الدكتور المخلافي يكتب عن.. اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة الاولى) مميز

الأحد, 18 أيلول/سبتمبر 2016 19:10 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة الاولى)

ماذا يجري في اليمن؟

    ليس وضع اليمن الراهن نتاج حالة طارئة وإنما نتاج لتراكم خلفه فساد الحكم والانحراف بالسلطة عن مسار مشروع بناء الدولة، وبالنتيجة، غياب دولة القانون والعدالة، وبخاصة بعد اجتياح الجنوب في حرب 1994م، وغنيمة وتفكيك وتدمير أسس وبنى دولة الجنوب، وتحويلها إلى حالة فيد خاصة، وإقطاعيات لأمراء الحرب، والقضاء على شراكة الجنوب في السلطة والثروة، وهو تراكم أستدعى اندلاع الحراك الجنوبي عام 2007م والثورة الشبابية الشعبية في 11 فبراير 2011م، وفي ظل انسداد سياسي كانت حرب 1994م ملمحه الرئيسي-كما سبقت الإشارة- وما نتج عنها من آثار كارثية أهمها: الانتقال من حالة الدولة الرخوة إلى حالة الفشل: اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وصار الفساد نظاماً متحكماً بكل مقدرات البلاد، مما جعل نظام الحكم عاجزاً عن إدارة البلاد، ونتج عن ذلك حالة من عدم اكتراث الحكام بالمجتمع ومعاناته والاكتفاء بديمقراطية شكلية مع السعي لتوريث الحكم. وكان التأثير الأكبر لاندلاع ثورة التغيير في تلك اللحظات لعاملين رئيسيين: أولهما- ثورات الربيع العربي، وثانيهما- وضع المعارضة خطة لمناهضة إجراء انتخابات غير ديمقراطية والعمل من أجل التغيير السلمي.

    ولأن الهدف من الثورة الشبابية الشعبية كان التغيير السلمي الديمقراطي الذي يهدف إلى استرداد الشعب لحقه في الحكم، فقد سعت القوى السياسية الداعمة لثورة التغيير إلى التوافق لتحقيق نقل السلطة وإنجاز عملية الانتقال الديمقراطي من خلال اتفاق مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتفاق بشأن آلية تنفيذ العملية الانتقالية في اليمن الموقعتان في 23 نوفمبر 2011م وقرارات مجلس الأمن الداعمة لعملية الانتقال.

   لكن هذا التغيير أفتقد إلى القوى الداعمة، بانصراف هذه القوى عن بعضها البعض في وقت مبكر من عملية التحول، بينما أعتمد النظام القديم بقيادة علي عبدالله صالح وعائلته استراتيجية إفشال التغيير استعداداً لثورته المضادة والزج بالبلاد في حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس، وتمكن من تحقيقها بسبب استمرار النظام القديم دونما تغيير حقيقي والأهم والأخطر عدم نقل السلطة فعلياً، إذ واصل ذلك النظام وجوده من خلال مجلس النواب، ومجلس الشورى، والقضاء، والمؤسسات العسكرية والأمنية بعقيدتهما غير الوطنية، والسلطة المحلية، وكافة أجهزة الدولة الأخرى، وما تم نقله من السلطة كان مجرد نقل جزئي شكلي وبسيط، من خلال مشاركة القوى الداعمة للتغيير بنصف الحكومة وتولي نائب الرئيس ثم الرئيس الانتقالي لرئاسة الدولة مع استمرار الرئيس السابق في صدارة العملية السياسية ورئاسة الحزب الحاكم، علاوة على انخراط الحركة الحوثية المسلحة في العمل السياسي دون تخليها عن السلاح والدعم الخارجي بالمال والسلاح.

   وكان لبقاء الرئيس السابق خلف الستار لإدارة الحكم من خلال أجهزة السلطة التنفيذية المركزية ومجلس النواب ووحدات الجيش والأمن وكذا بقاء المجالس المحلية والمحافظين الأثر البالغ على توفير شروط الثورة المضادة وإشعال الحرب الأهلية.

     كاد اليمنيون أن يتجاوزوا التعثر بإنجاز مهام الفترة الانتقالية من خلال نجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل والبدء بخطوات تحقيق ما تبقى من مهامها بإعداد مسودة الدستور على ضوء المبادئ والأسس التي وضعها مؤتمر الحوار الوطني. وكانت الخطوة الثانية طرح الدستور للنقاش والاستفتاء عليه من الشعب ثم وضع التشريعات اللازمة للانتقال إلى الدولة الاتحادية وإجراء الانتخابات العامة: الرئاسية والنيابية. وأمام هذا التحول انتقلت قوى الثورة المضادة من أعمال التخريب وضرب المنشئات والمصالح الحيوية، خاصة منشئات الطاقة، إلى عمل انقلابي تمَّكن من إخراج اليمن من العملية الانتقالية للعودة إلى مرحلة الصراع والعنف والحروب التي لم تتوقف حتى الأن، وأظهرت الثورة المضادة تحالفات ومقاصد جديدة طائفية ومناطقية ذات ارتباط إقليمي، تستهدف اليمن في سياق استهداف الأمة العربية.  

   تكونت الثورة المضادة من تحالف النظام البائد (عائلة الحوثي) والنظام القديم (عائلة علي عبدالله صالح). لكن هذا التحالف ظل خفياً حتى تنفيذ المرحلة الأولى من الانقلاب على العملية السياسية والسلطة الشرعية وذلك باجتياح العاصمة صنعاء بالمليشيات المسلحة في 21 سبتمبر 2014م وبرز ذلك التحالف بصورة أوضح في الطور الثاني من الانقلاب من خلال الاستيلاء على كافة مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء ووضع رئيس الجمهورية والحكومة قيد الإقامة الجبرية وذلك بتاريخ 19 يناير 2015م، وإشعال حرب أهلية في كل أرجاء الوطن.

    يقوم تحالف الثورة المضادة على عوامل من شأنها أن تمزق النسيج الاجتماعي اليمني بمسعى طائفة السيطرة على الشعب والعودة بحكم اليمن إلى القرون الوسطى، ومن تلك العوامل ما يهدد أمن واستقرار الإقليم والسلام والأمن الدوليين، إذ تقوم الحركة الحوثية على أيديولوجيا طائفية تتكون من عناصر معقدة، تتمثل في التمييز: العرقي والمذهبي والجغرافي، وهو ما أستغله علي عبدالله صالح لتحويل الجزء الأكبر من الجيش والأمن إلى مليشيات (خاصة الحرس الجمهوري والأمن المركزي) والدفع بهم وبالحوثيين للاستيلاء على محافظات تستهدفها أيديولوجية التمييز، وهي محافظات، لا تعد حاضنة لقوى الثورة المضادة، وتمثل الغالبية العظمى من سكان اليمن: الشرق والجنوب والغرب والوسط علاوة على عدم قبول الغالبية من مواطني شمال الشمال للتمييز العرقي، لكنهم وضعوا رهائن في قبضة المليشيات.

    لقد ساق الانقلابيون شباب وأطفال أنصارهم إلى الموت للانتصار للأموات، وزجوا بالضحايا في ظروف تؤدي إلى هلاكهم وقتلهم، وهو ما أدى فعلاً إلى هلاك وقتل الكثير من الشباب والنساء والأطفال ثاراً للأموات أو انتقاماً من الأموات. هل يؤدي قتل الأحياء إلى انتصار الأموات والثأر من أموات آخرين؟ بالتأكيد لا، إنها الخرافة، بيد أنها خرافة تستخدمها أقلية قليلة من الشعب لاحتكار السلطة والثروة بدعاوى التفوق العرقي والجغرافي ووهم النسب، لكنها خرافة قتلت وجرحت عشرات الآلاف من أبناء الشعب، وهم من أبناء الفقراء البسطاء-القاتل والمقتول-وبالخرافة يجري التحكم بالقاتل المعتدي واستباحة دم المقتول ضحية العدوان، وحولوا أبناء الفقراء المؤمنين بالخرافة إلى أدوات للموت ولا قيمة لهم إلاَّ باستخدام أجسادهم للموت والحرب والدمار.

    بيد أن هذا كله ما كان ليحدث لولا الخذلان الذي أصاب قوى التغيير وسلطة الفترة الانتقالية وتخلي أحزاب فاعلة عن دور اللقاء المشترك الذي لولاه ما نجحت ثورة 2011م في جعل الجميع في الداخل والخارج يسلم بضرورة التغيير، ونقل السلطة بوسائل ديمقراطية نصت عليها المبادرة الخليجية بوضوح، من خلال النص على نقل السلطة بطريقة توافقية، وبما يحقق طموح اليمنيين في التغيير والإصلاح، وتحديد مهام الفترة الانتقالية بإعداد الدستور والاستفتاء عليه، وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية طبقاً للدستور الجديد، وتكليف الرئيس الانتقالي لرئيس الحزب الحاصل على العدد الأكبر من الأصوات لتشكيل الحكومة، وانتهاء ولاية الرئيس الانتقالي بتنصيب الرئيس المنتخب طبقاً للدستور الجديد، وبهذا  الخذلان نجحت الثورة المضادة في إيقاف الانتقال الديمقراطي، وتنفيذ عدوانها على الدولة والمجتمع وإدخال البلاد في حرب مدمرة لا طائل منها.

   وكان من الطبيعي أن يؤدي مسعى التَّسيد الطائفي لتحالف النظام البائد والنظام القديم، بالعنف وقوة السلاح وإقامة حكم شبه فاشي، إلى بروز مقاومة شعبية واسعة في كافة المحافظات خاصة، الجنوبية والوسطى والشرقية. وفي ذات الوقت إيجاد بيئة حاضنة في هذه المحافظات للتنظيمات الإرهابية (كالقاعدة وداعش) وغيرها، وأن يؤدي استهداف العروبة في موطنها الأول لصالح أمة أخرى إلى التصدي العربي لهذا العدوان على اليمن والعروبة ومنع تفكك البلاد وتهديد الأمن والسلام الدوليين.

    لقد استدعت الثورة المضادة التدخل العربي من خلال المجاهرة باستدعاء التدخل الإيراني، وإعلان تسليم إيران المؤسسات السيادية المتمثلة بالموانئ البحرية والجوية، فور اجتياح المليشيات للعاصمة صنعاء.

   وأدى العدوان العسكري الشامل على الداخل الوطني بعباءة غير وطنية إلى خلق مناخ موات للدعوة الطائفية. واستفاد الانقلابيون والتنظيمات الارهابية من هذا المناخ بدوافع المنافسة وإثبات الوجود، وسعت أحزاب سياسية كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في التحول إلى أحزاب سياسية-مدنية لاستغلالها. ومكنت التنظيم السروري الذي يخترق حزب التجمع اليمني للإصلاح والجماعات السلفية من البروز بقوة ومن داخل صفوف الأحزاب الداعمة للشرعية كنسق ثاني للثورة المضادة للحفاظ على النظام القديم، ورفض التغيير برفض مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وكان التحاق هذا النسق بالثورة المضادة بهدف الاستفادة من الموقف الشعبي الرافض للانقلاب، وكسب الجماهير الغاضبة لاستخدامهم بشعارات طائفية في الثورة المضادة عندما يحين الوقت، وفي حالة فشل الثورة المضادة في نسقها الأول.

     من هنا، يحتاج إخراج اليمن من محنته بإنهاء الانقلاب والحرب واستعادة اللحمة الوطنية وإشاعة ثقافة التسامح بدلاً عن الكراهية الدينية والعنصرية إلى إقامة كتلة تاريخية للتغيير يمثل نواتها اللقاء المشترك بعد تخلص أحزابه مما علق بها من شوائب سلبية سببتها الحرب والعودة إلى مسار الأحزاب السياسية المدنية. وأياً كان حظ هذا التوجه من النجاح ومستوى واقعيته، لا مناص من إيجاد كتلة تاريخية عابرة للمناطقية والسلالية والمذهبية والجهوية.

    وتظل العديد من الأسئلة بحاجة إلى إجابة، ومنها أسئلة رئيسية: لماذا وكيف تمكنت الثورة المضادة من الزج باليمن في حرب أهلية؟ وهل كان يمكن تجنب ذلك وتحقيق الانتقال؟ هل ينجح الانقلاب في حكم اليمن بالقوة واستعادة النظام القديم والبائد؟ لقد أستدعى الانقلاب التدخل الخارجي ما أثر ذلك على مستقبل البلاد ووحدته؟ استخدمت الثورة المضادة القوة في حل مشكل داخلي ما مصير الوحدة اليمنية بعد ما حدث؟ هل يمكن أن يتخلى الانقلابيون عن الانقلاب لتحقيق السلام ومتى؟

 هذه الأسئلة وغيرها سنحاول تقديم الإجابات عليها مباشرة أو ضمناً في عدد من المقالات، سينشرها موقع الاشتراكي نت تباعاً ودون الالتزام بترتيب الأسئلة.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

قراءة 3732 مرات آخر تعديل على الإثنين, 19 أيلول/سبتمبر 2016 18:11

من أحدث أ.د. محمد أحمد علي المخلافي

المزيد في هذه الفئة : « على هامش الرأسمالية (1) الحزب الاشتراكي اليمني .. مواقف ثابتة وحملات تضليل واسعة (2) »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى