أخـــر الأخبــــار

 

على هامش الرأسمالية (1) مميز

السبت, 17 أيلول/سبتمبر 2016 18:13 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عن محاولة إعادة خلق الإرهاب كايدولوجيا

 إن ما يظهر استماتة غربية في محاربة الإرهاب ليس إلا محاولة بائسة لتوسيع رقعته وجعله بمثابة أيدلوجية وحيدة لفئات واسعة في البلدان العربية. بالطبع الإرهاب موجود، وله أسبابه الموضوعية، والتي منها: اغتراب نفسي، اغتراب ثقافي، اغتراب معيشي. وهذا يعني أن الرأسمالية هي المسئول الأول عن صناعة الإرهاب.

 والآن تدرك الرأسمالية أنها تواجه أزمات متجددة آخذة في الاستفحال وربما يساعدها الإرهاب في تجاوز ذلك. كيف هذا؟

إذا أردنا أن نعرف حقيقة هذه الأزمات، علينا أن نعيد تتبع مساراتها طوال العقود الماضية، وكيف أن الرأسمالية تحاول تجدد نفسها لتضمن عمر إضافي من خلال سياسات تفضي في الأساس إلى تعقيدات جديدة. حيث أصبح الاقتصاد العالمي اقتصاد المعلومات، ومعتمد بشكل شبه كلي على الخدمات والمضاربات المالية، بعكس ما كان سائدا حتى منتصف القرن الماضي عندما كان الاعتماد على الصناعة والزراعة، بل أن ما تبقى من الصناعة أصبح بفضل الثورة التكنولوجية يمتلك طاقات إنتاجية كبيرة بأقل جهد ممكن. تم الاستغناء عن ملايين العمال في المصانع لصالح الروبوتات وتقنيات التحكم عن بعد. وهذا الاقتصاد الذي لم يعد يعتمد بشكل كلي على القيمة المضافة، أصبح يتجه نحو مجالات غير إنتاجية ويتعاظم كفقاعة. (لابد أن هناك متخصصين بوسعهم شرح مثل هذا الأمر بطريقة مقنعة)

غير أن المؤكد في مسألة الرأسمالية هو أنها قد اتجهت منذ وقت مبكر إلى نهب ثروات الشعوب الأخرى وتحديدا بلدان ما يسمى بالعالم الثالث، وأيضا استباحتها كأسواق لاستهلاك منتجاتها، وذلك كتعويض عن الخسارة التي منيت بها جراء قبولها بالتنازل عن فائض القيمة المطلق والاستعاضة عنها بفائض القيمة النسبي حتى تضمن عدم اندلاع الثورات في مراكزها. وأصبح البنك وصندوق النقد الدوليين مؤسستين عابرتين للقارات تهندسان اقتصاد الدول بحسب ما يخدم مصالح الدول الرأسمالية.

 الرأسمالية حقا لا ترغب في أن ترى الثورات تجتاح مراكزها الكبرى، لكنها تواجه أزمات مستفحلة. لهذا بالتزامن مع محاولتها مواجهة هذه الأزمات وحلها، وهي مسألة لا يمكن التغلب عليها بسهولة، تسعى إلى خلق جو الهائي ضخم له طابع تخويفي. وهذا الإرهاب الذي يتعملق يوما بعد يوم بفضل سياسات أمريكية وأخرى غربية آخذت تدعمه بشكل مباشر أو من خلال دعم نقائض له، هو البعبع الذي سيجعل العالم يفكر ألف مرة قبل أن يقرر إن كان حقا يريد إشعال الثورات.

لعل ما يحدث في المنطقة العربية هو محاولة مستميتة لكي لا تمتلك شعوب العالم ذلك الدبوس الذي سيكون سببا في انفجار فقاعة الرأسمالية وما سيترتب على ذلك من انهيارات قد يصعب احتوائها. ثم أننا أصبحنا في عصر المعلومات وإنتاج المعلومات، إلى جانب اقتصاد الخدمات والمضارابات المالية، وهي قطاعات جديدة حلت محل القطاع الصناعي الذي ساد طوال أكثر من قرن. وكما كانت تُستخدم الصناعة التي هي أساس ولادة الرأسمالية كأداة للدفاع عن وليدها المسخ، كانت أيضا هي نفسها (أي الصناعة) من تربي ذلك الشبح الذي أصبح يعرف ذات يوم بالبروليتاريا.

يبدو التاريخ اليوم وكأنه يعيد إنتاج نفسه بصورة أخرى، حيث أن قطاع المعلومات الذي أصبح يتحكم بعالم اليوم، كان هو من وفر للرأسمالية عمرا جديدا، لكنه بالمقابل أنتج أزماتها. وبنفس تلك الطريقة القديمة ها هو قطاع يوظف حتى الآن من أجل تجاوز الأزمات عبر صناعة الهاء عالمي أصبح يعرف اليوم باسم داعش وينطوي على إمكانيات هائلة.

ورغم أن داعش أصبحت ذات هوية سنية، ويقابلها تحفيز شيعي، في عملية متكاملة تم الاشتغال عليها من وقت مبكر، فإن الهدف الحالي يصبح في جعل السنة أيدلوجية إرهابية. وذلك من خلال جعل المواجهة بين داعش والجماعات الشيعية من جهة، وبين داعش والأقليات كما يحدث بالنسبة لتوظيف الأكراد في الصراع وتسليحهم، وكأن الأكراد قد وصلوا للتو من عالم خارجي ولم يكونوا أصحاب قضية ظل العالم يتجاهلها بشكل متعمد طوال العقود الماضية.

حصر الصراع بهذا الشكل، ومنع الجماعات السنية أو حتى العشائر من المشاركة في محاربة الإرهاب سيجعلها على المدى المنظور تستشعر ذلك الخطر الوجودي الذي سيدفعها دفعا لتصبح جزء من أيدلوجية داعش، خصوصا وأن الصراع يجري بالتزامن مع سقوط وتفتت الدول الوطنية ومؤسساتها. هكذا تنظر أمريكا للأمر. بمعنى آخر إنتاج ايدلوجيا تضمن استمرار الصراع لأطول وقت ممكن والاستفادة مما سيوفره هذا الصراع من إمكانية لتجاوز الأزمة. ذات يوم ستصبح الجماعات الشيعية خطرا يهدد العالم، أما الآن فهي تقدم خدمات جليلة للرأسمال العالمي.

لكن هل هذه نتيجة نهائية؟

بالطبع لا وان كانت هدفا واضحا تشتغل عليه الرأسمالية كل يوم، كما اشتغلت عليه منذ عقود. لأن عالم اليوم أصبح ينطوي على إمكانيات كثيرة من الصعب التبوء بها، لكنها ليست مستحيلة. هذه الإمكانيات كفيلة بحرف الصراع 180 درجة عن شكله الحالي.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

قراءة 2446 مرات آخر تعديل على الأحد, 18 أيلول/سبتمبر 2016 19:58

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة