماهير الشعب لصالح قلة من المتنفذين وتعاني العملية الديمقراطية وحريات التعبير والحق في الاحتجاج من القيود المتعاظمة كل يوم .

 ورغم كل ذلك فإننا في الحزب الاشتراكي اليمني كنا وما زلنا نراهن على الحركة السياسية الوطنية وجماهير الشعب كضمان للحد من طغيان الاستبداد والفساد ، وفي هذا السياق تحتل المعارضة السياسية والتجمع اليمني للإصلاح بالذات مكانة بارزة لا يمكن تجاهلها وعاملاً من عوامل التوازن السياسي المطلوب بإلحاح للاستقرار السياسي والتطور وتحقيق النهضة بطريقة سلمية .

 لقد مرت على وطننا اليمني أحداث متتالية منذ تحقيق الوحدة اليمنية وأصبح من الضروري الاستفادة من تجارب الماضي واستخلاص العبر من أحداثه ، ولقد قام الحزب الاشتراكي اليمني بتقويم مسيرته ولعل أهم العبر ذات الصلة بالأوضاع الراهنة يمكن تلخيصها في ما يلي : -

* أولاً : إن الديمقراطية ضرورية لأي حزب كي يتجنب الصراعات الداخلية كما هي ضرورية لتجنيب الأوطان آثار التشظي والتفتت وويلات العنف والحروب الأهلية .

* ثانياً : إن الديمقراطية منظومة متكاملة لا تتجزأ أساسها المواطنة المتساوية واحترام العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين وصيانة الحريات والحقوق الأساسية دونما تمييز لأي سبب كان والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية وعدم الاكتفاء من الديمقراطية بالتسمية ومظاهر الزينة الخارجية .

 * ثالثاً : إن جمهور المواطنين يحتاج على الدوام إلى تأمين حد أدنى من المساواة في الفرص لتأمين لقمة العيش وقدرا من العدالة والخدمات الاجتماعية المتاحة للجميع .

 * رابعاً : أن تأمين السيادة الوطنية يقتضي توازن المصالح بين الفئات الاجتماعية والمناطق المختلفة للبلاد بهدف سد الثغرات التي يمكن للقوى الخارجية المعادية النفاذ منها للانتقاص من هذه السيادة . ولقد نجحت اليمن في تحقيق السلام مع جيرانها بعد حل الخلافات الحدودية ، ونحن نبارك ذلك ونؤيده ، وهي تحتاج كذلك اليوم للسلام مع نفسها بهدف خلق جبهة داخلية متماسكة تصون سيادة الوطن وتسخر كافة الجهود والموارد لتحقيق التنمية بدلاً من شراء الأسلحة.

* خامساً : إن تقوية النظام السياسي للبلاد يفترض وجود معارضة قوية مستندة إلى مجتمع زاخر بالحراك والفعالية والمنظمات الأهلية المستقلة بعيداً عن السيطرة الرسمية وبالصحافة الحرة المؤثرة والإبداع الحر ولا شك أن قيام اللقاء المشترك يشكل خطوة على هذا الطريق بعد أن أصبح اليوم إحدى حقائق الحياة السياسية في اليمن .

* سادساً : إن التجربة الديمقراطية في اليمن قد بلغت درجة من الركود والشيخوخة المبكرة وهي تحتاج إلى إصلاح سياسي واسع وشجاع حتى تعود إلى شبابها ، كما أن اليمن بحاجة إلى مجلس نواب يمثل اليمن بكل فئاتها الاجتماعية ومصالحها المختلفة ويضم بين صفوفه خيرة العناصر والقيادات الاجتماعية والسياسية والعملية في البلاد ، مجلس نواب يشبه اليمن بتنوعه وعظمته ووحدته وتعدد تياراته الفكرية والسياسية .

 * سابعاً : إن اليمن بحاجة ماسة إلى تسريع الخطى في طريق التحديث من خلال سياسة شاملة تؤهلها للالتحاق بركب العالم المعاصر وتجعل منها إضافة نوعية إلى أي تجمع إقليمي تلتحق به ويتطلب ذلك جملة من الإجراءات والقوانين الثورية بما في ذلك التصدي لثقافة العنف ومنع الثارات والإسراع في إصدار قانون ينظم حيازة وحمل السلاح ومنع المتاجرة به بدلاً من قانون منع المظاهرات الذي يعرض على البرلمان في الوقت الراهن ، وهو قانون مناهض للعصر والديمقراطية ، وينبغي لكل دعاة التقدم والديمقراطية التصدي له بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية .

. الإخوة والأخوات الحضور جميعاً لقد خاض التجمع اليمني للإصلاح وأحزاب مجلس التنسيق ومنها الحزب الاشتراكي اليمني تجربة مشتركة خلال الفترة الماضية ضمن اللقاء المشترك خصوصاً مع بدء الاستعداد للانتخابات المقبلة لمجلس النواب والذي أثبتت خلال هذه الفترة إمكانية الاتفاق على مواقف مشتركة لصالح توفير الشروط لتسوية المسرح السياسي الوطني الذي يسمح بالتنافس الحزبي الحر في ظل الظروف الراهنة ومقاومة نزوع بعض الأوساط الحاكمة نحو مزيد من الهيمنة والسيطرة على إرادة الناخبين واكتساح الساحة السياسية الوطنية برمتها وتوزيع حصص ضئيلة على بقية الأحزاب كهبات .

. لقد تمكن اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام من التوصل إلى اتفاق تعديل قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وتنفيذ عملية القيد والتسجيل رغم ما صاحبها من مخالفات وتجاوزات للقانون والحقوق المكفولة للناخبين وهي تجربة أثبتت جدوى الحوار والتفاهم .

 ورغم ذلك فإنه لا يساورنا أي وهم بمدى الديمقراطية المسموح به إذ لا نزال بعيدين جداً عن الديمقراطية الحقة والتداول السلمي للسلطة ، تلك الأهداف التي ما زالت ماثلة أمام جميع المواطنين اليمنيين ولسوف تتحقق ذات يوم بالصبر والمثابرة والعمل المشترك .

 الأخوات والأخوة الحضور أيتها المندوبات والمندوبون إن اليمن بحاجة إلى إرساء دولة النظام والقانون ، دولة المؤسسات كي نتفرغ لمواجهة التحديات الكبرى في المجالات المختلفة وأهمها تعثر التنمية وشح المياه وتكاثر السكان وتفشي الفقر والفساد والأمية وتهميش المرأة وتراجع الهامش الديمقراطي وسيادة التخلف العلمي والمعرفي حتى بمقاييس البلدان المختلفة إلى جانب العجز أمام تحديات العولمة وقادها المؤثرة التي ستفرض مصالحها ورؤاها وسياستها وقيمها على الآخرين دون اكتراث باحتجاجاتهم الصاخبة .

 إن هذه التحديات الكبيرة الداخلية والخارجية تفرض على كل القوى السياسية الحية والفعاليات الاجتماعية في السلطة والمعارضة النهوض بواجباتها والدخول بدون تردد في حوار جاد ومسؤول وصولاً إلى بلورة ما يمكن الاتفاق عليه من أهداف مشتركة والسعي إلى تحقيق تلك الأهداف ولو بأساليب متباينة حسب موقع كل طرف داخل المجتمع وتأثيره وسط فئاته المختلفة ، ذلك أن النجاح في الوصول بالحوار الوطني إلى أهداف مشتركة أنفع للوطن والمواطنين من استمرار الاختلاف على كل شيء مع الاحتفاظ لكل طرف بالحق بالتمسك بما يراد حيوياً من أهداف ورؤى وبرامج خاصة .

وانطلاقاً من هذا الوعي كلفت اللجنة المركزية في دورتها الرابعة المنعقدة في أبريل 2002 ، مكتبها السياسي وأمانتها العامة التقدم بمبادرة سياسية تتضمن جملة من المقترحات والدعوة إلى الحوار بين القوى السياسية الفاعلة بهدف تدارس الأوضاع بعد أحداث سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية وسبل تجنيب بلادنا وشعبنا آثار الوضع الدولي الناشئ بعدها ، ولا زالت هذه المبادرة قائمة وذات مغزى خصوصاً في ظل التطورات الراهنة .

وفي هذا السياق فإن الحزب الاشتراكي اليمني يعبر عن ترحيبه بدعوة الأخ رئيس الجمهورية إلى الاصطفاف الوطني لمجابهة التحديات والمخاطر القائمة ، الأمر الذي يستلزم الإقدام فوراً على حوار بناء وصريح بين كل اليمنيين وقواهم السياسية على إختلاف توجهاتها .

السيدات والسادة أعضاء المؤتمر ينعقد مؤتمركم هذا في ظروف دولية تتسم بهيمنة القطب الواحد استباقاً لتعددية متوقعة يحاول القطب المهيمن خلالها فرض تفرده بالقرارات الحاسمة والمؤثرة على مسار السياسة العالمية وفي مختلف أقاليم الأرض وضمان مصالحه على التطورات المستقبلية ، كما ينعقد المؤتمر في ظل سعي حثيث للأوساط اليمنية الحاكمة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى إعادة رسم الخارطة السياسية للعالم العربي والشرق الأوسط بأسره ، بما يؤمن هيمنة إسرائيل العسكرية والسياسية والاقتصادية على المنطقة وفرض تسوية للصراع العربي الإسرائيلي يلائم مصالحها في ظل عجز عربي واضح مؤسسة على ضيق الهامش الديمقراطي والتضحية بالتنمية الشاملة المتوازية والتضامن العربي الفعال لصالح استحواذ القلة في كل بلد عربي على السلطة والثروة وما إعطاء إسرائيل الفرصة والغطاء الكاملين لارتكاب فضائع اغتيال الناشطين والقادة الميدانيين للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وتقتيل وترويع المدنيين الفلسطينيين وهدم البيوت وتوسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية من جهة وحشد الجيوش والعتاد الحربي المروع بهدف الاستعداد لشن الحرب على العراق من جهة أخرى إلا خطوات على هذا الطريق .

 إننا من موقع العجز عن فعل ما هو أكثر من تأثير نعلن تأييدنا لنضال الشعب العربي الفلسطيني في سبيل إقامة دولته المستقلة على أرضه حسب قرارات مجلس الأمن الدولي والشرعية الدولية كما نؤيد حق هذا الشعب في مقاومة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي بكفاءة الوسائل المتوفرة استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة .

وندعو الدول العربي وشعوبها وجميع الدول والقوى السياسية وبقية منظمات المجتمع المدني في العالم أجمع إلى كسر جدار الصمت وتقديم كل مقومات الدعم المادي والمعنوي لنضال الشعب العربي الفلسطيني المشروع ، كما نعلن تضامننا مع شعب العراق في سبيل حياة آمنة وكريمة على أرضه دون تدخل أو إملاء من الخارج ، كما نعلن رفضنا لأي عمل عسكري ضد العراق ونطالب مجلس الأمن بأسره إلى العمل إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط كلها من أسلحة الدمار الشامل .

ونحن إذ نجدد إدانتنا ورفضنا للإرهاب بكل أشكاله وصوره فإننا نرى أن التغلب عليه غير ممكن دون القضاء على أسبابه وتجفيف منابعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحقيق العدالة على الأرض ، وفي هذا السياق فإننا ندين إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية المنتخبة . أيها الإخوة لقد استمعنا جميعاً إلى مبادرة وزير الخارجية الأمريكية كولن باول تجاه الدول العربي والشرق الأوسط المعروفة بمبادرة الشراكة وما أثار ويثور حولها من جدل

ونحن في الحزب الإشتراكي اليمني نعتبر أن ما ورد في تلك المبادرة حول التنمية الديمقراطية خطوة إلى الأمام نأمل أن تجد طريقها إلى التحقيق .

إن الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى لا يمكن لأي بلد أن يعيش في قطيعة معها إلى ما لا نهاية وما يجب أن يرفض في سياستها الخارجية هو استخدام الطائرات والبوارج لفرض السياسات وتغيير الأنظمة بالقوة ودعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية أما الشراكة في التنمية والديمقراطية فالأمر لا ينبغي رفضه . ا

لأخوات والأخوة الضيوف أيتها المندوبات والمندوبون إن الحزب الاشتراكي اليمني إذ يهنئ قيادة وقواعد التجمع اليمني للإصلاح على عقد مؤتمره هذا فإنه يعرب عن ارتياحه للخطاب الإعلامي والسياسي الراهن للتجمع اليمني للإصلاح القائم على القبول بالآخر والانفتاح واعتماد الحوار المتكافئ سبيلاً وحيداً للتوصل إلى حلول للقضايا والمشكلات التي تهم الوطن والمواطنين .

لقد مرت العلاقات بين التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني بمحطات عديدة وهي اليوم أفضل من أي وقت مضى وقابلة للمزيد من التعاون والتنسيق ومهما كانت أوجه التباين الفكري والبرنامجي فإننا في الحزب الاشتراكي اليمني عازمون كل العزم على تغليب مصلحة الوطن وترسيخ أسس الديمقراطية وإبقاء الماضي وراء ظهورنا باعتباره تاريخاً والتطلع بكل عقولنا إلى المستقبل والتعامل مع كل القوى السياسية الفاعلة على قاعدة التعدد والقبول بالآخر ، والحوار المتكافئ والتنافس الشريف ، ومحاولة التوصل إلى سد ثغرات التجربة الديمقراطية وتوسيع هامشها المتاح والانتقال تدريجياً بالحياة السياسية اليمنية في الآتي من الزمن إلى رحاب الديمقراطية الناضجة والتداول السلمي للسلطة في ظل يمن ديمقراطي موحد ومزدهر

أخيراً أكرر تحياتي وكل أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني لهذا الجمع المبارك من أعضاء المؤتمر وخصوصاً الجيل الجديد منهم الذي يملأ هذه القاعة وهو مفعم بالعزيمة والحماس ، وأقول لهم إن أنظار كل أبناء اليمن متجهة إلى هذه القاعة وهي تتطلع إليكم واثقين كل الثقة بأنكم ستخرجون في مؤتمركم هذا بكل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض وبمزيد من التجديد والتأصيل النظري الشرعي للحرية والديمقراطية ومناهضة الإستبداد . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

-------

المصدر / موقع الشهيد جار الله عمر الاكتروني

الدكتور عبد السلام قاسم الدميني • من مواليد 1935 في قرية الأخطور بمديرية السياني – محافظة إب

• تطوع جندياً فور قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 في صفوف الحرس الوطني، ورقي إلى ملازم لشجاعته ثم التحق بلواء الثورة.

 • التحق عام 1963 بكلية الشرطة وتخرج منها عام 1964 ( الدفعة الأولى )بعد الثورة.

 • عمل إثرها في الشرطة العسكرية، ورئيساً لأركان اللواء الخامس.

• أسرته القوات الملكية مرتين ، وتمكن من الهرب ، ثم اعتقل في يونيو عام 1973 م في صنعاء ، يوم وصوله من موسكو لقضاء الإجازة.

 • سجل مواقف بطولية في النضال العسكري ضد قوى الملكية، وكان ممن تصدوا لما سمي بلجنة السلام . التي قدمت عام 1965 ،وممن تصدوا لمؤتمر حرض، وكان على رأس مظاهرة 3 أكتوبر الكبرى عام 1967 التي شجبت طرح النظام الجمهوري لأي استفتاء أو مساومة ولعب دوراً بطولياً في فك حصار السبعين يوما 67 – 68، وكان ممن أبعدوا إلى الجزائر إثر أحداث أغسطس 1968 ، ثم عاد إلى صنعاء. • 69 – 74 درس وتخرج في أكاديمية لينين السياسية في موسكو ونال درجة الماجستير في التاريخ

. • واصل دراسته العليا من74-78 ونال الدكتوراه عن أطرحته "قضايا التطور الاجتماعي– الاقتصادي للجمهورية العربية اليمنية ) ونال بها درجة مرشح في فلسفة العلوم الاقتصادية من جامعة لومونوسوف الحكومية في موسكو.

 • اجتهد في تحصيل المعارف النظرية، وثابر على نشر وترسيخ الأفكار الاشتراكية الثورية في صفوف جماهير الشعب.

• منذ بدابة مايو 80م استقر في صنعاء ، مؤدياً دوره في تحقيق الوحدة الوطنية . وكان على وشك السفر للعلاج في الخارج .

 • استشهد في الثامنة مساء من يوم الخميس 28آب (أغسطس) 1980م إلى جانب شقيقيه الطبيب العسكري عبد الكريم الدميني وشقيقه الأكبر عبد الله الدميني على يد مخابرات النظام الحاكم.

وباستشهاد المناضل عبدا لسلام الدميني فقدت الحركة الوطنية اليمنية أحد أعمدتها الصلبة كما فقدت جماهير الشعب اليمني شخصية فذة عانت آلامها ومآسيها ووهبت الحال والنفس في سبيل تحقيق طموحاتها . وخير دليل على ذلك المؤتمر الشعبي الذي عقدته الجماهير اليمنية في حائر العش تحت اسم : "مؤتمرالشهيد عبدالسلام الدميني شهيد السلم والديمقراطية" .

وفي الوقت الذي كان عبد السلام الدميني عضواً في لجنة الحوار الوطني الدائر بين النظام وسكرتارية الجبهة ويسعى بصدق وجدية إلى تحقيق السلام والديمقراطية، كانت قوى الظلام تعكف على نسج خطة اغتياله وإزهاق روحه السامية.

 السيرة الذاتية للمناضل الخالد / عبد القادر سعيد

الاسم: عبد القادر سعيد أحمد طاهر اللقب: أبو سند 

تاريخ الميلاد: 1941 م مكان الميلاد: الأغابرة القرية: الأغابرة 

العزلة: الأغابرة المديرية: حيفان 

النشأة: نشأ في القرية وتعلم بها كما تعلم الوطنية عن والده الذي كان أحد مناضلي 1948 م وأصيب بطلقة شظاياها ظلت تلازمه طوال حياته. درس في مدارس عدن - والتحق بحركة القوميين العرب وكان أحد قادتها البارزين.  

الدراسة: الثانوية - عدن. خريج كلية الثقافة العامه جامعة عدن 

الأدوار النضالية التي قام بها وشارك فيها:  

1 - تأسيس خلايا سرية لتنظيم حركة القوميين العرب "التواهي"  

2 - المسئول السياسي لتنظيم حركة القوميين العرب شمال اليمن - 1963 م  

. 3 - من مؤسسي تنظيم الجبهة القومية 

4 - عضو القيادة المركزية لحركة القوميين العرب بيروت عن شمال اليمن 1965 م.  

5 - مسئول القيادة التنسيقية للجبهة القومية وحركة القوميين العرب في الشمال. 

6 - مؤسس التنظيم الشعبي للقوى الوطنية  

7 - مؤتمر حرض 1965 م  

8 - مؤسس نادي الشباب الثقافي - تعز 66/1967 م.  

9 - المسئول الأول عن تنسيق المساعدات العسكرية والمالية لثورة 14 أكتوبر من تنظيم الشمال.  

10 - مسئول العلاقات السياسية مع الحكومة الشمالية لدعم سياسة الجبهة القومية. 

11 - الموجه السياسي والتنظيمي لأعضاء التنظيم في الشمال لملء الشواغر في تنظيم الجبهة القومية  

12 - المخاطب عن قيادة تنظيم الجبهة القومية مع سفراء . الدول في الشمال  

13 - المبادر لفك ارتباط الجبهة القومية بجبهة التحرير بسبب ارتباطها بالمخابرات المصرية 66/1967 م. 

14 - صاحب المبادرات في حل الخلاف بين جبهتي التحرير والقومية والحكومة اليمنية إبان الاقتتال الأهلي.  

15 - المبادرة للجبهة القومية بتحقيق المشاركة السياسية للأحزاب في عدن.  

16 - صاحب الدعوة لقيام جبهة وطنية للنضال السياسي. 

17 - السياسي الرافض لفكرة الكفاح المسلح في شمال اليمن. 

18 - المدافع عن الثورة المسلحة في الجنوب من منظور وطني، وملاءمة الكفاح ضد الاستعمار، وعدم ملاءمته بين اليمنيين، والرفض لفكرة الانقلابات. 

19 - رئيس فرع هيئة الرقابة على النقد - تعز.  

20 - مدير البنك المركزي اليمني - تعز.  

إضافات أخرى:  

1 - محاور موضوعي في المؤتمرات اليمنية للدفاع عن الثورة والجمهورية .. الجن - حرض ... إلخ 

2 - فرضت عليه الإقامة الجبرية لأكثر من مرة في تعز.  

3 - تعرض لمحاولات اغتيال متكررة. 

4 - عضو مؤسس للحزب الديمقراطي الثوري اليمني، وعضو الأمانة العامة للقيادة المركزية للحزب والمسئول السياسي. 

5 - اعتقلته حكومة القاضي الحجري 1973 م مع رفاق له في الحزب 

6 - توفي - في ظروف غامضة بمستشفى جبلة المعمداني - في شهريونيو 1974 م، وأصدر حزبه الحزب الديمقراطي الثوري اليمني بيانا اتهم فيه أحد عقداء المخابرات المركزية الأمريكية الذي كان يعمل طبيبا في المستشفى بأنه وراء وفاته - بسحب جميع السوائل من جسمه - 

تاريخ الوفاة: يونيو 1974 م ظروف الوفاة: غامضة مكان الدفن: تعز  

أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فلما تسجيليا عنه عام 1974 م

كتابات عن المناضل الجسور

 فتحي أبوالنصر

له صولات وجولات في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، ويكاد يكون المرجعية الأخلاقية الفائقة لكل رفقائه في العمل السياسي -ستينيات وسبعينيات القرن الفائت.

كانت روحه الفروسية دليلاً إلى ما يجب أن يكون، ويتفق مريدوه على أنه من أفضل النماذج التي أنتجتها هذه الحركة كمشروع وطني في ذهن مناضل عتيد؛ ما جعله واحداً من أهم رجالات الفكر السياسي الذين عرفتهم اليمن، وهو نتاج الانصهار القومي الاشتراكي الأسمى وطنيا.

مواليد مطلع الأربعينيات الذي انتمى مبكرا إلى أولى الخلايا التي شكلت حركة القوميين العرب في اليمن، كما ساهم على نحو بارز بتأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ككيان سياسي تقدمي في واقع متخلف يجلب الإحباط وأكثر.

يعتبر الحزب الديمقراطي من أهم وأوسع الكيانات الحزبية اليمنية التي خرجت من كنف حركة القوميين العرب في اليمن، وذلك الى جانب الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل، فيما كانت هذه الحركة وراء إنشائها أيضاً .

كثيرون تأثروا بألق عبدالقادر سعيد الذي جاء إلى عدن-حيث يعمل والده- من إحدى قرى عزلة الأغابرة والأعروق في الشمال، ليعيش هناك فترة الدراسة والتكوين المعرفي ، ثم بعد 62 عاد إلى تعز حيث كان من أبرز المهمومين سياسيا وثقافيا واجتماعيا بمصير الثورة والوطن، كما ظل التثقيف الذاتي همه الأول، يحث الآخرين عليه، والمصداقية رأسماله الشخصي في ممارسته للسياسة كإنسان "لا تعرف أحلامه الرائعة أي حدود".

في تلك الفترة، كان الرجل من بين قليل مناضلين بمثابة نقطة الالتقاء الروحي بين الجنوب والشمال، أو يمكن تشبيهه بالمهموم الوحدوي خالص النبل وطنيا، فإضافة إلى أنه حشد للانضمام للحرس الوطني من أجل الدفاع عن سبتمبر، كان من المساهمين الأوائل في انفجار ثورة أكتوبر.

لعل عام 63 كان حافلا للغاية في حياته السريعة، إذ كانت كتاباته الفكرية تهز الوجدان، وتجعله متفردا بكونه واحدا من أهم دعاة التسامح السياسي ورجل التحالفات الوطنية بامتياز. ولأن قضيته كانت كبيرة، ومنطقه الواعي كان حضارياً ومعتدلاً في مواجهة بنى التخلف وتعقيدات الواقع وأزماته، فقد كان بنقاوة نضالية عالية، كما كان ضد السياسة التي بلا معايير سوى الاستحواذ والفتك والحس الشمولي الغاشم.

في المجال الصحفي، تولى مسؤولية سكرتارية صحيفة "الثورة" لفترة ، كما أدار صحيفة "سبأ"، وفي المجال النقابي قام بتأسيس الاتحاد العمالي، بعد أن جعل من الحركات العمالية المتفرقة كيانا موحدا. كذلك في نفس الفترة ساهم بتأسيس المؤتمر الشعبي كأول حزب معلن في الشمال، قبل أن تقوم السلطات بحظره تحت مبرر منع الحزبية، ثم مع إعلان قيام الجبهة القومية لتحرير الجنوب، كان عبدالقادر سعيد أحد أرفع قيادييها المؤسسين.

آنذاك كانت مدينة تعز خيط الوصل بين الشمال والجنوب، كما كانت معقلا للحركات الوطنية، وللأفكار الحديثة للتحرر والتمدن والتقدم: وقتها ساهم عبدالقادر سعيد في تأسيس نادي الشباب الثقافي الذي كان مصنعا للجيل الوطني الجديد، لكن حكومة انقلاب 5 نوفمبر أمرت بإغلاقه –على نحو غاشم-بمجرد تعرشها على السلطة.

امتاز الحركيون اليمنيون عموماً –مثل بقية الحركيين القوميين في البلدان العربية الاخرى - بالتثقيف الفكري، والقدرة المشهودة للتوسع والاستقطاب، اضافة الى دعم وقيادة ومساندة جماهير بلدهم في معارك كفاحاتها التحررية بشكل عضوي لافت . ولقد عُد عبدالقادر سعيد الذي كان يفكر بطريقة" وماذا بعد ؟ " واحدا من الذين وقفوا مع عملية التحول الفكري القومي نحو اليسار- لحظة انطواء مرحلة في عمل ونضال حركة القوميين العرب- وفك الارتباط التنظيمي اليمني مع مركز قيادتها في بيروت، خصوصاً مع الوعي الموضوعي الذي طرأ بأهمية المسألة الطبقية في اعتبارات النضال والانتماء لقضية العدالة الاجتماعية، كما لضرورة توثيق نضالات الحركيين بالاعتبارات الوطنية بشكل خاص . وبما ان لحظة العالم هي للانعطاف الاشتراكي الحاد ، و للبناء الديمقراطي أيضاً ، كان تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني من معظم الحركيين العام 68: شيئاً فشيئاً انتشرت فروع هذا الحزب الواعد شمالا وجنوبا حتى كان من الفصائل القليلة لتي لها فروع خارج اليمن أيضا من الطلاب والمغتربين الوطنيين، رغم ظروف العمل السري الرهيبة، وتأثير الدعاية السامة المعادية لليسار بالذات.

عقب ذاك، كانت ثورة سبتمبر قد مرت بمآسٍ موحشة ومعقدة، إضافة إلى أن السعودية ظلت تمارس هوايتها المفضلة في مواصلة الصيد في المياه اليمنية العكرة عبر قواها التقليدية في اليمن، ولقد احتاج أبو سند (الاسم التنظيمي لعبدالقادر سعيد) معجزة كي يبقى على قيد الحياة قليلاً، فلقد كانت الاعتقالات على أشدها والتصفيات قائمة بجنون، غير أن الأوضاع سرعان ما تفجرت في صنعاء ومن ثم في بقية المدن الرئيسية، وراح ضحيتها العشرات والمئات للأسف، إن لم يكن الآلاف، ما بين قتيل ومعتقل ومفقود ومعذب ومشرد "بتهمة الحزبية".

بشجاعة ظل عبدالقادر سعيد يحذر من الطائفية لأنها لا تخدم أهداف الجمهورية الناشئة، كما ظل واعيا لأبعاد الصراع الطبقي ، بل ومعتبرا أن رحلة التطور في أي شعب رعوي عشائري، شاقة للغاية. ومع ايمانه الكبير بالطاقة الوطنية للانسان اليمني المهدور في ظل واقع التجزئة القائم والخطر الكبير على الثورة ، كان أحد أهم المؤثرين المدنيين في حركة المقاومة الوطنية التي تشكلت مع احتدام حرب الملكيين والجمهوريين، فيما كان صارماً يشدد على التفاصيل تنظيمياً، وله آمال بدور فائق لليمن في المنطقة، كما تميز بالنفس الطويل والرحابة والقدرة على الاستشراف والامل والتجاوز.

يقول عنه الأستاذ عبدالباري طاهر: إنه جزء أصيل من الضمير والوجدان الوطني. ويجمع كل من عرفوه على أنه رجل المهمات الاستثنائية بامتياز، في حين أن حضوره الفريد بين أوساط العمال والمثقفين والطلاب والتجار والعسكر والوجهاء ساهم كثيرا في انتشار شعبية الحزب الديمقراطي ووفرة المنتمين النوعيين إلى صفوفه.

بحسب شهادة للأستاذ أحمد قاسم دماج أحد أخلص رفقائه في محطات كثيرة: كان عبدالقادر سعيد حيويا وعميقا، ومثقفاً من طراز نادر، كما تمتاز مهارته بالتوازن الهادف والنقد الذاتي والاحتواء، وتلك البديهة العقلانية والعاطفية التي كالبرق.

عاش ابن المصور البسيط سعيد أحمد طاهر أحد مناضلي حركة 48، أشد بأسا وصلابة ونضوجا، فيما شخصيته الوفاقية وروحه التواقة للتنوير، جعلته يتصف بكونه كان مقنعاً على نحو آخاذ لعديد أطراف في الحركة الوطنية، وصاحب حضور متسق في التفكير والممارسة أيضاً، كما تفرد باعتباره عارم الألق في صفوف حزبه، إذ كان بجدارة، وهو القائد الشاب، على رأس زعماء الحزب الديمقراطي الذين جعلوه كياناً نوعياً على أكثر من صعيد، متميزاً باحتوائه لكوادر هامة سياسياً وثقافياً ونقابياً وعسكرياً واجتماعياً، وتحديداً لأكثر عناصر الحركة الوطنية حساً وإيثاراً وشغفاً بمسألة الوحدة الوطنية خلال تلك الفترة.

واضحٌ أن الرجل كان ملهماً لرفاقه تماماً، إذ تعامل معهم بروح خلاقة بلا شوائب تذكر، كما كان مهموماً بالمسألة التنظيمية ، ولم يكن تكوينه النفسي إلا زاهداً بالمقابل ، ولذلك رفض عدة مناصب رفيعة عُرضت له من صنعاء وعدن، ومقترحاً لها رفاقاً آخرين.

ولقد مثل الانفتاح النابه فضيلة من فضائل عبدالقادر سعيد في العمل الوطني، إذ كان على صلة وثيقة باتحاد الأدباء والكتاب مثلاً، كما كان على صلة محترمة بقيادات في تنظيم الضباط الأحرار، وأيضاً بالإخوان المسلمين، رغم أن هؤلاء رفضوا دعواته الحوارية المتكررة إلى لم الشمل السياسي على أسس وطنية في فترات كثيرة. وأيضا: كانت صلته طيبة بالبعثيين والناصريين، ومن كانوا في اتحاد الشعب الديمقراطي، وحتى قيادات في اتحاد القوى الشعبية كانت تكن له خالص الود نظراً لتفوقه في المبدئية الوطنية ذات البعد الثاقب، ولما تميز به تحليله الشخصي من الحكمة الفريدة.

المؤلم أنه اتهم بالرجعية من قبل عدد من الرفاق، حيث كان فكريا ضد العنف، فهو اليساري بلا تهور، ولذا وقف ضد من كانوا يريدون أن يكون الحزب الديمقراطي حزبا ثوريا صارما في مسألة الكفاح المسلح، كما وقف ضد الاستيلاء على السلطة في صنعاء بالقوة عن طريق الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى، ولعل موافقة الغالبية من الرفاق على تأسيس هذه الجبهة هي أقسى اختبار يتعرض له الرجل. تلك الحماسة كما توقع آلت للفشل الذريع، كما خلفت آثارها التاريخية والمعنوية الفادحة، وفي هذا الصدد ثمة شهادة بالغة المعنى للفقيد الكبير جار الله عمر أحد قادة الجبهة حينها -أعلنها قبل وفاته للزميل صادق ناشر بعد أن توصل إلى أهمية وضرورة أن يكون الحوار والنضال السلمي هو العقيدة السياسية المثلى والأنجع- مفادها أن عبدالقادر سعيد "كان هو الأكثر نضجا وتطورا منا جميعاً " .

يشهد الجميع لعبدالقادر سعيد بالطبع أنه لم يكن حينها طرفا في صراعات الرفاق في عدن كذلك، إذ كانت روحه تتأثر حزناً لما يجري، فلقد كان تفكيره الدائم منصباً في كيفية إنقاذ الذات اليمنية من التدهور الوطني الحاصل والرقي بها وحدوياً وانسانيا ، بينما كان يهدف في كل ممارساته إلى تكوين موقف سياسي متين لمختلف القوى على الساحة وفقاً لقاعدته الأساس في السياسة والفكر: "تنمية الحس الوطني المبدع والمسؤول".

بذلك كان الرجل ذا خصوصية خاصة لمثاليته، وحرارة صدقه مع الذات والآخر، إذ لم يستسغ أبداً الفاشيات الثورية أو الدينية أو العصبوية، كما ظل موضوعياً في رصده للتباينات والفجوات بعين غير مأزومة داومت على ترميم الخرابات برجاحة لا تهدأ. والشاهد أنه ملك التقدير كله، معتدا بذاته كما ينبغي، فيما يكفيه أنه بممارساته السياسية والاجتماعية النظيفة والمستقبلية، أضاف قيمة أخلاقية وحيوية ستبقى خالدة في تاريخ الحركة الوطنية والحزبية في اليمن.

صاغ عبدالقادر سعيد اختلافه هذا بدأبه الحلمي الباهر -تأسيساً لمرحلة النهضة التي كان يتمناها– فيما أوجاع تغريبته جاءت فوق كل الاحتمال، قبل أن يدفع روحه مؤمناً بخياره الوطني المقدس، كافراً بكل الذين دخلوا حظيرة المرضى المتواطئين الذين كانوا يفضلون الانتماء إلى مربعاتهم العصبوية الأولى، للأسف، بدلاً من الانتماء السليم للأفق الوطني المفتوح.

منتصف السبعينيات رحل في مستشفى جبلة بإب، بعد أن قضى لفترة معتقلاً في تعز، وتعرضه للتعذيب الرهيب. ولأنه كان مع تطلعات الشعب، وضد المشاريع الصغيرة، وحتى لا تفقد ثورة سبتمبر مضمونها الاجتماعي الذي ما زال ضائعاً حتى الآن، وصل عبدالقادر سعيد إلى أن يكون في مواجهة حقد الأوغاد كل لحظة، خصوصاً وأن عدوانية الذين أرادوا تجيير الثورة والالتفاف عليها كانت تتفاقم على نحو مخيف ورذيل وبشع.

غير أنه الرجل الذي كان يضيف قيمة ملفتة داخل النسق الوطني العام -الطري بعد الثورتين- بسلوكه الوطني المتجذر والصلب، كما ظل يمثل جيله الشاب الطامح لمعافاة الوطن، مفضلاً الاقتحام والمواجهة لفضح كل التزويرات والمغالطات التي تمت على حساب الأمل المرجو منهما، خصوصاً مع تهميش وإقصاء وإخماد المناضلين الحقيقيين، أصحاب الرؤية والكفاءة والدافع الوطني والموقف السياسي الجاد والنزيه.

ظل عبدالقادر سعيد حتى أيامه الأخيرة مع الصف الذي لم يفرط بالقيم الجمهورية أبدا، تائقاً للحرية وللعدالة وللكرامة، كما للسوية الوطنية الفعالة، على الضد تماماً من كائنات الريال الأخضر، أو المغامرين السياسيين، أو كائنات العصبية المناطقية أو المذهبية.

هذا الراحل الكبير الذي دفن جثمانه بمدينة تعز في جنازة بدت كأنها مظاهرة عن حق المواطنة ومواجهة أشباح الظلام بعدم اليأس، ومعنى أن يكون الوطن للجميع، أقيمت له حينها جنازة رمزية مهيبة في مدينة عدن، شهدت مشاركة شعبية واسعة. كما تدفق الرفاق بالمئات من صنعاء وبقية مدن اليمن، لتقديم واجب العزاء، كاشفين جباههم التي لا تنحني للمخبرين، في تحدٍّ ساطع انتصرت فيه جذوة الشرف وعزيمة الرفض للاستلاب.

بالتأكيد، فإن اسمه العابر في صفحات التاريخ الوطني الحديث، سيبقى مضيئا على الدوام، وبانتظار الإنصاف اللائق، بصفته درساً وطنياً خلاباً وراسخاً بالمغايرة والمراس الصعب وقيم الأصالة والتجدد معاً، كما باعتباره حالة نضالية نادرة، تشبه أغنية جميلة تقض مضاجع أصحاب القلوب الخشنة، فيما يصعب على التاريخ إغفالها أو التعالي عنها، رغم أن منطق اليوم هو لتجليات الوجه الآخر للاستبداد وللاستغلال باسم الثورتين، حيث مشهد النشاز الذي تفوق –وما زال يتفوق- بالانتهازيين والسطحيين وكبار المحترفين من المنتفعين وقتلة الأحلام المشروعة الذين وقف عبدالقادر سعيد ضدهم، أولئك الذين أخلوا بقيم الجمهوريتين، فصاروا أبطالاً لمناخات البؤس الحاضرة ولعدم الوئام الوطني، كما جعلوا شخصية اليمنيين في الحضيض، بل ويكادون تماماً أن يدمروا ما تبقى من الذاكرة الوطنية المشرفة، وبما يمكن أن نزهو به من التاريخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملف كتبة و اعده : منصور السروري

عبد القادر سعيد .. ماذا تبقى من سيرته النضالية النادرة ؟

ربما شاءت الظروف التاريخية أن تأتي أحداثها المصيرية لتقرير حياة شعبنا اليمني في الشهور الأربعة الأخيرة من الأعوام التي وقعت فيها تلك الأحداث المصيرية ابتداءً من ثورة أكتوبر فالاستقلال 30 نوفمبر 67 م حتى 8 فبراير 1968 .

وها نحن كل عام نحتفي بهذه الاحداث في أيام من هذه الشهور المتلاحقة .

وهنا استغل فرصة هذه الاحتفاءات لأذكر أن بين من شاركوا في تحقيق النصر في هذه الأحداث رجال صدقوا ما عاهدوا الوطن علية منهم من قضى اثناءها ومنهم على اثرها ومنهم ما يزال حياً ولكنه ابتعد عن الجيش و الحكومة وبحث عن مهنة أخرى يعيش عليها وهو يعانق السبعين أو الستين من عمره دون عائل يعيله ومنهم من يزال حياً غير محروم من حقوقه على الأقل انه يعيش مستوراً .

أقول ان من بين المناضلين الكُثر النادرين مثل كل شيء جميل مناضلين لم يتبق من سيرتهم النضالية (اسمائهم) فقط .

ومن هؤلاء المناضلين الذين توافرت فيهم السمات الذاتية والموضوعية في شخصياتهم القيادية الفقيد عبدالقادر سعيد أحمد طاهر الأغبري أحد أبرز العناصر القيادية لحركة القوميين العرب فرع اليمن والتي كانت بيروت مقراً لمركزها منذ تأسست في الخمسينيات .

التحق هذا القائد منذ البداية بالحركة في عدن ولعب دوراً كبيراً في أوساط النقابيين والمعلمين والطلاب والعمال في التوعية والاستقطاب .. حتى ان التحاق الشهيد القائد عبدالفتاح اسماعيل الأغبري بالحركة القومية كان عبر عبدالقادر سعيد باعتبارهما من عزلة واحدة وتربطهما علاقة تعارف وصداقة .

فـ عبدالقادر من الرعيل المبكر في صفوف الحركة بعد القادة فيصل عبداللطيف الشعيبي وسلطان احمد عمر (العبسي) و عبد الحافظ قائد القباطي و قحطان الشعبي وغيرهم .

مثقف وقائد نادر

منذ بضع سنوات تقارب العقد .. وأنا اجمع أية معلومات عن سيرته ومسيرته في صفوف الحركة القومية ثم المراكز القيادية التي تولاها في الحزب الديمقراطي الثوري وعن سيرته العملية فهو أحد مؤسسي العديد من المؤسسات الحكومية والوطنية كالبنك المركزي اليمني وكان رئيساً لفرع خزانة البنك بمحافظة تعز .

أما عن المتاعب والمعاناة التي عاشها أغلب سني عمره خاصة نهاية الستينات حتى منتصف السبعينيات ووفاته في حضن حكيم الأدباء والكتاب اليمنيين والمناضل الوطني المخضرم أحمد قاسم دماج الرئيس السابق لاتحاد الأدباء والكتاب .

أما عن سيرته التي كانت كلها معاناة خلال تلك السنوات فكل الذين كتبوا عنه للأسف الشديد لم يسلطوا الضوء على جميع جوانب حياته المليئة بالمتاعب والوعي والرؤية الثاقبة وكل من كتب عنه أو ذكره في سياق حوار صحفي ما أو في مجلس عابر لم يزد أو يذكر شيئاً جديداً .. فالجميع يقول ان الفقيد كان قائداً حركياً نادراً أو ذا مقدرة فائقة في أي حوار على اقناع الطرف الذي يناقشه .. أو كانت أخلاقه تجبر من يتعرف علية لا يملك إلا ان تجعله يحبه ويقدره ابلغ تقدير .

حكاية نادرة

مما سمعته على لسان كثيرين ان بعض القياديين أرادوا تصفيته لاختلافه معهم في وجهات النظر حول العديد من القضايا .. وكلف شخص للقيام بالمهمة .. وذهب الشخص الذي كلف بتصفيته اليه في منزله .. فاستضافه عبدالقادر سعيد و أكرم وفادته .. وشهد مجلسه الذي ضم عدداً من المثقفين والأدباء والسياسيين .. وقرر ان يصارحه بالحقيقة بعد ان رأى منه ما رأى من أخلاق وكرم وثقافة عالية ومقدرة في الاقناع ورؤية ثاقبة وعملية وممكنة في التعاطي مع الاحداث .. وكانت المفاجأة واعطاه المسدس الذي حمله قصد تصفيته وحذره ان يحترس ويأخذ الحذر ممن يخططون لتصفيته من رفاقه في العمل السياسي .. وسمعت أنه رد عليه (( إذا كان هذا القرار قد أتخذ من قبل الأمانة العامة فأنا أرحب به )) .

نفهم من هذه الحكاية ومن خلال كثيرين سألتهم عن الفقيد أنه كان يمتلك رؤية مختلفة جديدة في عدد من المسائل بعضها متعلقة بكيفية العمل السياسي داخل الحزب وبين اعضائه من ناحية ومن أخرى بين الحزب وبقية فرقاء الحياة السياسية في تلك الفترة ومما قاله (عبدالإله القدسي) : (كانت رؤيته في كل الأحوال ترتكز على الانتماء الذاتي ويقصد بذلك ان اليمني يعاني من ضعف الانتماء لذاته .. وأنه يعيش حالة اغتراب مع ذاته دائماً .. وهذه الرؤية تبلورت في إرادته التي كان يسعى الى اقناع الآخرين بها سواء داخل الحزب بين عناصره أم في طرحه ضمن مشروعه السياسي فهو أي الفقيد أراد ارساء ثقافة وطنية غير منغلقة وإنما منفتحة على كافة الجوانب الإنسانية .. ثقافة تستفيد من كافة التجارب الإنسانية في سياق البناء والتحديث ولا تنقل نقلاً ميكانيكياً) .

واذا ما صح الذي طرحه عبد الإله القدسي عن الفقيد باعتباره كان من الذين سمعوه وهو يطرح اراءه فهذا يضعنا أمام اعتبارات مبهمة ابعادها .. وهي اجابات لأسئلة ماتزال مغيبة عنا .

هل يخشى الذين كانوا يعرفونه ويختلفون معه في وجهات النظر ان يبينوا دقة رؤيته في ما كان يطرحه ؟ .. في وقت كانوا فيه يتهمون رؤاه بالقصور ؟ أم يخشون انهم سينكرون حقيقة رؤاه يومها ؟ ربما كانوا معذورين في حال الخوف من ان يزوروا ما كان يراه الفقيد .. وربما تعللوا ان الفقيد لم يكن يكتب منهجه الفكري والسياسي .. وهنا أريد منهم ان يعللوا بهذا المبرر .. المهم ان يكتبوا ما يبرر عزوفهم عن تسليط الضوء عنه .. حتى نوثق على الاقل ما يمكن ان نلحقه من سيرته النادرة .

عينة جديدة للحزن

ومما سمعته ان شاعر اليمن الأكبر عبدالله البردوني رثاه بقصيدة في ديوان ((لعيني أم بلقيس)) هي قصيدة ((عينة جديدة للحزن)) وأتذكر انه أيضاً كتب عنه حلقة خاصة في برنامج (مع الصالحين) عام 1997.

اخيراً

لأن الحديث عن قامة وطنية بحجم عبدالقادر سعيد حديث معقد .. ادعو كل من عرفه ان يكتب عنه ما يعرفه قصدية انصافه ميتاً وهو أدنى شيء نقدمه .. وكذا عبد الحافظ قائد الذي لا يقل عنه أهمية لأن انصافنا لمثل هؤلاء هو مقدمة اصلاحنا لأنفسنا والوطن .

مرثيات:

رثاه الشهيد المناضل عبدالفتاح اسماعيل

مَرْثِيَّة لَفَقِيْد الْحَرَكَة الْوَطَنِيَّة

عَبْدُالْقَادِر سَعِيْد أَحْمَد طَاهِر

من ديوان نجمة تقود البحر للشهيد المناضل عبد الفتاح اسماعيل

الافْتِتَاحِيَّة :

" لَيْس كُل مَن مَات مَات

فَهُنَاك مَن يَعِيْش مَيْتَا

وَمَيْت يَنْبُض حَيّا

رَغْم الْمَمَات "

(1)

الْمَوْت

هَذَا الطُّغْيَان

قُرْصَان لا يَخْجَل

فَض عُرْيَان

فِي وَضَح الْنَّهَار

يَغْدُو أَعْمَى

يُدَمِّر .. يُفْنِي

يَمِيْنَا ... يَسْارا

لَكّنَه لَو يَدْرِي ؟

بِكَوْنِه مَأْسَاة

أَنَّه يَصْنَع

لِسِر الْحَيَاة مَسَارَا

(2)

فِي غِيَابِ الرَّبِيْع

كُنْت الرَّبِيْع

تَشْدُو بِحُبِّ كَبِيْر

يَفِيْضُ عَلَى ضِفَّتَيْهِ الْشَّجَن

تُخَفِّفُ عَن الْنَّاسِ آَلامُهُم

فِي خِضْم مَآَسِي الْمِحَن

تَزْرَع فِي الْيَأَس

نَبْض الأمَل

بِأَرْض الْرَّجَاء

فَي رِبُوعِ الْوَطَن

* * *

وَفَجْأة ذُهِلْنَا

صُعِقْنَا

وَكَيْف نُصَدِّق ؟

بِأَن سَتَّار الرَّبِيْع

سَيُسدِل !

فِي صَنْعَاء وَعَدَن ؟

وَبِمَوْتِك

تُدْمَى الْقُلُوْب

وَتَنْتَحِب الْذِّكْرَيَات

وَكُل بِلادِي تَتَدَّثّر

بِحُلَّة حُزْن

تَنْعِي ضِيَاهَا

تَنْعِي فَتَاهِا

فَقِيْد الْيُمْن

(3)

فَقَدْنَاك

وَكُنْت تَحْمِل عَنَّا هُمُوْمْنا

كَشَمِ الْجِبَال

وَتُصَارِع بِعِلْمٍ .. بِفَنٍ

تُعَانِي

تُعَذِّب

تُرْمَى .. عَلَيْك قُيُودَا ثِقَالا

وَرَغْم الْعَنَاء

عِشْت حَرّاً شَرِيْفَاً

وَكُنْت عُنُوْداً صَبُوْرَاً

تُوَاصِل مَسِيْرَة شَعْبِك

جَنُوْبِا .. شِمَالاً

فَكَلَّت قُوَاك

لِكَثْرَة مَا قَد صَنَعْت

شَهِيْدا سَقَطْت

فَطُوبِي

طُوّبِي لِمَا قَد فَعَلَت

(4)

فَقَدْنَاك ..

وَمِن نُوُر عَيْنَيْك

نَسَجْت خُيُوْط الْضِّيَاء لَنَا

بِأَرْض تَشْكُو ظَلامَ الْضَّيَاع

وَمِن حَنَايَا قَلْبِك

غَزَلْت كَثِيْفَا حُبَّك

لِلْطَّيِّبِين

وَمَن يَسْمُوَا رِعَاعَا

لِتُغَيِّر وَضْعَاً

فِيْه أُنَاس يَمُوْتُوْن شِبّاعاً

وَأُنَاس جِيَاع

وَفِي أَزْمَاتِ المحُك

فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ

عِنْد هُبُوْب الْرِّيَاح

كُنْت تَتَحَلَّى بِعَزْمٍ شُجَاع

ولسَّفِينَة شَعْبِك كُنْت شِرَاعاً

وَرَغْم ثُلُوْج الْعَوَاصِف

كُنْت تُشْعَل نَاراً

تَشْتَعِل شَمْعَة

لَتُنَظِّم مَعْنَى الْصِّرَاع

(5)

لا .. آَه نَعَم

فَقَدْنَاك

يَا نَجْم الْضِّيَاء

يُنِيْر الْعَتَمَة

فِي كَبَد الْسَّمَاء

تَأَلَّق دَوْمَا بِصَمْت

ثُم هَوَى

أَحَقّا هَوَيْت ؟

مُحَال فَهَذَا الْسِنّا

يُضِئ الْدَّيَاجِي هُنَا

يَصْنَع جِسْرَا

مِن الْنُّوْر

لِلْقَادِمِيْن

وَكُل الْجُمُوْع

وَلِكُل صَدِيْق

وَشَعْبِك

يَا أَعَز حَبِيْب رَفِيْق

سَيَمْضِي بِعَزْم

إِثْر خُطَاك

لِيُكْمِل مُسَار الْطَّرِيْق

الْخَاتِمَة :

أَنْت مُت

يَقُوْلَهَا الْبَعْض سِرا

بِحِقْد وَفِيْه ارْتِيَاح

وَشَعْبُك يَعْرِف

أَنَّك حَي

فَهَل مَات

نُوُر الْصَّبَاح ؟!!

اليمن الديمقراطية

*عدن* - 30/مايو/1974م

.................. .......................

الدكتور عبد العزيز المقالح يرثي الشهيد عبد القادر سعيد بقصيدة بعنوان

"الرحيـــــل قبــــــل مجــــــيء الفَجْــــــر"

لماذا تعجَّلْتَ؟

مَنْ سَيُسَوّي ترابَكَ؟ منْ سيشيِّعُ جثمانَكَ؟.. اللَّيلُ أنيابُهُ مشرعاتٌ، بوارجُهُ تمخرُ البحرَ.. كلُّ الرِّفاقِ - بعيداً - يعانونَ في السجنِ في جُزُرِ النَّفْيِ. والأرضُ مهجورةٌ والرِّماحُ سليبةْ.

واقفاً هكذا مُتَّ، لنْ يدفنوكَ، وما أكثرَ الرّاحلينَ وقوفاً، وأقدامُهم تسحقُ اللَّيلَ، تدهسُ أشباحَهُ في بقايا الكهوفِ الرَّهيبةْ.

لماذا تعجَّلْتَ قبلَ مجيءِ الصباحِ؟

احترقْتَ لكيما تنيرَ، أضاءَ رحيلُكَ للقادمينَ معَ الفَجْرِ، ليتَكَ لم تحترقْ. كانَ صوتُكَ للقادمينَ دليلاً، وكانَ زئيرُكَ مقبرةً للوجوهِ الغريبةْ.

يا فماً، ويداً، وحساماً فقدْناهُ في وحشةِ اللَّيلِ.. هذا زمانُ العيونِ المدمّاةِ حزناً، زمانُ الفجيعةِ والقهرِ والسَّفَرِ الدَّمَوِيِّ على النارِ نحوَ النهارِ الجديدِ، زمانُ الرَّحيلِ إلى الفَجْرِ عَبْرَ بحارِ الظلامِ الكئيبةْ.

كلَّما انطفأَتْ شعلةٌ في الطريقِ إلى غَدِنا، تتضاعفُ أحزانُنا، ويطولُ الطريقُ، يحاصرُنا اليأسُ؛ لكنَّنا فوقَ جِسْرِ الدموعِ سنمضي، ستمضي الجموعُ التي أثقلَتْها المخاوفُ والحزنُ، لنْ يتوقَّفَ زحفُ الرِّفاقِ إلى مدنِ الحُلْمِ.. كلُّ فتى سوفَ يحملُ إنجيلَهُ - دامياً - وصليبهْ.

في فصولِ الأسى ترتديني، ووجهَ بلادي الكآبةُ، يصطادُني الشَّكُّ، أسقطُ دمعاً على شجرِ الرّاحلينَ فتورقُ ناراً، تصيرُ الدموعُ انتقاماً منَ الموتِ.. أنسى الكآبةَ، ألمحُ في ضوئِها شعبَنا يتمخَّضُ، يولدُ جيلاً جديداً له منْ ملامحِ هذا الذي ماتَ إيمانُهُ، وله منهُ ضِحْكـاتُهُ في الزَّنازنِ، إشراقُهُ في اللَّيالي العصيبةْ.

حينَ أذكرُ أحلامَنا في الظلامِ الذي راحَ، أذكرُ أحزانَنا في الظلامِ الذي جاءَ؛ أبكي.. فينتفضُ الحزنُ أعمدةً وجسوراً منَ النورِ، ينهرُني صارخاً:

- لم يمتْ هوَ ما زالَ حيّاً يعلِّمُنا حكمةَ الرَّفْضِ والحبِّ، يقرأُ في غدِنا، يتملَّى المصانعَ منْ حافةِ الفَجْرِ، منْ شُرُفاتِ الحقولِ الخصيبةْ.

أنتَ ما زلتَ حيّاً - إذنْ - بينَنا.

أتعشَّقُ صوتَكَ في الرَّعْدِ، في الرِّيحِ، في دمدماتِ القنابلِ. لا، لم تمتْ أنتَ، جسمُكَ في راحةٍ منْ عناءِ الحياةِ، وصوتُكَ ما زالَ حيّاً، يرودُ القرى الجائعاتِ، ويغشى بها مدنَ البؤسِ والطرقاتِ الجديبةْ.

وغداً أيها الرّاحلُ الحيُّ سوفَ تراهم.. رفاقَكَ، أشبالَكَ القادمينَ معَ الفَجْرِ، يخترقونَ المدينةَ كالنورِ، تحملُ أكتافُهم شُعَلَ النصرِ، أرغفةً للجياعِ، دواوينَ شعرٍ توزِّعُها الشمسُ للعاشقينَ هدايا، وشوقاً لأمِّ النهارِ الحبيبةْ.

ان شاعر اليمن الأكبر عبدالله البردوني كتب قصيدة في ديوان ((لعيني أم بلقيس)) هي قصيدة ((عينة جديدة للحزن)) وأتذكر انه أيضاً كتب عنه حلقة خاصة في برنامج (مع الصالحين) عام 1997.

مثلما تعصر نهديها السحابه **** تمطر الجدران صمتاً وكآبه

يسقط الظل على الظل كما****ترتمي فوق السآمات الذبابه

يمضغ السقف وأحداق الكوى****لغطاً ميتاً وأصداءً مصابه

مزقاً من ذكريات وهوى****وكؤوساً من جراحات مذابه

* * *

تبحث الأحزان في الأحزان عن****وترٍ باكٍ وعن حلق ربابه

عن نعاس يملك الأحلام عن****شجن أعمق من تيه الضبابه

تسعل الأشجار، تحسو ظلها **** تجمد الساعات من برد الرتابه

* * *

ها هنا الحزن على عادته**** فلماذا اليوم للحزن غرابه؟

ينزوي كالبوم يهمي كالدبى**** يرتخي، يمتد، يزداد رحابه

يلبس الأجفان، يمتص الرؤى**** يمتطي للعنف أسراب الدعابه

يلتوي مثل الأفاعي، يغتلي**** كالمدى العطشى ويسطو كالعصابه

يرتدي زي المرائي... ينكفي ****عارياً كالصخر شوكي الصلابه

* * *

وبلا حس يغني وبلا ****سبب يبكي ويستبكي الخطابه

يكتب الأقدار في ثانية**** ثم في ثانية يمحو الكتابه

للثواني اليوم أيد وفم****مثلما تعدو على المذعور غابه

وعيون تغزل اللمح كما ****تغزل الأشباح أنقاض الخرابه

* * *

من ينسّينا مرارات العدى؟ **** من يقوينا على حمل الصحابه؟

من يعيد الشجو للأحزان؟ من**** يمنح التسهيد أوجاع الصبابه؟

من يرد اللون للألوان؟ من**** يهب الأكفان شيئاً من خلابه

* * *

كان للمألوف لون وشذى ****كان للمجهول شوق ومهابه