علوان الشيباني الرجل الملهم

الخميس, 09 حزيران/يونيو 2022 00:02 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

قبل سنين مضت.. حاولت فيها جاهدة تذكر بعض الأسماء المرتبطة بهموم الواقع الاجتماعي اليمني، وحاولت أن أربط بين دور رجال الأعمال بوصفهم شركاء في التنمية، وبين دورهم الاجتماعي.. وقد بدر إلى ذهني حينها كثير من الأحداث كان أبرزها أول تجربة عملية بحثية لي في مرحلة الليسانس حين قرر رجل الأعمال الإنسان/ علوان الشيباني، تأسيس جمعية تعالج ظاهرة التسول في تعز، وكنت أحد الباحثين الذين نزلوا إلى الميدان لعمل مسح اجتماعي للمتسولين في تعز، وما زلت أتذكر جيداً تلك التجربة التي كانت مليئة بالقصص الموجعة و القابعة في وجداني حتى اللحظة، وكنا حينها نلتقي بالأب/ علوان الشيباني، وكان يحكي لنا: أمنياته بأن تصبح تعز وكل اليمن  خالية من المتسولين والمحتاجين، كان يشعر بمعاناتهم على الرغم من أنه كان يعيش عيشة الأثرياء الذين قلما يشعرون بجوع وألم أولئك المحتاجين، وكان يقول لنا: لا تعطوا المتسول المال واعطوه عنوان الجمعية لكي نساعده في تغيير حياته للأفضل ، كنت جداً منبهرة به، فلم أصادف في حياتي رجلاً ثرياً يتحسس هموم الآخرين ويحاول مساعدتهم بعمل خيري مؤسسي له صفة الديمومة والاستمرار غيره، وفعلاً كان ذلك المسح الميداني هو أول لبنات جمعية التكافل والرعاية الاجتماعية التي تطور نشاطها بعد ذلك، وأصبحت تدعم المشروعات الصغيرة وتقوم بتدريب وتأهيل الشباب القادرين على العمل، وتساعدهم في إقامة مشروعات خاصة بهم، وتساعد العاجزين والمرضى وتمنحهم ما يحتاجونه من عون مادي ومعنوي.. وهكذا ظلت صورة رجل الأعمال، الإنسان مؤثرة في رحلتي السيسولوجيه نحو البحث عن كل رجل أعمال لا تغادر روحه موطنه وأهله، ويحاول أن يصنع من  نجاحه امتداداً له في عمق الزمان والمكان،  ما هي صفاته؟ ومن هي أسرته وبيئته؟ وكيف كانت بداياته؟ ولمَ لم تدفعه الهجرة وبلاد المهجر إلى أن يغادر ولا يعود؟ وهل كان نجاحه مرتبطاً  بموطنه الأم، وبما سيحققه لهذا الوطن يوماً ما؟ وهكذا ظل خيالي السيسيولوجي  يضع تساؤلاته العديدة والملحة إلى أن سنحت لي الفرصة حين سافرت إلى جمهورية مصر العربية لدراسة الماجستير والدكتوراه ، وتعمدت أن أختار في كلتا المرحلتين دراسة موضوعين لهما علاقة بدور رجل الأعمال في تنمية المجتمع اليمني، ومن ثم قابلت رجل الأعمال الملهم/ علوان الشيباني في 2005، ولطالما رسخت في ذهني ووجداني تلك المقابلة التي حظيت بها معه آنذاك.. إذ كنت أعمل في الإطار الميداني الخاص برسالتي للماجستير الموسومة بــ (دور المؤسسات المهنية في تنمية المجتمع اليمني)، والتي كان/ علوان الشيباني أحد أهم عينات الدراسة من بين رجال الأعمال جميعاً، وتحدثنا طويلاً.. وظللت أستمع إليه بروح الانبهار نفسها التي انتابتني قبل سنوات، وأنا طالبة ليسانس وعلى الرغم من المرحلة الزمنية التي امتدت إلى أكثر من خمسة أعوام، فإنه مازال ذلك الرجل الذي يتمتع بالروح المعطاءة المرحة المحبة  المثقفة المقدسة للعلم ودوره  في نهضة الشعوب وتقدمها، المعتز بنفسه وبلده وهويته، وما زالت نظرته تمتد إلى البعيد .. البعيد، إلى وطن يخلو من الفقراء والمحتاجين، وحدثني عن مشاريعه العديدة التي تستهدف شريحة الفقراء والمهمشين والأيتام والأرامل، وذلك من أجل تنميتهم وتأهيلهم.

ومرة أخرى بحثت عن الرجل الملهم علوان الشيباني لأجري معه مقابلة شخصية خاصة بدراسة الدكتوراه في رسالتي حول الشراكة المجتمعية، ومشكلات العمل في المجتمع اليمني، دراسة سيسولوجية تحليلية لواقع العمالة واحتياجات التنمية، وكنت أهدف منها إلى التعرف على  دور رجال الأعمال بوصفهم شركاء في حل مشكلات العمل واحتياجات التنمية، ولكن لسوء حظي كان مسافراً خارج البلاد، بيد أني قابلت كثيراً من رجال الأعمال، وبدأت تتجلى أمامي حقائق عديدة أهمها: أن رجال الأعمال الوطنيين الحقيقيين هم الذين ينتمون  لأصول اجتماعية كان لها دور فاعل  في ربطهم بموطنهم، وبلدهم الأصلي واستشعارهم المسؤولية الاجتماعية إزاء تنمية مجتمعهم وتطوره.

ولحسن حظي مؤخراً حظيت بالمشاركة في بحث الهجرة كمراجعة لأحد الأبحاث الخاصة بالهجرة التهامية، وما زلت منبهرة بهذا الإنسان النبيل الذي أصبحت تجارته وأعماله ممتدة في معظم بلدان  العالم، ولا زالت روحه مع ذلك عالقة في جنبات هذا الوطن، فما إن هجَّرت الحرب الراهنة الإنسان اليمني في كل بقاع الدنيا.. حتى عاد علوان الشيباني ليتذكر المهاجر اليمني منذ القدم.. وذهب ليحاكي همومه وأحلامه وعطاءه وقوته، وكيف لا يفعل ذلك؟ وفكرة وقضية الهجرة رافقتاه منذ رحلته المبكرة إلى الحبشة وهو لم يبلغ بعد سن الخامسة عشرة، ثم رافقتاه – كذلك- في رحلاته الدراسية والعملية، من القرية إلى تعز إلى عدن إلى مصر، إلى أمريكا إلى أسبانيا..؟

لقد دفعه ذلك من خلال مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية التي هو مؤسسها إلى أن دعا العلماء والباحثين لإجراء بحث علمي عملاق، يتحدث عن غربة وهجرة الإنسان اليمني في العديد من بلدان العالم، ودوره  في تنمية بلد المهجر وتنمية وطنه الأصلي – اليمن-  واستعادة دور اليمنيين في صناعة الحاضر ومجد المستقبل، ولم أكن هذه المرة منبهرة بكمية الحماس والإنفاق والسخاء الذي قدمه لإنجاز هذا العمل البحثي المتفرد، وذلك لأنني أيقنت  أن الناجحين حقاً هم أولئك الذين ارتبطت طموحاتهم وأحلامهم برسالة إنسانية سامية، وبعطاء حقيقي وقيم رفيعة كانت زادهم منذ لحظات الطفولة.

لقد تعلمت من هذا الرجل الملهم أن الحب هو إكسير النجاح، وأن الله يمنح الثراء على قدر العطاء السخي.

 

د/ ذكرى عبد الجبار العريقي

استاذ علم الاجتماع

 المشارك- جامعة تعز

 

قراءة 900 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة