يوميات معاناة فـي مدينة بلا كهرباء

  • الاشتراكي نت/ جابر الغزير

الجمعة, 01 أيار 2015 05:02
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأسبوع الرابع من الظلمة. أصغي الآن بكآبة لصخب مولدات الكهرباء. بطارية اللابتوب نفذت للتو. وبطارية الهاتف تقترب من النفاذ. شمعة بجانبي تشاركني العزلة وأشاركها الاحتراق بصمت. آهات قهر ولعنات أبصقها في وجه الليل ثم أبتسم وأنام.

نافذتنا الأخيرة على العالم أوصدت. إنقطعت الكهرباء. توقفت شبكة الوايرلس التي اشترك فيها لتصفح الإنترنت. مقاهي واستراحات الإنترنت أغلقت أبوابها هي الأخرى بسبب نفاذ المشتقات النفطية. عدا بعضها التي تعمل بالغاز، لكنها ممتلئة بالزبائن طوال الوقت وبأسعار مهولة. لا خيار أمامي سوى الانتظار لساعات حتى خروج أحدهم.. هكذا صارت احتياجات أساسية في بلد كاليمن أحلاماً بالغة الصعوبة!.

ما آخر الأخبار..؟ سؤال يحاصرني به الكثيرون. شعور بالخجل ومرارة تخنق أنفاسي كصحفي يبحث عن إجابة للسؤال ذاته.. «كالأمس.. لا جديد» يأتي ردّي باهتاً. عزلة تامة يعيشها الكل هنا. ما لم أكن أول المعنيين بآخر الأخبار كصحفي فإن الناس يصيرون ضحية الشائعات التي تطغى غالباً على حساب الحقائق الغائبة في ظروف كهذه. حين تنعدم خيارات الصحفي في إيصال الحقيقة للناس سيكون معفياً من مسؤوليته في مثل هذه الحالة.. أليس كذلك؟!.

عادت علاقتي بالقلم والأوراق بعد قرابة شهرين من القطيعة. أستلذ بحميمية ضم القلم بين أصابعي. يبدو لي الورق الأبيض كأنثى مستلقية بإغراء جامح. أكتب بغزارة من يضاجع عشيقته القديمة بشبقٍ باذخ أيضاً. الكتابة على الورق تعيد لي الألفة بلياليّ اليتيمة التي أعيشها بلا كهرباء. حتى النوم لا يجرؤ على المجيء كعادته. الفراغ يخلق نوعاً من التفكير الجنسي بالطبع.

كان من اللازم ان أصحو باكراً. فرصة الحصول على مقعد في أحد مقاهي أو منتزهات الإنترنت صارت صعبة للغاية. في شارع حدة لفت انتباهي عشرات المواطنين يكتظون في أحد محال بيع الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء. رغم كلفتها العالية التي تصل لـ1000 دولار؛ لكنها صارت آخر الخيارات لفئة الطبقة الاجتماعية الميسورة الحال الباحثة عن ضوء. أخيراً وجدت مقهى إنترنت. أعيد كتابة هذه المادة على ملف وورد قبل أن يباغتني انطفاء مولد الكهرباء. يصرخ مالك المقهى: نفذ وقود الديزل. اللعنة، ضاع كل ما كتبته. لا خيار سوى البحث عن مقهى آخر...

الشوارع الرئيسة في نهار صنعاء صارت خالية من السيارات عدا بعض باصات النقل العام وقليل من سيارات الأجرة. الأطفال يلعبون على الخطوط السريعة. بعض أكوام القمامة المتكدسة تقطع بعض الشوارع الرئيسة أيضاً. لا خيار سوى المشي إذاً. إحدى استراحات الانترنت ما تزال مغلقة، قال لي الحارس انهم يفتحونها في ساعات الذروة فقط ما بين الـ8-11 مساءً. سأنتظر. لا خيار لنا سوى مقاومة هذه المعاناة دون يأس.. وما نزال نبتسم..!.

قراءة 1697 مرات

من أحدث

المزيد في هذه الفئة : « الحوثيون يقتحمون مكتب قناة بلقيس الفضائية بصنعاء وينهبون محتوياته مجلس الامن يفشل في ايجاد حل للازمة في اليمن »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى