عن الأصدقاء في سجن المليشيا الطائفية

الخميس, 15 تشرين1/أكتوير 2015 20:27 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

"تمثل وجوهم أمامي الان كعقد فريد من الذكريات. ومهما حاولت وضعها في عتمة غسقية باردة ترشح، منهكة، من مسام الزنازين الغائرة في الوحشة، وتخيل ملامحهم تتوارى بعض تفاصليها وراء حديد القضبان الرمادية السوداء، لا أرى غير نهر من الذكريات الخلاقة و كتبية من الرجال الاحرار ينشدون و يركضون و يلونون بالجميل والمرح كل ما يلمسون.

قد يكتفي علوي السقاف بالإنصات لك ويراقبك كيف تكبر مخفيا فرحه العميق آلذي يتدفق من عينين ثرثارتين غير كتومتين بتصويب رأسه نحو نقطة تقع في صدره الجياش النحيل، ولا يرفعه إلا حين يتلاشى صوتك في الصمت. لا تكتف عيناه بأن تراك، بل تتدفق فيك بوهج غريب. يتحدث إليك، بكل ما لم تعرف من قبل، دون أن ينسى أن يؤكد لك ان كل السحر الذي يسيل من كلماته هو مجرد تلخيص لكلماتك.لن يحب علوى ان أقول "علوى يعلمنا" آنه قضى سنوات ورغم طويلة معلما يدرس الاطفال في مدارس الريف المنسية. . علوى آلى كتبها دروب يدلك شفافة تتراصف في الحياة وفيك. خوفك المظلمة ينير زوايا بالصداقة يعرف اننا نغضب منه احيانا، كل اصدقائه، لنفس السبب دائما: اننا لا نراه بما فيه الكفاية.

أحمد بن عمي، هكذا يجرى أسمه في لساني و دمي، صديقي الأقرب منذ الطفولة. لم أعش مع أحد، و لم أتبادل الكلمات و الاسرار كما مع أحمد. أيتها البهجة هل قدمك شخص في التأريخ كأحمد؟!. ولع لا يتناقص للمزاح و الضحك. وطريقة فريدة في محو الرتابة والملل وكسر الرسميات. أيتها الصداقة هل تتذكرين شخص يبرع فيك كأحمد؟ لا يوجد للصداقة أقفال آو كلمات سرية.لا أبواب تبقى مغلقه حين يطرق أحمد خشب القلب بألفته و بود تلقائي وذكي. أحمد بن عمي هل ينتصر السجن على حنجرتك ومشاعرك الخلاقة؟ أم ستغني، في الليل، في صوتك و فنغرق الاشياء؟ تغني من آجل عينيك و يا مسهرني لأجلي وتغني هان الود و لا مش أنا الى أبكي، و ايضا لاجل لاجلي الفرح الكامن في قلبك ستغني فاتت جنبنا و لو حكينا. لا أظن . يستطيعون سجن صوتك آنهم أحمد بن عمي اسمع صوتك وضحكتك الأسيانة يأتي عبر الهاتف من 2011 وانت تقول "احنا سبعة نصرخ في شوراع أب: الشعب يريد، ويهزء منا المارة" أذكره باكيا بعدها بأقل من نصف ساعة "اب تولد، تشتعل نحن بالالاف).

اعرف صامد السامعي منذ محاولاته الأولى للطيران. منذ أن أخبرني هامسا في أيام الثورة الاولى "لم نعد نحتمل الزحف، سنطير. الثورة أجنحة" صامد يكتب في السجن بلا شك، ويفكر ان الف مظاهرة أخرى هي ما يفصلنا عن الحرية لل، يعرف ان ذلك قد يعني الف ليلة في السجن. كنت أستقبله على بوابة سجن قسم الجديري هو وعشرات من رفاقة المعتقلين في تظاهرة حرية بعد سقوط صنعاء بأسابيع في يد المليشيا الطائفية. كانوا صوت صنعاء و امل اليمن، تلك الايام، حين كانت كل النخب و القيادات تتوارى في الصمت. كانوا و مازالوا.

محمود ياسين يترك في مخيلتك سطورا و صورا كثيرة وانت تقرأ له كل يوم وتحول ان ترسم من اللغة المتدفقة بعاطفة محمومة شخصا لم تقابله بعد. لكن المقيل المشترك الأول مع محمود، يكشف لك أنك سلكت دربا مختلفا تماما. يقول لك المقيل شيء لا يقوله لك المقال :. انتبه الحياة طرفة متجددة و تلسع. يقف بينك وبين محمود، محمود نفسه. فهو لا يقبل ان تمنحه حبا ثابتا او مودة دائمة؛ شيء عليه عرض آن ذلك يحرزه كل مرة يلتقيك فيها! لذا انتبه المعركة ستدور لا محالة، احذر ان تلعب دور الضحية. محمود لا يثق بالمعارك المحسومة، فهي تخدر حواسه. لذا قرر منذ أزمان لا يتذكرها التأريخ، أن لا معركة محسومة. محمود كاتب فريد لا يمل من الإطراء لكنه ايضا لا يصدقه، ربما لا يراه كفايا أحيانا. ذلك ان الشوق للحياة ليس مجرد فكرة في ذهن محمود، نهر تلتهمه حواس بل محمود وتصوغه المخيلة روايات و مقالات ساحرة.

حكيم البكاري يختفي كثيرا، ولتراه تحتاج لآن تكون موجودا في تجمع للدفاع عن الحرية للوعن اليمن. هناك مواعيده الأكيدة. جسده النحيل، كما وهبته الطبيعة، يتضاعف في الاوقات الصعبة وطاقته التى تستكين في لحظات الطمأنينة، تتوهج حين تنكسر القلوب يأسا. لماذا تيأس كلماتك مرات يا حكيم، ولا تعرف إرادتك اليأس؟ هل تثق بقلبك آلذي لا يتذمر البرنامج المفضل أكثر من عقلك آلذي يخبرنا المزيد عن الهاوية آلتي نسقط فيها؟ جسدك النحيل في ظلمة السجن يرتعش من البرد مثلما ترتعش، في موتها اليومي، بلدك. لكنه، مثل حلم البلاد بالفجر، صوتك لا يرتعش.

في مقيل صديقنا النبيل، المناضل و المثقف، الذي تتشرف به كل أيقونة، أحمد على عبداللطيف تعرفت على المناضلين الاصدقاء. من كل الاحزاب والاتجاهات، في منزل العم النبيل و الرجل الاكرم بين من تبقى من نسل آدم، على عبداللطيف "والد احمد"، تعودت التقيهم منذ عام 2011. وكانت الثورة قد صاغتهم في لوحة صداقة فريدة. تراكلت احزابهم و افكارهم بعدها كثيرا، واحتفظوا بأنسجام وصداقة نادرتان، لا تجدهما الا عند أولئك الذين خاضوا، بصدق، تاريخيا مشتركا و حلما جابهوا سوية رشقات الموت ونجوا منه بسبب ان كلهم كان حاول حماية الاخرين بروحه. صاروا أصدقائي وكلما أخذتني الدنيا الى اب، أخذتني أليهم فقط. كيف لا تضيء اسمائكم في عتمة ليل المدينة، فردا فردا، يا احمد خرصان ومحمد المليكي ومعمر النجار وحمزة الجماعي وسليمان الدعيس. اسمائكم و كل الذين، رغم السجن، في السجن أحرار ".

قراءة 1987 مرات آخر تعديل على الخميس, 15 تشرين1/أكتوير 2015 20:32

من أحدث مطيع دماج

المزيد في هذه الفئة : « المتوج بمحبة الغرباء خطاب متشنج وزعيم بلا قضية »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى