القيادي الاشتراكي أنيس حسن يحيى: من يخلط الفيدرالية بفكرة الانفصال يقصد تشويه مضمونها وهذا خداع كبير للشعب

الإثنين, 04 نيسان/أبريل 2011 13:00
قيم الموضوع
(0 أصوات)

sample

في قراءته الواقعية لمعطيات ما يجري من تحديات أمام مسار التسوية السياسية في اليمن، قدم المثقف والسياسي المخضرم القيادي الاشتراكي البارز الأستاذ أنيس حسن يحيى تأصيلاً دقيقاً مشفوعاً برؤى هامة يمكن لها الإسهام في معالجة الاختلالات التي رافقت مشروع اليمن الحداثي النهضوي العظيم المتمثل في الوحدة اليمنية التي استعادها اليمنيون في 22 مايو 1990م..

 

الأستاذ أنيس يحيى بما يملكه من حضور سياسي وريادي كشاهد ومساهم في صناعة تحولات الحركة الوطنية في اليمن فنَّد في حوار صحفي خاص لـ"الثورة" كثيراً من الرؤى والشطحات التي تعكس جزر ومد التجاذبات السياسية على قاعدة وتركة ثقيلة من أخطاء الماضي وغياب الدولة المدنية الحديثة، مشيداً بالخطوات التي اتخذتها القيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، والتي رغم بطئها إلا أنها كانت في اتجاهها الصحيح، وكانت جريئة إذا ما قورنت بالظرف الاستثنائي الذي تسلم هادي فيه مهامه الوطنية الصعبة والجسيمة..

كما تطرق يحيى إلى جملة من المشكلات ذات الصلة بالقضية الجنوبية وبناء الدولة المدنية الحديثة، والفيدرالية والبيئة الثقافية والاجتماعية.. وغيرها من القضايا...إلى تفاصيل الحوار:

 

حاوره / محمد محمد إبراهيم -

* لنبدأ من ملف القضية الجنوبية التي دخلت طور الجدل السياسي العنيد.. فثمة من يراها حقوقية، وآخر يعتبرها قضية هوية.. في وقت يرى الأغلب من نخبة المجتمع إن اليمن كلها جنوب- إشارة لجغرافية شبه الجزيرة العربية- ومن يعتبر القضية الجنوبية معضلة هوية يعيش خارج سياق التاريخ.. مؤكدين على أن ما شهدته المحافظات الجنوبية هو بسبب خلل إداري قانوني في المحافظات الشمالية والوسطى من اليمن.. فأين نجد الأستاذ أنيس يحيى من هذا الجدل ؟

-أولاً ينبغي التأكيد على عدالة القضية الجنوبية. فقد بدأت كقضية حقوقية في بداية الأمر، ولكنها تحوَّلت إلى قضية سياسية، بسبب تجاهل النظام السابق للمطالب المشروعة والعادلة، للجنوبيين المتمثلة في المواطنة المتساوية. وكان لدى الجنوبيين شعور عميق ومؤلم بأنهم مواطنون من درجة ثانية، وهم الذين كانت لهم دولة، وعمَّق هذا الشعور المُوجِع بالظلم قيام النظام السابق بنهب ثروات الجنوب. كما تعمق هذا الشعور بالظلم بسبب تجاهل لتلك المطالب العادلة للجنوبيين.. لتكتسب القضية الجنوبية- استتباعاً لذلك- بُعداً سياسياً يتمثل في الدعوة إلى انفصال الجنوب عن الجمهورية اليمنية. وإذا كنتُ أُسلم بأن الدعوة إلى الانفصال خيار سياسي مشروع.. لكن لا أرى أي أفق واضح لهذا الخيار ولا أرى له مستقبلاً.. نعم. إن خيار الانفصال خيار سياسي مشروع، ذلك أن الوحدة ليست شيئاً مقدساً. والشعار الذي رفعه النظام السابق: "الوحدة أو الموت"، هو شعار لا يعني، في جوهره، إلا الحرب على الجنوب، وهذا ما تجسد، على نحو سافر، في حرب صيف 1994م، ولكني لا أرى في الدعوة إلى الانفصال حلاً واقعياً للقضية الجنوبية العادلة. وأكرر القول بأن الدعوة للانفصال هو خيار عدمي، إذ ليس له أفق وليس له مستقبل...

لقد أحدث الظلم الذي عانى منه الجنوبيون قدراً كبيراً من التشوش في وعيهم. كما أن ضغط هذا الوجع الذي كان يحس به الجنوبيون، وراء اندفاع ببعض نشطاء الحراك السلمي الجنوبي إلى القول بأننا نحن الجنوبيين لسنا يمنيين، وكأننا قدمنا من كوكب آخر.. وأجد في هذا القول: مجافاة لحقائق التاريخ التي لا يمكن العبث بها، والتي تؤكد بأننا نحن الجنوبيين كنا وما زلنا يمنيين عبر التاريخ..

وكتعبير عن هذا "الوهم": بأننا نحن الجنوبيين لسنا يمنيين. سعى بعض النشطاء السياسيين في الحراك السلمي الجنوبي، إلى البحث عن "هوية" مميزة للجنوبيين، وهذا "وهم" آخر، لقد حولوا الخصوصيات التي تميز شعبنا في مختلف مناطق البلاد، وإلى هوية.. أنا مثلاً كمواطن من عدن أقول بأن للعدنيين خصوصية تميزهم عن سائر أبناء الجنوب، وعن سائر اليمن عموماً، وتتمثل الخصوصية لأهلنا في عدن، في اللهجة والعادات تحديداً، وهذه الخصوصية لا ترتقي إلى مستوى الهوية. وهذا الأمر ينطبق على سائر محافظات الجنوب، كم ينطبق على عدد من محافظات الشمال، حيث نستطيع أن نلحظ بوضوح، التمايز في الخصوصيات بين محافظة وأخرى.

* سياسياً.. كيف تفسرون التشرذم في كيانات الحراك الجنوبي ؟ وما هي أبرز المكونات الفاعلة والأكثر إيجابية..؟

- كان الحراك السلمي الجنوبي هو السباق إلى ثورات الربيع العربي، ولكن يُعاب على بعض مكوناته أنها لم تنجح في إدارة حوارات جادة ومكثفة في ما بينها. وبسبب غياب هذه الحوارات تًسيّدت النزعة الإقصائية عند بعض النشطاء في الحراك السلمي الجنوبي، وتغذي قناة معيّنة الانقسامات داخل مكونات الحراك السلمي لمصلحة تيار بعينه.. والحوار وحده هو الذي يمكن أن يُجنّب مكونات الحراك السلمي الجنوبي الانقسام الذي يهدد وحدة وتماسك هذه المكونات ويلحق ضرراً بالغاً بالقضية الجنوبية العادلة.. ومع ذلك يمكننا أن نشير وبقدر من الارتياح، إلى بعض المكونات الفاعلة والتي تملك حضوراً فاعلاً ومميزاً في الحياة السياسية في أوساط شعبنا في الجنوب وأبرز هذه المكونات المكونان اللذان يقودهما الإخوان محمد علي أحمد، وحسن با عوم. ويحسب للمكون الذي يقوده الأخ محمد علي أحمد أنه اعتمد الحوار وسيلة فعالة لرص صفوف مكونات الحراك، وتعزيز وحدتها وتماسكها.. وما يميز هذا المكون- أيضاً- هو انفتاحه بشكل إيجابي على الدعوة لقيام فيدرالية من إقليمين، الأمر الذي مكّنه من استقطاب شخصيات وطنية هامة لها وزنها في الحياة السياسية.. كما يحسب لهذا المكون الذي يقوده الأخ محمد علي أحمد أنه نجح في أن يضم في صفوفه نشطاء من مختلف الجنوب، ومن عدن تحديداً، من رجالها ونسائها المتميزين، بامتلاكهم ثقافة عالية ورؤية وطنية سليمة. كما يحسب لهذا المكون تأكيده الدائم أنه منفتح على كل المكونات الأخرى، بهدف تصحيح مسار الحراك السلمي الجنوبي، وتعزيز وحدته وتماسكه.

* بالنسبة للمكون الذي يقوده باعوم، ما هي رؤيتكم لشعاراته ؟ وماذا عن مواقف المكونات الأخرى..؟

- المكون الذي يقوده المناضل حسن باعوم، لا يجوز أن يُغفل فله وزنه أيضاً في الحياة السياسية في الجنوب، ويضم في صفوفه، أيضاً، عدداً من المثقفين والناشطين في الحياة السياسية، لكن هذا المكون حصر نفسه، للأسف، في الدعوة إلى التحرير والاستقلال واستعادة دولة الجنوب.. ويُعاب عليه، أيضاً أنه غير منفتح على الدعوة إلى قيام فيدرالية من إقليمين مكتفياً بالحديث عن حوار ندي بين دولتين: دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ودولة الجمهورية العربية اليمنية، المؤسف أن هذا المكون، رغم ما يمثله من ثقل على الساحة السياسية في الجنوب، لا يقرأ جيداً التغيرات على الأرض، فلا دولة اليمن الديمقراطية الشعبية قائمة على الأرض، ولا دولة الجمهورية العربية اليمنية قائمة على الأرض، وكان الأحرى بهذا المكون الذي يقوده الأخ باعوم أن يدعو إلى حوار ندي بين مكونات الحوار السلمي الجنوبي من جهة، وبين الجمهورية اليمنية من جهة أخرى، هنا ستستقيم دعوته إلى الحوار الندي مع المتغيرات القائمة على الأرض. وثمة حاجة إلى وحدة المكونات الجنوبية أولاً، قبل البدء بهذا الحوار.

وثمة مكونات أخرى تتسم مواقفها السياسية بالنضج والعقلانية والانفتاح على حل واقعي للقضية الجنوبية. وأهم هذه المكونات، مكونان، أحدهما المكوّن الذي يقوده الأخ أحمد قعطبي ومعه نخبة من النشطاء المميزين كـ( ناصر الطويل وخالد بامدهف)، والملاحظ أن قيادات هذين المكونين كلها مشاركة بفاعلية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء، ما يشير إلى انفتاح هذه المكونات على حل واقعي للقضية في قيام فيدرالية من إقليمين.

* على ضوء معايشتكم لما قبل 1990م وما بعدها خصوصاً حرب صيف 1994م وصولاً للعام 2011م.. ماذا تقولون لمن يحمل الوحدة وزر السياسة..؟

- الوحدة اليمنية مشروع حداثي نهضوي عظيم. ومع ذلك ليست شيئاً مقدساً.. فعندما لا تلبي الوحدة مصالح الناس المادية تفقد الحاجة إليها وتفقد بالضرورة مشروعيتها. ولا بد من التنويه بأن وحدة 22 مايو 1990م، ولدت وهي تعاني من عيب قاتل تمثل في طابعها الاندماجي غير الواقعي.. صحيح أن هذا الحدث هو إنجاز تاريخي عظيم، لكنه عمل حمل معه فشله منذ ولادته، باعتماده الصيغة الاندماجية للوحدة بين شطرين لها نظامان سياسيان متصادمان بالمطلق، وشهدا بسبب ما بينهما من تعارضات وتباينات جلية، صراعات دموية..

الوحدة القائمة اليوم، وحدة شكلية، أفرغتْ تماماً من مضمونها الوطني، لتجسيدها طابع النظام الاستبدادي على قيامها، فتحولت دولة الوحدة إلى دولة تسلط واستحواذ على الجنوب وثرواته.. لذلك لا نجد غرابة في أن ترتفع أصوات في الجنوب تدعو إلى فك الارتباط والانفصال عن الجمهورية اليمنية.

* هل كان بإمكان الجمهورية اليمنية أن تعالج الخلل الذي صاحب قيام الوحدة منذ ميلادها..؟

- نعم.. كان هذا ممكناً لو توفرت الإرادة السياسية، ولو صدقت النوايا. لكن كان النظام السابق يتعامل مع وحدة 22 مايو 1990م باعتبارها غنيمة، ينبغي الاستحواذ عليها، فتحولت على يده إلى مجرد تسلط على الجنوب، بل وعلى كل الأراضي اليمنية، كما كان الحال قبل الجمهورية اليمنية.. وكان يمكن معالجة الخلل الذي رافق قيام دولة الوحدة لو انفتح النظام، بصدق على كل القوى السياسية الفاعلة، ولو دشن مرحلة جديدة من الحياة السياسية للمنيين، تتكرس فيها تقاليد ديمقراطية حقيقية تسمح بالتعددية السياسية والحزبية والفكرية، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، لقد تعامل النظام السابق مع الجنوب كملحق تابع لما يسمى بالأصل, وهذا هو أبرز خلل رافق قيام دولة وحدة 22 مايو 1990م ولعله هو الخلل القاتل للوحدة..

غياب الدولة الحديثة

* على مدى العقود الماضية كيف تفسر غياب الدولة المدنية الحديثة في اليمن؟ وما علاقة القبيلة بهذا الغياب..؟

-غياب الدولة، بمعناها المؤسسي ليس صدفة، وإنما كان بفعل قوى مهيمنة في المجتمع، ولعبت القبيلة –تحديداً- الدور الأبرز طوال عقود من الزمن في تغييب أي دور للدولة بمعناها المؤسسي. لأن وجود دولة، بهذا المعنى، لا يتماشى مع مصالح هذه القوى المتنفذة في المجتمع، وتحديداً القبيلة ومتنفذيها..

وما ينبغي التأكيد عليه هو أن للقبيلة -برموزها- نفوذاً متجذراً في حياة المجتمع. وهو أمر لا يجوز لنا تجاهله، فبسبب هذا الواقع الاجتماعي المعقد تعذّر وجود الدولة المؤسسية وبالتالي تعذر وجود أي دور لها في حياة المجتمع.. وهذا الواقع شديد التعقيد- جعلنا نشكك في إمكانية نجاح أية مساعٍ لبناء دولة مدنية حديثة، حتى لو كانت جدية.. فإذا كانت الدولة بمعناها المؤسسة غائبة تماماً.. فكيف لنا أن "نتوهم" أن ثمة إمكانية لبناء دولة مدنية حديثة.. لكن لا يجوز أن يفقدنا هذا الواقع الاجتماعي حقنا في الحلم ببناء دولة مدنية حديثة، وعلينا أن نناضل بدأبٍ في سبيل تحقيقها..

* هل نفهم من هذا أن التعقيد الاجتماعي هو تجذٌّر نفوذ القبيلة في المجتمع اليمني.. ؟ وما السبيل لمغادرة هذا التعقيد.. ؟

- الحديث عن النفوذ المتجذِّر للقبيلة في حياة المجتمع، هو في حقيقة الأمر نفوذ المتنفذين في القبيلة. ذلك أن أفراد القبيلة العاديين، هم أنفسهم ضحايا للمتنفذين في القبيلة. ويمكن القول بأن أفراد القبيلة العاديين هم مجرد أدوات لدى المتنفذين في القبيلة.. وبالتالي هذا هو جوهر التعقيد الاجتماعي الذي ألقى بظلاله السلبي على إمكانية نشوء دولة مدنية حديثة تنمو تحت ظلها ثقافة تحترم سيادة القانون ومبدأ المساواة..

ومع هذا لا يجوز أن نغفل، كذلك، أن القبيلة أنجبت قامات وطنية هامة، كان لها دور فاعل في الحياة السياسية، وكان دور هؤلاء يتعاظم، في الحياة السياسية كلما تحرروا من الروابط القبلية. وعلى العكس من ذلك، فإن دورهم في الحياة السياسية يتراجع كثيراً كلما ظلوا مشدودين بأكثر من قيد للقبيلة.

والقبيلة، بروابطها وعلاقاتها الجامدة المعرقلة للتطور، تبدو أكثر وضوحاً وأكثر تجلياً في المناطق التي لم تشهد تطوراً اقتصادياً ملحوظاً. وذلك على عكس تلك المناطق التي شهدت قدراً من التطور الاقتصادي، لذا نجد فيها الروابط القبلية قد تفككت في الغالب. ما يعني ضرورة تمكين هذه المناطق من النهوض اقتصادياً بتبني تنفيذ مشاريع تنموية فيها. هذه المعالجة التي اقترحها للنهوض بالمناطق التي تهيمن فيها القبيلة، هي السبيل الأمثل لحل كل تلك التعقيدات في حياة المجتمع القبلي، وهي المعالجة الصحيحة، والمضمونة النتائج للارتقاء بهذه المناطق إلى مرحلة تسود فيها التوجهات المدنية. إذ لا يجوز الدخول في خصومة مع القبيلة، وإنما ثمة حاجة موضوعية للنهوض بالمناطق ذات النفوذ القبلي وصولاً إلى تمدين القبيلة.. فالقبيلة في الأول والأخير كيان اجتماعي عابر في تاريخ تطور المجتمع البشري، وما لم يجر تمدينها اقتصادياً ومعرفياً وثقافياً، فإن أي رهان عليها في بناء الدولة يظل رهاناً خاسراً.

الفيدرالية والثقافة

* عودة إلى الفيدرالية هل تنجح الفيدرالية في ظل البيئة الثقافية والاجتماعية اليمنية الراهنة..؟

- الفيدرالية هي الحل لكل معضلات اليمن، وهي الحل الأمثل للقضية الجنوبية تحديداً، لقد لعبت المركزية المفرطة، إلى جانب عوامل أخرى، الدور الأهم في تشويه صورة الوحدة من أبرز هذه العوامل المشوهة لصورة الوحدة. وأكثرها أهمية، السلوك الاستبدادي النظام السابق واستحواذه على ثروات الجنوب لصالح في النظام. لقد عانى كل اليمنيين من المركزية المفرطة، لكن معاناة أهلنا في الجنوب كانت أكبر وأكثر إيلاماً، لأنهم في ظل الوحدة، خسروا كل شيء، وتولد لديهم إحساس عميق بأنهم لم يكونوا في دولة الوحدة مواطنين من درجة ثانية، وفي أحسن الأحوال..

لقد أصاب مفهوم الفيدرالية قدر كبير من التشويه المتعمد النظام السابق، بهدف الاحتفاظ بمصالحه غير المشروعة. إذ كان يدرك أنه في ظل نظام فيدرالي لليمن سيخسر تسلطه على الشعب، فعمد إلى تشويه مفهوم الفيدرالية، لذلك لا نجد أي غرابة في أن يختلط مفهوم الفيدرالية بفكرة الانفصال، بقصد تشويه مضمونها. وفي هذا الخلط خداع كبير للشعب الذي للأسف فهِمَتْ بعض أوساطه الفيدرالية بأنها تعني الانفصال. ولكني أحمد الله أن الفهم المغلوط للفيدرالية انقشع عن بصيرة الشعب الذي أصبح يعي ويدرك اليوم أن الفيدرالية هي الحل لكل معضلاته. ولقد أصبحت كل القوى السياسية الفاعلة مقتنعة اليوم ومؤمنة بالفيدرالية باعتبارها الحل الأمثل لكل معضلات اليمن. وفي هذا السياق يهمني أن أشير إلى أن فصائل هامة وفاعلة في الحراك السلمي الجنوبي تتبنى اليوم خيار الفيدرالية لإعادة صياغة دولة الوحدة على أساس فيدرالي ومن إقليمين. وأرى شخصياً في القبول بالفيدرالية من إقليمين حلاً واقعياً وعقلانياً للقضية الجنوبية العادلة..

صحيح أن البيئة الثقافية والاجتماعية في اليمن على قدر كبير من التعقيد إلى درجة تجعلنا نتفهم الصعوبات البالغة التي تعترضنا ونحن نسعى إلى تحقيق مشروعنا النهضوية الحداثي، إن حشد طاقات كل القوى الحداثية في المجتمع مع تمكينها من امتلاك رؤية علمية صحيحة للنهوض الوطني الشامل، هو الشرط الأهم لقهر واقع التعقيد، والانتصار على كل الصعوبات..

المبادرة الخليجية

* كيف تنظرون للتنفيذ المرحلي للمبادرة الخليجية؟ وما هو تقييمكم لما تتخذه القيادة السياسية من خطوات على طريق هذه التسوية..؟

- أنا بطبعي، متفائل. والتفاؤل سلاح فعَّال في يد المناضل، إذ يمكنه من التصدي لكل الصعوبات التي قد تواجهه في مسيرته الكفاحية. والتفاؤل الذي أقصده هو المبني على قراءة صحيحة للواقع، إذ لا جدوى من التفاؤل عندما نخطئ قراءة الواقع..

قبل المبادرة الخليجية كان واقع البلد ينذر بنشوب فوضى مدمرة.. ولذلك كان القبول بهذه المبادرة من قبل كل الأطراف السياسية، خطوة حميدة لتجنيب البلد الدخول في نفق مظلم. والقبول بالمبادرة الخليجية كان يعني الاستشعار-بدرجة عالية من المسئولية- بالأخطار المحدقة بالوطن جراء الفوضى التي طبعت الحياة السياسية بالكامل.. وكان الأشقاء الخليجيون يعون تماماً الوضع المتفجر في اليمن عندما تقدموا بمبادرتهم. وكان هذا الموقف تعبيراً عن خشيتهم من انتقال الفوضى السائدة في اليمن إلى بلدانهم.. وما من شك في أن المبادرة الخليجية قد خدمت ترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة الجزيرة والخليج برمتها. وقبولنا بالمبادرة الخليجية كان يعني قبولنا بالتسوية السياسية.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي قد تسلَّم مهمات صعبة وجسيمة، في ظرف استثنائي تميز باختلال ملوحظ في البلد تبدّى- تحديداً وبشكل واضح- في المؤسستين العسكرية والأمنية، ومن الإنصاف القول أن الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي قد تسلم تركة ثقيلة من سابقه، لعل أبرز ما فيها غياب الدولة تماماً..

ولقد بدت خطوات الرئيس عبد ربه منصور بطيئة جداً في تصحيح الاختلالات، لكنها كانت خطوات في الاتجاه الصحيح، رغم ما تتسم به من بطء وحذر شديدين. ولعله من المناسب أن أشير، هنا، إلى أن "المشترك" قد عجز حتى الآن، عن إقامة جسر متين من التفاهم والتعاون مع الأخ رئيس الجمهورية. وبما يشعره أنه ليس وحده في مواجهة كل هذه الاختلالات والتحديات، وأنه يحظى بتأييد غير محدودة من قبل أحزاب "اللقاء المشترك". وما زال ثمة متسع من الوقت لقيام "المشترك" بمعالجة هذا القصور والضعف في علاقته مع الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي، لتأمين شروط نجاح التسوية السياسية.

* أخيراً كيف تنظرون لسير التسوية السياسية ومستقبلها المنظور؟

- ما من شك أن عملية التسوية السياسية في اليمن قد قطعت شوطاً هاماً في اتجاه إخراج البلد مما كانت فيه من وضع شديد التأزم شديد التعقيد. ولعل مؤتمر الحوار الوطني الشامل هو أبرز مثال للتأكيد على أن عملية التسوية السياسية تسير في الاتجاه الصحيح، حتى لو كان هذا السير بطيئاً وحذراً . والمتابع للنقاشات في قاعات مؤتمر الحوار الوطني، وداخل كل الفرق المنبثقة عنه، يشعر بقدر لا بأس به من الاطمئنان إلى أن هذا الحوار سيحقق، في المستقبل المنظور نجاحات لصالح السير باتجاه بناء دولة مؤسسية يحكمها دستور عصري وقانون نافذ. إن الحديث عن الانتقال إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الحديثة يتطلب أولاً كشرط أساسي- استعادة هيبة الدولة على أساس تكريس العمل المؤسسي القائم على الفصل بين السلطات.. في ضوء قراءتي هذه لواقع بلادنا السياسي يمكنني أن أقول، بقدر كبير من الاطمئنان أن مستقبل التسوية السياسية سيكون مكللاً بالنجاح.

قراءة 2823 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 21 آب/أغسطس 2013 19:49

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة