المتوج بمحبة الغرباء

الخميس, 15 تشرين1/أكتوير 2015 19:48 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

صدمني خبر رحيل الباحث والناقد والمثقف الوطني الحميم عبد الكافي الرحبي.. العصامي واليساري المتجذر والمتجدد الذي رغم كل الإحباطات والإغراءات والترهيبات استمر كهامة انسانية رفيعة معززاً بالتنوير وبانفتاح الحس ونكران الذات كما بالإيثار والتفاني إضافة الى تلك النبالة المتسقة والمبهرة مع قيم العدل والحق والجمال تاركاً أثراً عظيماً في نفوس ووجدان كل من عرفوه عن قرب..

لا أبالغ أبداً وانا أؤكد على انه - بالنسبة لي على الأقل - كان حالة خصوصية تصل الى مصاف الاسطورة في التواضع والنقاوة والشرف ومحبة الناس وهجران المصالح الخاصة.. عبد الكافي الشغوف والحيوي والاستثنائي بموسوعيته وقراءاته الممنهجة والعميقة تراثياً وحداثياً حول كل شيء بلا استثناء..

كنت كلما عانقته شعرت بأنني أعانق السهروردي وجيل دولوز وابن رشد وتروتسكي ونيتشه والفارابي وبوذا وارنست فيشر والعفيف الاخضر وسبينوزا والهمداني وجواد علي والزبيري وحسين مروة وعمر الخيام وابن عربي والشبزي وابن شرف الدين والمعري وغرامشي والمهدى المنجرة وابن خلدون ومحمد اركون وعبدالله العروي إضافة الى المعتزلة والمطرفية واخوان الصفا والقرامطة وكذا صناع ثورة 68 الطلابيــــــــــــة في باريس، كلهم كنت أخالهم جميعاً يحتشدون ويتحاورون بكل ما تحمله الألفة من معنى في كيان واحد اسمه عبدالكافي الرحبي..

لقد كان عبدالكافي الرحبي يبهرني وهو يتعالى فوق الخصومات والانغلاقات ولذلك أجزم بأنه لم يجرح أحداً من الذين جادلهم واختلف معهم منذ عرفته قبل 15 عاماً..

عبدالكافي الذي اتسم بذلك النوع النادر من سلوك ووعي الزهاد والفرسان الكبار فخاض مكابداته وهمومه بطمأنينة وانشراح عازفاً عن كل المظاهر السطحية ومرتقياً في مبادئه الثابتة أعلى مراتب السمو..

المناضل الشهم في صفوف الحركة الوطنية من أجل توطيد الثقافة التغييرية والإبداع الحر والعقلانية والمدنية وحقوق الانسان والتقدم على الضد دائماً من مهيمنات ثقافة التخلف والطائفية والاستبداد والاستلاب والارهاب والجمود العقائدي.. عبدالكافي الذي استمر في الطريق الشاق منذ أيام العمل السري قبل الوحدة - بحسب سيرته العطرة المنقوشة في قلوب مجايليه - حيث كان النظام حينها في عز بطشه الأمني للسياسيين والمفكرين والأدباء فضلاً عن استخدامه ورقة التكفير ضدهم وكذا محاربتهم حتى في لقمة العيش وهي التصرفات المأفونة التي لم تغادر عقلية النظام حتى الآن.. لقد رحل عبدالكافي شرف الدين الرحبي متوجاً بمحبة الغرباء الأكثر تشبثاً بحلم اليمن الجديد فهو الذي استطاع بجدارة متفوقة أن ينجو ولم يسقط أبداً كآخرين وانما ظل طوال حياته كمصباح معرفي ووطني بلا ضجيج ولا ادعاء ولا مساومة بالمواقف بينما سنظل نزهو ونعتز بحكمته وكبريائه وصلابته الأشد وابتسامته الأنقى.

قراءة 1847 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة