أخـــر الأخبــــار

 
خالد عبدالهادي

خالد عبدالهادي

كاتب وصحفي يمني

الأحد, 07 آذار/مارس 2021 01:22

مأرب.. حبة الكرز المرة!

بالإمكان توقع أن هجوم شتاء 2020 الذي انتهى بسيطرة الحوثيين على نهم، شكل اللحظة التي أوحت لهم بمهاجمة مأرب مجدداً وتحقيق نتيجة مغايرة لما منوا به من هزيمة في هجومهم الأول عام 2015.

للتحقق من سلامة هذا التوقع، لنلقِ نظرة على سلوك الحوثيين بعد سيطرتهم على نهم، شنوا هجوماً كبيراً في الحزم عاصمة الجوف، فسيطروا عليها في مارس 2020، وتوغلوا شرقاً وشمالاً حتى أحكموا أولى حلقات الطوق الذي سيضربونه حول مأرب، ولم ينتصف العام نفسه إلا وهم يهاجمون في مناطق مراد جنوب مأرب، مكملين بذلك طوقاً يحيط بالمدينة من شمالها حتى جنوبها.

وهكذا لم يكن ناقصاً سوى حبات الكرز لإضافتها على الكعكة المعدة للاحتفال بتلك النتائج!

أريد أن أخلص بهذا العرض الموجز إلى أن الاعتداء الراهن على مأرب لم يقفز فجأة إلى أذهان قادة الحوثية، ما يعني ببساطة أنهم قد أعدوا له عدته البشرية واللوجستية طوال عام كامل بما لا يؤثر على موقف قواتهم في الجبهات الباقية.

سيقود هذا التقدير إلى الإسهام في الجدل الدائر حول ما الأفضل لتخفيف ثقل الضغط على مأرب؛ الدفع بتعزيزات للاشتراك في القتال المستعر على أبوابها، أم شن عمليات قتالية في جبهات أخرى لإجبار الحوثيين على نقل مقاتليهم وقطعاتهم الحربية إلى بقية الجبهات، حيث اندلع القتال؟

كلا الخيارين مفيدان وسيكون من حسن التدبير اتخاذهما معاً، لكن الأول ضروري وإجباري في التوقيت الحالي.

والأمر مرتبط أيضاً برهانات الحوثيين وتفضيلاتهم؛ إذ ما داموا قد أعدوا لمعركة مأرب بما لا يضعف موقفهم في الجبهات الأخرى فليس متوقعاً أن يغيروا وجهة إمداداتهم المتجهة شرقاً.

والأهم هي تفضيلات هؤلاء القتلة العنصريين؛ فوفقاً لمنطق التخطيط العسكري والاستراتيجي، بوسعنا تصور أنهم قد يخاطرون بوضعهم في أي جبهة أخرى مقابل أن يربحوا الموقف في مأرب.

 

من صفحته في "فيسبوك".

الإثنين, 04 كانون1/ديسمبر 2017 16:47

صالح.. العمل بالآجل

تحول لهجة علي صالح وردة فعله المستكينين في أغسطس الماضي إلى ما يطبعهما الآن من استعصاء في مواجهة مقاتلي الحركة الحوثية، يومئ إلى العامل الخارجي الذي اشترك في تحفيز هذا التحول, فضلاً عن أن القتال كان خياره الوحيد لإبعاد رقبته عن متناول الحوثيين.

لكن طبقاً لموازين القوة لدى طرفي تحالف صنعاء الدموي الرجعي, لا يمكن لصالح- في المدى القصير- أن يوسع تطلعاته إلى أبعد من الدفاع عن شراكته في هذا التحالف بعدما قوضها الحوثيون وإعادة العمل بالحد غير المرئي الذي يشطر صنعاء فيمنحه السيطرة على قسمها الجنوبي ويسند لحلفائه الحوثيين السيطرة على القسم الشمالي, جرياً على ما سارت عليه القسمة في 2011 بين قواته وقوات علي محسن الموالية لثورة فبراير.

وبجملة اعتراضية.. ليس هذا التقسيم نتاج ضربة حظ بل يستند إلى أسس عدة تعكس مجتمعةً مشكلات الاندماج الاجتماعي والسكاني المديني, وزاد من ترسيخ تلك الأسس انتقال السلطة إلى صالح القادم من مناطق القبائل المحيطة بجنوب صنعاء, والتي حين انتقلت للعيش في العاصمة, تركزت في تجمعات مغلقة داخل جنوب العاصمة, الأقرب إلى مناطقها. 

لا يبدو حتى الآن أن قوات الرئيس المعزول قد تلقت عوناً من طرفي التحالف العربي المشتركين في توجيه هذا التطور: السعودية والإمارات, لكن يمكن القول إن صالحاً سيعمل بدين آجل يتحدد وزنه بما سيحرزه الرجل.

ومع ما يرافق أنباء الاقتتال من مبالغات يضخها أتباع صالح, غير أن الأخير سيرفع من سقف طموحاته كلما تنامت تحت إمرته مصادر القوة.

عاطفياً وسياسياً واستراتيجياً: إنها من الأوقات الجيدة النادرة التي جادت بها السنوات الثلاث الأخيرة, إذ لا أعدل لشعب أثخنه أعداؤه من أن يرى سلاحهم موجهاً إلى نحور بعض. ولن يكون مناضلاً ولا ثورياً من يرمي نفسه في إحدى مقطورات الأتباع التي يجرها طرفا هذا العدو, إنما من يتحرك على هامش تناحرهما ليضعفهما معاً وصولاً إلى ربح الصراع.

الأربعاء, 11 تشرين1/أكتوير 2017 16:18

وطنية يمنية لا قومية يمنية

لمًا منح دعاة "القومية اليمنية" صك الجمهورية لكل من ليس حوثياً أوهاشمياً مهما بلغ سوء سيرته العامة, بدا علي عبدالله صالح جمهورياً في عيونهم وعولوا عليه "استعادة الجمهورية"!

ولأنهم عدًوا كل ذي نسب هاشمي مذنباً وخطراً على الجمهورية حتى إن سال دمه في الدفاع عنها, فقد ترعرع هذا المعيار في مخيلاتهم واستأنسوا به إلى أن هجروا الفرز السياسي واعتمدوا الفرز العرقي لتقييم الأحداث والشخصيات العامة.

لا أكتب هذا تعليقاً على الاستياء الذي انتاب كثيرين جراء تعيين ضابط أمن بلقب هاشمي مديراً للشرطة في محافظة مارب فهو جزئية داخل مشكلة, بل للتعليق على الاتجاه القائل إن القومية اليمنية هي الحل الناجع لمشكلات اليمن التاريخية ومجمل دعاواه التي يسوقها منذ أن التقط هذه النغمة الآتية من داخل مصفوفة ملآى بنغمات ما قبل الوطنية من طائفية ومناطقية وعرقية.

ليست حتى شوفينية, الدعوة إلى مزاولة السياسة من باب قوميةٍ ما إنما هي دعوة للانحدار إلى العرقية, إذ الشوفينية التي مع رفضها أيضاً أقل انحداراً وضرراً بوصفها تعصباً للوطنية المتطرفة.

ويغيب عن هؤلاء أن خوض السياسة بأفق القومية ينتج معادلة العرقية السياسية مثلما أن ممارسة السياسة بأفق الطائفة تنشىء معادلة الطائفية السياسية.

كانت الوطنية اليمنية وما تزال الملاذ الحضاري الإنساني والواقعي الممكن لدمج ذوي المذاهب والقوميات والمناطق... والمساواة بينهم تحت مظلة المواطنة, مع تمتع كل هؤلاء بحق التنوع المذهبي والجهوي والم في إطاره الثقافي فحسب.

وما دام فينا طاقات للنضال فلنناضل في سبيل القيم الوطنية المنتمية للمستقبل, لا أن نرتد نحو خيارات الماضي اللاوطنية لنواجه بها ما انبعث من الماضي.

الثلاثاء, 03 تشرين1/أكتوير 2017 16:54

مأساة التعليم

 

علاوة على أن نظام علي عبدالله صالح وجه ضربات مميتة للتعليم الحكومي, فقد أسند إدارته خلال معظم الفترات إلى حلفائه الإسلاميين مكافأةً لهم نظير خدماتهم النفيسة ودعمهم إياه طوال أوقات "الشدة".

وكانت أهنأ حفلة يمكن للحلفاء إقامتها على جثة التعليم العام هي إنشاء مؤسساتهم التعليمية الخاصة، من روضات التعليم التمهيدي حتى الجامعات, التي سيقصدها لاحقاً كل الأثرياء القادرين على إرسال أبنائهم إليها لتلقي تعليم حديث يلبي متطلبات السوق, بعدما اقتصرت وظيفة التعليم العام في أفضل الأحوال على محو هش للأمية الأبجدية.

وجاء الحوثيون؛ حلفاء صالح الجدد والأشد جشعاً ونزوعاً لتدمير الخدمات العامة وإقامة مصالحهم الخاصة على أنقاض ما دمروه, فكانت أولى سياساتهم التربوية مواراة جثة التعليم وتوظيف الإمكانات التعليمية في فتح مدارسهم الخاصة في مقابل إغلاق مرافق التعليم الحكومي بعدما أقعدوا المعلمين في المنازل إثر سرقة رواتبهم.

الحوثيون يسابقون الزمن لتجهيز مدارس خاصة تضاهي بجودتها وسمعتها مدارس سابقيهم إلى حد أن يحيى بدر الدين الذي استوزروه على التعليم في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم "دشن العام الدراسي" يوم السبت الماضي من مدرسة خاصة يعتقد أنه يمتلكها, في الوقت الذي ما تزال المدارس العامة مغلقة.

هذا دليل إضافي على أن المذبحة التي دبروها ضد الشعب ويسفحون فيها دمه منذ 2014 لها صوراً أخرى, تنعكس إحداها في وجوه التلاميذ المحرومين من التعليم, وأن الحوثيين لا يذيعون بشاعتهم من وراء المدفعية التي ترسل الموت إلى منازل الأبرياء فحسب بل يمكن مقابلتها أمام كل مدرسة مغلق بابها أو مستشفى يفترشه مرضى متعبون لا يجدون تطبيبا.

الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 19:06

مقاومة الجوع

ألجأ إفلاس سلطة 21 سبتمبر للخزينة العامة وعجزها عن دفع معاشات الموظفين العموميين، الفئات التي توهمت أن بوسعها النأي عن الصراع حتى النهاية إلى التفكير في ما ينبغي فعله لحمل هذه السلطة على سداد ما عليها من حق لمواطنيها.

وذهب المتضررون مذاهب شتى في اقتراح أساليب احتجاجية تجبر السلطة على الانصياع لمطلبهم، فمنهم من نادى بإضراب تدرجي عن العمل ومنهم من باشر وضع شارات حمراء إنذارية فيما دعا آخرون إلى تنظيم مظاهرات، وكان أجرأ تلك المقترحات، الدعوة إلى ثورة شعبية في شوارع المدن وميادينها.

حين تشتد وطأة الفقر، وتنضم بطون جديدة إلى دائرة الجوع، سيتسأنف المتذمرون الغاضبون تلويحهم بتلك الأساليب الاحتجاجية وقد يقبلون على إنفاذها، لكنهم لن يجنوا سوى مزيد من القمع والاستخفاف بجوعهم.

سيصب الساخطون مزيداً من اللعنات على سلطة صالح والحوثي في منصات الإعلام الاجتماعي وسيضع الموظفون شارات حمراء على سواعدهم الواهنة من الجوع وسيضربون عن العمل الذي لم يعد ينتج شيئاً وسيتظاهرون بسلمية، ظانين أنهم يضغطون بذلك على السلطة غير انهم سيكتشفون في نهاية المطاف أنهم بددوا أوقاتهم وجهودهم سدى وأنهم كانوا مستغفلين.

ذلك أن طبيعة أي سلطة حاكمة هي ما يحدد أداة النضال ضدها، لذا سيكون وهماً كبيراً أي تحرك احتجاجي ضد سلطة 21 سبتمبر لا يرقى إلى انتظام المتضررين منها في تنظيمات وأشكال مقاومة لها والتمدد في مقاومتها على أوسع نطاق ممكن حتى إسقاطها وإقامة سلطة بديلة، تصون حقوق مواطنيها وتعبأ بمطالبهم.

ولا يشبه ذلك الوهم إلا وهم سلطة الرئيس عبدربه هادي وحلفائه الداخليين والخارجيين الذين ينتظرون انفجاراً ذاتياً للمواطنين المحكومين بسلطة صالح والحوثي ضدها حين ينفد صبرهم، غير مستوعبين أن التنظيم السياسي المعني بتدبير ذلك مفقود حالياً أو أنهم لا يريدون استيعاب ذلك هرباً من استحضار ما يعدونها صورة للوحش في مخيلاتهم.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

 

 

الإثنين, 07 تشرين2/نوفمبر 2016 19:43

مسعد الحدي..علامة نضال خالدة

كان كل ما في الراحل الكبير مسعد الحدي يشي أنك أمام مناضل لم يستورد إلى معجمه النضالي مفردة المهادنة، بدءاً من بذلته الداكنة التي ما إن تقع عليها العين حتى تتداعى إلى الذهن تلك البزات التي ارتداها رجال الجبهة الوطنية إبان سني كفاحهم الهائل لمقاومة بطش أنظمة ما بعد نوفمبر 1967, ونبرته التي من حدتها تخال أنها انفلقت من صخرة بركانية في منطقة دمت لا بد أن مسعداً تحصن وراءها مرةً وصوب بندقيته نحو فصيلة عسكرية أرادت اقتحام قرية، وصولاً إلى جبهة لم يحنها صاحبها قط لغير مبادئه فتجعدت قبل الأوان ومنحتها الأرض التي صال في دروبها من دمت إلى لبنان لون ترابها الأخضر.

وكأن كل ما أبلاه هذا الاشتراكي الصلب بدا غير كاف لمناضل لا يرتضي بغير منزلة في سدرة المناضلين العليا فزهد عما زهد فيه جار الله عمر وعبدالفتاح إسماعيل وعلي صالح عباد وكثيرون من حطام الدنيا، وعوضاً عن ذلك صرف عنايته إلى قناعاته النضالية مواظباً على تمتينها وساهراً على حمايتها من أي اختراق أو ضعف ولذلك تحلت بذينك الثبات والفولاذية اللذين كتبا فصول سيرة مرصعة بالشرف والفخر.

يا للحسرة حقاً! أن يرحل مسعد مكشوفاً من أي غطاء كان ينبغي لقيادة الحزب الاشتراكي اليمني أن تلقيه عليه سواء في أيامه الأخيرة أو عقب وفاته التي لا يثير توقيتها وارتباطها بوفاة متزامنة لأحد أقربائه غير الارتياب.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الثلاثاء, 25 تشرين1/أكتوير 2016 22:04

جذر المجاعة

ليست المجاعة التي تضرب تهامة وترسل تلك المشاهد المريعة نتاجاً طارئاً ضمن ويلات 21 سبتمبر 2014 وإن كانت إحدى مضاعفاتها جراء الانصراف عن الحلول الآنية المسكنة.
المجاعة التي لن تتوقف في تهامة هي محصلة تراكمية لسياسات اجتماعية واقتصادية قهرية لا وطنية تأسست قديماً ورسخها نظام علي عبدالله صالح وحلفاؤه فأفرزت هذا الفقر المدقع الذي استفحل اليوم في صورة مجاعة فظيعة وفي المقابل فتحت الباب لتركز الثروات بيد القلة الطفيلية المستغلة للسلطة.
ولن يكون الحل أبداً بقوافل الإحسان ولا بحملات المنظمات المحلية أو الدولية, فما تلقيه مثل هذه التحركات في متناول هؤلاء المنكوبين من غذاء هو مسكن أيضاً, يسكت جوعهم مؤقتاً غير أنه يبقيهم أسرى لواقعهم الناتج عن تلك السياسات التي علاوة على أنها صادرت ما كان حقاً لهم من الأراضي الزراعية وباقي الحقوق الاقتصادية, لم تؤمن يوماً بمفاهيم من قبيل "اقتصاد وطني" أو "عدالة اجتماعية".
الحل في تمكين سياسات اجتماعية واقتصادية بديلة على قاعدة العدالة الاجتماعية, يطلقها نظام سياسي يتوافر فيه صدق الإرادة السياسية ووضوح الغاية ثم سلامة الوسيلة التنفيذية وكفاءة النظرية.
من المفارقات أن أولئك البلهاء المغفلين والأوغاد الخليقين بالاحتقار دوماً هم الأعلى صوتاً الآن في استثارة "إنسانية" اليمنيين والعالم لمواجهة المجاعة, فماذا كانوا يتوقعون غير الجوع والحرب والأوبئة القاتلة من سلطة يتقاسمها علي صالح وعبدالملك الحوثي!

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

السبت, 08 تشرين1/أكتوير 2016 20:27

إرباك للمهمة الوطنية

بمثل هذا الجذام الأخلاقي، ينحدر مسلك الحرب -والحرب دوماً انحدار كلما جاءت عدوانية مبادئة- حين تتفلت من قواعد التشريع السماوية والقانون الدولي وأخلاقيات الأمم.

لا تخدم جرائم استهداف المدنيين التي تكللت بقصف مجلس عزاء يغص بالمدنيين هذا المساء سوى الراغبين بإبقاء قرار المعركة الوطنية ضد حلف صالح والحوثي الرجعي الغاشم مشوشاً ومعلقاً بأيد خارجية تذود عن مصالحها بكيفية مرتبكة، دون أن تعبأ بمتطلبات نجاح المعركة اليمنية الوطنية لاستعادة الدولة والسلام.

وليس خافياً أن التحالف الخليجي بزعامة السعودية يقاتل خلف مصالحه منذ 17 شهراً باستراتيجية غائمة منقوصة وبارتباك، يطبع المعركة اليمنية بخصائصه تارةً ويستمدها من واقع هذه المعركة وأطرافها تارة أخرى.

سيستمر هذا الارتباط السلبي ويتكرس طالما تقاعست أطراف المعركة الوطنية عن التمايز؛ سواء التمايز عن العامل الخارجي أو التمايز البيني مع الاستمرار في دفع الهدف المشترك قدما.

 

الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

 

الثلاثاء, 23 آب/أغسطس 2016 19:37

نقد الفاعلين المفترضين لا جلد الأمكنة

يوماً بعد آخر, تتنامى الأصوات المنفعلة وتتعالى محقرةً من شأن المناطق والمحافظات التي لم تحمل السلاح لمجابهة قوات صالح والحوثي المعتدية, وقادحةً في "نخوة" أهاليها.

 

ليست المحافظات بمنظمات أو أحزاب سياسية ولا هي اتجاهات فكرية مجردة حتى يطالب المتحمسون النزقون منطقة هنا ومحافظة هناك بمقاومة العصابات المسلحة المعتدية ويصموا منطقةً ما بالخنوع لأنها لم تشترك في المقاومة المسلحة.
وما ينشئه المواطنون في مناطقهم من منظمات وأحزاب سياسية واتحادات اجتماعية هو ما يكتسب سمات سياسية وثقافية مائزة. لذا فهذه الإطارات هي المعنية بخطاب النقد أما الأمكنة بالمعنى الذي يتجه إليه خطاب الملامة الانفعالي فلا تحتمل شيئاً من ذلك إلا عند "المناطقيين" الذين يفسرون قرارات الناس وخياراتهم السياسية بالانتماء الجغرافي المجرد, دون فحص العوامل السياسية والاجتماعية.

خارج هذا التفاعل بين الأمكنة وقاطنيها, لا ينبغي تناول المناطق والمحافظات بما تبقى لها من أسمائها العَلَمية الدالة على المكان فقط, فلم تقترن منطقة بمدلول سياسي معين أو رمزية ثقافية إلا نسبة إلى ما نشأ عليها من أيديولوجيات ومذاهب ثقافية تزعمتها حركات سياسية وجماعات ثقافية, الأمر الذي يعيدنا مرة أخرى إلى الفاعلين الذين ينبغي توجيه الخطاب والنقد إليهم.

وتاريخياً, الحركات السياسية والاتحادات الاجتماعية ذات الشخصية المحددة الواضحة هي من عنت بتبني الكفاح لمجابهة الاضطهاد المحلي أو الاحتلال الخارجي وتنظيم المواطنين في صفوفها وكسب ولاء السكان

والمناطق والمحافظات مرة أخرى -في دولة المواطنين- مجرد تقسيمات إدارية لتسهيل إدارة الشأن العام, فلا تمايز هوياتياً ولا استثنائية تخص وحدة إدارية دون أخرى, بل تنوع ثقافي واجتماعي يشكل في مجموعه الفسيفساء الوطنية, وتنافس في التقدم الاجتماعي والتطور الإنمائي.

وما دمنا نصبو إلى صوغ مقاومة وطنية ترتكز إلى أساس سياسي واجتماعي فلنخاطب الفاعلين المفترضين من النخب السياسية والاجتماعية والمنظمات والأحزاب, أما من يخاطبون الجهات والمناطق فيوعزون من حيث لا يدركون ببعث مقاومات مناطقية وجهوية. 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

 

 

 

الأحد, 21 آب/أغسطس 2016 19:50

صورة جديدة للفاشية

شرعية سلطةٍ ما تعني في أكثر تعريفاتها شهرةً وبساطةً رضا الناس بها.
وإذا كان المواطنون قد أكدوا رفضهم لحكم علي صالح وعبدالملك الحوثي بأقوى طريقة ممكنة حين حملوا السلاح وقاوموا طغيان هذين الحليفين في أصقاع شتى من البلاد فما الذي سيغنيه جلب الكادحين المسحوقين وموظفي الأجهزة الإدارية والأمنية والأنصار المتعصبين لملء ميدان السبعين سوى تمتين عرى الطائفية السياسية وباقي العصبيات التي ألفت بين قلبيهما بعد عداء مرير.

لوكان صالح والحوثي يملكان الحنكة السياسية التي يريدان ارتداء مظهر زائف لها بتنظيم المهرجانات لأقنعا الملايين الرافضين لحكمهما بقبوله, فضلاً عن إقناع المقاومين الذين تلون خنادقهم خارطة البلاد كلها بإلقاء السلاح

أما الهروب إلى المظهر الجماهيري الملفَق لتزييف الواقع فلم يعد يخدع أي مستبصر منذ ساقت الأنظمة الفاشية أنصارها ومقهوريها إلى الساحات العامة قبل أن تقدمهم وقوداً لحروبها الإجرامية أو تسحق آدميتهم تحت وحشية أطماعها وسادية طموحاتها.

لمتابعة قناة الاشتراكي نت على التليجرام

اشترك بالضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

 

السبت, 08 آب/أغسطس 2015 19:26

"رجل الدبابة" اليمني

كيف بوسع رجل تدمير دبابة بيدين عاريتين وصدر أعزل!

هذا ما تنطوي عليه بدعة مدهشة من "رجل دبابة" آخر قادم من جبل صبر هذه المرة.

بينما كانت دبابات الجيش الصيني تسحق المتظاهرين في ميدان السماء خلال تظاهرات عام 1989 المطالبة بإصلاحات وحريات أوسع, تصدى متظاهر مجهول الهوية لرتل من الدبابات بجسده ومنعها من المرور في مشهد أذهل العالم وأسال حبر الصحافة العالمية التي أطلقت عليه "رجل الدبابة" ليتحول إلى أيقونة خالدة للتضحية ومواجهة القوة باللاعنف.

ومازال العالم يجهل حتى الآن مصير ذلك المتظاهر الذي لم يتطلب خلوده سوى ومضة خاطفة من عدسة جيف ويندر المصور في وكالة اسوشيتد برس.

أما رجل الدبابة اليمني فبطولته تضاهي بطولة متظاهر ميدان السماء غير أنها وقعت في ريف قصي عن العالم, لا تلتمع فيه أضواء كاميرات المصورين المحترفين.

لم تكن طباع مدرس اللغة العربية التي لطًفها نسيم جبل صبر تشي بأنه سيصنع مشهداً رهيباً حين يقف وحيداً في مواجهة وحش حديدي زنته 40 طناً وسرية من مسلحين غرباء اقتحموا منطقته وشرعوا في إخضاع سكانها.

بدأت صلة جمال سلطان الذي كان في أواخر عقده الرابع بالدبابة حين تمكن الحوثيون من إيصال دبابة من طراز تي-62 الروسية إلى قرية ذي عنقب في مديرية مشرعة وحدنان المطلة على مدينة تعز تمهيداً لقصف مواقع المقاومة الشعبية المتناثرة تحت مرمى الدبابة.

ونظم الأهالي تظاهرة سلمية يوم العاشر من يوليو الماضي انتهت إلى حيث تربض الدبابة لإقناع الحوثيين بعدم شن عمليات قصف من مناطقهم, واشتعل حماس جمال على وقع الرفض الشعبي فتدبًر صفيحة بنزين ثم اعتلى الدبابة وأخذ يرش البنزين في جسمها مع ارتباك المسلحين الذين انشغلوا بمحاولة استرضاء المحتجين الغاضبين.

أشعل جمال النار في الدبابة فامتدت إلى حاوية القذائف التي انفجرت، مدمرةً الدبابة مما فجر غضب المسلحين الحوثيين فأطلقوا النار عليه ليردوه في الحال.

ولئن كانت روح جمال قد استراحت في الأبدية, لكن عزيمته التي فلًت حديد الدبابة ما تزال تهدي مزيداً من الرجال إلى جبهة المقاومة في صبر.

جبهة جديدة لم تمضِ على اشتعالها ثلاثة أسابيع حتى يكاد الوجود الطارئ والمتلصص للجماعة العنيفة ينطمس أمام الأهالي الذين يتهجى غالبيتهم أبجدية فنون القتال, لكنهم يدحرون قوات تلقت تدريبات مكثفة وتحوز عتاداً لا سبيل إلى مقارنته ببنادق المقاومين الخفيفة.

ولو سئل أهالي مشرعة وحدنان عن سر هذه المفارقات لربما ردوا بأن بطولة جمال سلطان سرت في نفوسهم فحسب.

الجمعة, 01 أيار 2015 18:29

قواعد اشتباك جديدة

خلال أسبوع واحد, توالت وقائع كثيرة تنبئ طبيعتها وسياقها عن أن قواعد جديدة اعتمدتها الأطراف الخارجية والداخلية المتصارعة فـي نطاق الجغرافيا اليمنية, وهي قواعد ناظمة للعمليات العسكرية أو لترتيبات المرحلة السياسية المقبلة.

بداية, أطلقت جيوش التحالف العربي بقيادة السعودية عملية تستوعب العمليات العسكرية والسياسية سمتها «إعادة الأمل» لتكون أكثر مرونة واستجابة للمهمات القتالية المحدودة السريعة وتواكب التطورات الميدانية بدلاً عن «عاصفة الحزم» التي دمرت القدرات العسكرية الاستراتيجية لدى قوات صالح والحوثي.

أعقبت السعودية تلك الخطوة بتوسيع تحركاتها السياسية, لتشكيل ملمح عن سبل إدارة المرحلة السياسية المقبلة التي تخطط المملكة لأن تكون صاحبة الكلمة العليا في توجيهها, وكذلك واصلت العمل لشق الصف السياسي والقبلي الموالي للرئيس السابق علي عبدالله صالح.

ويمثل ظهور آخر قادة الدولة الجنوبية علي سالم البيض في الرياض يوم الثلاثاء عنواناً عريضاً لثمار التحركات السعودية وتعبيراً ذا دلالة كاملة عن خطة الرياض للتعامل مع المرحلة المقبلة, لا سيما مستقبل الجنوب بما في ذلك إعادة البيض إلى المدار السعودي الذي سبق أن دار فيه قبل 21 عاما.

من جهته أطلق صالح خلال أسبوع رسالتين لجس استجابة النظام السعودي, ملوحاً باستعداده للانسلاخ من تحالفه مع الحوثيين مقابل الفوز بالرضا السعودي.

وفي حين كثفت المقاتلات السعودية غاراتها على أهداف لقوات الحوثيين وصالح, طورت إيران العدو الإقليمي اللدود للمملكة, ردود فعلها يوم الثلاثاء بتحديها للحظر الجوي المفروض على الأجواء اليمنية وكادت طائرة لها تهبط في مطار صنعاء قبل أن تقصف مقاتلة مدرج المطار وتمنع هبوطها.

 وفي اليوم ذاته, اعترضت البحرية الإيرانية سفينة حاويات في المياه الدولية ترفع علم جزر مارشال واقتادتها إلى ميناء بندر عباس الإيراني لتثبت قدرتها على إزعاج حركة الملاحة الدولية. وقد تصعد من ردودها بما يدفع المنطقة إلى حرب شاملة.

كان مجلس الأمن الدولي عين مطلع الأسبوع, الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد شيخ أحمد مبعوثاً إلى اليمن خلفاً لجمال بنعمر الذي استقال من مهمته بعد ثلاثة أعوام قضاها في صلب السياسة اليمنية وتصميم اتفاقات, انهزمت أمام جموح الحرب.

 وقوبل أداء الدبلوماسي المغربي بانتقادات إقليمية ومحلية واسعة, أبرزها تصميمه على السير في محادثات سياسية بعدما أطاح الحوثيون وصالح بالرئيس هادي مطلع هذا العام.

بعيداً عن الانتقادات الإقليمية والمحلية الصادرة تبعاً لمصالح تلك الأطراف, تعثر جمال بنعمر في مسألتين رئيستين: الأولى, أنه تشبث بدبلوماسيه مفرطة في قضايا لا تحتمل مسلكاً دبلوماسياً حتى النهاية, والثانية أنه كان متخلفاً عن تقدير مخاطر المشهد اليمني على نحو يمكن قياسه بتلك المسافة الفاصلة بين قعر الهاوية وحافتها.

ففي الوقت الذي كانت البلاد قد انزلقت إلى قلب الحرب الأهلية, ظل هو يحذر من أنها على حافة الحرب.

وأثر عامل خارجي في إخفاقات بنعمر, إذ لم يرق لأنظمة الممالك الخليجية خصوصاً السعودية وقطر اللتين أبدى إعلامهما تذمراً واضحاً بشأن ذلك, خلال الأشهر الأخيرة من نشاطه, لأن تلك الأنظمة كانت تأمل من الدبلوماسي المغربي استعمال نبرة مختلفة في تقييم سلوك الحوثيين حيال العملية الانتقالية في تقاريره المرفوعة إلى مجلس الأمن.

ثم إن السعودية لم تكن لتتقبل أساساً أن يتصرف بنعمر باستقلالية عن رغباتها, جرياً على ما اعتادت عليه من الإملاءات والتدخلات, فضلاً عن أنها ترى أحقيتها بتوجيه الإشراف على تطبيق المبادرة الخليجية التي تزعمت إطلاقها لنقل السلطة وتقييم سلوك الأطراف اليمنية بشأنها.

ومع ما أبداه بنعمر من صبر خلال مهمته اليمنية, لكنه أفسد ذلك بلجوئه إلى تعويم النقد, عبر إلقائه باللائمة مراراً على كل الأطراف في تعثر العملية الانتقالية, بلا تمييز بين تفاوت المسؤوليات النابع من تفاوت السلطات, إذ ثمة تفاوت صارخ بين قوى امتلكت سلطات أو فجرت حروباً, مبدية تصميماً على تعطيل المحادثات وقوى سياسية مدنية أظهرت حرصاً كبيراً على إنجاح التسوية.

بعبارة أخرى, أغفل بنعمر لدى تقييمه مبدأ أن المسؤولية على قدر السلطة. ومهما يكن من إخفاقاته, لكن الإنصاف يقتضي الإقرار بتعقد المشهد السياسي وفوضويته في مرحلة ما بعد 2011 ولم يكن سواه لينجز ما هو أفضل لتحسين هذا المشهد, عدا أنه كان في إمكانه اتباع خطة عمل أفضل.

في عدن, أعلنت القوات الشعبية التي تخوض قتالاً لصد قوات صالح والحوثي عن المدينة تشكيل قيادة موحدة لإدارة عملياتها في قرار من شأنه تنظيم أعمال المقاومة.

وأبدت المقاومة الشعبية على اختلاف مشاربها في مدن الجنوب والوسط قدرة على اعتراض مشروع تحالف صالح والحوثي وربما تتمكن من إسقاطه وتبديده خلال الأيام المقبلة.

فدخول القتال في مدن عدن والضالع ولحج شهره الثاني دون استطاعة القوات المهاجمة حسم الموقف عسكرياً يعني تعثر مشروع تحالف الحرب أمام رفض شعبي اتخذ أسلوب المقاومة المسلحة بما يشير إلى أحد خيارين: استمرار حرب أهلية طويلة الأجل لن يستطيع أحد الطرفين إخضاع الآخر وفرض مشروعه أو اقتناع التحالف الطائفي الجهوي بسقوط مشروعه ووقف حربه العدوانية.

وبقدر أهمية قدرة المقاومة على كسر شكيمة تحالف الحرب والصمود على الأرض فثمة أهمية مماثلة لضرورة أن تتتمكن من إفراغ نتائجها الميدانية لاحقاً في مكاسب سياسية مستقلة, إذ أن الرجال الماكثين في الرياض هذه الأيام هم البدلاء المحتملون لإدارة المرحلة السياسية المقبلة كما تخطط السعودية.

في المقابل, برهن تحالف صالح والحوثي على طبيعته الفاشية الإجرامية بإيغال قواته في دماء المدنيين العزل وإحراق المدن كما هي الحال في عدن وتعز والضالع.

تعود صالح خلال حكمه الذي امتد 33 عاماً على تحقيق انتصارات في أوقات قصيرة خلال كل حروبه الداخلية, ولذا هو مضطرب منذ أدار دفة حربه جنوباً, ظاناً أن معركة عدن وحدها لن تطول أكثر من يوم واحد وإذا بها تتجاوز الشهر.

وعبدالملك الحوثي ألف إحراز انتصارات سهلة أيضاً من عمران شمالاً حتى الحديدة غرباً وإب التي في الوسط, حيث كانت ساعات معدودة يعسكر خلالها مقاتلوه في مداخل حواضر تلك المحافظات كافية لأن يتسلم مندوبوه مفاتيح المدن وتشرع قواته في الانتشار والسيطرة.

أما الآن فكلما تعقد النصر الذي يبحث عنه صالح والحوثي, تقترف قواتهما مزيداً من البطش والجرائم بحق المدنيين وأهالي المدن العصية على التسليم.

ضمن ارتدادات هذا العامل, يبذل صالح آخر محاولاته لاستعطاف النظام السعودي, ساعياً لإظهار تمايز متأخر عن حلفائه الحوثيين وتحميلهم, ضمناً, المسؤولية عن الزج بالجيش الموالي له في الأساس في حرب على مدن الجنوب والوسط.

وهذه المرة الأولى التي يتنصل فيها صالح من الحوثيين في مؤشر على موقفه الحرج, إذ أنه لم يعبأ في السابق بالاتهامات الموجهة إليه بالتحالف مع الجماعة العنيفة.

فعدا عن أنه ألقى باللائمة على الحوثيين في شن الحرب الدائرة حالياً خلال مقابلة مقتضبة له مع صحيفة اليمن اليوم التابعة له منتصف الأسبوع الماضي, عاد صالح يوم الجمعة الماضي ليقترح وقف القتال وسحب الميليشيات من المدن.

بدا واضحاً من أسئلة المقابلة وإجاباته أنها وضعت بعناية كي ينفي صالح علاقته بالجيش وهي العلاقة التي نسبها للحوثيين, لكن وهو يلجأ لهذه الحيلة المكشوفة تناسى أنه توعد في مارس الماضي بشن الحرب في الجنوب وإغلاق منافذ الهرب أمام القادة الجنوبيين وفي مقدمتهم عبدربه هادي.

مناورة أخرى خادعة من صالح ستنتهي إلى الإخفاق على الأرجح, إلا إذا جند نفسه وقواته للوقيعة بحلفائه الحوثيين ومساعدة السعودية في القضاء عليهم بإعطاء أوامر لقواته بوقف القتال وتركهم وحيدين في الجبهات, وكذا تسليم ما لديه ومساعديه من أسرار عن تحركاتهم وقواتهم للمملكة.

ربما يكون الرجل مقبلاً على حيلة أخيرة, تبقيه في المشهد, خصوصاً أنه غير ساذج ليبعث بإشارة فارغة المضمون إلى النظام السعودي وهو يعلم أن الوقت يوشك على النفاد, لذا يجب قراءة هذه الإشارة منه أنها قد تكون جادة بقدر ما قد تكون مناورة.

لكن تغطية الإعلام السعودي في الأيام الأخيرة تفصح عن أن المملكة تصرف جزءاً من معركتها لتجريد صالح من الطبقة السياسية والمشيخية الملتفة حوله لتذكيره بقدرتها على سلب تأثيره السياسي والقبلي مثلما صنعته ابتداء.

يتضح ذلك في تحفيز سياسيين وشيوخ قبليين على الانشقاق عن الرئيس المعزول والترويج لذلك في الإعلام السعودي, حتى مع أن هذه الخطوة قد تكون آنية من رجال لهم باع في الدوران وراء المصالح, لكنها خطوة مناسبة للمزاج الملكي الذي يهوى هذا النوع من الانتصارات ولا يهم بعدئذ ما سيكون.

أما عبدالملك الحوثي فبدا في آخر خطاب له منفصلاً عن الواقع انفصالاً تاماً ومغرقاً في الروحانيات والديماجوجية التي فسر بها وقائع الحرب والسياسة.

 ومن أوضح ما قاله في هذا الجانب إن هدف الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية هو إعادة اليمن إلى الحضن الإسرائيلي والحضن الأميركي اللذين كانت حركته قد استنقذت البلاد منهما!

يكشف خطابا الحليفين عن الهواجس المسيطرة عليهما, فلئن أبانت رسائل صالح عن أمير حرب متمرس يحاول النفاذ بجلده ومستقبله السياسي فإن خطاب الحوثي يقدم أمير حرب آخر يعيش حالة «جهاد» ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وقد تجسمتا لديه في طواحين الهواء ومواطنيه العزل, غير مبال بالنهاية.

 

الإثنين, 23 شباط/فبراير 2015 19:12

تثوير شخصية الرئيس

 

يرى كثيرون في اختراق الرئيس عبدربه منصور هادي للحصار الحوثي والانتقال إلى عدن حالة انتصار كامل. ويمكن تفهم هذا الشعور الذي انتقل من مجرد انفعال شعبي إلى أداء سياسي, بفعل تعاظم القهر الشعبي ولهفة الشعور العام إلى بصيص أمل في الخلاص نتيجة العجرفة والتسلط الدنيء اللذين أمعنت الحركة الحوثية العنيفة في حكم الشعب بهما خلال وقت قصير.

لكن المهم هو ما ستنطوي عليه تحركات الرئيس خلال الأيام القليلة المقبلة لإحداث فارق معنوي وعملي, ينقل الدولة الشرعية من حالة الأفول والاستضعاف إلى تفكيك الدويلات المصغرة وتذويبها في جسم الدولة.

بأداء الرئيس الذي لمسه الجميع خلال ثلاثة أعوام وتصورات السياسيين المتحلقين حوله, لن يستطيع هادي إنجاز شيء يُذكر أمام عبء ضخم وتحد مصيري.

ولهادي أيضاً شخصيته التي ليس في الإمكان تثويرها أو الإضافة إليها ما ليس فيها, لذلك من الصعب تصور هادي يخرج من معتقله ليخطب في حشود غفيرة ويبدأ الزحف نحو القصر الرئاسي كما فعل الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو تشافيز بعدما حاصرته المعارضة المسلحة وكادت تقلب نظامه عام 2002.

سيكون الرئيس بحاجة إلى أداء ثوري, (بمدلول الثورية التي تعني طريقة صارخة غير عادية في العمل) بواسطة فريق مختلف لا تمت تقديراته وقدراته بصلة إلى الفريق السابق.

الأربعاء, 11 شباط/فبراير 2015 18:05

ملحمتنا العصرية

 

ما من ثورة حقيقية إلا وترج الكيان الوطني رجاً عميقاً شديداً فيظل ينفض أمراضه وعلله حقبة طويلة, وهذا ما تكفلت به ثورة فبراير التي رجت الكيان اليمني كما لم يختض من قبل فشرع في  فرز أسقامه إلى السطح منذ 2011 بما فيها من أمراض اجتماعية وعصبيات فئوية صغيرة وطائفية وجهوية.

سوف يستمر الكيان الوطني في إفراز كل أمراضه إلى السطح ليبقى في نهاية المطاف أصـــــيـلاً صحيحاً وستستعير تلك الأمــــراض أكثر من قشرة مبهرجة خادعة, لكنها لن تزيد عن أن تكون أوعية استقطاب للغرائز البدائية والعصبيات الصغيرة, سرعان ما ستستسلم للانطمار والزوال.

ولعل في الهجمات العصبوية والثارات المغيرة على وطن الشعب الذي صنع هذا الحدث العبقري ويتحمل تداعياته بصبر جميل, منحة لنا إذ مع كل غارة يسقط قناع جديد وتنخلع يافطة زائفة.

لا مبالغة في أن ثورة 11 فبراير التي نحتفي بذكراها الرابعة هي ملحمة اليمنيين العصرية بعدما كانت ملحماتهم قد توقفت منذ عصور؛ ملحمة في الكفاح اللاعنيف والبذل والاتحاد, وهي ملحمتنا التي قدمت اليمنيين للعالم؛ شعباً كبيراً متحضراً يصبو لمستقبل لائق بعدما ظل حقباً طويلة في مخيلات الشعوب كقبيلة صغيرة ترزح في الماضي.

كذلك, أطلقت ثورة فبراير الشعبية السلمية أوسع عملية سياسية في أوساط الفئات الشعبية على مدى تاريخ البلاد الحديث في حدث لا يمكن أن يتكرر إلا بحساب القرون أو العقود في أفضل الأحوال, فنقلت الشأن العام من أبراج النخب إلى ساحات الناس العاديين  بعدما طوعته بطريقة عبقرية ليغدو قضية يومية تخوض فيه الملايين.

ويبقى درس «فبراير» الأهم, أنها أيقظت في الشعب حقيقة قوته الجبارة حين يتحد خلف غاية كبرى ومدى هشاشة المستبدين مهما وقعت في أيديهم من قوة الحديد والنار, ولقد أعادت الدكتاتور إلى طبيعته التي كان عليها قبل اعتلائه الكرسي: قزم يقبض على خنجر الغدر ونار الثأر تشب في داخله.

 

عن "الثوري"

الأربعاء, 28 كانون2/يناير 2015 22:39

أبطالي ونجومي

 

ما رأيته خلال الاحتجاج الشبابي الرافض للحكم الحوثي من وقائع اعتداء على المحتجين, يشير إلى استراتيجية رعب وقائية تريد الجماعة الطائفية تطبيقها لإحباط أي تحرك شعبي ضد سلطتها في مهده.

مقاتلو الجماعة الذين يرتدون بزات أمنية يعطون التعليمات لمجموعات عصابية تضم أكثر السوقيين انحطاطاً ورذالة, كانوا يحملون يافطات عليها شعار الصرخة ويهتفون للرسول محمد ثم ينهالون بالضرب على المحتجين كالكلاب الضارية ويسرقون أي هاتف يشكون بأن صاحبه يصور ما يحدث.

وبعض هؤلاء وجه شتائم مقذعة لمحتجات, رأيت إحداهن تبكي بحرارة وعرفت لاحقاً أنهم كانوا قد اعتدوا عليها خلال الجولة الأولى من القمع الذي استخدموا فيه الخناجر والعصي قبالة جامعة صنعاء.

تنهج الحركة الحوثية العنيفة أسلوباً متوحشاً في مواجهة حركة الاحتجاجات, هو مزيج من تدابير نظام الرئيس السابق علي صالح في استخدام العصابات المسلحة لقمع بدايات ثورة فبراير وأسلوب قوات «الشبيحة» شبه العسكرية التي تتولى إنزال الرعب بكل من تشك في معارضته لنظام بشار الأسد.

والأخيرة, استمدت بعض أساليبها من قوات التعبئة الشعبية في إيران (باسيج) في التنكيل بالمعارضين وزرع الرعب في نفوسهم لاستلابهم وإثنائهم عن مجرد التفكير في أي نشاط معارض للنظام.

يريد الحوثيون بوحشيتهم هذه في قمع الشبان المحتجين إخماد الانتفاضة ضد سلطتهم الوليدة في مهدها باستئصال أي نواة لها, لذلك يفرطون في قمع الاحتجاجات المتوالية منذ أيام لأنهم يرون فيها, كما نرى, نواة لانتفاضة مقبلة, لكنهم يرونها مستحيلة ونراها ممكنة مهما تعسر مخاضها.

الأمل والرجاء هو ألا يتسلل الإحباط أو اليأس إلى تلك الثلة من الشبان الفادين الذين يجابهون وحشية السلطة الحوثية ويتصدرون الفعل الوطني مبرهنين على أنهم أنبل من أنجبتهم هذه البلاد التي يجهدون كي يفتحوا لها نافذة إلى النور.

فلقد واجه طليعيو ثورة فبراير قبل أربعة أعوام هذه التحديات نفسها وبذلوا من مهجهم ودمائهم كثيراً حتى انبلج ضوء الصباح وغصت الساحات والميادين بملايين اليمنيين الذين رفضوا العودة إلى المنازل قبل التطويح بكرسي صالح وسياسات نظامه.

هم أبطالي ونجومي الحقيقيون الطلائعيون؛ أولئك الشبان الذين قدح معظمهم شرارة ثورة فبراير وقد انضمت إليهم ثلة جديدة وغضًة.

 

كريمة

• إنسوا كل أسماء الناشطات والناشطين المدججة بالجوائز والأرصـــدة.. والمـــواقــف المتلونة, وتذكروا هذا الاسم: كريمة الأكحلي.

هي سكرتيرة لمنظمة الحزب الاشتراكي اليمني في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء.

شابة حديدية! وللبرهان, سلوا كيف تقافز الطلاب والرجال حين أخذ مسلح بدائي يطلق النار لترهيب المحتجين في حرم الجامعة وثبتت كريمة في مكانها بأنفة من يهزأ بالنار والحديد ويتحداهما.

وحتى بعد الاعتداء الهمجي عليها بالركل والضرب العنيفين, عادت إلى مدرج الكلية بصلابة مذهلة وشوق إلى يوم جديد, تواصل فيه مقاومتها اللاعنيفة لسلطة الحوثيين الثيوقراطية الظلامية.

أن تجمع شابة بين إطلالة حسناء وشخصية جبارة في آن, يعني أن تكون كريمة... وأنها أيقونة لكل عنق مشرئبة وهامة لا تنحني.

تحية نضالية ومجد كبير يا كريمة.

 

هبة

• هبة هي ساريتنا الطويلة لمعانقة الأعالي.

هبة الذبحاني ورفاقها الشبان وضيئو النفوس والجباه: صامد السامعي ومحمد توفيق وعبدالرحمن نعمان وكريمة الأكحلي وأنس المذحجي وهيكل العريقي ويحيى القباطي وناصر الدالي وحارث الثور.

هؤلاء هم سفراؤنا إلى جمهورية الضمير, بل هم ضميرنا الذي ما زال يانعاً يقظاً؛ ضميرنا الذي في الزنزانة الآن, وينبغي التحرك لتحطيم الزنزانة وهزيمة السجان.

ما من ذخيرة تبقت للحزب الاشتراكي اليمني سوى شبانه, إذ من المفجع أن كل شهب الاشتراكي تكاد تنطفئ ويظل شبانه شهبه المضيئة في هذا الليل البهيم.

الأحد, 11 كانون2/يناير 2015 19:43

"صراع طبقي" موسوم بالصرخة!

 

امتهن بعض هواة المطالعة في النظرية الماركسية منذ فترة نسخ مصطلحات منها إلى كتاباتهم وأخذوا في تكييفها لتخدم أهدافاً عدة لهم من بين أبرزها, تسويغ حروب الحوثيين.

ومن بين مصطلحات كالبرجوازية والبروليتارية والكمبرادور... إلخ، يبرز "الصراع الطبقي" أكثر مصطلح ينسخه هؤلاء لتسويغ حروب الحوثيين بوصفها في رأيهم حاملاً لصراع طبقي, يدور داخل المجتمع بين طبقة إقطاعية غنية وطبقة فقيرة, ويصورون الحوثيين بأنهم يمثلون الطبقة الأخيرة مستشهدين بجموع المقاتلين الرثة والفقيرة التي تشكل القوة القتالية الأساسية للجماعة الأصولية المسلحة.

إسقاط هذا المصطلح على الصراع الدائر إسقاطاً اعتباطياً وفاسداً, يفضي إلى الاستنباط الذي يلوكه منظرو الجماعة الحوثية, ذلك أنهم يغفلون خاصية أساسية من خصائص الجماعة هي السلالية التي بموجبها يغدو الانتماء للسلالة الهاشمية ترخيصاً لشغل موقع قيادي في الجماعة.

على أن هذه السلالة لدى تصنيفها اقتصادياً, تكتسب سمات الطبقة الاجتماعية, وتأتي في صدارة الطبقات الغنية, بفضل الامتيازات المتراكمة التي حازها رموزها وعدد كبير من أفرادها منذ قرون نتيجة الحكم بالغلبة وترويج خرافة الاصطفاء الإلهي وتكريس الجهل بين أوساط طبقات الشعب الأخرى مقابل إيثار أفرادها بالتعليم والقضاء والإدارة, مع إسناد الوظائف التي تتطلب كدحاً وجهداً بدنياً إلى الطبقات الأخرى.

أما الفقراء الذين يقاتلون لبسط نفوذ الحوثي وتثبيت حاكميته فلا يمكن الاستشهاد بهم على أن ما يجري هو كفاح تخوضه الطبقة الفقيرة إلا من محللين تسطيحيين, يتوقفون عند القشور والمظاهر وتعوزهم عدًة الغوص في العمق, إذ أن أولئك المقاتلين ينتمون إلى فئات لا تعي طبقيتها أو مصالحها وتهدر جهودها وتضحياتها لمصلحة الطبقة المضطهدة لها.

طبقاً للأدبيات الماركسية, إحدى السمات الأساسية لهذه الفئات أن أفرادها مستغَلون لمصلحة البرجوازية في تشكيل العصابات الإجرامية وقمع الاحتجاجات وفض الإضرابات العمالية والقتل المأجور.

وهذه الفئات التي فقدت انتماءها الطبقي, يعيش أفرادها على هامش الحياة والمجتمع؛ فلا مهنة محددة لهم ولا وسائل عمل لمواجهة أعباء الحياة, ويتحدر منها المتشردون والمتسولون وخريجو السجون (أبوعلي الحاكم مثالاً في الحالة الحوثية).

وهاهو الاستغلال التاريخي لأفراد هذه الفئات يتبدى اليوم على نحو جلي في مقاتلي الحوثي الذين يستغلهم الطغيان الديني بقيادة عبدالملك بدر الدين وعائلته لاسترداد حق مزعوم في الحكم, وكذا تستغلهم الثورة المضادة بقيادة علي عبدالله صالح لسحق إرادة ثورة فبراير وتسفيه فكرتها.

الأحرى لانتشال أفراد هذه الفئات هو تعميم التعليم والتنمية وردم الهوة التي بينهم وبين الطبقات الغنية عبر برامج تنموية واستراتيجيات وطنية ذات رؤية أمينة ومخلصة لا الاستثمار في بؤسهم وتكريس الخرافة والجهل في أوساطهم واستغلالهم في الجريمة والحروب.

لكن المنظرين لـ"صراع طبقي" موسوم بالصرخة والثقافة القرآنية! لا يتلمسون معاناة أولئك الفقراء المستغَلين سوى حين الفخر بالأثر الحربي الذي تحدثه سواعدهم فيكيلون المديح لهم ويخلعون عليهم الأوسمة المعنوية في الوقت الذي يمتصون هم عوائد دمائهم ويجنون ثمرة تضحياتهم في وجه آخر من أوجه الاستغلال.

الخميس, 25 كانون1/ديسمبر 2014 17:58

الــرهان

 

 

لا سبيل إلى الإفادة من الصراع الدائر إلا بتحويله من صراع بصيغته الدينية الطائفية إلى صراع بين التقدم والتخلف والدولة واللادولة والوطنية اليمنية وما دون الوطنية, وحينئذ فقط نستطيع الرهان على كسب نتيجته.

أما تقدير البعض بأن تصارع القوى الدينية سيشغلها بنفسها ويفسح المجال للقوى المدنية والتحديثية للعمل الوطني فأمنية قاصرة, لأن هذا النوع من الصراعات يقوي القوى الدينية أكثر مما يضعفها.

وبدلاً عن ذلك يتجلى أثر الصراع الطائفي في تمزيق المزيج الاجتماعي وتدمير البناء الوطني, مثلما أنه يمثل نقطة جذب سحرية للأفراد والجماعات بما يقود إلى جرف القوة الثالثة التي تشكل ميداناً لنشاط التيار المدني.

ولنا عبرة في الهجرات الصارخة التي ابتدأت منذ بروز قوة الحوثيين المالية والعسكرية في أعقاب ثورة فبراير عام 2011. هي هجرات صارخة بما تنطوي عليه من فارق صارخ بين الاتجاهات التي انطلق منها المهاجرون السياسيون والاتجاهات التي استقروا فيها واقتنعوا بخدمتها.

الإثنين, 10 تشرين2/نوفمبر 2014 21:35

أي نهاية تنتظر هادي؟

العقوبات الأممية بحق علي صالح واثنين من قادة الحوثيين ستنضج التحالف بين هذين المركزين وتوثق عراه الحقيقية بوصفه تحالفاً لم يتأسس على اعتقاد المركزين أنهما عرضة للاستهداف منذ ما بعد ثورة فبراير 2011 كما يظن كثيرون, بل هو تحالف تأسس على قواسم مناطقية وطائفية, تقع أوهام الأحقية بالحكم في القلب منها.
يمكن لصالح انطلاقاً من خصائصه السلوكية بما هو نذل وماكر عظيم الكيد أن يوظف كل ما في وسعه للنيل من منافسيه وخصومه على حد سواء ولذلك فهو وإن بدا أن معيار الولاء لنظامه كان المعيار الفاصل لعداواته وتحالفاته سواء على مستوى الأفراد أو الكيانات إلا أنه أسوأ من يضرب على وتر المناطقية والطائفية ولو لم يفعل ذلك لما قبل الحوثيون بوضع أيديهم في يده والزحف لاستعادة الحكم.
لم يُنزل الحوثيون عقابهم بآل الأحمر وعلي محسن صالح غير المأسوف عليهم لأنهم اشتركوا في شن حروب ضد الجماعة فحسب – وإلا فعلي صالح هو قائد تلك الحروب - بل لأنهم صاروا مدانين لدى هذا التحالف بتفكيك عرى مركز الحكم بالتحاقهم بثورة فبراير الشعبية مما أفضى في نهاية المطاف إلى ضياع الحكم من دائرة هذه العصبة التي ما إن تتميع عراها وتتداخل مع علاقات جديدة إلا وتحيي التحولات التاريخية عصبويتها الأصيلة.
ربما يكون الرئيس عبد ربه منصور هادي هو الضحية القادم لهذا التحالف. وليس المعني بالضحية هنا مركز الرئيس فهو مهمش ومنزوع السلطات منذ سيطر الحوثيون على صنعاء يوم 21 سبتمبر الماضي, بل الرئيس ذاته بما يجعل منه شبيهاً بقادة ورؤساء وعسكريين جرى الغدر بهم في صنعاء فتعرضوا للقتل أو الطرد في أفضل الأحوال لأن هذه العصبة لا ترى فيه غير ضيوف أساءوا التصرف وتطاولوا على من أودعوا لديهم السلطة.
هادي الذي لن يكون مأسوفاً عليه أيضاً في حال طالته نهاية مأساوية سخر السلطة لبناء مراكز جديدة مستقلة اتضح أنها لا تقوى على مقارعة المركز القديم, فلا هو سخر السلطة لبناء دولة تستطيع حماية نفسها ولا هو أجاد لعبة التحالف الطامح إلى استرداد الحكم واستبقه إلى الضربة الحاسمة
ولن يحفل الشعب المغدور به من هادي وشتى المراكز لأي نهاية يقضيها الرئيس, مثلما لن تحيل هادي إلى قائد وطني كبير أي نهاية شبيهة بنهايات رؤساء وقادة وطنيين.

الأحد, 02 تشرين2/نوفمبر 2014 20:42

رجل صبور.. ومظلته

وأنت ترى بياض لحية محمد عبدالملك المتوكل وهو ملقى على رصيف الشارع ينازع أنفاسه الأخيرة, يعيدك ذهنك تلقائياً إلى حسين مروة: شيخان عالمان لم تعصمهما عالميتهما ولا سنهما من رصاص القتلة, وحينئذ ينبغي التحقق من أن الاحتراب الطائفي يأتي على هذا النحو القذر ولا يوفر أحداً, بل يدفع المسالمون المتنورون أفدح أثمانه.
رحم الله الدكتور محمد عبدالملك المتوكل الذي شكلت حياته الممتدة سبعة عقود مثالاً للسياسي الصبور, شديد المثابرة والأكاديمي المربي.
المتوكل الذي تلقى معارفه الأولى على يد الأستاذ أحمد محمد نعمان, شق طريقه وسط متاعب السياسة بصبر جميل وأناة بلا يأس وأثمرت رفقته للشهيد جار الله عمر في تطوير مجلس التنسيق المعارض لنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى فكرة اللقاء المشترك, ثم ها هو ينال خاتمة شديدة الشبه بخاتمة جار الله وهي خاتمة لطالما لحقت بالعلماء والسياسيين الذين يشكلون خطراً على انحراف الدين وتسلط الحاكم السياسي.
ما ينبغي قوله هنا إن التصفيات المماثلة لهذا الاغتيال المحزن تتواصل بحق عسكريين وبسطاء كثيرين, لكنها تمر كحوادث عابرة لأن ضحاياها لا تتوافر أسماؤهم على شهرة كافية
والمؤسف أن القتلة ينتقون هؤلاء الضحايا على أساس السلالة. أفلا ينبغي للأطراف المحتربة التي دفعت بالأمور إلى هذا المنحى أن تتمثل هذه الآلام والأحزان, فتكبح غيها وتطلعاتها غير الوطنية وتدع للمواطنين فرصة أن يتعايشوا بسلام.
كان المتوكل مسالماً بقدر ما هو صبور, يعبر شوارع صنعاء راجلاً في الغالب وليس معه غير مظلته, ينشرها لاتقاء قيظ الهجيرة ومع ذلك أطلق المتوحش النار عليه؛ وهكذا لا يمكن التعليل لوقائع القتل التي يغذيها التشوه الديني أو الجشع السلطوي.
واحسرتاه!

الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2014 21:12

كيف يحتويك جلدك الصحفي!

هذا سؤال تقريعي تبكيتي لزملاء كانوا صحفيين بيننا قبل أن تعثر رغباتهم الكامنة على بطلها المنتظر وقد تطورت أطواره إلى ميليشيا جيدة التسلح, تندفع كالريح لاجتياح حواضر البلاد فانتسبوا لجهازها الدعائي, معتقدين فيها منتهى الحق اليقين.

وبينما يقول أعضاء الجهاز الدعائي الحوثي في مناهضي هذه الحركة الدينية العنيفة من القوى السياسية والصحفيين ووسائل الإعلام ما يحلو لهم بالباطل والحق يرتعبون من الكلمة الصحفية الناقدة ويرصدون لها كل مرصد كي يوقفوها ويعطلوا وظيفتها مثلما انطلقوا – كلٌ في مسعاه- لإسكات صحيفة الثوري التي قالت ما ينبغي أن يقال ولم تزد عن أنها وصفت ما يحدث بلغة مقتصدة.

لا يرتعد من الكلمة الصحفية سوى دكتاتور متسلط أو مجرم أو لص أو مرتزق, أما من يرى نفسه أو إطاره السياسي يمارس عملاً سياسياً مشروعاً فما النقد والصحافة لديه إلا سبيل لإنعاش الحياة السياسية والتثاقف وإدارة الحوار المفضي إلى إدارة الاختلاف والخلاف على حد سواء.

كيف يحتويك جلدك الصحفي وسمعك تطربه أصوات قرع سلاح بيد قاتل يجول المدن وينشر الروع.

كيف يحتويك جلدك الصحفي وأسطورة "السيد" تنتقع في دمائك لتزداد ضخامة كل يوم وتفتنك عما سواه من الحقائق.

كيف تعود بكينونتك الشغوفة حباً بميليشيا طائفية متزمتة لتكتنزها في جلدك الذي لم يتبقَّ منك سواه, ينتمي إلى مهنة الصحافة

كيف يحتويك جلدك الصحفي: سؤال سهل ومكثف في آن لتقريع أعضاء الجهاز الدعائي للميليشيا القاتلة بجملة قصيرة, لا ترمي إلى نصحهم أو ترشيدهم, فهم في موقعهم اللائق لكن غرضها التمايز والمفاصلة

‏كيف يحتويك جلدك الصحفي؟

إلقِ هذا السؤال على من تريد تقريعهم من أعضاء الكتيبة الإعلامية المسلحة وأضف إليه ما تشاء من فعالهم.

الخميس, 09 تشرين1/أكتوير 2014 20:13

طموح صغير

 

لم يكن ممكناً لحالة اللايقين السياسية التي بدأت في أغسطس الماضي الاستمرار إلى مالا نهاية, فإما أن يعيد الرئيس عبدربه منصور هادي الوضع إلى ما قبل 21 سبتمبر أو يكمل الحوثيون انقلابهم على النظام السياسي فيلحقوا هادي بحكومته.

وبينما كان هادي يمني نفسه باقتسام الحكم مع الحوثيين على النحو الذي ظهر به أمس أبوعلي الحاكم في شاشات التلفزيون الحكومي يزاحم القادة العسكريين خلال زياراتهم لمعسكرات الجيش في صعدة, وأد عبدالملك الحوثي هذه الأمنية في نفس هادي قائلاً إن الأخير دمية بيد الخارج.

ومع أن رئاسة الحكومة, على علو شأنها, صارت تحصيل حاصل بعد هيمنة الحوثيين على القرار السياسي إلا أن اختيار أحمد عوض بن مبارك ليرأس الحكومة المقبلة يثبت كم أن هادي طُرفة كبيرة وضعها مكر التاريخ على كرسي الرئاسة.

ففي الوقت الذي ظن الجميع أن هموم الرئيس قد سمت لتطاول قضية وطن ينهار ويكاد يرتطم بقعر الهاوية, انبرى هادي ليطمئننا ويقول لنا بلسان الحال إنه مهموم فقط بتوزير ابن مبارك.

هادي سيبدأ بحصد ما زرعه من عبث سفيه بحق الجيش وأمن العاصمة صنعاء حين لن يجد من يدافع عن مربعه الإداري المخصص له منذ 21 سبتمبر في العاصمة, بعدما يبدأ الحوثيون بالانتشار فيه وتطويقه بالاحتجاجات لإرغام الرئيس على المواجهة أو التنحي, مستخدمين لذلك سياسية حافة الهاوية التي يتخذونها للقضاء على خصومهم منذ فبراير الماضي في مدينة عمران.

الأربعاء, 01 تشرين1/أكتوير 2014 00:20

يريدونه أخضر وهو أسود

 

لو سقطت عاصمة أي دولة، حتى بيد جمعية مدافعة عن البيئة أو جماعة ليبرالية تجهل استخدام البندقية خارج سياق ثورة شعبية جامعة فهذا بحد ذاته نكسة لفكرة الدولة والنظام العام وتطبيقهما العملي الذي يتجلى في وظائف المؤسسات التنفيذية والقانونية الحكومية.

لكن هذه الحقيقة لا قيمة لها عند ذوي التخريجات ​​الطائفية الفئوية، إذ أن بلوغ مآربهم الصغيرة هو الحقيقة وما دونها مؤامرة ونفعية، ولأنهم قد بلغوا مراميهم فإن سبتمبر / أيلول الذي وصلوا فيه إلى بغيتهم "يقطر اللون الأخضر" في عيونهم ومن يراه أسود فهو في تقييمهم غائظ متعال أو أنه يبكي مصالحه التي سقطت بإزاحة علي محسن الأحمر من الواجهة.

أيلول أخضر في عيون حفنة من المتعصبين والمنتفعين حتى إن ترتب على تحقيق مصالحهم الصغيرة أو "تمكين" طائفتهم التالي:

- ضرب فكرة الدولة في صميمها والإجهاز على ما تبقى من شواهدها العملية بالسيطرة على عاصمة الدولة.

- تدمير الجيش وإذلاله وسرقة عتاده.

- مقتل مئات اليمنيين وإصابة أضعافهم ونزوح الآلاف، فضلا عن تضرر مئات المنازل وعشرات المرافق العامة.

- فتح الباب لأوسع صراع طائفي يمكن للبلاد أن تنجر إليه بفعل الطابع الطائفي الذي كسا الحرب الحوثية داخل صنعاء.

- تعميم فوضى السلاح وإعطائها الضوء الأخضر لاقتحام المدن كما لم يحدث من قبل.

- انتهاك خصوصيات الأفراد واقتحام المنازل والتعدي على الأملاك الخاصة والعامة.

- طمر المشروع الوطني تحت المشاريع الطائفية والجهوية والإعلاء من شأن السلاح والحروب الداخلية على حساب السياسة والوئام الوطني.

كل هذه البوائق التي أنتجتها الحرب الحوثية الأخيرة لا تكفي لأن يكون أيلول أسود في تقدير العصبويين الصغار، أما إسقاط رجلين من رجالات حزب الإصلاح ووراثة دوريهما السيئين فثورة كاملة لا تقبل الجدل.

ومع أنه لا خلاف في أهمية تقويض المشروع الدموي الفاسد والمتطرف لصاحبيه علي محسن وعبدالمجيد الزنداني، إلا أن هذه الميزة فقدت قيمتها بمجرد أن مشروعا دمويا دينيا متطرفا بدأ عهده على أنقاض المشروع الأول.

هذا الإحلال لا يهلل له ويختال فرحا به إلا صاحب ثأر شخصي أو نصير لمشروع الحوثيين الدموي الديني المتزمت، أما أنصار المشروع الوطني المناقض لذينك المشروعين فما من فارق قد حدث ليهتفوا له سوى أن البوائق الست السابقة لحقت بالبلاد ومواطنيها.

الأربعاء, 17 أيلول/سبتمبر 2014 19:39

مأساة اليمني!

 

لم أحس أعماقي منسحقة وتنتحب مثل ما باتت مساء الثلاثاء بعدما اصطدمت بجملة مشاهد ووقائع تفطر القلب.

أولاً: قرأت رثاء حزيناً من الدكتور معن دماج لناشط اشتراكي قديم انجذب إلى السلفية ثم قاتل في الجوف ولقي مصرعه هناك, وفي الرثاء والواقعة نفسها تتركز مأساة اليمني الذي ما يفتأ يستظل بغيمة سلام إلا وعاد دخان الحرب ليسد أفقه.

ثانياً: نحو 22 قتيلاً على الأقل في مواجهات بين الإصلاحيين والحوثيين في قرية صغيرة تدعى القابل وتقع في الضاحية الغربية الشمالية للعاصمة. هذه مجرد نقطة جد صغيرة من الجحيم الذي يمكن أن يندلع في حال عمت الحرب مدينة مساحتها 390 كيلومتراً مربعاً ويقطنها زهاء مليوني نسمة.

ثالثاً: صورة للحسن أبكر يجثو أمام جثتين لابني أخيه بعد أسبوع من مقتل ابنه بنيران المهاجمين الحوثيين. لا يهم أن أبكر قيادي في حزب الإصلاح أو أن الإصلاح أحد أطراف الحرب التي تغطي الرقعة الشمالية من البلاد، إنما تلك الصورة تسلط الضوء على محنة الإنسان في هذه الرقعة وقد اضطر الصغار والكبار إلى القتال مكرهين لمواجهة قوات الحوثي الذي يبتغي تنقية جغرافيا, يراها إرثاً خاصاً به, من المعتقدات والأجناس الأخرى!

أشعر أن داخلي حزين ومنطفئ مثل حانة مهجورة، يتردد في جوانبها ترجيع قهقهات قديمة أطلقها المرتادون في أيام السلوان ومضوا.

الأربعاء, 20 آب/أغسطس 2014 23:49

لنختر مياديننا وعناويننا ثم نحتج

 

لا أحد ممن لم يتورطوا في الفساد أو يمجدوا رأسي الرئاسة والحكومة الانتقاليين إلا ويختزن في نفسه شحنات هائلة من النقمة والغضب على سياسات الرئاسة والحكومة، خصوصاً بعد قرار تحرير دعم المحروقات.

لكن الحوثيين أقصوا الأنظار المتجهة إلى الميادين والشوارع الغاصة بالجموع الغاضبة في النهار الأول من الاحتجاجات إلى محيط العاصمة حيث أضافوا إلى مخيمات الاعتصام هناك استعدادات لا يمكن أن تكون إلا قتالية وفقاً لتقارير الصحافة: خنادق ومركبات مزودة بالرشاشات ونقاط تفتيش.

وبعدما مثلت جماعة الحوثيين "الركن الشديد" لباقي المجموعات المعارضة والمتضررين من السياسات الحكومية، ها إنها بتصرف أرعن تفرط بهذه الميزة وتنقل المواجهة من مستوى كانت متفوقة فيه إلى مستوى يدمغها وتجد فيه السلطة ما باد من شرعيتها.

العنف هو "كعب أخيل" الحوثيين الذين لم يصبروا على الاحتجاج اللاعنيف سوى نصف نهار قبل أن ينصرفوا إلى قوة السلاح ويبدلوا بشاراتهم التي بعثوها في ضحى الاثنين إلى نُذُر تزرع الروع في المدينة.

أنا من جملة الغاضبين على رأسي الحكم، لكن غير ممكن أن اشترك في احتجاجات تقودها راية الحوثيين، لأنها راية للماضي لا المستقبل ولا تجلب التغيير بل ترسخ الجمود بصرف النظر عن تفوق حجتها في مسألة رفع الدعم عن المحروقات.

فإذا كنا ما نزال نجتر ندامتنا إلى اليوم بسبب ترحيب ثورة فبراير 2011 برجالات نظام علي صالح المنشقين عنه فكيف ستكون حسرتنا غداً إن هللنا مجدداً لعينة أخرى من الماضويين العنيفين!

لنختر مياديننا وعناويننا أولاً ثم نحتج في إطارها كما نشاء.

الثلاثاء, 01 تموز/يوليو 2014 02:42

ستالين جراد الكروية

لا يفي لتشبيه صمود المنتخب الجزائري الليلة أمام الهجوم الألماني الرهيب إلا صمود مدينة ستالينجراد أمام هجوم الجيوش الألمانية المرعبة في الحرب العالمية الثانية.

الهجوم الألماني افتقر للحظ فحسب, أما المهاجمون فقد وصلوا إلى المرمى الجزائري وسددوا عليه أكثر من أي منتخب آخر يسدد على مرمى منافسه في بطولة كأس العالم الجارية.

هذه هي بدعة التيكي تاكا التي يُخشى أن تقوض الأسلوب الألماني القوي وشديد الفاعلية من ذي قبل.. التيكي تاكا التي قضت على المنتخب الإسباني وفريق برشلونة وتكاد تميع طريقة لعب بايرن ميونيخ.

الحارس العملاق وهاب مبولحي هو الذي عذب الألمان الليلة وذاد عن مرماه بأداء أسطوري لا يصدق ولولاه لاختل الميزان كلية.

انقلبت الخارطة الكروية رأساً على عقب فصارت الكرة الألمانية التي كانت مصدر ملل لأي مشاهد متعة الأحداث الكروية الكبرى بأدائها الانسيابي الرائع, لكن من المفيد جداً لها أن تستعيد غضبها وقوتها وتتنكر لأسلوب التسلية الجديد. مطلوب من الكرة الألمانية ألقاب جديدة لا الإفراط في نثر التسالي والمتعة.

السبت, 15 آذار/مارس 2014 20:18

مهر الكرامة

رسم ثلة من أنبل الشبان الذين أهدوا اليمن مهجهم قبل ثلاثة أعوام طريقاً واضحاً للكرامة عنوانه التضحية واللامساومة.

وأراد الدكتاتور أن تكون «جمعة الكرامة» يوماً لرفع حصار الحشود المضروب على عهده فانقلب إلى يوم فاصل أطاش صوابه وألقى بكرسيه خارج سنواته الثلاث والثلاثين.

هو مشهد مهيب لا يتكرر إلا بحساب القرون: مئات الشبان الذين أيقظوا روح الثورة يمرقون من شارع ضيق نحو جدار مرصود ثم يختار الله عشرات منهم ليواصلوا السفر إليه في رحلة خلود وثبت من ركام مذبحة مريعة هزت الشعور الإنساني وشقت النظام السابق إلى شقين على النقيض مثلما صدعت تاريخ اليمنيين المعاصر إلى نصفين، لن يشبه أحدهما الآخر. أو هكذا كنا نأمل!

في الثامن عشر من مارس قبل ثلاثة أعوام، رأى اليمنيون تجسيداً واقعياً لما كانوا يقرأونه في كتب الملاحم والحماسات عن مذبح الحرية فكانت «جمعة عظيمة» مُهرت بملحمة خارقة في التضحية، قهرت فيها الصدور العزلاء والأيدي العارية قوة النار والرصاص ووحشية القناصة وكلاء الدكتاتور المتوحش.

ويا للمصادفة! أسمي ذلك اليوم «جمعة الكرامة» قبل أن تتجلى أحداثه لأحد، فأتى كما شاء له المسمي مسبوغاً بكرامة كاملة ويوثق لحكاية فداء شبيهة بأساطير الفدائية القديمة.

في ذكرى جمعة الكرامة التي تحل بعد أيام، هذه تذكرة: لا تخونوا أيها القادمون إلى الحكم تضحية هؤلاء الفتيان الذين مدوا أجسادهم الغضة سقالة عبرتموها إلى السلطة.. لا تطيحوا أحلام الذين اعتلوا الجدار وعبروا، وإلا تحول عبق دمائهم إلى زنخ ولعنة مقيمين في صدوركم وتاريخكم إلى الأبد.

الأربعاء, 12 آذار/مارس 2014 18:29

تكريم الفاطمتين

 كان يوم المرأة العالمي بنسخته اليمنية ليمرق هذا العام خلسة مثل الأعوام السابقة لولا حفل بسيط وغني في آن، نظمته منظمة الحزب الاشتراكي اليمني الطلابية بجامعة صنعاء.

ومع أن الحفل تضمن تكريم عشر نساء «رائدات» بينهن المحامية نادية الخليفة والدكتورة أروى عون والقاضية صاحبة الأحكام القضائية الشهيرة رغد الأزرقي وصديقتي الرائعة الزميلة سامية الأغبري وأخريات، إلا أن التكريم الذي وقع في نفسي عميقاً كان تكريم الفاطمتين: فاطمة القدسي وفاطمة محمد حسين.

الأولى أعرفها جيداً، أرملة توفي زوجها عام 1990 ومنذ ما بعد 1994 التحقت لتعمل فراشة في مقر الحزب الاشتراكي المركزي في العاصمة صنعاء، وعلى نحو شبه يومي تكنس فاطمة مع ابنة لها نحو 2400 متر مربع من مكاتب المقر وممراته وسلالمه الأسمنتية.

وفاطمة ذات نفس وادعة مثل أي امرأة ريفية، كانت خلال الأعوام الماضية تدلف مكتب «الاشتراكي نت» وتستمر في الحديث معي عن همومها اليومية بوصفها القيمة على إعالة أسرتها وتوفير إيجار منزلها، ثم تنثر دعواتها لنا وتنصرف.

نشأت ألفة بيننا حتى إذا صادفتها مارة في شارع ما تبش في وجهي وتصافحني بحنوها وطيبتها الفطريين، وراهناً لم أعد أراها إلا لماماً نتيجة تضارب مواعيد عملنا في صحيفة الثوري، مع مناوباتها.

لم أتمكن اليوم من أن ألمح فاطمة بعد انتهاء الحفل لأهنئها وأقول لها إنني مبتهج كثيراً لأجلها، ولأجل من تذكروها.

أما الثانية، فقالت مذيعة الحفل نبذة موجزة عنها؛ فاطمة محمد حسين، تعمل في قطاع النظافة بصنعاء وهي من فئة المهمشين.

لم تحضر فاطمة الحفل، وكان يسيراً عليً أن أخمن السبب بسرعة: ربما هي الآن في شارعٍ ما بصنعاء، تنفض بمكنستها التراب عن الأسفلت وتمسح الغبار عن وجه الرصيف.

ولقد صفقت بحرارة لفاطمة حسين وهي غائبة واحتقن في عينيً الدمع في لحظة التباس عاطفي اضطرمت بها حناياي، إذ وجدتني أبتئس لأجلها وأنا أتخيل ملامح لها تكافح على قارعة الشارع وفي الوقت نفسه انتشيت لأن الاشتراكيين مهما تعس آداؤهم يظل اهتمامهم موصولاً بالطبقة التي تنتمي إليها هاتان الفاطمتان.

تعجز قيادة الاشتراكي التي تصفًح إحساسها، لأسباب كثيرة، عن الانسجام المطلوب مع هموم الطبقات التي تشكل مخزوناً لا ينضب للاشتراكي، لكن شبانه يبرهنون مرة أخرى أن بوسعهم تعويض ذلك الفقدان.

المجد لسواعد الفاطمتين وطبقتهما.. المجد لمكنستيهما الشاخصتين كصليب خاشع تحت الشمس.

أفلح يوم المرأة العالمي الذي يوافق الثامن من مارس كل عام في إلقاء ضوء على كفاح النساء العاملات  احتجاجاً على  ساعات العمل الطويلة.

وإذا كان يوم المرأة العالمي قد سُنً لتخليد نضال النساء العاملات في البلدان الصناعية في مقاومة عسف ساعات العمل الطويلة فإنه في مجتمعنا أولى بالمرأة التي تعاني صنوفاً من العسف والاضطهاد.

«الثامن من مارس، ثورة النساء العاملات ضد عبودية المطبخ»؛ شعار قديم، كتب على ملصق يحتفي بيوم المرأة خلال العقود الماضية، وهو شعار لا يلائم حالنا حتى مع مضي نصف قرن عليه، إذ ليس المطبخ وحده الرمز المشير إلى إبقاء المرأة في المنزل في مجتمعنا بل ثمة صنوف شتى من العبوديات الصغيرة والكبيرة.

وعلى الرغم من أن أحاديث حكومية وشعبية طويلة تتفشى عن أصالة مجتمعنا الذي يرفع من شأن المرأة ويوقرها على نحو فطري يفوق ما توفره الاتفاقيات الدولية لها، غير أن الحديث هذا لا يكون حقيقياً إلا في حال حصرنا تأويل هذه «الأصالة» في معناها المحافظ والمتزمت..

 فمع تبادل هذا الإطراء بين المجتمع ونفسه وسوق عبارات المداهنة عن حقوق المرأة اليمنية التي يؤديها أفراد المجتمع بدافع فطري، من السهل على أي مدقق فاحص تعرية كم من الهراء ينطوي عليه هذا المديح المتبادل، لا سيما مع نشوء قواعد اجتماعية جديدة لتقييد النساء وموجات لا تتوقف من أجيال الأزياء الداكنة الموحدة، تتوخى تعتيم مظاهرهن وعزل شخصياتهن خلف أقنعة أبدية.

الإشكال في قضايا المرأة اليمنية هو ثقافي في صميمه وينبع من غياب تطلعها إلى الاستقلال الشخصي وتحرير شخصيتها من القيد الاجتماعي والذكوري ورضوخها للتطويق الاجتماعي المقيد لحرياتها الطبيعية.

وما دون هذا الإشكال فهي حقوق واحتياجات يسهل استخلاصها، وتضمينها في قوانين نافذة.

لدى التحضير لمؤتمر الحوار الوطني خلال 2012، صممت لجنة المؤتمر التحضيرية نظاماً تمثيلياً، منح المرأة 30 في المائة من مقاعد المؤتمر ثم بدأ هذا التشريع يجد طريقه للتطبيق في هيئات أخرى.

ومع أن هذا التشريع تمييز إيجابي لانتشال المرأة من الهيمنة الذكورية والعقبات الموضوعية الأخرى إلا أنه يرسخ التمييز الذهني الجمعي حيال المرأة بتصويرها مخلوقاً ضعيفاً غير قادر على المنافسة إلا بفضل «الكوتا»، ويضيق دائرة تمثيل النساء بآليته التي تحجز الواجهة لوجوه نسائية هي في الواجهة أصلاً، فضلاً عن أنه يدفع المرأة نفسها إلى التواكل والاسترخاء عن مواصلة نضالها لإثبات قوتها واستنقاذ حقها.

ولكي تغدو قاعدتا المساواة والشراكة بين الجنسين ذا مضمون حقيقي، يتوجب على المجتمع الذكوري أولاً أن يلتمس في نفسه تلك النزعة الغريزية التمييزية في تصوراته إزاء المرأة ثم يقتلها لتتأسس الشراكة على قاعدة المساواة.

وعلى المرأة ذاتها ألا تظل عدو نفسها بالخضوع لقوة الأمر الواقع وحصر نضالاتها في سبيل الوظيفة والترقيات والمنافسة في سوق العمل دون الاكتراث لقضيتها الجوهرية.

على أن طرق قضية المرأة اليمنية يقود بالضرورة إلى استدعاء الآثار العميقة التي زرعتها اتجاهات وحركات متشددة خلا لها الميدان وأسلمها نظام الرئيس السابق علي عبدالله الصالح منابر التوجيه والإرشاد لتبسط أفكارها المتزمتة وتشرع في مهمة تعبيد المرأة للرجل وتصوير المنزل كواحة إلهية لها، ثم الكر على عقلها بالهجمة القاضية، القائلة بأنها قاصر وعورة.

الآن، وما من توقيت أفضل، للشروع في إزالة كل صنوف الاستغلال والاستعباد التي غرستها الأفكار المتزمتة حيال المرأة وتحريرها من مظاهر العبودية التي يراد لها أن ترسف فيها.

وإذا كان هذا التوقيت ملائماً لمساعدة النسوة في استعادة دورهن واستقلالهن الشخصي، أولاً، فما من جهة يمكن الإشارة إليها بهذه المهمة أجدر من قوى اليسار بها، وفي طليعتها الحزب الاشتراكي اليمني الذي تكفل بهذا الدور حين أدار السلطة في الجنوب وأحرز إنجازات رائعة قبل أن تتسلط قوى معادية لفكرة أهلية المرأة وحريتها وتهد كل تلك الإنجازات أو ترغمها على الانتقاب!‪

 

 

الأربعاء, 26 شباط/فبراير 2014 19:02

القائد الخالد المؤسس عبدالفتاح إسماعيل

 

 

"أي مشعل للفكر قد انطفأ وأي قلب قد توقف عن الخفقان". بهذه العبارة نعى الحزب الاشتراكي اليمني رحيل مؤسسه عبدالفتاح إسماعيل في أحداث 13 يناير 1986 الدامية التي مثل استشهاد فتاح فيها أحد أفدح خسائرها المعنوية. 
قدم الفتى الفقيرعبدالفتاح إسماعيل علي الجوفي على أخيه محمد إسماعيل في مدينة عدن ليواصل دراسته التي كان ابتدأها في كتاب قرية الأشعاب الواقعة في عزلة الأغابرة بمديرية حيفان من محافظة تعز حيث ولد في 28 تموز يوليو 1939. وفي عدن واصل فتاح وهو اللقب الذي اشتهر به فيما بعد دراسته حتى أكمل الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الأهلية بحي التواهي ثم التحق بمدرسة تدريب العمال لمصافي الزيت البريطانية. لم يدر بخلد الفتى الفقير في هذه الأثناء أنه سيملأ الدنيا ويشغل الناس في المنطقة فيما بعد وستعرض قوات الاحتلال البريطاني أعلى مبلغ ثمناً لرأسه ثم سيضع لبنات أول وأوحد دولة تقدمية في منطقة الجزيرة العربية. بدأ عبالفتاح نشاطه السياسي في 1959 حين انضم إلى حركة القوميين العرب التي كانت قبلة المثقفين والزعماء السياسيين المناهضين للاستعمار الأجنبي في كل البلدان العربية والمتطلعين. وشارك في إضراب نفذه عمال المصافي عام 1960 وخلال الإضراب، وزع منشوراً بمطالب العمال فتعرض للاعتقال والتحقيق وفصل من وظيفته، فعمل مدرسًا في عدد من مدارس مدينة عدن ثم نشط في نشاطاته السياسية حتى صار من أبرز قياديي حركة القوميين العرب في عدن. 
** عقب قيام ثورة سبتمبر التي أطاحت بنظام الإمامة الملكي قي شمال البلاد سنة 1962، تشكلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب فتلقى فتاح دورة تدريبية في استخدام السلاح وتولى الإعداد العسكري لجبهة عدن والإشراف على تهريب الذخائر والأسلحة إلى مدينة عدن وإخفائها ثم عين مسؤولاً أولاً عن هذه الجبهة واتخذ "عمر" اسمًا تنظيمياً له وتفرغ للعمل في هذه الجبهة بعد أن ترك التدريس وعمل مع أخيه المتعهد عبدالجليل إسماعيل في المقاولات فكان يستغل مخازن مواد البناء في إخفاء الأسلحة وتخزينها. ومذاك، بدأ يشن غارات على مواقع الجنود البريطانيين وصارت جبهة عدن من أخطر الجبهات على القوات البريطانية خصوصاً بعد أن تم تصفية العناصر الاستخباراتية التي تعمل لحساب الاحتلال ولماعلمت بريطانيا بخطورة عبالفتاح، وزعت صوراً له على نقاط التفتيش ورصدت مبلغًا ضخمًا لمن يدل عليه. 
** كان نجم عبدالفتاح إسماعيل السياسي والقائد التحرري قد بزغ في هذه المرحلة، فانتخب عضواً في المجلس التنفيذي للجبهة القومية خلال مؤتمرها الأول الذي انعقد في مدينة تعز عام 1965 فانتقل إلى تعز وشارك في اجتماعت كوادر الجبهة بعد دمجها مع جبهة التحرير قبل أن يُعتقل بأوامر من القيادة المصرية وينقل إلى صنعاء فالقاهرة حيث ظل تحت الإقامة الجبرية إلى أن أعلن في 1966 بالقاهرة تشكيل مجلس قيادة من 12 شخصًا كان أحدهم كما شارك في مدينة القاهرة في الحوارات التي دارت بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير. 
** انتخب عبدالفتاح عضواً في قيادة الجبهة القومية خلال مؤتمر سري عقد في مدينة جبلة بمحافظة إب كما أعيد انتخابه عضواً في قيادة الجبهة في مؤتمر لها التأم في منطقة حمر القريبة من مدينة قعطبة. 
** في مطلع تشرين الأول أكتوبر 1967 تعترف بريطانيا بالجبهة القومية وتقبل التفاوض معها، ويرأس الفتاح إسماعيل وفداً لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر ثم ينضم عضواً في وفد برئاسة قحطان محمد الشعبي تفاوض مع بريطانيا على الاستقلال لنحو عشرة أيام. 
** في 14 من نفس الشهر، كان عبدالفتاح إسماعيل في مدينةعدن يقرأ بيان الاستقلال وسط جمع من الجماهير المحتشدة ويجني فتاح أغلى حلم حمل من أجله البندقية وأرخص في سبيله روحه النبيلة التواقة إلى التحرر دوما ثم يعين وزيراً للإرشاد القومي وشؤون الوحدة في أول حكومة أعقبت الاستقلال. 
** خلال مؤتمر الجبهة القومية الرابع في مدينة زنجبار بمحافظة أبين، سيواجه عبدالفتاح إسماعيل أولى محطات التقاطع مع الحلول الجزئية المتحفظة فيودع السجن مع عدد كبير من قيادات الجبهة كانوا يشكلون فريقاً يرى أن إصلاح الجيش في الجمهورية الوليدة ينبغي أن يتم فورًا بإحلال الفدائيين ومليشيات الجبهة محل قيادات العهد السابق وأطلق على هذا الفريق "التيار اليساري" في مواجهة فريق كان يقول بإصلاح الجيش تدريجياً وسمي "التيار الإصلاحي". 
** لكن الجيش الذي كان قد قاد انقلاباً ضد التيار اليساري وزج بقادته في السجن للحفاظ على مصالحه، تراجع أمام مظاهرات شعبية كشفت حجم التأثير الهائل لأفكار فتاح ورفاقه التقدمية ويغادر فتاح معتقله ثم يسافر للعلاج في بلغاريا متأثراً بتعذيب تعرض له أثناء فترة اعتقاله ومن بلغاريا يعود إلى تعز فعدن حيث كان سالم ربيع علي قد ترأس هيئة مجلس رئاسة الشعب في 1969 بعد استقالة قحطان الشعبي إثر تطور تلك الأحداث فعين عبدالفتاح عضواً في مجلس الرئاسة وأميناً عاماً للجبهة القومية. 
** في هذه الفترة، ظهرت براعة عبدالفتاح إسماعيل في العمل السياسي فعمل على توحيد عدد من الفصائل في الجبهة القومية، لكن ذروة عطائه السياسي والفكري تبرز أكثر حين يُنتخب رئيساً لهيئة رئاسة مجلس الشعب عقب مقتل سالم ربيع في حزيران يونيو 1978 ‘ فبعد نحو عام يكون قد نجح في توحيد كافة الفصائل السياسية في "الحزب الاشتراكي اليمني" إلى جانب قادة فصائل آخرين في تشرين الأول أكتوبر 1978 وهو ذروة ماقدمه في حياته السياسية القصيرة. 
** عقب حرب اندلعت بين شطري البلاد (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الجمهورية العربية اليمنية) في 1997، عقدت قمة في الكويت بين عبدالفتاح والرئيس علي عبدالله صالح، اتفقا فيها على إنهاء كل أشكال الاحتراب والسعي في تحقيق الوحدة اليمنية على قاعدة الدمج فأغضب هذا الاتفاق قيادات في الحزب اعتبرته ضماً للجنوب إلى الشمال، لتشكل تحالفاً ذا ثقل عسكري وقبلي ضد عبدالفتاح الذي قدم استقالته من الأمانة العامة للحزب واختار العاصمة الروسية موسكو منفى اختيارياً، ظل فيها خمس سنوات ثم عاد إلى عدن. ** 
عاد عبدالفتاح إسماعيل إلى عدن عام 1985 في ظل اشتداد الصراع بين علي ناصر محمد الذي كان حينها رئيساً لهيئة رئاسة مجلس الشعب وأميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني ورئيساً لمجلس الوزراء وعلي أحمد عنتر الذي كان قد أقيل من وزارة الدفاع واتهم ناصر بالخروج عن الخط الاشتراكي واحتكار السلطة وكان عبدالفتاح قد عين سكرتيراً لدائرة الحزب العامة بعد عودته وتحالف مع عنتر واشتد الصراع حتى انفجر صباح 13 يناير 1986 وأودى بحياة ثلة من خيرة قيادات وكوادر الحزب كان عبدالفتاح في مقدمتهم بعد حياة مثيرة تقاسمها الكفاح والمعرفة والنضال لإرساء قيم الاشتراكية والتقدم والعدل. 
** لئن كانت شهرة عبدالفتاح إسماعيل قد طارت جراء كفاحه ضد الاستعمار البريطاني وأدواره السياسية فيما بعد فثمة جانب آخر أكثر إشراقاً، أسهم في تخليد اسمه وإرثه العصيين على الفناء؛ كان عبدالفتاح مثقفاً من الطراز الأول وواحداً ممن سبقوا إلى كتابة القصيدة النثرية، فضلاً عن الشعر الغنائي ولعل غنائية "تاج النهار" التي غناها المطرب الكبير محمد مرشد ناجي من أروع ماكتبه في هذا الجانب وفيها يظهر عبدالفتاح - الشاعر – توقه إلى الوحدة التي كانت حلماً يخبل لبه. 
** ومثل عبدالفتاح حالة نادرة في المنطقة العربية آنذاك أو الآن في أن يصعد إلى الموقع الأول في البلاد بإمكانيات مثقف، متجرداً من القبيلة والجيش والمال ويتخذ الأدباء والمثقفين جلساء قصره وندماء مجلسه واشتهر بـ"ذو يزن" اسماً أدبياً له..كان غزير المعرفة حتى أن أكثر من خمسة آلاف عنوان كانت تحويها مكتبته بعد استشهاده. جمع عبدالفتاح ماندر أن يجمعه شخص في موقعه؛ رئاسة البلاد وثقافة الموسوعي وبراعة السياسي وأحاسيس الشاعر. فـ "أي مشعل للفكر قد انطفأ وأي قلب قد توقف عن الخفقان". 
** من مؤلفاته:1- "نجمة تقود البحر"، ديوان شعر، قدم له الشاعر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس). صدر عن دار (ابن خلدون) في بيروت سنة 1988م. 2- مرحلة الثورة الديمقراطية. صدر عن دار الفارابي. 3- الثقافة الوطنية. صدر عن دار ابن خلدون. 
ومن شعره في مقطع من نص "نجمة تقود البحر": وأضحى الخيار خيارا ينبت بأغوار نفسي رائحة من لهيب معطرة بالدماء بالعرق وأمضي..وأمضي بحد الصراط .صراطي سيف وسنة رمح.وحولي تحيط بي النار. ذات اليمين وذات الشمال فتصهر جسمي, لينمو جسما كصلب الحديد. وتشعل أحشاء روحي, فتكسب فكري وضوحاً وعمقا. ويصبح هذا الخيار أكثر ثباتا وكيما يسود القرار..وأي قرار وكان القرار, قرار المطارق..قرار المناجل والبحر في المد والجزر أنشودة الدمار لأجل البناء. قرار تفترشه الصعاب لكنه بلسم لجراح الشقاء يملأ الطريق شوكاً يدمي الضلوع..لكنه يزرع الحب والورد للكادحين. ومن عاصفات الرياح غربا يوجج جمر التضحيات الدماء . ويصبح مغزلة يحيل الظلام ضياء معلن وسطوع النهار. 
*** 
تمت الاستعانة بموسوعة الأعلام من موقعها على الانترنت لتحرير هذه المقالة.

 

عن عبد الفتاح إسماعيل إنسانا وقائدا ومثقفا:

 

قراءة في موضوع أيمن أبو الشعر حول عبدالفتاح اسماعيل انسانا

بقلم أحمد ناجي أحمد النبهاني

الحلقة الأولى 

جرت العادة أننا نقرأ سيرة القادة الكبار بعيون الموتى ولهذا برزت ظاهرة الفقر في الأمة بل والعجز عن انتاج الجديد الملفت للنظر وفي هذا السياق لا أخفي أعجابي وأنا أقرأ موضوع الشاعر العربي أيمن أبو الشعر حول القائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح اسماعيل والذي أختار له هذا العنوان

عبد الفتاح اسماعيل إنسانا وذلك لأنّ هذا الموضوع يحاول أن يقرأ عبد الفتاح اسماعيل الأنسان بعيون الأحياء في اتجاه تكريس القيم التي تميز بها فتاح في الواقع وهو

موضوع في غاية الجمال وشهادة مهمة من مثقف عربي وشاعر متميز من سوريا الشقيقة يحاول فيها أن يجمع شتات ذاكرته ويحاول تقريب الزمن الى الحد الذي يجعله مشدودا نحو اللحظة التي نقرأ فيها هذا المقال فنعيش معهما أي مع الشاعر العربي أيمن أبو الشعر والأديب والشاعر والقائد والمفكر الشهيد عبد الفتاح إسماعيل بهاء اللحظة وجمالها وروعتها تلك التي تفيض بجلال المعنى وجوهر الخلاصة التي ترحل بك نحو العمق حيث عبد الفتاح اسماعيل المتواضع حد الروعة والمحاور حد التميز والأنسان حد الندرة أنت في حضرة فتاح حيث ترى نفسك مأسورا بتلك الحميمية التي يحيط بها فتاح ليس فقط أصدقائه بل أيضا أولائك الذين يختلف معهم أنت أمام انسان لا يدعي امتلاك الحقيقة رغم أنَّ منطقه الجميل يتدفق بشلال روعتها وجمال ضيائها إلى الحد الذي يأسرنا بقوة اليقين الذي تعيشه هذا الشخصية المتعددة الأفاق والمتنوعة الأهتمام والأنسان الذي يفيض عذوبة حين يلتقط اللحظة ويعي تعقيد المرحلة التي يعيشها وعمق المهمة التاريخية التي يحملها ثمة شخصية تتسع مجالات اهتمامها بتنوع عطائها الأبداعي والثقافي والسياسي لكنها تلتقي في المحصلة مع المعنى الرائع والعميق لعبد الفتاح اسماعيل الأنسان

ولكن من أين يبدأ الشاعر العربي محطات سفره الممتع والجميل في مقامات الضوء وفي فصول المعنى الجوهري لعبد الفتاح إسماعيل الأنسان

وللإنسان هنا دلالة مُكَثَّفة وعميقة تستغرق المثقف والسياسي والقائد والأب والثائر والمدني في شخص عبد الفتاح إسماعيل باختصار سَفَرٌ فِي الصِّفات وشهادة من شاعر ومثقف عربي كتبها بمداد الضوء والروح بلغة المشاعر والوجدان والعقل والبوح الذي يُفْضي الحزن العميق على رحيل قامة وطنية وعربية وإنسانية كبيرة بحجم عبد الفتاح إسماعيل ويفضي أيضا إلى الحزن العميق للتناقضات ذات الطابع التناحري بين أبناء المدرسة الواحدة ورفاق الدرب الواحد

لقد مثَّلت تجربة الثورة اليمنية في جنوب الوطن محطة مفصلية وجزء جوهري ومهم من تجربة اليسار العربي وكان للشهيد عبد الفتاح إسماعيل في هذه التجربة موقعا متميزا ويكفي إن تكليف القيادة العامة للجبهة القومية لقحطان الشعبي بتولي رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية جاء ممهورا بتوقيع الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وأنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل كان قائدا لجبهة عدن في الكفاح المسلح ضد الأستعمار البريطاني وواضح جدا ماذا يعني قيادة جبهة عدن في الكفاح المسلح بالنسبة للجبهة القومية

وماذا يعني أن يكون توقيع عبد الفتاح إسماعيل على تكليف القيادة العامة للجبهة القومية لقحطان الشعبي بتولي رئاسة اليمن الديمقراطية الشعبية بعد الأستقلال

المهم أنَّ هذا الموقع الطليعي والقيادي لعبد الفتاح إسماعيل وللتجربة الوطنية والتحررية اليمنية وقاعدتها المادية المتمثلة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كل هذه المعطيات قد جعلت الأنظار تتجه إلى عبد الفتاح إسماعيل باعتباره قائدا بحجم جيفارا وهوشه مينه ولهذا السبب نجد أن الشاعر العربي أيمن أبو الشعر يبدأ شهادته عن عبد الفتاح إسماعيل بالقول: [مرت سنوات عديدة ونجحت ثورة اليمن التحررية في الجنوب ، ومرت بمراحل مفصلية حساسة ، تفاوتت التقديرات بشأنها ، وغدا اسم عبد الفتاح اسماعيل بالنسبة للثوريين اليساريين رديفا – عربيا- لاسم كاسترو وهوشه مينه ، وكنا نتابع أخبار هذه الشمعة المضيئة في ظلام عالمنا الكبير ، وآلمنا كثيرا نشوب صراعات وإشكالات بين رفاق الدرب في عدن ]

لكن السوأل المركزي ما هي الصفات التي التقطها الشاعر أيمن أبو الشِّعر ووثقتها ذاكرته عن هذه القامة التحررية الوطنية والأنسانية الكبيرة والمتمثلة بعبد الفتاح إسماعيل .

يطالعنا الدكتور أيمن أبو الشِّعر بأول الصِّفات التي تميز بها الشهيد والقائد والمفكر والأنسان الكبير عبد الفتاح إسماعيل والمتمثلة بالتواضع الشديد الذي تميَّز به القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل

يبدأ الشاعر العربي شهادته عن عبد الفتاح إسماعيل بالحديث عن أول لقاء جمعه بالقائد عبد الفتاح إسماعيل في موسكو بعد أن غادر عدن نتيجة لظروف خاصة إلى موسكو تجنبا لأي صدام قد يهدد تجربة اليمن الديمقراطية وتجنبا لأي صراع قد يؤدي إلى خسارة الوطن للمزيد من القدرات الواضح أنَّ هذا اللقاء في لحظة مفصلية تمثل أرقى درجات النضج في الرؤيا والموقف الذي تميز به عبد الفتاح إسماعيل في النظر للأمور بعين العقل والحكمة التي تحمل معها تجربة عقود من النضال من أجل تقدم الوطن المهم في هذا اللقاء أنه لَفَتَ نَظَر الشَّاعر العربي أيمن أبو الشِّعر ذلك التواضع الجم الذي يميز عبد الفتاح إسماعيل مع الكثير من الصفات الرائعة والنبيلة حيث نرى أيمن أبو الشِّعر يقول [(كان عبد الفتاح ألمعيا حاضر البديهة )

وخلال دقائق كانت هواجس الوطن على الطاولة . أول ما لفت نظري هذا التواضع العجيب الذي يتمتع به عبد الفتاح ، كان يطرح فكرة ما ثم يترك لي التعليق بحرية عليها دون أية مقاطعة . ومن البديهي أن اولى الأحاديث كانت عن إشكالات اليمن والخروج من هذه المحنة . ومما قلت له : أنتم في عدن انموذج رائع ويؤلمنا كثيرا أن تدخلوا في الصراعات منذ أول الطريق ..

هز عبد الفتاح رأسه وقال : لنقل أنها تباينات في الرأي ، وهو أمر مفيد لإغناء التجربة الديمقراطية .. - صمت قليلا وأردف - لكنه خطر على سلطة وليدة وحزب مناضل حين تتحول تباينات الرأي إلى تكتلات ومحاولة للخلاص ممن لديهم رأي مخالف وحصارهم أو تهميشهم وكأنهم خصوم هنا يكمن الخطر ولا بد من تكريس الحوار المبدأي والديمقراطية .]

من المهم جدا معرفة جملة من الصفات التي تميز الشخصية القيادية في هذا النَّص البالغ التكثيف وأول هذه الصفات حضور البديهة والتواضع الجم وإعطاء محدثك الفرصة الكاملة في التعليق على فكرتك دون أن تقاطعه في الكلام والأمر البالغ الأهمية أن الشهيد عبد الفتاح إسماعيل كان يرى أنَّ التباينات في الرؤى ضرورية لأغناء التجربة الديمقراطية وإثرائها ولكن عندما يسلك الناس طريق الحوار والديمقراطية دون أن تتحول هذه التباينات إلى تكتلات وظيفتها الخلاص من الرأي المخالف والتعامل معه كخصم تسعى إلى تهميشه وحصاره والخلاص منه

يمضي بنا هذا الحوار الخصب والجميل إلى فضاء المعرفة حيث الملكات القيادية والمعرفية لعبد الفتاح اسماعيل تبرز في أبهى صورها حين نراه يميل إلى اللغة بشكلها القائم على الأحتمال لا الأطلاق رغم كل المعطيات التي تسند كلامه وتقنع مستمعه بصحة ما ذهب إليه وهذا أكثر ما لفت نظر الشاعر العربي أيمن أبو الشعر في هذا الحوار الذي جمعه بالقائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح اسماعيل حيث نرى الشاعر العربي أيمن أبو الشعر يقول الشاعر [

 

 [ أكثر ما لفت نظري في هذا الحوار المديد أن عبد الفتاح كان حين يطرح رأيه يستخدم - ربما ، وأعتقد، ولعل، ومن الأفضل - رغم أنه كان يحضر أمثلة ومعطيات دامغة تؤيد ما قاله ، بل ويستشهد بمقررات تم التصويت عليها وأحداث وتدخلات محددة غيرت وجهة هذا القرار أو ذاك متأسفا ..

استمر الحوار طويلا وانتقلنا إلى الأدب والشعر ، أسمعته بعض القصائد وأسمعني بعض قصائده التي تعبر عن عشق مذهل للوطن ، وكان يسألني بكل تواضع عن رأيي ويصغي باهتمام حتى لبعض الملاحظات الطفيفة موافقا ، فعبد الفتاح ليس محاورا رائعا وحسب ، بل هو مستمع واع ومهذب جدا ، والحقيقة أنني وجهت بعض الملاحظات تحديدا لمعرفة مدى تقبله للانتقاد ، وكان يتقبل ذلك بكل رحابة صدر بل وباهتمام شديد .]

ثمة خصوبة في الوصف مع التكثيف العميق لجملة من الصفات التي تميز بها عبد الفتاح إسماعيل وأهمها أنه محاورا جيدا ومستمعا جيدا وشخصية واعية ومهذبة تقبل الأنتقاد بكل رحابة صدر

يمكنني القول من خلال قراءة الموضوع القيم للشاعر العربي حول عبد الفتاح إسماعيل إنسانا أنَّ الموضوع قد تضمَّن عرضا لجملة من الصفات القيادية التي تكشف عن شخصية خصبة ومتنوعة الأبعاد ومثقف مكتمل الوعي بالقضية الوطنية وقائد سياسي يجيد فقه الحركة للأمام ويرفض عملية حرق المراحل في سياق الحركة بالمجتمع نحو التقدم المأمول ولذلك نرى الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يقول :[ تناولنا في هذا الحوار أيضا مسألة المجتمعات والسير بها نحو المعاصرة ، وتوقفنا مطولا عند واقع الشعب اليمني ، وأذهلني انه يعرف الكثير الكثير ويدرك بخبرة عالية أن السير بالمجتمع نحو الأمام لا يمكن أن يتم بحرق المراحل .

تريث فتاح قليلا وقال : ولكن عليك أحيانا أن تندفع خطوتين إلى الأمام لتحقق نتائج خطوة واحدة ، فمن لا يعرف خصوصيات شعبه لن يستطيع التقدم به ومعه كثيرا .

وركز بشكل خاص على ضرورة الاهتمام ببناء جيل جديد بدءا من الأسرة حيث التربية الحقيقية الأولى للفرد ، ومن ثم تباعا في الحي والمدينة وعبر المنظمات الشعبية وأضاف : يجب أن لا ننسى ان تاريخا طويلا من التخلف والاستعمار يحتاج إلى عمل سياسي اجتماعي ثقافي .

بدا لي واضحا أنه كإنسان واع يضع المهمات السياسية والاجتماعية والثقافية في الأولويات . ]

وفي هذا السياق فإنَّ عملية بناء التقدم لا تنفصل عن عملية الأهتمام بالتربية على قيم الحداثة والمعاصرة والتقدم وهي عملية شاملة تبدأ بالفرد مرورا بالأسرة وصولا للمجتمع في سياق استيعاب حقيقة مهمة وهي أَنَّ تاريخا طويلا من التخلف والأستعمار يتطلب عملا سياسيا واجتماعيا وثقافيا طويلا ومعقدا وعميقا

ثمة حزن عميق يشغل فتاح ويسكن فكره نتيجة بعده عن الوطن لحظة مغادرته له إلى موسكو رغبة منه في الحيلولة دون تفجير الأوضاع وحرصا منه على مقدرات الوطنباعتباره أول رئيس جمهورية عربي يغادر السلطة طوعيا من أجل الحفاظ على التجربة الوطنية والتحررية في جنوب الوطن لكن الصراع لم ينتهي برحيلة ولم تهدأ الأوضاع بمغادرته كرسي الرئاسة يكشف الموضوع عن حالة حزن عميق رافقت القائد والمفكر عبد الفتاح إسماعيل أثناء مغادرته للوطن وإقامته في موسكو رغبة منه في استقرار الأوضاع وهدوئها ولهذا نرى الشاعر العربي أيمن أبو الشعر يتحدث عن هذا الجانب في شخصية عبد الفتاح إسماعيل حيث نراه يقول :[ بدا لي واضحا أنه كإنسان واع يضع المهمات السياسية والاجتماعية والثقافية في الأولويات .

استوقفتني في هذه الجلسة حالة الحزن العميق التي كان يحاول ان يخفيها عبد الفتاح ، كان ذلك مرسوما في عينيه ولكنه كإنسان مضياف وودي لم يشأ أن يسيطر علينا هذا الاحساس الذي لم يكن صعبا تقدير أسبابه ألا وهو البعد عن الوطن الذي تفاعل معه وناضل من أجله ، وبات يتقمص وجده حتى بدا ( ثوبا مفصلا عليه ).- من قصيدة لعبد الفتاح .]

ثمة ارتباط عميق بالأسرة يكشف في جوهره عن حضور عاطفة الأبوة في أرقى معانيها ولهذا يتوجه الشاعر العربي أيمن أبو الشعر بالسوأل إلى عبد الفتاح اسماعيل عن أسرته ويقول :[

سألته عن أسرته .. وكأنني نكأت جراحا مريرة وحميمة بآن معا ، وأدهشني أن لدى فتاح العديد من الأطفال وهو يحبهم بشكل جنوني حتى أنه قال مبتسما ربما لإبعاد حالة الوجد عنا

قال : أحيانا كثيرة أخالهم بجانبي بحضور حقيقي بل وأحيانا أحدثهم - ونظر إلى عيني - وقال ضاحكا : بالقلب طبعا ..]وفي ختام هذه الحلقة يهمني القول تعليقا على هذا الموضوع الرائع والجميل أنني

 

حاولت في هذه القراءة أن أركز على الصفات التي تميز بها القائد الشهيد عبد الفتاح اسماعيل وأن أعيد التذكير بها في هذه القراءة وذلك لأنني أؤمن أشد الأيمان أن إعادة انتاج الشخصيات الكبيرة في حياتنا يبدأ من استحضار صفاتها وإعادة انتاج تلك الصفات في الواقع في اتجاه الأحتفاء بتلك الشخصيات العظيمة والخالدة وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق بدون عملية احياء كامل وتنشئة كاملة وشاملة للأجيال على أساس تلك القيم التي تميزت بها تلك الشخصيات العظيمة والخالدة

 

الحلقة الثانية 

تحتل القراءة التي قدمها الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل إنساناً أهمية خاصة كونها تصدر من مثقف عربي بحجم الدكتور أيمن أبو الشِّعر يحظى بثقة كل الأطياف داخل الحزب الأشتراكي اليمني الذين كانوا في صف فتاح أوالذين أختلفوا معه جزئيا أو كُلِّيا فيمايخص الرؤى والخيارات التي ينبغي أنْ يسلكها الحزب الأشتراكي اليمني في السير نحو عملية التقدم الشامل للوطن وهي أختلافات تدخل ضمن إطار الظاهرة الصحية في أي حزب سياسي طالما التزمت الأحتكام للديمقراطية والحوار المبدئي داخل الحزب ولم تلجأ إلى التكتل والأحتراب هذا هو الفهم الفهم الفتاحي لجدل الأتفاق والأختلاف في الحزب الواحد على أنَّ ما يُمَيِّز الشهادة التي يقدمها شاعر كبير بحجم الشاعر العربي أيمن أبو الشِِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل هو أنها تتعلَّق بالمرحلة التي عاشها عبد الفتاح إسماعيل في روسيا وهي المرحلة التي تشمل الفترة من عام 1980م وتستمر حتى عام 1985ميلادية وهي المرحلة التي أختار فيها الشهيد القائد عبد الفتاح إسماعيل الخروج الأختياري من عدن والأستقالة عن منصبه كرئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وعن موقعة كأمين عام للحزب الأشتراكي اليمني وذلك حفاظا على وحدة الحزب الذي أسسه كأول حزب يجمع كل فصائل اليسار في جنوب الوطن وشماله أيضا والذي أخذ مُسَمَّى الحزب الأشتراكي اليمني وحفاظا على جمهورية اليمن الديمقراطية باعتبارها أول دولة لليسار العربي في المنطقة العربية المهم في الأمر أنَّ السَّفر الأختياري لعبد الفتاح إسماعيل إلى موسكو شهادة تضاف إلى رصيد فتاح ولتوجهه السلمي في العمل السياسي كما أنَّ المرحلة التي عاشها في روسيا تمثل على صعيد الرؤى سقف التجربة السياسية والثقافية والفكرية لمثقف بحجم عبد الفتاح إسماعيل الذي بدأ حياته السياسية بانضمامه لحركة القوميين العرب في العام 1959 ميلادية ليصبح بعد ذلك بفترة وجيزة من قيادة حركة القوميين العرب في عدن وأحد القيادات المؤسسة و الفاعلة في الجبهه القومية منذ عام 1962 ثم ليصبح الشخصية الفاعلة في الكفاح المسلح في جبهة عدن والشخصية القيادية البارزة التي قرأت بيان الأستقلال في عدن عام 1967ميلادية ثم بعد ذلك ليصبح أمينا عاما للجبهة القومية في العام 1969 م ثم بعد ذلك أول أمين عام للحزب الأشتراكي بعد أن كان لفتاح شرف تأسيس الحزب من فصائل العمل الوطني أثناء فترة رئاسته لجمهورية اليمن الذيمقراطية الشعبية في عام 1979أي في العام الأول لتوليه مهام رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية

ومِنْ ثَمَّ فَإِنَّ شهادة الشاعر الكبير أيمن أبو الشعر والتي تناولت مرحلة تاريخية تعود إلى الفترة التي قضاها الشهيد عبد الفتاح إسماعيل في روسيا وبغض النظر عن الفترة التي عاشها فعليا الشاعر العربي أيمن أبو الشعر في موسكو ربما كانت مساوية للفترة التي عاشها عبد الفتاح أو أقل أو أكثر لكن الشهادة التي تضمنتها تكفي لمعرفة حقيقة أنها تعبر عن نضج في التجربة السياسية لفتاح تمثل أكثر من ثلاثة عقود ونصف من عمره السياسي وهي من وجهة نظري تعكس تطورا شاملا في حياة عبد الفتاح الأب يكتشفه الشاعر من خلال حواره مع إصلاح عبد الفتاح إسماعيل ينفذ من خلاله إلى فتاح الأب والمربي حيث نراه يقول :[ تكررت لقاءاتي بعبد الفتاح اسماعيل ، وتوطدت الصداقة إلى حد كبير ، وبات يناديني أبو خالد وبت أناديه أبو صلاح ، وازدادت أجواء حزنه بعد أن طال البعاد وتكرست أوضاع راحت تقلص أحلام العودة إلى الوطن ، وذات يوم جئته قبل موعدي معه بحوالي الساعة فاستقبلتني ابنته إصلاح

قالت إصلاح : ان الوالد مشغول الآن في لقاء مع بعض الضيوف

فقلت : حسنا سآتي في

وقت آخر

فأجابت على الفور: لا لقد طلب الوالد ان تنتظره قليلا ..

لفت نظري أن إصلاح متحدثة واعية ومبدأية وجدية جدا ، أحضرت القهوة وسألتني عن دمشق والأهل وبعض الشؤون السياسية ، فبدت في حديثها أكبر من عمرها بكثير ..

قلت لها: تقرأين كثيرا يا إصلاح ..

فأجابت :لا أعتقد ذلك.. مهما يقرأ الإنسان فهو بحاجة للمزيد ، ولكن الوالد يناقشنا ويستمع إلينا ويحاول بشكل غير مباشر إيصال الأفكار لنا عندما يتاح له ذلك ...الكتب لا تغني عن دروس الحياة .

قلت في نفسي حقا هذا أفضل من الكتب أحيانا ، وتوصلت إلى قناعة أن فتاح رغم انشغالاته لا يبخل بالوقت على أولاده حين يستطيع ذلك ، وهذه من أهم خصال الإنسان المتجانس مع نفسه .

حضر عبد الفتاح بعد حين وبدأ يعتذر فقلت له على الفور : ولكنني جئت قبل الموعد أنا المخطئ ..

تابع اعتذاره وشكر إصلاح وابتسم قائلا :أرجو ان لا تكوني أتعبت رأسه .. فنظرت إليه معاتبة فضحك وأضاف: إصلاح جدية ومثقفة وأنا أفتخر بها ابتسمت إصلاح وغادرت بهدوء ما يدل كذلك على الاحترام الكبير والتقدير لظروفه .

قال فتاح : أولادي قطعة من كبدي ولكل واحد سمة مميزة ، لكني فخور بأن إيجابياتهم تفوق كثيرا بعض السلبيات ..طبعا لكل إنسان سلبياته أنا أيضا لي سلبياتي .. - وتابع مع آهة حبيسة -.. كم أشتاق لهم ]

كما أن هذه الشهادة التي يقدمها الشاعر العربي أيمن أبو الشعر حول فتاح تعكس النضج الذي تميز به فتاح في الرؤى على الصعيد الوطني وممارسة عملية النقد الذاتي وتلك الروح الحميمية التي تميز عبد الفتاح اسماعيل في التعامل مع رفاقه بما فيها الذين يختلف معهم في الرأي لم يفقد محبته لجميعهم وكان عفيفا طاهر القلب والضمير واللسان ومؤدبا في وصفه لمن يختلف معهم في الرأي كان يصفهم بأفضل ما فيهم لم يفقد روح الأب والمربي في تعامله مع رفاقة لم يفقد تواضعه في وصفه للتاريخ الوطني رفض أن يطلق عليه أيمن أبو الشعر قائد التجربة وأكتفى بوصف نفسه باعتباره واحدا من قادتها وفي سياق ممارسة فتاح للنقد الذاتي نرى فتاح يقول [كم أشتاق للوطن ، هل تدرك ياصديقي معاناة أن تكون هنا وهناك بآن معا ، هنا بجسدك وهناك بروحك - واستطرد كحالم – لا شك أن لي سلبياتي وإلا لما وصلت الأمور إلى هذه التشنجات ، أود حقا أن تسير الأمور بشكل ديمقراطي ، أن أكون أيضا مع رفاقي وأن نتابع معا الطريق بشكل مبدأي ونقي .. أن أكون في وطني أنا لست بحاجة للاستجمام بل للعمل..] هكذا تأخذ شهادة أيمن أبو الشعر حول محطات مفصلية من تاريخ فتاح هذا القدر الهائل من الخصوبة والجمال

وعلى صعيد الأجابة على السوأل المركزي الذي قدمه الشاعر العربي أيمن أبو الشعر للقائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل لماذا مغادرة السلطة والوطن لماذا الذهاب إلى خارج الوطن فيجيب فتاح بالقول: [يبدو لي أنني لم أكن حازما بما فيه الكفاية في بعض الأحيان.. وكنت حتى أفضل أن يتم اتخاذ القرارات لا نتيجة تصويت الأكثرية، بل لأن القرارات جيدة بمعنى أن يكون التصويت مبدئيا وليس تكتليا، وأن نعتمد الاقناع مهما طال الحوار .. ربما.. ولكنني لم أجبر على المغادرة .. لقد اخترت أن أوافق على هذا الحل حتى لا يحدث صدام دام بين الرفاق وتتمزق التجربة والوطن ، كان هذا الخطر قائما بالفعل.. الحوار قد يقود إلى التفاهم أو الحل الوسط على أقل تقدير أما التناحر فقد يوصل إلى الاحتكام إلى البندقية وهذا يقود إلى خراب وربما إلى حرب أهلية أي إلى الجنون .. لقد قلت في نفسي إذا كان سفري المؤقت سيحول دون هذا الصدام الدامي فليكن ..وسافرت ]

في هذه الأجابة الفتاحية نرى هذا التدفق العارم لسيل المشاعر الأنسانية ولتلك الروح المدنية التي ميزت فتاح وأَهَّلته لاحتلال تلك المساحة التي يحتلها في القلوب لقد القائد والمفكر الشهيد فتاح إنسانيا وحضاريا ورائعا حد الدهشة هذا الرقي وهذا الحرص على التجربة والحزب والوطن وعلى الناس لا ينفصل في سموه عن تواضعه الكبير عندما أشار إليه الشاعر العربي تالكبير أيمن أبو الشعر وخاطبه باعتباره قائد التجربة في جمهورية اليمن الديمقراطية نلاحظ فتاح يقدم إجابة تتدفق تواضعا وعمقا نقرأ من خلالها درسا في القيادة على الطريقة الفتاحية حيث نرى فتاح يجيب على الفور: [: لا انا أحد قادتها وهذه التجربة بحاجة ليس فقط إلى قادتها بل إلى جميع الرفاق ، وبحاجة إلى مساهمة الشعب وبالتالي علينا أن نثبت أننا نستحق أن نكون قدوة لكي يمشي الشعب معنا حين يدرك ويحس بأننا نعمل من أجله..لا أن نشتغل ببعضنا ونظهر للناس أننا غير قادرين على التفاهم فيما بيننا وغير قادرين على حل إشكالاتنا .. إذن كيف نحل إشكالات الناس

قلت له : هل المشكلة في من يكون الرئيس ؟

أجاب بحرارة : ياصديقي أروى بنت أحمد حكت اليمن ووحدت مناطقه وقبائله قبل ألف عام ، والمجتمع لا يرحب عادة برؤية امرأة في سدة الرئاسة ..ومع ذلك قدم لها الولاء ، لأنها كانت جديرة وقادرة على تحمل المسؤولية .. المهم إذن لا من يكون رئيسا أو قائدا بل المهم كيف يحكم وبأية حكمة وخبرة وكيف يتعامل مع الآخرين.]لقد قدم فتاح السوأل الأساسي في فلسفة الحكم كيف تحكم وبأي حكمة وخبرة وكيف تتعامل مع الآخرين

وفي سياق توصيف فتاح لرفاقه نرى فتاح يُعَبِّر بِقَدْرٍ هَاِئلٍ عَنْ تلك الحميمية التي يحيط بها رفاقه وهو الأمر الذي يبرز من خلال هذا الوصف الذي يقدمه الدكتور أيمن أبو الشِّعر للقائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل حيث نرى الشاعر الكبير أيمن أبو الشعر يقول [سألته فيما إذا كان الخلاف متعلقا بعلي عنتر تحديدا، فأوضح لي أن علي عنتر إنسان نقي ولا بد أن يرجع إلى ضميره ووصفه بأنه إنسان طيب ومخلص مضيفا بأن المشكلة في أن التوتر يتحول إلى تشنج ، والتشنج تبنى عليه مواقف ، وتظهر موسوعات من الشائعات ، والشائعات برأي فتاح أشبه ما تكون بالزيت الذي يصب على النار، ثم أوضح فتاح فكرة هائلة وهامة جدا في تجارب الشعوب وعلم الاجتماع ربما دون أن يقصد حيث أوضح متابعا بحرارة أن البلد الذي لاتوجد فيه متنفسات ثقافية وفنية وسياحية وترفيهية كافية يتسلى الناس فيه بالإشاعات ، ثم سرعان ما يتأثربعضهم بها بل ويتصرف ويتكتل بعض آخر على أساسا أنها واقع حقيقي.. وركز على أن حدوث انعطاف ثوري تقدمي في بلد كاليمن كان أشبه بمعجزة قاد إليها تحديدا النضال ضد الاستعمار وليس الثقافة الثورية الوليدة جدا ، لهذا يحمل القادة اليمنيون أيضا جزءا غير قليل من رواسب التخلف والعصبية وركوب الرأس والتشنج فهم جزء من هذا المجتمع وليسوا من المريخ، لهذا كثيرا ما يظهر تباين في الرأي حول موضوع عابر لا يفسد للود قضية ، وسرعان ما يتحول إلى معضلة معقدة تضاف إلى إشكالات سابقة فتبدو خلافا كبيرا ويتخندق الرفاق هنا وهناك ]

يكشف فتاح عن عمق في الرؤية وعمق في التحليل حول طبيعة المجتمعات المتخلفة التي لا توجد فيها متنفسات ثقافية وترفيهية حيث نرى كيف يتسلى الناس فيها بالأشاعات وتكتسب الأشاعة قوة الفعل المحرك للكثير من الأحداث ويكشف فتاح في هذا الحوار حرصا عميقا على التجربة والحزب والوطن كما يعكس نضجا في الرؤى يعكس خبرته النضالية الواسعة بتفاصيل الواقع الوطني وعوامل الحركة الى الأمام في هذا الواقع ويتجلى هذا النضج في كل المجالات السياسية وحتى الثقافية والشعرية والأدبية عموما أدرك الدكتور أيمن أبو الشعر ببصيرته هذا النضج وظن أنه بمحاولته الهروب من السياسة إلى الشعر أنه قد أفلح في الخروج من الموضوع السياسي ولكن الأجابة الفتاحية المتمثلة في قصيدة تاج النهار كانت جمعا للنسقين الأدبي والسياسي في سياق واحد هو الدهشة ذاتها والتطور الهائل في تجربة فتاح الثقافية التي توازي تطوره السياسي الذي يمتد لأكثر من خمسة وثلاثين عاما منذعام 1959 مرورا بتلك الأعوام الخمسة التي قضاها في روسيا والذي أستمرت حتى عام 1985 أي أننا أمام خمسة وثلاثين عاما من النضج الثقافي والفكري والياسي لقائد بحجم المناضل والمفكر والشاعر والأديب والأنسان عبد الفتاح إسماعيل حيث نرى هذا المعنى يبرز في سياق يقتحم فيه تلك الثنائية التي تجمع بين السياسي والثقافي والجمالي والواقعي في حين يظن الشاعر الكبير أيمن أبو الشعر أنه قد نجح في الأنتقال من السياسة إلى الشعر في هذا الحوار الخصب حيث نرى أيمن أبو الشِّعر يقول [كان فتاح يتحدث بحرارة ليس فقط كسياسي وقائد بل كإنسان رائع يتمثل قناعاته .. فأحببت أن أغير الموضوع تماما

قلت له : لا بأس آمل أنها شدة وتمر .. تعال نقرأ بعض الشعر

التقط فتاح الفكرة وقال لي: سأسمعك قصيدة شعبية أقصد كتبتها باللهجة الشعبية العامية - وراح يقرأ متقمصا كل كلمة يقرأها وبحرارة عجيبة - .. .. مخلف صعيب لكن قليبي ما هنش ..

طبعا استمعت إليه حتى النهاية لكنني لم ادرك معاني بعض الكلمات ، ويبدو أنه قرأ ذلك على وجهي فراح يفسر لي بعض الكلمات العامية دون أن أطلب منه ذلك .وهذا أيضا من سمات عبد الفتاح الألمعي والإنسان الكبير ، فهو يود أن يكون التفاعل حقيقيا وليس مجرد تعاطف عابر فيهتم بأن تصل المعاني لمن يصغي إليه مقدرا مفارقة اللهجات . كان الهاجس الأول في لقائنا هذا هو هذه المعاناة في انتظار العودة إلى الوطن حتى أن فتاح راح يتذكر أطفاله من غدا كبيرا ، ومن هو بعد صغير ، والأمكنة الحميمة إلى قلبه البحر والشواطي والأحياء وحتى بعض الحوارات ، وذكريات مع الرفاق الذين يقفون معه وأولئك الذين قلبوا له ظهر المجن ، لكن الشيء الهائل في هذا الإنسان الكبير هو أنني لم أسمعه ولو مرة واحدة يصف هذا الرفيق أو ذاك بأوصاف غير لائقة ، بل يحاول أن يجد لهم الأعذار وأقسى ما كان يعبر عنه هو العتب والأسف ، أو عبارة ما الذي حدث له.. أين التفكير السليم ؟ .

استمر حوارنا حتى وقت متأخر وعدت إلى غرفتي وأنا مسكون تماما بهذه التجربة وبمعاناته فقرأت له في لقائنا اللاحق قصيدة شعبية أيضا كتبتها متقمصا عذابات عبد الفتاح وتتحدث عن تجربته وانتشرت بسرعة بين الشباب اليمنيين ، وسمعت بعد حين أنها لحنت وغناها أحد الفنانين المبدعين، أو انها كانت مشروعا للتلحين والغناء ومطلعها :

إن كنت من صنعا أو كنت من عدن

زرني وخبرني عن بسمة اليمن .]

وفي اعتقادي الشخصي أنَّ من يقرأ قصيدة تاج النهار للشاعر عبد الفتاح إسماعيل في دبوانه نجمة تقود البحر سوف يكتشف مقدار النضج الفني في بناء القصيدة الشعرية وتفوقه في مجال القصيدة الغنائية وأعتقد أنه لو طال به العمر لوجدنا أنفسنا أمام شاعر عربي متميز لقد مثلت الفترة التي قضاها في في موسكو على الرغفم من مرارة البعد عن الوطن ولكن هذه المرحلة فيب تجلياتها تمثل أرقى مراحل التطور الثقافي والفكري والجمالي الذي تميز به القائد الشهيد والأب المربي والشاعر المتميز عبد الفتاح إسماعيل ولهذا فإنَّ هذه الشهادة للشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر ينبغي أن نقرأها بعناية فائقة لأنها تقدم الدليل الواضح والأكيد على هذا الأستنتاج الذي توصلت إليه في هذه القراءة لشهادة الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل إنسانا وفي هذا السياق لا يفوتني أن أقف إجلالا أمام عبد الفتاح إسماعيل الأب والتربوي الذي حرص على تربية أبنائه من خلال الحوار المباشر واستغلال الوقت المناسب للحوار معهم وتربيتهم ليس من خلال الكتب فقط ولكن من خلال المعايشة وما يمكن أن نطلق عليه مدرسة الحياة وهذا ما برز جليا من خلال الحوار في هذه الحلقة بين إصلاح عبد الفتاح إسماعيل وبين الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر نحن إذا أمام شخصية متعددة الأبعاد قدمت في مجموعها نموذج القائد والأنسان والشاعر والمثقف والأب والمربي والشهيد عبد الفتاح إسماعيل

وفي اعتقادي أيضا أَنَّ من يقرأ هذا الحوار الذي جمع الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر مع القائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح إسماعيل سنرى تلك الحميمية التي يحيط بها عبد الفتاح إسماعيل ضيوفة وكيف كان يمنح الشعراء والأدباء والمثقفين اهتماما خاصا يتبادل معهم الرؤى ويناقش معهم التصورات ويتبادل معهم قراءة القصائد الشعرية ويحاول أن يشرح ما يحتاج إلى الشرح في قصائده المتصلة باللهجة الشعبية وفي نفس الوقت هو مستمع جيد يتبادل الأستماع إلى أصدقائه فيستمع إلى قصائدهم ورؤآهم وهي ميزة المثقف والقائد والصديق والأب والأنسان عبد الفتاح إسماعيل

 

الحلقة الثالثة 

فضاء الذاكرة الأنسانية التي التقطتها بصيرة الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر حول عبد الفتاح إسماعيل إنسانا هو فَضَاءٌ مَفْتُوحٌ على اللحظة الأنسانية بكل تنوعها السياسي والثقافي والأبداعي والاجتماعي ولأنه فضاء مفتوح على متعدد لم تتمكن الذاكرة من عرض كل مخزونها فما تم تدوينه هو ما التقطته بصيرة المبدع من تلك الذاكرة المضيئة بكل هذا المخزون الأنساني الواسع والرائع والجميل يبدو الشاعر مشدودا في هذه الذاكرة لقطبين رئيسين القطب الأول قطب التجربة الوطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية وأهمية الحفاظ عليها والعمل على رأب الصدع بين مختلف الأطراف داخل النسيج الوطني الديمقراطي في الحزب والدولة ثم أنَّ الشاعر أيمن أبوالشِّعر مشدودا لشخصية عبد الفتاح إسماعيل بكل موضوعيتها وصدقها وعمقها ويرى بأن تجربة بحجم تجربة اليمن الديمقراطية بحاجة للإستفادة من قدرات فتاح وخبراته ورؤيته الناضجة في تشخيص المسألة الوطنية

  يبرز تعاطف عميق مع عبد الفتاح إسماعيل في سياق المهمة الأعظم وهي الحفاظ على التجربة الوطنية الديمقراطية في جنوب الوطن وفي هذا الأطار وضع الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر لنفسه مهمة واضحة لا تقبل اللبس وتتمثَّل تلك المهمة في رأب الصدع بين الأطراف المختلفة والعمل على عودة فتاح إلى عدن ليمارس دوره في إثراء التجربة الوطنية بخبراته وتجاربه ولقد ساعد الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر للوصول إلى هذه القناعة عاملين أساسيين العامل الأول أنه عندما كان يتحاور مع فتاح كان يلاحظ لدى فتاح دعما واضحا لكل الرؤى التي من شأنها رأب الصدع والحفاظ على وحدة التجربة الوطنية والعمل على رسوخ كل عوامل القوة في هذه التجربة أما العامل الثاني وهو الظرف الموضوعي المتعلق بزيارة الرئيس على ناصر محمد إلى موسكو واللقاء الذي جمع علي ناصر محمد مع الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر في السفارة اليمنية في موسكو حيث يتحدث الشاعر أيمن أبو الشِّعر عن هذا اللقاء قائلا:[ حدث ذات يوم أن اتصل بي السفير اليمني في روسيا إبان زيارة الرئيس علي ناصر إلى موسكو ، وأبلغني أن الرئيس يدعوني لجلسة في مبنى السفارة .. رحب الرئيس علي ناصر بحرارة وبعد حوارات عامة طلب مني أن ألقي بعض مقاطع من الحلم في الزنزانه السابعة وقارع الطبل الزنجي ، فاعتذرت متعللا بضعف ذاكرتي فقال على الفور: هل تريد أن أحضر شريط الكاسيت من السيارة ..ربما قال ذلك كمؤشر على صدق الرغبة لا أكثر .. كان علي ناصر شخصية متميزة أيضا ، وكان وديا وحبورا وكنت آمل في تعميق هذه العلاقة الوليدة علي أستطيع المساهمة ولو بقسط صغير في تقريب وجهات النظر ، ولم يكن الأمر قد وصل إلى حد التناحر الحاسم .. وبعد حين أبلغني السفير اليمني وهو إنسان يساري مثقف وحيوي جدا أن هناك دعوة لي لزيارة اليمن وإقامة بعض الأمسيات وإلقاء بعض المحاضرات رحبت كثيرا، وأبلغت فتاح أنني مسافر إلى اليمن ..

توقعت أن يوصيني عبد الفتاح ببعض الأمور خاصة أن الأوضاع تغلي في قواعد الحزب وكوادره ، أو أن يطلب مني نقل رسائل شفهية كونه من جهة يثق بي ، ومن جهة ثانية كانت قد بدأت بعض التحركات هناك في الحزب لتقرير مصيره ، وفي الحقيقة كنت أخشى ذلك فأنا لا أستطيع لعب دور كهذا لكنه لم يطلب شيئا ..أسمعته قصيدة عصية عدن التي اعددتها للإلقاء في هذه الزيارة وكان تفاعله كبيرا حتى أنه قال لي: رائع حديثك عن القبائل بهذه الطريقة الجميلة أنت يمني بامتياز بغض النظر عن هويتك الوطنية ..

نقلت له مجمل أجواء اللقاء بالرئيس علي ناصر ، وبينت له أنني ارتحت لعلي ناصر وأنني أعتقد أن متابعة المشوار معا سيكون مفيدا جدا ، وفوجئت بأنه أثنى عليه وعلى حيويته ، بل وتحدث بود كبير عن معظم الرفاق الذين باتوا يجافون فتاح مع غصة خفية تحمل تساؤلا روحيا غير معلن ، لماذا تتم هذه المماطلة ، وكانت عيناه تقول أما آن لهذا الفارس أن يترجل ..]

  الواضح من خلال هذا اللقاء الذي جمع الرئيس علي ناصر محمد بالشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر شخصية الرئيس علي ناصر محمد الودودة والمتواضعة والرائعة في متابعتها للجديد الثقافي وهي شخصية تترك أثرها الأيجابي في وجدان كل من يقابلها الواضح أيضا أَنَّ هذا الأنطباع الودي الذي تركه الرئيس على ناصر محمد في ذهن الشاعر العربي أيمن أبو الشعر هو نفس الأنطباع الذي يحمله القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل عن الرئيس علي ناصر محمد وعن كل من أختار طريق الخصومة لفتاح من رفاقه في الحزب الأشتراكي اليمني والواضح أيضا أنَّ القائد والمفكر والأنسان عبدالفتاح إسماعيل كان يريد العودة إلى الوطن ولكن ليس عن طريق الوساطة ولهذا نجد أن الشهيد عبد الفتاح إسماعيل عندما طلب منه أيمن أبو الشِّعر توجيه إي رسالة للداخل اليمني عندما تم توجيه الدعوة لأيمن أبو الشعر بزيارة جمهورية اليمن الديمقراطية نلاحظ أنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل لم يتوجه بأي رسالة من نوع خاص بل أنه وَجَّهَ تَحِيَّتَهُ لِلرِّفَاق كُلِّهِمْ وفي هذا السياق يقول الشاعر أيمن أبو الشِّعر:[ قلت لعبد الفتاح : أنا إنسان واضح وأحب اليمن وتجربته بصدق ولذا فإنني لن أدخر جهدا في محاولة رأب الصدع كصديق ، ربما أستطيع أن أجمع بين القلوب ..

أجابني فتاح : لا أعتقد أن ذلك سيكون مجديا رغم نبل المقصد ، وربما يعطي ردود فعل معاكسة ، بل ربما يعتقد البعض أنني طلبت منك ذلك

قلت له : ولكنك لم تطلب مني شيئا

تابع فتاح : أنا أطلب منك شيئا واحدا .. هذه زيارتك الأولى لليمن ولك حضور كبير في أوساط المثقفين ، من المفيد جدا أن تغني تجربتك الإبداعية وأن تتعرف على الشعب اليمني عن قرب ، حاول ألا تقتصر زيارتك على عدن وأن لا تكتفي بالأمسيات في الجامعة والقاعات الكبرى ، من المهم ان ترى الشعب اليمني بطيبته وروعته إنه يستحق أن يكون له مكان لائق في نتاجاتك .. سلم على جميع الرفاق وأتمنى لك التوفيق .].

 

في نصيحة الشهيد عبد الفتاح إسماعيل للشاعر العربي أيمن أبو الشعر والذي ينصحه فيها بزيارة كل المحافظات اليمنية في جنوب الوطنية نراه أيضا ينصح الشاعر أيمن أبو الشِّعر بزيارة المحافظات اليمنية في جنوب الوطن عندما تتوفر له الفرصة لزيارة المحافظات الشمالية ويقول له إنّض الشعب اليمني واحد وهنا يتجلى هذا العمق الوحدوي وهذه الرؤية العميقة للمسألة الوطنية في فكر فتاح حيث نرى الشعار العربي أيمن أبو الشِّعر يتحدث عن هذا العمق في الرؤية التي تميز فتاح حيث نرىأيمن أبو الشِّعر يقول [حدثني فتاح عن المحافظات الأخرى عن الشعب البسيط والمبدع دون ان يذكر حرفا عن أي احتمال أو رجاء لمساهمتي في الحديث عن حلول لأجواء الأزمة مكررا : هذه فرصة جميلة للتعرف على أصالة الشعب اليمني والتفاعل معه هذا هو المهم بالنسبة لك كشاعر.. وأتمنى أن تتاح لك الفرصة في المستقبل لزيارة صنعاء ومدن الشمال فاليمن واحد والشعب اليمني واحد، وردد مترنما ( ضفيرة صنعاء ، ضفيرة عدن )

 

وفي زيارة الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحدث عن حميمية الشعب اليمني وعن الطبيعة الرائعة والودودة للإنسان اليمني والمثقف اليمني وتحدث عن الجوانب الجميلة في شخصية الرئيس علي ناصر محمد وتحدث عن الفعاليات الأدبية الشعرية والمسرحية التي أحياها في اليمن, كان الشاعر الكبير يلامس موضوع عودة عبد الفتاح برفق فقد اتضح له أن الموقف من فتاح ينقسم إلى قسمين القسم الأكبر كان يريد عودة فتاح ومؤيد ومتمسك بدوره القيادي في الحزب والدولة والقسم الثاني كان ينتقد فتاح ولكنه يحترم فتاح كشخصية مناضلة لها اسهامها الوطني في تاريخ الوطن يروي الشاعر أيمن اأبو الشِّعر تفاصيل تلك المشاعر المؤيدة والمتمثلة في الكثير ممن قابلهم من المثقفين والشعراء والسياسيين كان الحزب الأشتراكي يشهد حوارا مكثفا يضغط في اتجاه عودة فتاح والواضح أن عبد الفتاح إسماعيل كان يريد العودة للوطن من خلال هذا الضغط الذي تمارسه الأغلبية في الحزب لترسيخ مبدأ العودة من خلال الحزب وليس من خلال الوساطة إِذا نحن أمام توجه يميز فتاح وهو أنه مع رأب الصدع باعتباره يعكس وعي حريص على وحدة الحزب وتقدم الوطن ولكنه يسعى للعودة للوطن من خلال المراهنة على دور الأغلبية في الحزب العاملة من أجل تحقيق هذا الهدف

تفيض الذاكرة بصور متعددة من هذه المشاعر الأيجابية تجاه القائد عبد الفتاح إسماعيل في جمهورية اليمن الديمقراطية حيث نرى الشاعر أيمن أبو الشِّعر يقول :[ نعم أستطيع القول بكل صدق أنني كنت أرى عبد الفتاح يتجلى في مشاعر الشعب اليمني وتتردد كلماته في حواراتهم وأدرك من فحواها أن القسم الأكبر يحبه كقائد ويقف معه ومعظم القسم الآخر لا يقف معه لكنه يحترمه كإنسان متميز ونموذج فريد .]

يكشف الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر عن العديد من الأنشطة الثقافية التي أقامها في عدن وعدد من المحافظات في جمهورية اليمن الديمقراطية ويكشف في ذكرياته عن جانب مهم متصل بحترام النظامك وتطبيقه على الصغير والكبير فعلى سبيل المثال كان برفقة وزير الثقافة أثناء عودتهم إلى عدن وكانت هناك بقايا قات يمضغها وزير الثقافة وقد دخلوا عدن في يوم صادف أنه ضمن الأيام التي يمنع فيها تناول القات في عدن فماذا حدث في الحوار بين العسكري وبين وزير الثقافة الذي أعترض على تناول وزير الثقافة للقات في السيارة أثناء دخولهم عدن حيث نرى أيمن أبو الشِّعؤ يقول [. ومن المفارقات التي أذكرها جيدا أنني كنت عائدا من إحدى المحافظات في رحلة دعاني إليها وزير الثقافة وهو شاعر معروف ، وحدث أن هطلت أمطار غزيرة وجرى سيل كبير اضطرنا إلى التأخر عدة ساعات، وكنا في السيارة نخزن القات عدا السائق ، وعند مدخل عدن استوقفنا حاجز عسكري فتح السائق النافذة فعرّف وزير الثقافة عن نفسه فقدم له الجندي التحية العسكرية ، وما إن تحركت السيارة حتى استوقفها الجندي من جديد وسأل الوزير بصوت حاسم ملمحا إلى أنه يقوم بواجبه : ماذا أتخزن ؟ واضطر الوزير إلى إزالة ما في فمه .. وتبين لي أن تخزين (مضغ ) القات ممنوع في هذا اليوم . أتخيل ماذا سيحدث لهذا الجندي لو تحدث بهذا الشكل الحاسم مع وزير في إحدى البلدان العربية الأخرى !!.]

هذه المفارقة الجميلة التي أستوقفت الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر والذي تعكس حقيقة أن القانون يتم تطبيقه على الجميع ولأنَّ الأمر كذلك نجد وزير الثقافة يزيل ما في فَمِهِ مِنَ القَاتِ إحتراما للقانون هذه الممارسات التي تجسد هيبة الدولة وتنتصر للنظام والقانون لم يتم الأستفادة منها فيما بعد بحيث يمكن أن نقول أنَّ الواقع المتخلف لم يتمكن من المحافظة على هذه الجوانب المضيئة في تجربة جمهورية اليمن الديمقراطية بعد قيام الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو من عام 1990ميلادية

التقط الشاعر العربي الكبير في زيارته لجمهورية اليمن الديمقراطية العديد من المفارقات التي تعكس الجانب الأنساني للشعب اليمني وللتجربة الوطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية كما عكس الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر الجوانب الأنسانية التي تميزه سواء من خلال حرصه على رأب الصدع بين الأطراف المتباينة في الحزب الأشتراكي اليمني ورأب الصدع بين المختلفين وأهمية عودة قائد متميز بحجم عبد الفتاح إسماعيل للوطن من أجل المشاركة في بنائه ساهمت هذه المذكرات في تقديم شهادة وافية حول المضامين الثقافية والفكرية والسياسية التي تميز بها الشهيد القائد عبد الفتاح إسماعيل وفي سياق البعد الأنساني كان الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعرمِن أفضل الشُّعراء الذين يعملون على التقاط اللحظة التي يتحدث عنها فتاح وتحويلها إلى قصيدة فعلى سبيل المثال يقول أيمن أبو الشِّعر : [، فتذكرت الصورة الجميلة التي ذكرها لي فتاح ذات يوم يصف فيها بعاده عن الوطن بأنه يشعر أحيانا بأنه شبيه بالموجة التي تفقد تكوينها بدون البحر .]

فنلاحظ أنَّ الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يعمل على تحويل هذا المعنى الى قصيدة رائعة وجميلة للشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يقول فيها [خذوا موجةً واشلعوها من البحرِ

ثم اعرضوها ببركة قصر المحافلِ لن تعرفوها

ولن تمنحوها سوى لوحةٍ عنوَنَتها العبارة

هنا حوضُ ماء همد

إذن فامنعوا الموجَ عن رقصه في البحار

لكي تمنعوا عن فؤادي حنين البلد .]

هي قصيدة رائعة وجميلة تصف لحظة البعد عن الوطن بأجمل ما يمكن وصفه هي لحظة تحاول أن تصنع مقاربة مع أشواق فتاح للوطن يقدمها الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر بأجمل ما يمكن تقديمه من المشاعر النبيلة والشِّعر الجميل نحن هنا أمام البعد الأنساني في الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر الذي يتجلى في هذه المقاربة الوجدانية لمكابدات وأحزان الشاعر والقائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل نتيجة البعد عن الوطن في منفاه الأختياري في موسكو من المهم جدا أن نقول أنَّ الحديث عن البعد الأنساني في شخص فتاح قد أتاح الفرصة أمام أجمل التجليات الأنسانية في التجربة اليمنية وفي الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر وقبل هذا وبعده في الشخصية الوطنية والقومية والأممية المتمثلة بالشهيد عبد الفتاح إسماعيل المحتفى به في هذه السطور هي روح فتاح التي ترى بأن البعد الأنساني للقائد يتجلى في أروع صوره بالأثر الأيجابي الذي أحدثه القائد في واقعه وفي مسار حركة التطور الأجتماعي للوطن

الحلقة الرابعة 

للشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر أنْ يُحَلِّقَ بِنَا في هذا الفضاء الفَتَّاحِي الجميل وهو مزيج من القصيدة والنضال مِن أجل التقدم هو فعل حب شمولي يبدأ من الوطن وَيَتَّسِع للأكوان كُلِّها

ولنا أنْ نَعيش تفاصيل هذا السَّفَر في عوالم هي الضوء والوطن الحِلم والأصدقاء ثَمَّة حضور للقصيدة يقتحم كل التفاصيل الصغيرة ويعيد قراءة المسائل الكبيرة على نحو عميق ثمة قلق جميل يبدأ بالحرص على وطن خَالٍ مِن العُنْفِ ودورات الموت التي تستهدف قيم الحرية والحياة

القلق من تسارع التطورات في اليمن الديمقراطية على نحو سلبي هو ما يخشاه فتاح على الدوام

تطورات الأوضاع على صعيد الساحة الوطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية واتساع نطاق المخاطر اتلمحدقة بالتجربة وبالذات من داخلها كل هذا كان يلقي بثقله على كل الحريصين على التجربة الوطنية في هذا البلد الذي أختار طريق التقدم وفق خيار مواجهة الأميريالية

وفي هذا السياق الأكثر إيغالاً بالقلق يتحدث الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر ويقول [ازدادت الأمور تعقيدا بحيث بدت أقرب ما تكون إلى عض الأصابع ، ولم يكن عبد الفتاح اسماعيل ريشة في مهب الريح ، فهو رغم كونه مفكرا هادئا كان علميا وعمليا ، ومن خلال بعض حواراتي في هذه المرحلة الصعبة معه بدا لي أنه بات أكثر هما ، وكثيرا ما يستخدم الأمثال الشعبية لتوصيف حالة محددة إمعانا في الاختصار والتجسيد .

وازددت أنا قلقا حيث كان عبد الفتاح لا يخفي خشيته من أن تتحول الأوضاع إلى مواجهات إن ركب البعض رأسهم. وكان من أقصى أمنياتي أن لا يحدث صدام بين الفرقاء خاصة ان لدي أصدقاء رائعين من الطرفين .. ولفت نظري ان مقر إقامة عبد الفتاح بات مزارا لمعظم القادمين من اليمن وخاصة القياديين الذين ضاقوا ذرعا بحالة التشنج المستمرة وخوفا من الاحتمالات الدامية .]

هذا التصوير الجميل لحالة القلق على مصير التجربة في جمهورية الديمقراطية الشعبية هذا الحرص على عدم تفاقم الأزمة واتخاذها مسارا مأساويا قد أخذ حقه في هذا العرض الذي قدمه الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشِّعر ولكنه أي الشاعر العربي الكبير أيمن أبو الشَّشعر يوغل في العوالم الداخلية للقائد والمفكر والأنسان والأديب والشاعر عبد الفتاح إسماعيل ويستغرق في الغوص في العوالم الجميلة والرائعة لفتاح على نحو يجعلنا نعيش معه روعة وجمال وبهاء تلك الشخصية الأستثنائية التي أفرز لها حيزا يتصل بالحديث عن عبد الفتاح إسماعيل إنسانا فمن الناحية الوطنية كان منزل القائد والمفكر والشهيد عبد الفتاح إسماعيل مزارا لكل الباحثين عن مستقبل أفضل للوطن خارج إطار التشنجات التي تهدد البلد بكارثة سوف تلقي بضلالها القاتمة على مستقبل هذا الجزء التقدمي من خارطة الوطن العربي

ومِن جهة أخرى كان لفتاح عوالمه التي يخلو إليها وأصدقائه الذين يعيش معهم أوقات فراغه فَيَأنَس بِهِم ويأنسوا بتلك الشخصية البالغة الروعة في تواضعها

  للصفات النبيلة في فتاح تنطلق الذاكرة ويبوح الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر بأجمل الذِكرَيات حيث يقول الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر [ذات يوم كنت في زيارته ..

قال لي : هل تعرف الرفيق ( ز ...)

قلت له :نعم وهو صديق أحبه ومثقف ومبدع كبير ..

أجاب فتاح: نعم هو كذلك إضافة إلى أنه يفكر بعقل سليم ..

قلت : مالأمر ؟

قال :لي رجاء عندك .. طالما أنك تعرفه سأرسل معك السيارة فهو يود القدوم إلي ولكنه أضاع الطريق كما يبدو .. ولا أستطيع إرسال السيارة إلى الفندق .

قلت له : سأذهب على الفور ولكن إلى أين .

حدد لي المكان الذي وصفه له الرفيق ( ز ) مع اسم المنطقة ، وأدركت أنها مهمة لا يمكن تحقيقها ، وبالفعل عبثا حاولت العثور عليه فمركز موسكو كبير جدا والشارع يمتد لعدة كيلومترات وكان الجو صقيعيا جدا ، وبعد عودتي خالي الوفاض أبلغني فتاح بأن ( ز ) اتصل به قبل قليل وحددا موعدا آخر إذ لم يعد يتحمل الانتظار في الشارع بهذا الصقيع .. لفت نظري أن فتاح كان متأثرا جدا لكون هذا الرفيق وقف طويلا في الصقيع ، كان فتاح يخطو بضعة خطوات ويفرك يديه ويهز رأسه معاتبا نفسه : هذا خطأ مني ..!! حملته مشقة هذا الصقيع .. آمل أن لا يصاب بوعكة .. جسمه ضعيف من يدري ..

كان تعاطفه كأب يخشى أن يمرض ابنه ]..

هي لحظة انسانية بالغة الأهمية لأنها تكشف عن إحساس فتاح بالأخرين هي لحظة حميمية تكشف تعامل فتاح وتعاطفه مع أصدقائه كأب يخشى مرض إبنه هكذا أجاد الدكتور أيمن أبو الشِّعر وصف العوالم الداخلية لفتاح ومشاعره أزاء أصدقائه وفي هذه المرة يحاول أن يقدم حالة أخرى وهي حالة وفاة السفير الفلسطيني محمد الشاعر ونرى كيف تعامل مع هذا الحدث وننتقل مع تلك التفاصيل الجميلة التي يوردها الدكتور أيمن أبو الشعر حيث يقول [بعد حين اتصلت بفتاح وعرفت من صوته أنه متوعك صحيا ، أخبرته بأن صديقنا السفير الفلسطيني محمد الشاعر قد توفي إثر عمل جراحي في بلغاريا إن لم تخني الذاكرة ، وقد أحضروا جثمانه وأنني أتحدث من منزل هذا الصديق الراحل .. وكنت قد عرفته على فتاح قبل أشهر فهو من أصدقائي القدامى في دمشق (وكان أول من زارني مع الشاعر محمود درويش إثر حادث الاعتداء علي إبان أمسية شعرية..)، أصر فتاح على الذهاب إلى التعزية رغم أنني أوضحت له أن التعزية في يومها الأول ، وربما نذهب غدا أو بعد غد ، لكنه أصر على الذهاب مضيفا بأن هذا من واجبات الوفاء لذكراه ومواساة أسرته .. كان فتاح مريضا حقا فعاتبته عندما خرجنا منوها بأنه كان يمكن الانتظار ليومين إلا أنه نظر إلي معاتبا -هو هذه المرة- مشددا على أن الإنسان تركيبة عجيبة لكنها تبدأ من مشاعر الوفاء وخاصة للراحلين ..وسرعان ما شدتنا الأجواء إلى حوار فلسفي عن الموت والحياة.. وكان فتاح مقتنعا تماما بأن الأجساد لا تعني شيئا في نهاية المطاف ، والمهم هو ما يتركه الإنسان من ذكرى ]

كم هي رائعة تلك الصور الجميلة التي أضاءت فضاء الوجدان بهذا الوفاء النبيل للأصدقاء كم هو رائع وجميل الدكتور أيمن أبو الشِّعر حين يُوَثِّق مقولة الشهيد عبد الفتاح إسماعيل في ذاكرته حين يقول القائد والمفكر والأنسان النبيل عبد الفتاح إسماعيل :[ أن الإنسان تركيبة عجيبة لكنها تبدأ من مشاعر الوفاء وخاصة للراحلين ..]

لقد كان المفكر والمثقف والقائد والأنسان النبيل كتلة من الوفاء لأصدقائه الراحلين وكذلك من تبقَّى منهم على قيد الحياة وهذه صورة من صور وفائه لأصدقائه الأحياء تجد لها مكانا في ذاكرة الدكتور أيمن أبو الشِّعر يوردها ضمن هذه الذاكرة المتدفقة بالجمال والبهاء والضوء حيث نرى أيمن أبو الشِّعر يقول [بعد أيام زارني أحد القادة اليساريين السوريين المناضلين وهو الدكتور نبيه رشيدات ، وإبان الحديث تطرقنا إلى الوضع في اليمن وإلى عبد الفتاح اسماعيل فسألني: وهل أستطيع لقاءه ؟

ذهبت على الفور واتصلت بفتاح الذي قال لي : أنا أعرف هذا المناضل - وأردف على الفور- سآتي إليكم ..

لم يصدق الدكتور نبيه ما سمعه ..وقال : - كأنه لم يسمع جيدا- هو سيأتي إلينا ؟

بعد مدة غير قصيرة وصل عبد الفتاح مع مرافقه ودون أية حراسة إلى بيت طلبة الدراسات العليا ، وأثناء السهرة وعبر أحاديث عن مرحلة النضال ضد الإنكليز قال الدكتور نبيه رشيدات : أنا أرفع القبعة وأحيي عبد الفتاح اسماعيل الذي حرر باب المندب .

وبشكل فوري ودون تردد أجاب فتاح : الشعب اليمني هو الذي حرر باب المندب .

هز الدكتور نبيه رأسه وقال : نعم أنت محق .. وأنا مع ذلك أحيي الإنسان الكبير بتواضعه وإنصافه ، الإنسان الذي يمعن في إنكار ذاته لتقديس نضال شعبه .

قدوم فتاح إلى مبنى الطلبة أغضب الرفيق عبد الغني كثيرا من زاوية الحرص على حياة فتاح ، وأعتقد انه كان محقا تماما في ذلك ، فحتى إن أبدى الإنسان الكبير تواضعا كبيرا علينا أن نكون أكثر حرصا وروية ، رغم أنني رتبت أمور دخوله بسرعة إلي دون أي وقوف في المدخل ]

هي ذاكرة جميلة ورائعة للشاعر الكبير أيمن أبو الشِّعر جعلتنا نعيش تفاصيل دقيقة وعميقة من تلك العوالم الرائعة للشهيد عبد الفتاح إسماعيل وهي تفيض بالتواضع الجم والوفاء المذهل للأصدقاء ولكل الناس

وكيف أنَّ تواضع فتاح يصل إلى درجة تحدي البرتكول بل ويشكل في بعض الأوقات تهديدا مباشرا قد يستهدف حياته كما عرفنا في هذه الزيارة التي قام بها عبد الفتاح إسماعيل للمناضل السوري نبيه رشيدات وكيف أنه في الحوار الذي جمعه مع نبيه رشيدات كان ينسب كل البطولات التي يحاول صديقه نبيه إضافتها إلى عبد الفتاح إسماعيل نرى عبد الفتاح إسماعيل ينسب تلك البطولات للشعب اليمني وهو تواضع أذهل صديقه اليساري السوري نبيه رشيدات

يحتل الحنين إلى الوطن وكذا فكرة العودة إلى الوطن مكانة واسعة في تفكير القائد والمفكر والأنسان عبد الفتاح إسماعيل حيث نرى الدكتور أيمن أبو الشِّعر يصف تلك الحالة بقوله [بعد مدة غير قصيرة هدأ فتاح وأوضح لي الموقف مستندا إلى أمرين، الأول انطلق فيه من القانون الميكانيكي لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس في الاتجاه مضيفا : ولكننا لسنا آلات أو قطع معدنية ، حاولت كثيرا أن يكون هناك تفاهم مبدأي لا فرض آراء وتكتيل للقوى ، وطالما هناك من بدأ بالتحرك بهذا الاتجاه فلابد من التحرك المقابل لا لتكريس هذه الحالة بل لوقف هذا الاتجاه وتحويله إلى طاقة خلاقة .

والأمر الثاني تابع عبد الفتاح : هو أن الرفاق بأعداد كبيرة في القواعد وقسما كبيرا من القياديين يتحركون بشكل مبدأي ويجعلون من عودتي قضية فكيف أخذلهم والأمر في الواقع ليس شخصيا.. لو كان شخصيا بحتا لتحملت كما كنت أتحمل قبل الآن ..كل ما أخشاه هو أن يتم التأثير بشكل غير مبدأي على بعض الرفاق وينزلقون إلى دوامة محرقية ]

الواضح من خلال هذا الحوار أن عبد الفتاح اسماعيل يرحب بفكرة العودة للوطن احتراما للأغلبية الحزبية التي تطالب بعودته للوطن ويرى أيضا أن من ضمن أهداف عودته للوطن هو تحويل التكتلات الى طاقة إيجابية خلاقة وليس تكتلات للموت والدمار كان يخشى أكثر ما يخشاه أن يتم التأثير السلبي على بعض الرفاق وينزلقون إلى المحرقة كان يرفض الاقتتال بين أبناء الدرب الواحد

تستغرق فكرة العودة للوطن جزء كبير ومهم من وقت القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وهاهي فكرة العودة تتحول إلى واقع حيث نرى الدكتور أيمن أبو الشِّعر يتحدث عن تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمعه بفتاح في موسكو وهو لقاء الوداع حيث نرى الدكتور أيمن أبوالشِّعر يقول [انشغالات عبد الفتاح ازدادت وبات حديثنا على الهاتف أكثر من لقاءاتنا وذات يوم اتصل بي فتاح طالبا مني الحضور بسرعة ..

قلت له :ولكنني أعددت مأدبة متواضعة لبعض الأدباء السوفييت وقد بدأوا يتوافدون إلي ..

 

قال فتاح : ضيوفك ضيوفي أحضرهم معك بكل سرور من الضروري أن أودعك .!! 
شغلتني هذه العبارة كثيرا ، ومع ذلك شرحت الموقف لأصدقائي الذين سبق أن 
حدثتهم كثيرا عن عبد الفتاح فرحبوا جدا بالفكرة وانطلقنا إلى الغابة 
الفضية . 
وأثناء الطريق تذكرت جانبا من حوار سابق معه حين ذكرت له أن بعض الرفاق 
يتهمونه بأنه يضيع الوقت في لقاءاته مع الأدباء .. 
آنذاك ابتسم وأوضح باقتضاب قائلا : انا كنت أقوم بواجبي على أكمل وجه 
سواء في اتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها ، أو من خلال اللقاءات مع 
الكوادر والناس والاجتماعات التي كثيرا ما كانت تطول عبر نقاشات متعبة ، 
ولكل مسؤول في نهاية المطاف أوقاته الخاصة الضنينة ، كل يقضيها على هواه 
أما أنا فكنت أرى ان اللقاء مع الأدباء والشعراء يغني الفكر والروح ، وهو 
أفضل بكثير من السهرات غير المجدية ، فكل أديب تجربة حياتية مكثفة غنية ، 
ولكن عندما لم يجد البعض ما يمكن أن يعتبرونه انتقادا جديا لجأوا إلى هذه 
الطرفة مع مبالغات مذهلة وصلني معظمها .. - وضحك فتاح مضيفا- اللقاء مع 
الأدباء تهمة !! 
تحلق الجميع حول فتاح.. الشاعر ايغور اساييف رئيس اتحاد الكتاب والشاعر 
الكاتب أناتولي سافرونوف رئيس تحرير مجلة أغانيوك والشاعر إيغر لابن 
والمسرحي فلاديمير كاسماتشوفسكي والشاعرة الجورجية مزيا خيتاغوري .. 
قلت لفتاح : ها أنت ترتكب الإثم من جديد وهذه المرة ..أدباء سوفييت .. 
ابتسم فتاح فاهما ما قصدته ولم يعلق بل رحب بالحضور معاتبا إياي لأنني لم 
اعرفه على هؤلاء المبدعين من قبل وأضاف : يسعدني أن أرحب بكم ويؤسفني أن 
يكون لقاؤنا هذا توديعا أيضا لكن ما يطمئنني هو أننا لا شك سنلتقي في 
المستقبل .. 
قلت لفتاح : مسافر إذن ؟ 
قال : نعم أخيرا إلى الوطن 
قلت له : فرح لأجلك وخائف عليك قد لا تكون العودة الآن في وقتها 
قال فتاح : لم أعد أطيق الفراق .. ثم إن الأمر تنفيذ لقرار حزبي 
اهتم فتاح بضيوفه واستمع إليهم بشغف .. ولأول مرة كنت أرى فتاح يضحك من 
قلبه وعيونه تشع بريقا أسطوريا عجيبا ، قرأ قليلا من أشعاره وكنت اترجمها 
مباشرة ، كانت مقاطع أقرب ما تكون إلى الصوفية في عشقه للوطن وذوبانه فيه 
، واستطاعت جفونه أن تحبس دمعة أو أن تحتضنها فظلت مترقرقة وكأنها مجهر 
للرؤى، كنت شبه واثق أنه بات وهو بيننا يرى الكثير من مناطق اليمن وأناسه 
عبرها لا حزنا بل كأنه يغسلهم بمطهرها فهي دمعة الفرح باللقاء بعد ألم 
الفراق المديد .] 
الواضح من خلال هذا اللقاء خوف الشساعرأيمن أبو الشعر على حياة الشاعر 
عبد الفتاح إسماعيل وفرحه أيضا لهذا الخبر السار المتصل باستعداد فتاح 
للعودة للوطن ولقد لفت نظري أنَّ الكثير من محبي فتاح وبالذات من أصدقائه 
العرب كانوا يخشون على حياته ولذلك كانوايرون بأهمية بقائه في موسكو وعدم 
عودته لليمن بل أنهم بذلوا جهودا حثيثة لأقناع القيادة السوفيتية بمنع 
فتاح من السفروكذلك بذلوا جهودا في اتجاه إقناع فتاح بأنَّ عودته للوطن 
تشكل تهديدا يستهدف حياته ولكن جهودهم باءت بالفشل ومن هولاءالذين بذلوا 
هذه الجهود جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشوعي اللبناني حيث 
يقول في حوار مع قناة الجزيرة لبرنامج زيارة خاصة في حوار أجراه معه سامي 
كليب في21 يونيه من العام 2005 [اختلفت مع عبد الفتاح اللي هو أعز رفيق 
عندنا وأكثرهم صفاء ذهنيا ونقاء ثوريا وثقافة وأعمقهم ارتباطا بقضية 
التغيير والتقدم على المجيء إلى اليمن، قلت له ما تروح يا عبد الفتاح 
بيقتلوك، قال طالبني قلت له يا عبد الفتاح بيقتلوك والله بيتفقوا عليك 
كلهم والله بيمزقوا صورك، اختلفت أنا وياه بموسكو وطلبت من السوفيت منعه 
قالوا لي ما بنقدر ] 
لقد كان لدى جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشوعي اللبناني 
معلومات مؤكدة من واقع معرفته بالشأن اليمني أنَّ الأتجاهات المتخلفة في 
الحزب قد حزمت أمرها على تصفية فتاح وهي أتجاهات تحظى بوجود قبلي وعسكري 
لدى طرفي الصراع وهذا يعني أن القوى المدنية الموزعة على طرفي الصراع 
كانت ترفض اللجوء للقوة في حسم الصراع وكانت ترفض أيضا تصفية القائد 
والمفكر عبد الفتاح إسماعيل بل وترفض مبدأ العنف في حسم الخلافات داخل 
الحزب الواحد وبين رفاق الدرب الواحد 
قراءة في موضوع أيمن أبو الشعر حول عبدالفتاح اسماعيل انسانا


الحلقة الخامسة والأخيرة 
يمكن أنْ نقول ومعنا كامل اليقين أَنَّ تَطَوُّرًا هائلاً وكبيرا في وعي 
فتاح وفي رؤيته للسلطة وفي تحديده للمهمة الأكبر التي حملها على عاتقه 
وَإِذَا كان عامان من عمر التجربة في جمهورية اليمن الديمقراطية أَبان 
تولِّي الشهيد عبد الفتاح إسماعيل قد آتت ثمارها في العام الأول من توليه 
رئاسة الجمهورية حيث استطاع توحيد فصائل اليسار في شمال الوطن وجنوبه في 
إطار الحزب الأشتراكي اليمني فإن خمس سنوات من البقاء الأضطراري خارج 
الوطن في موسكو قد قد حملت معها تطورا لمفهوم السلطة يستند إلى ثلاثة 
توجهات رئيسة 
حيث يكتب الدكتور أيمن أبو الشِّعر على لسان القائد الشهيد عبد الفتاح 
إسماعيل في سياق الحديث عن عودته إلى عدن بعد غياب دام خمس سنوات نرى 
القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل يقول [أَنَّ القائد الشهيد عبد الفتاح 
إسماعيل عندما عاد إلى عدن أستند إلى أمرين أساسيين لَخَّصهما الشهيد عبد 
الفتاح إسماعيل فيما يلي [، الأول انطلق فيه من القانون الميكانيكي لكل 
فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس في الاتجاه مضيفا : ولكننا لسنا آلات 
أو قطع معدنية ، حاولت كثيرا أن يكون هناك تفاهم مبدئي لا فرض آراء 
وتكتيل للقوى ، وطالما هناك من بدأ بالتحرك بهذا الاتجاه فلابد من التحرك 
المقابل لا لتكريس هذه الحالة بل لوقف هذا الاتجاه وتحويله إلى طاقة 
خلاقة . 
والأمر الثاني تابع عبد الفتاح : هو أن الرفاق بأعداد كبيرة في القواعد 
وقسما كبيرا من القياديين يتحركون بشكل مبدأي ويجعلون من عودتي قضية فكيف 
أخذلهم والأمر في الواقع ليس شخصيا.. لو كان شخصيا بحتا لتحملت كما كنت 
أتحمل قبل الآن ..كل ما أخشاه هو أن يتم التأثير بشكل غير مبدأي على بعض 
الرفاق وينزلقون إلى دوامة محرقية ..] 
أ] ومن هنا فإنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل أراد أن يجعل من عودته 
عاملا مساعدا لجميع الأطراف من أجل تفاهم مبدئي يعمل على تحويل هذه 
الأطراف المتكتلة إلى طاقة خَلاَّقة وكان عبد الفتاح وهو يحترم رغبة 
رفاقه في عودته إلأى الوطن نراه يخشى من أن يتم التأثير على بعض الرفاق 
بشكل غير مبدئي وينزلقون إلى دوامة المحرقة] وبالنسبة لي كقاريء لما 
كُتِبَ عن هذه المرحلة أعتقد أنَّ هناك إضافة تَتَمثَّل في أنَّ عبد 
الفتاح إسماعيل إٍثْر عَودَتِه إلى عدن التقت رؤيته مع رؤية أغلبية أعضاء 
المكتب السياسي والمتمثلة في تحديد موقف صارم من إحتكار السلطة وهو ما تم 
على أساسه مكاشفة الرئيس على ناصر محمد بعدم الجمع بين رئاسة الجمهورية 
ورئاسة الحزب ورئاسة الحكومة وهو نفس النقد الذي تم توجيهه إلى عبد 
الفتاح إسماعيل قبل خمس سنوات ولكن عبد الفتاح إسماعيل أختار الأستقالة 
والخروج الأضطراري من الوطن إلى موسكو لمدة خمس سنوات لكي يفسح المجال 
لتطور السلطة والقضاء على احتكار السلطات في شخص واحد غير أنَّ الأوضاع 
الجديدة عقب خروج عبد الفتاح إسماعيل من السلطة ومن الوطن واستقالته من 
كافة مهامه في الدولة والحزب مفسحا المجال لغيره أقول هذه الأوضاع 
الجديدة التي نتجت عن استقالة الرئيس عبد الفتاح إسماعيل من كافة مناصبه 
لم تؤدِّ إلى تكريس هذا المبدأ كتقليد في حياة الحزب الداخلية وهو الأمر 
الذي أدى إلى عودة فتاح ليناضل مع رفاقه في الحزب الأشتراكي من إجل 
الأنتصار لهذا المبدأ عاد عبد الفتاح إلى عدن ليمارس مهامه كعضو في 
المكتب السياسي ولكن مطالب أغلبية أعضاء المكتب السياسي في التغيير والحد 
من جمع السلطات في شخشص الرجل الأول في الحكم أقول هذه المطالب حملها 
أعضاء المكتب السياسي إلى علي ناصر محمد وذلك عبر جورج حاوي الأمين العام 
السابق للحزب الشوعي اللبناني والذي كان بدوره قبل خمس سنوات قد نقل هذه 
الأفكار نفسها إلى عبد الفتاح إسماعيل كرسالة من عدد من أعضاء المكتب 
السياسي للحزب الأشتراكي اليمني وكانت نتيجة هذه الوساطة أن بادر عبد 
الفتاح إسماعيل بالأستقالة من كافة مناصبه كرئيس للدولة وأمينا عاما 
للحزب الأشتراكي وغادر إلى موسكو لمدة خمس أعوام لكي يفسح المجال لتطور 
التجربة الأشتراكية وتقاليد هذه التجربة على الصعيد الديمقراطي يروي 
الدكتور جرج حاوي تفاصيل تفاصيل المبادرة الأولى في التدخل لدى عبد 
الفتاح اسماعيل قبل خمس سنوات من عودة عبد الفتاح إسماعيل وكذا تفاصيل 
المبادرة الثانية له في التدخل من إجل رأب الصدع ولم الشمل بين علي ناصر 
وأعضاء المكتب السياسي للحزب الأشتراكي اليمني الذين يطالبونالرئيس علي 
ناصر بعدم الجمع بين رئاسة الحكومة والحزب والدولة ثمة تفاصيل مهمة في 
هذا الحوار المنشور في قناة الجزيرة يهمني هنا أنْ أورد هذا الحوار كاملا 
للأمانة والتاريخ لأنه من شخص محايد ويحضى بثقة جميع الأطراف في الحزب 
الأشتراكي اليمني وتربطه علاقة صداقة جميمة مع الرئيس علي ناصر محمد 
فَفِي برنامج زيارة خاصة تاريخ 21 شهر يونيو 2005 ميلادية وذلك في 
قناة الجزيرة وهو البرنامج الذي قدمه سامي كليب كان ضيف الحلقة جورج 
حاوي الأمين العام السابق للحزب الشوعي اللبناني وتم التطرق في الحوار 
إلى الأزمة اليمنية التي أنفجرت في الثالث عشر من يناير عام 1986 ميلادي 
وكان الحوار فيما يخص الأزمة اليمنية على النحو الأتي[ : سامي كليب: لا 
يمكن الوقوف عند تاريخ جورج حاوي دون العودة إلى تجربته اليمنية فهو كان 
الحليف والرفيق والناصح للحزب الاشتراكي اليمني في عدن وحين التهب اليمن 
الجنوبي بنيران اقتتال قادة الحزب الاشتراكي عام 1986 ووقعت المجزرة 
الرهيبة في خلال اجتماع مكتبه السياسي كان جورج حاوي قد غادر عدن قبيل 
ساعات قليلة فقط، فهل ذهب فعلا لصب الماء على النار وإطفائها أم لصب 
الزيت على الرفاق الذين تناهشوا لحم بعضهم البعض؟ 

جورج حاوي: تدخلاتنا كانت مش دائمة كانت وقت انفجار الأزمات وبانفجار 
الأزمات يصبح الإنسان أمام أمر واقع بينما التدخل الوقائي كان يجب أن 
يكون بإطار تشاوري يحوّل دون انفجار الأزمة، بهذا السياق أنا تدخلت 
مرتين، المرة الأولى كان عندما أقصى عبد الفتاح إسماعيل وبهذا.. يعني 
عندما أقصى عبد الفتاح إسماعيل، علي عنتر الله يرحمه وكان صديق عزيز 
علينا جاء إلى دمشق وأتصل في فطلعت أنا إلى دمشق وأخبرني أنه عبد الفتاح 
إسماعيل عمل مؤامرة وكان بده أنه يطرد الآخرين من السلطة وإلى آخره 
وأقصى .. 

سامي كليب: وأبلغك أنه راح يغتاله . 

جورج حاوي: وقال لي بدنا نعدمه، قلت لا ما بيصير هذا الأسلوب غير مقبول 
هذا كذا.. يعني بس حتى أقدر أؤثر رحت معه بالطائرة بدون باسبور طائرته 
الخاصة على اليمن . 

سامي كليب: مع الإشارة إلى أنه كنت نصحت عبد الفتاح إسماعيل بعدم الجمع 
بين الأمانة العامة للحزب ورئاسة الجمهورية . 

جورج حاوي: نعم وقلت له ما بتمشى أنت شمالي عم تحكم بالجنوب، بعدين 
احتكار الأمانة العامة ورئاسة الوزراء ورئاسة الدولة غير صحيح وزع 
صلاحيات، لا وحدة القرار، وحدة الموقف، فباليمن طبعا أن رحت معه ورأسا 
شفت علي ناصر وعلي ناصر كان عاقلا ونصحته أنه هلا استلمت أنت فما بيصير 
عبد الفتاح رمز .. 

سامي كليب: كنت تتهم أنك بتدعمه لعلي ناصر؟ 

جورج حاوي: إيه أنا دعمته لعلي ناصر قلت له عبد الفتاح رمز أهم شيء 
الحفاظ على حياته، قال لي شو الحل قلت له دعوته للاتحاد السوفيتي قال لي 
أنا موافق، رحت شفت السفير السوفيتي هناك، السفير السوفيتي قال هذا وضع 
غير شرعي نحن لا نعترف باجتماع لجنة مركزية ما كان فيها نِصاب، المكتب 
السياسي لم يكن حرا، قلت له يا أخي أنت بفنلندا بالسويد ولا باليمن 
أطلعوا من هذه الترهات كلها، أنت الآن مع واقع معين في علي ناصر ويجب أن 
تتعاطوا معه، قال لي برفض قلت له (Ok) جئت رأسا إلى بيروت بعد ما عملوا 
لي باسبور دبلوماسي يمني وتقابلت مع السفير السوفيتي ببيروت وحطيت له 
الوضع وطلبت دعوة علي ناصر محمد إلى موسكو فورا وأخذ عبد الفتاح إسماعيل 
معه ويكون هناك يعني لاجئ سياسي، تجاوب السوفيت معي بشكل مباشر وفُرض على 
السفير السوفيتي هناك توجيه الدعوى لعلي ناصر، ابتسم علي ناصر عارف أنه 
أنا وراء هذا الموضوع وراح عبد الفتاح لموسكو ودخل إلى المدرسة الحزبية 
وبردت الأمور وجرى ما جرى، رجعت اختلفت مع عبد الفتاح اللي هو أعز رفيق 
عندنا وأكثرهم صفاء ذهنيا ونقاء ثوريا وثقافة وأعمقهم ارتباطا بقضية 
التغيير والتقدم على المجيء إلى اليمن، قلت له ما تروح يا عبد الفتاح 
بيقتلوك، قال طالبني قلت له يا عبد الفتاح بيقتلوك والله بيتفقوا عليك 
كلهم والله بيمزقوا صورك، اختلفت أنا وياه بموسكو وطلبت من السوفيت منعه 
قالوا لي ما بنقدر، جاء عبد الفتاح على اليمن فالتف حوله كل المعارضين 
ورفعوا الشعار اللي كان مرفوع بوجهه وكان هو ضده عدم الجمع بين الأمانة 
العامة ورئاسة الدولة ورئاسة الوزراء بوجه علي ناصر وبدأ علي ناصر يفقد 
أكثريته بالمكتب السياسي لأنه الأكثرية بنيت على مساومة قبائلية أيضا 
نتجت عن المؤتمر اللي استمر في قرار.. تقرير البرنامج والخطة الخمسية 
واللي خلال نصف ساعة والنظام الداخلي أخذ بقية الوقت والخلافات عليه، 
لذلك دخلت بوساطة فعلا وطلبت تأجيل اجتماع المكتب السياسي اللي كان بده 
ينفجر فيه الحدث، أبرز الأمور أنه عبد الفتاح إسماعيل وافق معي على 
التأجيل مشترطا وساطة رسمية مني ومن جورج حبش إلا أن أنا كنت مضطر أرجع 
للشام لظروف استثنائية في العمل .. 

سامي كليب: وساطة وحضور المؤتمر . 

جورج حاوي: وحضور وتحكيم عمليا بينه وبين علي ناصر، قال لي تجيء أنت 
وجورج حبش بتقعدوا بتشاركوا معنا وبتكونوا طرف في الحل بأوافق على تأجيل 
المؤتمر قلت له (Ok). 

سامي كليب: بس يبدو أنه علي عنتر كان قال لك .. 

جورج حاوي: قابلت علي عنتر بعده، قلت يا علي قال لي ما ناوي إرجاء إطلاقا 
بكرة.. بكرة .. 

سامي كليب: إما يخضع علي ناصر .. 

جورج حاوي: بيصير إرجاء، قلت له يا علي يا حبيبي قال لي يا بقتله يا بقتل 
حالي.. بقتله وبقتل حالي، قلت له يا عبد الفتاح ما أنت.. يا علي عنتر ما 
أنت كنت عم تقول لي بدك تقتله عبد الفتاح هلا أما بتجيبوه أمين عام طيب 
لو قتلتوه وقتها كيف كنتم بتعتذروا منه هلا، قال لي كانت ظروف قلت له لا 
مش ظروف لا يمكن يعني في ظروف ما بتسمح بعقد المكتب السياسي أسمعها مني، 
بعدين شفت علي صالح.. صالح مصلح عفوا صالح مصلح وافق معي إذا وافق علي 
عنتر على تأجيل اجتماع المكتب السياسي، طبعا كان علي ناصر منتظر نتيجة 
الوساطة، أنا جئت شفته بآخر الليل وقلت له عبد الفتاح إيجابي ووافق على 
التأجيل ولكن علي عنتر مُصِر على عقد الاجتماع أنا أنصحك بالتأجيل التقني 
يعني أنه أنت ما تروح واتركني أوصل على الشام حتى أحكي مع جورج حبش ومع 
السوفيت، استوضح بعض القضايا التقنية يعني أنه قديش الرفض وشو قال وإلى 
آخره ولكن شوفته أنه صمت ولم يعد بتأجيل اجتماع المكتب السياسي . 

سامي كليب: إذاً علي ناصر لم يكن موافق عمليا يعني؟ 

جورج حاوي: بلى هو كان مع التأجيل بس هو أخذ بالاعتبار أنه التأجيل لن 
يحصل، سيحصل الاجتماع.. سيعقد الاجتماع بدونه.. سيعقد الاجتماع بدونه، 
نحن المشكلة كنت أنا ونديم عبد الصمد وكنت من هناك سأذهب إلى الخرطوم سرا 
بباسبور دبلوماسي يمني لأجتمع بنوكت أمين عام الحزب الشيوعي اللي هلا 
بهنيه على خروجه إلى العلانية ولنتباحث في شأن الوضع في السودان وكانت 
( كلمة بلغة أجنبية) بدها تمر من عدن إلى القاهرة الخرطوم بعدين بأعتقد، 
بهذا الوقت بيجيني برقية عاجلة من عبد الحليم خدام بضرورة الحضور فورا 
إلى دمشق في قضية تتعلق بالعلاقة، طبعا صار في أمرين الحضور إلى دمشق 
بطلب من عبد الحليم خدام فورا، في عندي اجتماع أنا فكرت أنه في موعد مع 
الرئيس الأسد ثاني يوم، ثم موضوع انفجار الصراع خلانا نغير بالليل، أمن 
لنا علي ناصر بطاقات على شركة طيران تجيبنا القاهرة دمشق، تركنا عدن ونحن 
مطمئنين إلى أن الانفجار سيتأجل لأنه عبد الفتاح وعدنا وعلي ناصر وعدنا 
أنه يؤجل بمعني أنه ممكن ما يحضر ممكن . 

سامي كليب: بس علي عنتر كان مهدد صراحة . 

جورج حاوي: علي عنتر كان مهدد بس كنا معتقدين أنه راح تتأجل بطبيعة 
الغياب، وصلنا على مطار الشام أنا رأسا رحت عند جورج حبش ونديم عبد الصمد 
فورا راح لعند السفير السوفيتي، بدون موعد فتنا نناشدهم التدخل لوقف 
احتمالات تدهور الوضع فيها، أنا وعند جورج حبش بيتلفن لي نديم قال لي 
سمعت شو صار باليمن، قال لي انفجر الصراع في قتلي، في جرحى بقلب المكتب 
السياسي، في بيان من علي ناصر أنه حاول وكذا وإلى آخره فأحبط في يدنا، 
طبعا بعدين تقصينا الحقائق اللي كانت مخفية عنا، أنا بأحمِل صديقي الرئيس 
علي ناصر مسؤولية بدء الحدث، صحيح أنه علي عنتر كان مهدد ولكن كان ممكن 
لو حضر الاجتماع أنه يصير في حوار ويصير في نقاش وبعدين هذه العلاقات 
القبلية دائما تأخذ طبائع حادة وغيرها، أنا متأسف أنني لم أبقي هناك 
لأحاول أن أمنع المجزرة، بيجوز كنت رحت فيها بس لو بقيت هناك لما.. ربما 
ما كنتش سامحت نفسي ربما، جئت حتى أمنعها بس سبقتني .] 
ويهمني هنا أن أقول أنَّ مقابلة الدكتور جورج حاوي مع قناة الجزيرة مهمة 
بالنسبة للقاريء للتاريخ من عدة نواحي أولا أنَّ القائد الشهيد عبد 
الفتاح إسماعيل كان لَمَّاحًا وكان يستجيب لكل الملاحظات المرتبطة بتطوير 
طريقة الحكم والقضاء على احتكار السلطة في شخص واحد لم يَسْعَ عبد الفتاح 
إسماعيل إلى الأستقالة من بعض مناصبه والدخول في تسوية بل أنه من أجل 
وحدة الحزب ومن أجل انتصار التجربة الأشتراكية في اليمن الديمقراطي أختار 
عبد الفتاح إسماعيل طوعيا الأستقالة من جميع مناصبه ومغادرة البلاد لمدة 
خمس سنوات لكي يتيح الفرصة لتطوير التجربة ولكن الذي حدث أنه بعد خمس 
سنوات عاد إلى الوطن ورأى مع أعضاء المكتب السياسي أنَّ الواقع لم يتغير 
وأنَّ الرئيس علي ناصر محمد يحتكر الأمانة العامة للحزب ورئاسة الدولة 
ورئاسة الحكومة 
فاختار طريق النضال مع أغلبية أعضاء المكتب السياسي من أجل القضاء على 
هذا الأحتكار للسلطة ولم يحاول أن يستند إلى تصريحات علي عنتر ضده من أجل 
تفجير الأوضاع بل أنه حمل أروع الأنطباعات عن الشهيد علي عنتر وعن الرئيس 
علي ناصر ولم يلتفت إلى تهديدات علي عنتر ضده باعتبار علي عنتر شخص نقي 
السريرة على حد وصف عبد الفتاح إسماعيل وكذلك علي ناصر شخص ودود ورائع 
على حد وصف عبد الفتاح إسماعيل 
أَمَّا الملاحظة الثانية فهي أَنَّ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وهي الأهم 
وتبرز من خلال هذا الحوار الذي جمع الدكتور جورج حاوي مع قناة الجزيرة 
نلاحظ أنه لم يكن مع تفجير الأوضاع على العكس كان مع تهدئة الأوضاع ومع 
تأجيل إجتماع المكتب السياسي بشرط حضور لجنة وساطة مكونة من الدكتور جورج 
حاوي والدكتور جورج حبش لممارسة ضغط قوي على الطرفين من أجل وقف المواجهة 
وعدم أنعقاد المكتب السياسي وهو الأمر الذي لم يتحقق فقد تسارعت الأوضاع 
ولم تحدث الوساطة ولم يكن بوسع الشهيد عبد الفتاح إسماعيل أن يخذل 
الأغلبية التي وقفت معه وناضلت من أجل عودته إلى الحزب والوطن ففي ظل عدم 
تحقق الشرط الذي طرحه عبد الفتاح إسماعيل فإنَّ الأوضاع تسارعت والمواجهة 
حدثت زنرى أنَّ الدكتور جورج حاوي في هذه المقابلة يحمل الرئيس علي ناصر 
مسئولية البدء في تفجير الأوضاع في أحداث يناير 1986 
حيث نرى الدكتور جورج حاوي يقول [أنا بأحمِل صديقي الرئيس علي ناصر 
مسؤولية بدء الحدث، صحيح أنه علي عنتر كان مهدد ولكن كان ممكن لو حضر 
الاجتماع أنه يصير في حوار ويصير في نقاش وبعدين هذه العلاقات القبلية 
دائما تأخذ طبائع حادة وغيرها، أنا متأسف أنني لم أبقي هناك لأحاول أن 
أمنع المجزرة، بيجوز كنت رحت فيها بس لو بقيت هناك لما.. ربما ما كنتش 
سامحت نفسي ربما، جئت حتى أمنعها بس سبقتني ] 
الملاحظة الثالثة أَنَّ الدكتور جورج حاوي في هذا الحوار يصف الشهيد عبد 
الفتاح إسماعيل بأنه رمز وشخص يجب الحفاظ عليه وحين يقارنه بالأخرين من 
قادة التجربة في الحزب الأشتراكي اليمني وفي جمهورية اليمن الديمقراطية 
الشعبية نرى الدكتور جورج حاوي يصف القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل و 
يقول [هو أعز رفيق عندنا وأكثرهم صفاء ذهنيا ونقاء ثوريا وثقافة وأعمقهم 
ارتباطا بقضية التغيير والتقدم ] 
بل أنه تدخَّل من أجل الحفاظ على حياة القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل 
أكثر من مرة في المرة الأولى وقف معه الرئيس علي ناصر محمد وتعاونا على 
خروجه من اليمن إلى روسيا حفاظا على حياته من الأخطار التي تتهدده من 
القوى المتخلفة في هذا الطرف أو ذاك 
بل أنه حاول إقناع الشهيد عبد الفتاح إسماعيل بعدم العودة إلى عدن حفاظا 
على حياته حيث نرى الدكتور جورج حاوي يقول [قلت له ما تروح يا عبد الفتاح 
بيقتلوك، قال طالبني قلت له يا عبد الفتاح بيقتلوك والله بيتفقوا عليك 
كلهم والله بيمزقوا صورك، اختلفت أنا وياه بموسكو وطلبت من السوفيت منعه 
قالوا لي ما بنقدر ] 
يَتَّفِقُ الدكتور الشاعر أيمن أبو الشِّعر مع جورج حاوي في تحميل 
المسئولية الطرف الذي بدأ في تفجير الشرارة الأولى للمواجهة حيث نرى 
الشاعر العربي أيمن أبو الشِّعر يقول [حين وصلت الأمور إلى منعطف بالغ 
الخطورة وحدث ما لم يكن يتمناه أي إنسان عاقل ، وحلت المأساة عمليا إذ 
احتكم رفاق الدرب إلى البندقية والرصاص ، وكانت شرارة واحدة تكفي لانفجار 
برميل البارود المحتقن ، من هنا يكون من أشعل هذه الشرارة الأولى في هذه 
الظروف مسؤولا عن حرائقها اللاحقة بغض النظر عن التبيريرات والنوايا ، 
فالطريق إلى جهنم مفروشة بالنوايا الطيبة .. وعدت بالذاكرة إلى حوارات مع 
فتاح عن هذه المخاوف فقد سبق أن طرحت على فتاح تساؤلات عن مدى احتمال مثل 
هذه الخواتيم المرعبة ، ومما أذكره في هذا السياق أنه كان شبه واثق من 
حكمة اليمانيين ، وكان يردد على أن لا يركب البعض رأسهم .. وحين تعمقنا 
قليلا في مفهوم السلطة والثورة وبناء الغد الأفضل وأي الأثمان مشروعة وأي 
الأثمان ممنوعة ، أذكر أنه لخص رأيه في أن جميع الأثمان مشروعة حين يكون 
النضال الثوري في سبيل الخلاص من المستعمر ، ويكون من يسقط في سبيل تحقيق 
هذا الهدف شهيدا ومشعلا ونبراسا للآخرين . وتكون ممنوعة ومحرمة حين تكون 
في سبيل تحقيق مكاسب شخصية عبر شعارات مغامرة وبهدف الحصول على السلطة او 
التمسك بها ، ومن يسقطون في صراع كهذا هم ضحايا ويتسببون في سقوط ضحايا 
أخرى وهذا خطير ومؤسف تماما ، وعلى السياسي حتى في مثل هذه الظروف أن 
يسعى لتحويل هذا الفوران إلى طاقة خلاقة 
سألته : وكيف يمكن ذلك في حالة فوران ؟ 
أجاب : بجعل الأهداف الكبيرة النقية ساطعة وواضحة ، فمن يختلف معك اليوم 
قد يتفق معك غدا او العكس في الشؤون التكتيكية . 
قلت : بمعنى أو أن يغدو ضدك من كان معك 
قال فتاح : أو أن تقتنع أنت بما يطرحه الطرف الآخر - وأضاف - 
وحين يكون الأمر متعلقا بالسلطة لا بالنهج الاستراتيجي فالسلطة وسيلة 
لتحقيق أهداف الثورة وليست غاية بحد ذاتها .. 
وأذكر جيدا أنه وصف السلطة رمزيا بحصان جامح قوي عليك أن تقوده نحو أهداف 
سامية لا أن يقودك نحو التهلكة .. 
وأردف: هذا جنون لا يمكن أن يفكر به أحد .. - وأضاف على الفور- أحد عاقل . 
نعم يا أبا صلاح لا يمكن أن أنسى تمثلك لهذه المبادئ كإنسان كبير حقا 
وعاشق لتراب اليمن حتى وأنت ماض إلى طريق محفوف بالمخاطر بعد أن ضاع لجام 
ذلك الحصان الجامح .. وأنك كنت تؤكد دائما على ضرورة الاحتكام للعقل 
والديمقراطية وقولك : ليكن من يكون في قمة السلطة إن كان يقودها حزب 
متماسك واع يحبه الشعب..( وتذكرت حديثنا عن أروى ) 
ولكن حدث ما حدث .. وكنت أحس بجراح اليمن تنزف في قلبي .. استمر الصراع 
أياما عصيبة دامية ، وسقط الكثيرون ( ضحايا ) .. شرعت الثورة تأكل 
أبناءها .. ورغم ان رفاق عبد الفتاح هم الذين انتصروا في زوبعة الدم هذه 
إلا أن الجراح كانت أكبر من ان تحتمل ، واستشهد عبد الفتاح وقيل إنه 
احترق في مصفحة بعد ان تمكن وبعض الرفاق من النجاة من فخ اجتماع المكتب 
السياسي .. وحين أقيم حفل تأبين كبير له في موسكو ألقيت قصيدتي للعشق 
حدائق لا تروى إلا بنزيف يا أروى .. وقلت في مقدمتها ( ويزداد موقفي أسى 
وبعدا دراميا كون العديد من الرموز ممن تورطوا في زوبعة الدم في عدن 
كانوا من الرفاق الحميمين إلى قلبي وكم كنت أتمنى أن يتابعوا المشوار مع 
البطل الخالد عبد الفتاح اسماعيل لا أن تتلطخ أيديهم بدماء رفاق الدرب 
..) .. وكان حفل التأبين حاشدا جدا من اليمنيين والعرب الذين يعيشون في 
موسكو يعكس مدى التقدير لهذا الرجل .] 

لقد كَرَّس القائد الشهيد عبد الفتاح إسماعيل الرؤية السلمية التي 
ميَّزَته وغيره من العقلاء في النظر إلى المسألة الوطنية والتحديات التي 
تعترض الحزب من داخله وتحدَّث عن الأثمان المشروعة والأثمان غير المشروعة 
في سياق يؤكد سلمية هذا الرجل ويتسق مع مجمل الشهادات المحايدة والنزيهة 
والصادقة في رؤيتها للأزمة في اليمن الديمقراطيةوفي التأكيد على هذا 
الملمح الحضاري الذي تميَّز به القائدالشهيد عبد الفتاح اسماعيل والعقلاء 
في الحزب الأشتراكي اليمني 
وفي تعريفه للسلطة باعتبارها حصانا كابحا يتطلب توجيهه في اتجاه البناء 
لا الهدم وفي اتجاه النجاة لا التَّهْلُكة 
غير أنه من المهم التعامل مع التاريخ لاستخلاص العِبَرِ وليس لإنكاء 
الجراح واشعال فتيل الفتن نحتاج إلى قراءة دقيقة للتاريخ تساعدنا على عدم 
تكرار الأخطاء وتساعدنا على بناء قواعد الأتفاق على أساس واضح ومتين من 
المصداقية والمصالحة الوطنية التي لا تقبل العودة للوراء وهو الأمر الذي 
يبدأ بالوفاءلسيرة هؤلاء الشهداء والقادة التاريخيين الذين نعتز بهم 
وندعو كل الشُّرفاء إلى نقش ذكراهم في القلوب والأرواح قبل الأوراق 
والسطور كما أنه لا بد من ممارسة النقد الذاتي مِن جميع الأطراف ضد 
أدائها السلبي في اتجاه الحيلولة دون تكرار الأداء السلبي وفي اتجاه 
الأنتصار للقيم الأيجابية والعمل من أجل ديمومة ما هو إيجابي وجميل 
رحمك الله ياعبد الفتاح وأسكنك فسيح جناته يوم وُلِدْتَ ويومَ استشهدت 
ويوم تُبْعَثُ حَيًّا ورحم الله جميع شهداء الثورة اليمنية في جنوب الوطن 
وشماله

الأربعاء, 05 شباط/فبراير 2014 16:58

جمهوريون ديجوليون ودعاة دولة مدنية!

يتحدث الإصلاحيون هذه الأيام عن الجمهورية بضراوة كما لو أنهم ديجوليون مخلصون فيما هم لما يحسموا بعد موقفهم من مفهوم السيادة الوطنية بوصفهم أصحاب مبدأ حيثما يقطن شخص ينطق الشهادتين فهناك وطننا. والأسوأ من ذلك حين يقرنون «حاشد» بالجمهورية في ربط مقزز وسخيف مع أن زعماء هذه القبيلة هم من قوضوا قيم جمهورية سبتمبر وأرسوا نظام علي عبدالله صالح الذي أجهز على ما تبقى منها بالاشتراك معهم.

ويفتئت الحوثيون على شعار الدولة المدنية بل يسطون عليه وهم أعداء مستشرسون لمقتضيات الدولة المدنية، لا سيما اضطهادهم للأقليات والنقضاء الأيديولوجيين لهم كما يتجلى ذلك في الشعار الذي تقوم عليه دعوتهم بما يحويه من دعاء باللعنة الأبدية على اليهود، فضلاً عن طرد أتباع هذه الأقلية من صعدة والانتهاكات التي يلحقونها بنقضائهم الفكريين من السلفيين والإصلاحيين هناك.

يبدو الاستدلال بهذا المثال ترفاً، وإلا فقيام الدعوة الحوثية على أساس ديني، وأي ديني أيضاً! ينسف دعواها المتصلة بالمدنية من الأساس.