أخـــر الأخبــــار

 

القيادي الاشتراكي عيدروس النقيب لـ "الشارع": الطريقة التي يدير بها الرئيس البلد لا تزال كما كانت منذ 1994 والاشتراكي لن يقف في طريق الأقاليم لكنه يتبرأ من أي نتائج كارثية

  • قال الاشتراكي بحاجة إلى مراجعة آلياته وتقييم دخوله في الحكومة وما حققه من اللقاء المشترك ومدى قابلية هذا التحالف للاستمرار
  • الاشتراكي نت / الشارع

الثلاثاء, 18 آذار/مارس 2014 18:29
قيم الموضوع
(1 تصويت)

حول القرار الأممي الأخير رقم (2140) ودخول اليمن تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة, والطريقة التي يدير بها الرئيس عبد ربه منصور هادي الحكم ومعالجة القضايا السياسية، وخصوصا موقفه الأبرز بشأن عدد الأقاليم وحل القضية الجنوبية, إضافة إلى موقف الجنوبيين من القرار الدولي, وبشأن القيادة الجنوبية ومسار الحراك الجنوبي ومستقبل مشروع الحزب الاشتراكي اليمني الداعي إلى فيدرالية من إقليمين, أجرت "الشارع" هذا الحوار مع البرلماني والأكاديمي والأديب المعروف الدكتور عيدروس النقيب، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني, الذي يتواجد منذ العام المنصرم في العاصمة البريطانية لندن للعلاج. الاشتراكي نت يعيد نشر الحوار فإلى تفاصيله:

حاوره: نشوان العثماني

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بداية دكتور عيدروس, كيف تقرأ يمن ما بعد وفي ظل الفصل السابع؟

شكرا لك أخي نشوان على التواصل والبحث في تعقيدات المشهد السياسي اليمني. وبالنسبة لسؤالكم فإنني أعتقد أنه وبعيدا عن التهويل والتهوين أرى أن اليمن بعد وفي ظل الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة -كما أعتقد أنك تقصد- قد لا تختلف كثيرا عما قبله، فالبلد قد دخل طور الدولة القابلة للفشل منذ سنوات، والعالم ينظر إلينا بقلق لفشل القائمين على شؤون البلد في إدارته والخروج به من مربع الأزمات.

طبعا من غير الممكن النظر بلا مبالاة إلى ما يتخذه المجتمع الدولي تجاهنا؛ لكنني أرى أن نتائج البند السابع تتوقف على كيف يتعامل اليمنيون مع قرارات مجلس الأمن. هناك بلدان تعرضت لما يتعرض له اليمن، ولأسوأ منه، وانصرفت قياداتها للبناء الداخلي وتصدرت قوائم الدول المتطورة، وليست اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية إلا نموذجين حيين لهذه الحالة.

يستطيع اليمنيون أن يحولوا قرارات مجلس الأمن إلى أداة فعالة لإعادة صياغة النهج السياسي والاقتصادي والخروج باليمن من بوتقة الأزمات والصراعات المزمنة، إذا ما تركوا العبث والمماحكة وانصرفوا للبناء وإعادة إعمار ما خربته السياسات العرجاء طوال العقود الماضية. لكن يمكن لقرارات الأمم المتحدة أن تغدو وبالا على اليمنيين إذا ما أصر السياسيون المتصارعون على البقاء في مربع ما قبل البند السابع من مماحكات ومصارعات خفية ومعلنة ليثبت كل منهم فشل الآخر.

أشير هنا إلى أن قرار مجلس الأمن أشار إلى "الأفراد والبنى والجهات المعرقلة لعملية التسوية السياسية"؛ لكنه لا يمكن أن يستهدف أصحاب الحقوق والرافضين للظلم والقهر والمعترضين على السياسات المعوجة التي كانت وما تزال تدار بها البلد منذ عقود.

مختصر الكلام أن على اليمنيين اليوم أن ينهجوا نهجا فكريا وسياسيا وإداريا جديدا يستجيب للمعطيات التي صنعتها قرارات مجلس الأمن الأخير للحيلولة دون تحول البند السابع إلى وبال على اليمن واليمنيين.

من سابق كنتَ قد ذكرت في أحد تصريحاتك أو مقالات -لا أتذكر جيدًا- ما معناه: إن لم تكن هناك فيدرالية من إقليمين فالبديل دولتان. هذا قول اليوم يعرض صاحبه لعقوبات الفصل السابع, بصفته معيقا لمرحلة تطبيق مخرجات الحوار!! ما هو البديل الثالث هنا؟ وهل يوجد مثل هذا البديل؟

ما قلته بالضبط أن على القائمين على شؤون البلد -وكنت أقصد المتحاورين في موفنبيك- أن يقدموا للشعب الجنوبي ما يغريه للتخلي عن مطلب فك الارتباط، وذلك بقبول الفيدرالية بإقليمين، وإلا فإنهم يدفعون الشعب الجنوبي دفعا إلى التمسك بمطلب فك الارتباط. للأسف الشديد لم يفهم المتحكمون في شؤون البلد هذه المسألة جيدا، وذهبوا إلى تقسيم الجنوب، وهو ما يعني أن المراهنين على حكمة وعقلانية رواد موفنبيك، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، قد خاب رهانهم، وبالتالي ذهاب الآلاف وربما مئات الآلاف لنصرة مطلب فك ارتباط، حتى وإن كانوا من أنصار بقاء الدولة اليمنية الواحدة.

الشعوب لا تأبه كثيرا لمعايير ومتطلبات المنظمات الدولية، ولا ترهن كرامتها وحريتها مقابل أن ترضى عنها هذه المنظمة الدولية أو تلك. وفي يقيني أن الطريقة التي يدير بها رئيس الجمهورية ومن يحيط به البلد ما تزال نفسها كما كانت منذ 1994، وحتى لو عمد السياسيون الجنوبيون إلى بعض المرونة تحاشيا لتبعات الفصل السابع، فلا أحد يستطيع إخراس الملايين الذين يكتوون بنيران القهر والظلم والاستبعاد، هذه النيران التي هي أحر وأمر وأقسى من بنود البند السابع، ولا يمكن للدول الأعضاء أن تحضر سفر العمال والمقهورين والمقصيين وساكني الأكواخ أو تصادر أموالهم أو حتى تقصفهم بالطيران، وهم لا يملكون شيئا مما يمكن قصفه أو مصادرته أو حضره، وبالتالي فإن البند السابع لا يعني شيئا بالنسبة لضحايا الظلم والقهر والاستبعاد.

بصراحة, أين يكمن الخلل في مسار القضية الجنوبية؟ أفي داخلها أم خارجها؟ وأيهما أكثر إن وجد في الاثنين؟

أنا لن أتحدث هنا عن مضمون القضية الجنوبية، باعتبار أنه غدا مفهوما للجميع، وشخصيا كتبت فيه آلاف الصفحات؛ لكنني أخالك تقصد بالخلل توقف مسار القضية عند نقطة الانطلاق، وعدم إحراز التقدم المنشود. وهنا اسمح أن أشير إلى مجموعة من الحقائق التي تغيب عنا أحيانا، وأهمها:

الطابع المركب والمعقد للقضية الجنوبية؛ فمن سوء الحظ أن من يتصدر المشهد اليوم هم من ذهب إلى الوحدة الاندماجية طوعا، وأكاد أقول: "هرولة" دونما تروٍّ أو تبصر ولا قراءة للمآلات التي يمكن أن تؤول إليها الأوضاع، بعد انقشاع الغيم وانتهاء أشهر العسل، وهذا وحده عامل من عوامل التعثر والخلل لمسار القضية الجنوبية. لكنني يمكن أن أشير إلى عاملين آخرين مهمين لما أسميته في سؤالك بالخلل، وهما: العامل الأول هو العامل الخارجي، ففي نظري أن أنصار الحق والعدل في محيطنا العربي والعالمي ما يزالون يفضلون التضحية بالعدالة مقابل الاستقرار، وهذه معادلة معوجة، إذ العدالة شرط أساسي لتحقيق الاستقرار، ولا يمكن تحقيق الاستقرار في غياب الحق والعدل، ناهيك عن أن الكثير من القوى القومية والعروبية -التي كنا نسميها يوما من الأيام بالتقدمية- ما تزال مهووسة بمفهوم "الوحدة" بشكل صنمي، بحيث تأخذ هذا المفهوم مجردا من مضامينه الإنسانية والاجتماعية، ونلاحظ أن معظمها أو معظم ممثليها كانوا منحازين إلى علي عبد الله صالح باعتباره "رمزا وحدويا"، دون النظر إلى خفايا سياساته البائسة. أما الأنظمة العربية ففي معظمها ليس في قاموسها مفردات الحق والعدل والحرية والكرامة، فهي تفتقد لها في بلدانها ولا يمكن الرهان على مناصرتها في غير بلدانها والمعيار الأساسي بالنسبة لها هو مصالحها وهذه قد وفرها لها نظام صنعاء مضاعفة.

العامل الثاني هو العامل الداخلي، ويتمثل في ضعف الخطاب السياسي لقوى الثورة الجنوبية؛ إذ يركز في معظمه على البعد التحريضي والدعائي، الذي أسميه أنا بالعنتريات السياسية، وليس على البعد السياسي المتمثل في إيصال رسالة سياسية تستهدف إقناع الرأي العام المحلي، الجنوبي واليمني عموما، والإقليمي والدولي، بعدالة القضية الجنوبية ومشروعيتها ومن ثم اجتذاب أنصار جدد من هذه المستويات الثلاثة.

مشكلة أخرى تتصل بالعامل الذاتي، وهي الخلط بين الأهداف والوسائل، فغالبية الذين يتصدرون المشهد السياسي الجنوبي كثيرا ما يضحون بالهدف من أجل الوسيلة فتلاحظ التعصب لهذا الفصيل أو ذاك، أو هذا القائد أو ذاك -وهذه ليست سوى وسائل- وإهمال العنصر الأساسي في القضية وهو الهدف المراد تحقيقه والذي في سبيله يمكن تسخر كل الوسائل المشروعة.

من سيخلص الجنوب من تحالف 1994؟

- إرادة الشعوب لا تقهر, فهي قد تتعرض للانتكاسة أو النكوص أو الهزيمة المؤقتة، لكنها هي المنتصرة لا محالة، وعندما يكون هذا الشعب أو ذاك صاحب قضية عادلة كالقضية الجنوبية فإن حتمية انتصار قضيته أمر لا يقبل النقاش؛ لكن متى؟ وكيف؟ هذا الأمر سيجيب عليه الزمن بمعطياته ومتغيراته واختلاف توازنات القوى في مراحله المختلفة، ولن يخلص الشعب الجنوبي غير الشعب الجنوبي نفسه. أما العامل الخارجي، وحتى دور الأفراد من أبنائه، فليست سوى عوامل محفزة ومساعدة على سرعة التفاعل؛ لكن هذه العوامل لا يمكن أن تحل محل الشعب الجنوبي أو أن تلغي دوره أو أن يتسبب غيابها في موت قضيته.

إلى يوليو المقبل, تكون 20 سنة قد مرت على الحرب الدامية. هل هنالك فرق بين 1994 و2014؟ وكيف تقرؤه إن وجد؟

لا شك أن أمورا كثيرة تغيرت، وهذه الأمور الكثيرة حصلت لدى طرفي حرب 1994، أقصد المعتدي والمعتدى عليه، أو المنتصر والمهزوم.

في 7 يوليو 1994 كان الشعب الجنوبي منكسرا مهزوما خائبا خائفا، وكان مجرد الحديث عن جنوب –ولو بالمفهوم الجغرافي- جريمة، ومجرد التعرض لأي من رموز 7 يوليو كفرا يعاقب مرتكبه وقد يغيب عن الوجود. بالمقابل كان الطرف الآخر غارقا في نشوة النصر ولذته، ولم يكن يدور في خلد أبطال تحالف 1994م أن هذا الشعب ستقوم له قائمة.

صحيح أن الفترة مذاك حتى اليوم تعرض خلالها الجنوب لأبشع أشكال محاولات التدمير والتفكيك والمسخ الفكري والنفسي والاجتماعي والإنساني والأخلاقي، وجرت محاولات تدمير التراث التاريخي للجنوب وتشويه أكثر المعالم إشراقا فيه، وتحطيم مفهوم الانتماء والهوية الجنوبيين، ناهيك عن حملات السلب والنهب التي تناولناها كثيرا وتناولها آخرون بالأرقام والتفاصيل؛ لكن ما شهده شعب الجنوب من انبعاث منذ النصف الثاني من العقد الماضي أكد أن للتاريخ قانونياته التي لا تقهرها إرادات الأفراد ولا سياسات الدول، وأن الشعب الجنوبي شعب حي لا تموت له ذاكرة ولا تقهره الهزيمة.

في الطرف الآخر، شهد معسكر 7 يوليو تفككا وانحلالا، نظرا لتضخم حجمه وعجزه كحامل ذاتي للدولة اليمنية المفترضة عن تولي وظيفة المحمول -وهو مشروع بناء اليمن الجديد- الذي هو آخر ما كانت تفكر فيه أطراف هذا التحالف، وأيضا بفعل تضخم المصالح واتساع الشروخ في هذا المعسكر. لكن في كل الأحوال هذا لا يعني أن الطرف المهزوم قد تحول إلى منتصر وأن المنتصر غدا مهزوما، فما يزال أمام هذه المعادلة مسافات زمنية قد تطول.

صحيح أن شعب الجنوب حاضر اليوم وبقوة ولا يمكن له أن يتراجع عن قضيته التي ضحى من أجلها بكل شيء وأغلاه؛ ولكن أين هي قيادة هذا الشعب تلك التي يفترض أن تدفع بالمسار السياسي جنبا إلى جنب والزخم الجماهيري الذي تكتظ به ساحات الجنوب؟

- الشعوب تصنع قياداتها، وربما من مفارقات المشهد السياسي الجنوبي عدم الاتساق بين الزخم الجماهيري وبين القيادة الخبيرة والمبدعة. أعتقد أن هذه الملايين التي لم تكل ولم تيأس، وتتفتق يوما بعد يوم عن مزيد من الإبداعات والابتكارات النضالية، تستحق قيادة ماهرة ومبدعة وجديدة بعقلية متجددة غير مرتبطة بأخطاء الماضي؛ لأنه في كثير من الحالات عندما تكون القيادة غير كفؤة تتحول إلى عبء على القضية التي تتبناها، بدلا من الدفع بها بسرعة أعلى وتحقيق نتائج قياسية -أو حتى عادية- بزمن أقصر - أو حتى بزمن اعتيادي.

هنا سؤال مهم أكرره دائما: لماذا الجنوب هو الآخر لا يزال بقياداته التي كانت ولا تزال هي القيادة على مدى نصف قرن وربما أكثر؟ أين الخلل الذي أعاق المسار الطبيعي للتاريخ؟

السؤال ذو شقين: سؤال القيادة، وسؤال المسار الطبيعي للأحداث. بالنسبة للشق الأول المتصل بموضوع القيادة، أعتقد أن الشارع الجنوبي يقدر ما يسميه عادة بـ "القيادات التاريخية"، لاعتبارات كثيرة، ربما أحدها يتمثل في محاولة تحميل هذه القيادات مسؤوليتها التاريخية عن نتائج سياساتها بصوابها وخطئها، والتي أهمها الذهاب إلى مشروع الوحدة المستعجلة في العام 1990؛ لكن هناك جانب آخر للقضية أتصور أنه يكمن في أن الشارع الجديد لم يصنع بعد قياداته الجديدة المعبرة عن الروح الجديدة والمتطلبات الجديدة للمرحلة، وهذا ربما يعود كما قلت سابقا إلى الخلط بين الغاية والوسيلة، أو عدم التمييز بين الاستراتيجية والتكتيك، وهما مفهومان متكاملان وليسا متعارضين، بحيث تسخر الوسيلة لخدمة الغاية والتكتيك لخدمة الاستراتيجية، وإلا ضاعت القضية وانقلبت المعادلة. على القيادات التي ارتضاها الشعب أن تستلهم منه عبرا جديدة ومنطلقات وإبداعات جديدة، وأن تخرج من معادلات الماضي، وإلا فإنها ستخرج من اللعبة وقد يلفظها الشعب ويصنع غيرها، وفي ظني أن المسار الطبيعي للثورة الجنوبية لم يتعرض للإعاقة، بل إنه يسير بوتيرة تصاعدية وطبيعية، ومسألة الحصاد هي ترتبط بمهارة القيادة وبتوازن القوى على الصعيد المحلي والدولي.

بعد فرض خيار الستة الأقاليم, والموقف الدولي في هذا الخصوص, أين سيذهب مشروع الحزب الاشتراكي اليمني الذي رُمي به جانبا وباعتساف من قبل شركاء حرب 1994؟ ما هي رؤيتكم المستقبلية في ظل هذا الوضع؟

عندما تقدم الحزب الاشتراكي اليمني برؤيته لحل القضية الجنوبية على أساس الدولة الاتحادية بإقليمين كان قد درس كل المقومات والعوامل المؤثرة والفاعلة في المعادلة الوطنية السياسية اليمنية، ووجدنا أن خيار الإقليمين هو الأفضل لحماية البلد من التفكك، ولم نكن نتصور أن هذا هو الاستجابة المثلى لمطالب الشعب الجنوبي؛ لكننا نميز بين العاصفة العاطفية التي يعيشها الجنوب بفعل القهر والضيم الذي تراكم على مدى عقدين، وبين البحث العقلاني عن حل مسؤول وممكن للقضية الجنوبية. ودوما كنا نظن أن خيار الدولة الاتحادية بإقليمين يعيد الاعتبار للجنوب ليسترد مكانته الطبيعية في المعادلة السياسية اليمنية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجنب البلد مخاطر الانزلاق إلى المجهول... للأسف الشديد كانت عقلية 1994 هي المهيمنة، واللجوء إلى الاحتيال والخداع كان الطريق الأقصر للذين لا يرغبون في إزالة النتائج التدميرية لحرب 1994 وراحوا يبحثون عن حل في مكان آخر، حيث لا يشكو الجنوب من داء، وهو تقسيم الجنوب، وقد شبهت قرار الستة أقاليم بالطبيب الذي جاءه المريض يشكو من داء مزمن في المعدة فقرر بتر يده.

الحزب الاشتراكي ليس متعصبا لمبدأ الإقليمين؛ لكنني أرى -وهذا رأيي الشخصي- أن خيار الستة أقاليم غير قابل للتطبيق في الشمال، حيث لا مشكلة، أما في الجنوب فإن نجاحه أشبه بالمستحيل. ومع ذلك أعتقد -وهذا رأيي الشخصي أيضا- أن الحزب الاشتراكي لن يقف في طريق تنفيذ ما أراده أعضاء لجنة الأقاليم؛ لكننا نتبرأ من أي نتائج كارثية قد يقود إليها.

برأيك, لماذا وقف الرئيس هادي طرفا في فرض خيار الأقاليم الستة، في حين كان حرياً به أن يكون على الحياد؟ لماذا لا يزال الرئيس في كثير من المشاهد كما لو أنه لم يتغير شيء طيلة عقدين؟

- أعتقد -وهذا موقفي الشخصي- أن الرئيس هادي بموقفه هذا أكد أن الثأر بينه وبين الجنوب ما يزال حاضرا في ذهنه، فلم يكتف بما فعله في 1994 للثأر من الجنوب، بل يصر على مواصلة هذه السياسة الثأرية. وعندما كنا نعتقد أن الرئيس هادي قد تخلص من ارتباطاته بتحالف 1994، فقد اكتشفنا أننا كنا مخطئين، وأنه يصر على أن يبقى في دائرة هذا التحالف، وبهذا الخيار أكد انحيازه إلى صف المنتصرين في حرب 1994، بل بقاءه بينهم، لأنه جزء منهم، وبذلك فقد يكون صحيحا كسب ود الناهبين والفاسدين المنتقمين من الجنوب؛ لكنه خسر الجنوب، ولا أعتقد أنه قد سجل لنفسه شيئا مشرقا يذكره به الجنوبيون في المستقبل. وأعتقد أن الرئيس هادي سيتأسف على موقفه هذا؛ لكن هذا سيكون بعد فوات الأوان.

كيف يتواءم هذا المشهد برأيك يا دكتور: الحزب الاشتراكي مع الخيار الفيدرالي من إقليمين، وفي نفس الوقت مع عدم إعاقة العملية السياسية التي تتجه نحو الفدرلة من ستة أقاليم, وإضافة إلى ذلك نجد الحزب مرحبا بالقرار الأممي (2140) الذي يعرض من يعارض مخرجات الحوار للعقوبات؟

طبعا لا بد من الإشارة إلى أنني لست مخولا بالحديث باسم قيادة الحزب الاشتراكي، التي تقف في الميدان؛ لكن أتصور كما قلت أننا لن نقف في مواجهة خيار الستة أقاليم؛ لكننا نتوقع أن يصطدم هذا الخيار بصعوبات كثيرة حذرنا منها مرارا. أما بالنسبة لقرار مجلس الأمن رقم (2140) فالترحيب به يأتي من منطلق أنه يدعم التسوية السياسية ويوجه إنذارا للمعرقلين لها، ولا أتصور أن الحزب الاشتراكي سيكون ولا يمكن أن يكون من المعرقلين. موضوع الفيدرالية أعتقد أنه مثلما رفض الإخوة فكرة الفيدرالية من أساسها عندما طرحناها، ثم عادوا ليوافقوا عليها بالصيغة التي طرحت مؤخرا، سيأتي يوم يبحثون فيه عن مبادرة الحزب؛ لكن ما نخشاه أن يكون الأوان قد فات على تطبيقها.

أعود وأقول إن القرار الأممي ليس فقط عقوبات وتهديدات، ولا يجوز أن نتصوره أداة لتكميم أفواه الناس وإرغامهم على ما يرفضونه، بل إنه أداة لتحقيق التسوية السياسية، ويستطيع اليمنيون وحتى في الجنوب أن يجعلوا منه وسيلة لإحقاق الحق وإنهاء الباطل الذي سلط عليهم عقودا.

هل سنرى تقاربا مؤسسيا بين الحزب الاشتراكي اليمني -إن تمكن من استعادة العمل المؤسسي في ظل هذه الصعوبات- والحراك الجنوبي -إن تنظّم- لإبقاء خيار الفيدرالية من إقليمين وفرضه حلا وحيدا بالطرق السلمية ودون الدخول تحت سطوة العقوبات الدولية؟ وهل يستطيعان فعل ذلك مع قوى سياسية أخرى إن هما أرادا؟

لم يكن للحزب الاشتراكي في أي وقت موقف عدائي تجاه الحراك الجنوبي السلمي بكل مكوناته، وحتى تجاه أولئك الذين يناصبون الحزب العداء لأتفه الأسباب وأحيانا بدون أسباب. وشخصيا كنت أقول عمن يشتمون الحزب أو حتى يتعرضون لشخصي وبعض أشخاص من قيادات الحزب، إن الواقع تحت السوط معذور إن أخطأ في التعبير عن غضبه. ومن المفارقة أن الكثير ممن يتحدثون عن التصالح والتسامح يتخلون عنه عندما يكون الحديث عن الحزب الاشتراكي، ومع ذلك نحن نتغاضى عن كل هذه الصغائر، ونتناول قضايا وأمورا أكبر.

بالنسبة للقضية الجنوبية لا بد من التذكير أن الحزب الاشتراكي كان الوحيد في يوم من الأيام الذي يتصدى لنتائج حرب 1994 ويدافع عن ضحاياها، ومازلنا وسنظل كذلك؛ لأن هذه هي مسؤوليتنا التاريخية والوطنية والأخلاقية، وإذا كنا نمد أيدينا للتعاون مع الكثير ممن يخالفونا الرؤى تجاه قضايا كثيرة فإن الحزب الاشتراكي يتعامل بقلب مفتوح مع كل من يشاركه الموقف من القضية الجنوبية. ونشير هنا إلى أن أعضاء الحزب وكوادره الوسطى يشاركون بفاعلية في كل مناشط الحراك الجنوبي، ونحن ندعم موقفهم هذا، ونرحب بأي مبادرة لتعزيز هذا الاتجاه. وبالنسبة لموقفنا من الدولة الفيدرالية بإقليمين فقد دعونا الجميع للالتفاف حوله ولقينا استجابة من الكثير من مكونات الحراك وقادته، وسنكون سعداء بأي اقتراب من هذا الموقف من أي من فصائل الحراك.

مضت مدة طويلة منذ خرجتَ من اليمن دكتور عيدروس, لماذا؟ ومتى ستعود؟

- الحقيقة أنني اكتشفت بعد خمسة عقود أنني لم أرقد في أي مستشفى؛ ليس لأن الصحة على ما يرام؛ لكن كنت أؤجل القضية من وقت إلى آخر, وبعد أن توقفت أمام الطبيب اكتشفت كثيرا من الأشياء تحتاج علاجا جدّيا، لقد ارتبطت ببرنامج علاج مراجعة الطبيب كل أسبوعين، فضلا عن جلسات علاج فيزوتيرابيا وتحاليل دورية، وهذا اقتضى أن أتفرغ لصحتي لبعض الوقت. أما العودة فهي آتية لا محالة؛ ولكن عند زوال الأسباب.

كيف تقيم حضور الحزب الاشتراكي اليمني في مختلف الجوانب؟ وما هي أهم المآخذ الذي تأخذها عليه وكنتَ تتمنى ألا يقع فيها؟

لا شك أن الحزب الاشتراكي اليمني تعرض لامتحانات صعبة كان يمكن أن تؤدي به إلى الاندثار، بعد أن جرى محاصرته وسلبه كل قدراته المادية والبشرية، وتعرض أعضاؤه لأبشع أنواع التضييق والملاحقة والتهديد والتنكيل والقتل... ومع ذلك بقي الحزب حيا وحاضرا ومتمسكا بمواقفه القائمة على الانتصار لمصالح المستضعفين في البلد. ويعود الفضل في ذلك لأولئك المناضلين الأشداء الين قبضوا على مبادئ الحزب كالقابضين على الجمر، ولم تضعفهم المضايقات والإغراءات وسياسات الترهيب والترغيب التي مورست مع كوادر الحزب واستسلم لها كثيرون بما في ذلك عناصر على أعلى مستويات القيادة؛ لكن الحزب بقي متماسكا وحاضرا في الحياة السياسية اليمنية بفضل هؤلاء المناضلين الأشداء.

هذا القول لا يعني بأي حال أننا راضون عن مستوى أداء الحزب وأجهزته، ولا بد من الإقرار بأن فترة التضييق والمصادرة قد أفقدت الحزب الكثير من التقاليد المؤسسية، وهذه الوضعية استمرت حتى ما بعد الانفتاح النسبي الذي جرى بعد العام 2011.

أعتقد أن الحزب بحاجة إلى مراجعة آليات عمله ومستوى ديناميكية الحياة الداخلية والتفاعل مع متغيرات الحياة الوطنية، وتقييم الفوائد والأضرار من الدخول في الحكومة الانتقالية، وكذا ما حققه الحزب من وجوده في اللقاء المشترك، ومدى قابلية هذا التحالف للاستمرار... هذه المراجعات يمكن أن تساعد الحزب على التعاطي الفعال مع المتغيرات المتسارعة على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية.

نشرت إحدى الصحف المحلية -وهي يومية "الشارع"- أن الرئيس هادي كان السبب الرئيسي وراء خروج الدكتور ياسين سعيد نعمان. أترى هذه المعلومة صحيحة؟ وهل لديك تواصل مع الدكتور ياسين وعلم بعودته من عدمها إلى البلد؟

أنا أتواصل مع الدكتور ياسين سعيد نعمان كباقي قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي. وكان آخر تواصل لي معه قبل أيام. ومعلوماتي أنه سيستكمل العلاج وسيعود بمجرد أن يأذن له الأطباء المشرفون على علاجه. وفي آخر حديث للدكتور ياسين سعيد نعمان نشره موقع "الاشتراكي نت" ومواقع أخرى -أُعدّت الأسئلة وأُرسلت من قِبَل المحاوِر قَبْل نشر الحوار المشار إليه- أوضح الأسباب التي جعلته يستعجل السفر إلى اسكتلاندا، وذلك بسبب اشتداد المرض وعدم قدرته على التحمل أكثر؛ لكن هذا لا ينفي حقيقة أن دكتور ياسين تعرض لمضايقات وحملات تشهير وتكفير، وآخرها كانت محاولة الاغتيال التي نجا منها بمعجزة برعاية من الله سبحانه وتعالى.

هذا لا يعفينا من الإشارة إلى المكانة المميزة والقدرات الفائقة التي يتمتع بها الدكتور ياسين، والتي بسببها يمكن القول إن الرجل قد استطاع أن يفرمل الكثير من القضايا ويسهم في صناعة مجموعة من المخرجات الإبداعية لكثير من القضايا الوطنية. وأعتقد أن شخص مثل د. ياسين يمكن أن يمثل سندا وعونا لكل من يعمل معه، ويستطيع الرئيس هادي أن يستفيد من الملكات والمهارات التي يتمتع بها مستشاره د. ياسين.

لكنني أعود وأؤكد أن أي شخص في موقع د. ياسين ويتعرض لما تعرض له الرجل من حقه أن يحافظ على نفسه بالطريقة التي يشعر بها أن حياته في أمان. أقول هذا لأن حياة د. ياسين ليست ملكا له وحده ولأسرته، بل إن جميع الخيرين اليمنيين يهمهم سلامة الرجل واستمرار إسهامه في تفكيك تعقيدات الحياة السياسية اليمنية المتعددة والمتكاثرة.

هل ستشارك في أي منصب حكومي قادم في ظل يمن بـ6 أقاليم؟

- ليس في المنصب الحكومي في اليمن ما يغري إلا العلاوات والسفريات، التي هي أقل ما يمكن أن يفكر فيه أي شخص يحترم نفسه، في ظل غياب الدولة ووجود ألقاب ومناصب وزارية؛ لكن بدون سلطات وبدون آلية ناظمة لعمل المؤسسات والأجهزة والوزارات. غير أن هذا لا يعفي المرء من تحمل المسؤولية تجاه الوطن والمواطنين. وباعتقادي أن المرء من خارج المنصب الحكومي يمكن أن يتمتع بحرية أكبر في التعاطي مع قضايا الوطن والمواطن. ولا أخفي أنني أشفق على الكثير من زملائي الذين قيدتهم مواقعهم الوزارية أو وظائفهم الحكومية من أن يكونوا أكثر حرية في التعاطي مع المشاكل المعقدة التي تمر بها البلد... أنا هنا لا أتحدث عمن دخلوا الوزارة وهم من العناصر النزيهة واليوم تتناولهم الصحف والمواقع الإلكترونية كمتهمين بالفساد والتلاعب واستغلال المنصب الحكومي بغض النظر عن صدقية هذا التناول من عدمها.

لماذا استمر الدكتور عيدروس النقيب عضوا برلمانيا، بل رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي، في برلمان تجاوز عمره 11 عاما؟ ما الذي منعك من الاستقالة مثلا إن كنت فكرت بها كما اتخذها آخرون من زملائك؟

أولا حتى اليوم لم يستقل أي عضو في البرلمان اليمني من عضويته. هناك مقاطعون وهناك أعضاء لم يحضروا بعد جلسة أداء اليمين الدستورية؛ لكن أي منهم لم يقدم استقالته؛ لأن العضوية في البرلمان هي بالانتخاب وتسقط بسحب الثقة أو الوفاة -لا سمح الله- أو بانتهاء فترة البرلمان.

من المؤسف حقا أن هذا البرلمان قد انتهت فترته عدة مرات، واستمراره هذه الفترة الطويلة هو جزء من أزمة البلد، وليس علامة عافية. وشخصيا كنت قد كتبت عدة مرات للمطالبة بحل البرلمان في عدة مقالات نشرتها الكثير من المواقع الإلكترونية يمكن قراءة ما كتبته على الرابط:

http://goo.gl/DG83Fg

والرابط:

http://goo.gl/m4SQLK

ذلك أن البرلمان اليوم أصبح أشبه بالزائدة الدودية التي لا وظيفة لها وقد تتسبب بمصيبة إذا ما أصابها التضخم.

قراءة 2757 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 18 آذار/مارس 2014 18:35

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة