كيف يعمل الخصم؟!

الأحد, 06 أيلول/سبتمبر 2015 21:06 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في أية معركة. سياسية كانت أم عسكرية؛ فإن الشيء الأساسي الذي يجب علينا معرفته، هو كيف يعمل الخصم؟

أن نعرف قدراته، طريقته في ادارة المعركة، الأدوات التي يستخدمها، الأهداف الأنية والبعيدة المدى التي يسعى الى تحقيقها، المراوغات التي قد يلجأ إليها. عندما نعرف كل هذا، يمكننا القول الآن أن المعركة التي يجدر بنا خوضها قد بدأت.

 أحد الاخفاقات التي واجهتها الأطراف السياسية اليمنية، تلك التي تقف اليوم على الضفة الأخرى من حرب صالح والحوثي، هو أنها لم تعرف الخصم جيدا، أو انها تعرفه ولم توظف تلك المعرفة أثناء سير المعركة، لهذا نجح هذا الخصم في اشعال الحرب، وهذه الحرب هي هدفا ملحا بالنسبة له. أما وقد تبدلت المعركة من كونها سياسية الى عسكرية، سيكون من المعيب حقا تكرار نفس الاخفاقات؛ لأن معركة من هذا النوع لا تحتمل الخطأ ولو بمعدل 1%، وما حدث للجنود الإماراتيين في مأرب، هو فرصة لمراجعة الحسابات كلها، والوقوف في البداية عند كيف يعمل الخصم ليبدو متماسكا الى هذا الحد وبوسعه الحاق الضرر.

رأينا كيف ان صالح ومعه جماعة الحوثي، ينتقلون من معارك الأرض عندما يشعرون بالهزيمة الى المعارك الاعلامية، ثم يعودون لارتكاب جرائمهم بعد ان يكونوا قد حققوا نوع من الانتصار المعنوي.

هي حرب صالح في الأساس، ومثلما استخدم الاسلاميين وغيرهم في حروب المناطق الوسطى، وايضا في حرب صيف 1994، هو الآن يستخدم الحوثي وغيره في هذه الحرب. في حروبه السابقة كان يسعى لتثبيت اركان سلطته وبعد ذلك لتوسيع مجالها، جغرافيا، سياسيا، واقتصاديا. في حربه الأخيرة يسعى لاستعادة السلطة كاملة بعد أن كانت ثورة فبراير قد نجحت في سلبه جزء كبير منها.

اذا كان صالح لا يريد سلطة مكتملة الأركان، فهو كان سيقبل باحتلال الحوثي للعاصمة صنعاء، والشروع في لملمة القدر المتوفر من السلطة، واعادة توزيعها، لا أن يذهب في فتوحاته. لكن لأن الرجل مخلص لطموحاته، بالأصح لأوهامه، لم يرى بدا من اشعال المعركة على كامل الأراضي اليمنية، طالما وقد توفرت ظروف مناسبة لذلك.

خبرة هذا الرجل، تجعله لا يطمئن الى تلك المعارك التي يكون طرفا وحيدا فيها، مهما كانت قوته فهو لن يخوضها، ورأينا ما الذي حدث في العام 2011، عندما اشتعلت المعارك في ارحب والحصبة وتعز. كان وحيدا ولم يكن هناك أطراف خارجية تدعمه بقوة، ففضل الانحناء للعاصفة.

حروب المناطق الوسطى التي كانت على وشك اقتلاع صالح، وحرب صيف 94، التي منحته التفوق والسلطة الكاملة، كل ذلك لا يزال يلهمه في تكرار التجارب. مثل الحوثيون بالنسبة له بديلا أكثر فاعلية من الاخوان المسلمين، وكان أن فطن لمسألة داعش، والتوجه الدولي لمحاربة الارهاب، فراح يصنع للجماعة جرائم تحمل نفس الطابع الذي تتركه الجماعات المتطرفة بغرض منحها مبرر التوسع والانتشار، في الوقت نفسه كان قد ضمن ان القبائل لا تزال على سجيتها: يمكن استدعائها الى ساحة المعركة بزامل كما يعلق أحدهم.

القوى الأخرى على الأرض لم تكن لتثير المخاوف، أبسط المخاوف على الاطلاق، مقارنة بالتجارب السابقة، أعني حروب المناطق الوسطى وحرب 94، ثم ان الاقليم، رغم الخلافات البسيطة، يبقى أنه من الممكن مراوغته، أو اقناعه بأن هذه الحرب عادلة وتصب في صالحهم، طالما وأحد اطرافها الاخوان الذين يواجهون سخط هذا الاقليم.

يبدو أنه من حقنا أن نسأل، لماذا ذهبت جماعة الحوثي وصالح الى تعز وعدن وباقي المحافظات، بينما الجيش كله اصبح في يدهم؟ مثلا كانت المعسكرات الموالية تحتل هذه المدن، بينما القدوم من خارجها ذو صبغة شكلية. بنفس المعنى: تحصيل حاصل.

ذلك القدوم الشكلي كان مهما بالنسبة لصالح لسببين.

الأول: أن ثورة فبراير وما أحدثته من زلزال مس عمق السلطة وهز ثقة الرجل الذي كان يقف على هرمها. كل ذلك لم يكن بعيدا عما حدث. لقد أراد صالح أن يرمم تلك الثقة، ويستعيد زمام السلطة كاملة.

الثاني: صالح يعرف ما الذي تعنيه هزيمة الخصوم، ما الذي يعنيه الانتصار العسكري، أي قدر من الطمأنينة سيوفره مثل هذا الأمر لاحقا، الى جانب ان النزعات الانتقامية لم تكن بعيدة عن كل ما سيقوم به. ولتعزيز هذه النقطة، علينا أن ننظر لوضع الحزب الاشتراكي والجنوب بعد انتصار الشرعية. هل قامت لهم قائمة؟ الأمر يحتاج لعشرات السنين لكي يستعيد الجميع أنفاسه ومن ثم يمتلك زمام المبادرة مجددا من موقع ندي. علينا أيضا أن نعرف ما الذي حدث لحزب الاصلاح بعد الهزيمة الرمزية التي مني بها في عمران، لم يكن مشاركا في الحرب بشكل رسمي، مع ذلك فإن هذا الحزب وهو الأكثر قدرة تنظيمية بين مختلف الأحزاب، أصبح فاقدا للبوصلة وعلى وشك التهاوي.

الآن نستطيع أن نقول أن حسابات صالح في تكرار نصر 94 كانت خاطئة، لأن الجنوب أصبح كله محررا ويشعر جميع ابنائه بزهو النصر. رغم وان الحسابات تبدو كلها خاطئة، إلا أن الرجل لا يزال يحمل روح المغامرة، ولديه تجربة أخرى ناجحة يريد أن يعيد فرضها: تجربة الحرب طويلة الأمد، ذات الصبغة الأهلية. وضع كل الإمكانيات المتاحة تحت العمل، والمراهنة على تغيير بسيط في سياسة الأطراف غير المساندة، كما حدث في حروب المناطق الوسطى.

في قضية القناص، قبل اسابيع، لم يكن استدعاء حروب المناطق الوسطى في بيان نشرته وكالة "سبأ" من فراغ. لقد أتهم الاعلام الحربي لصالح والحوثي أبناء تعز بأنهم ينفذون جرائم على طريقة أسالفهم في المناطق الوسطى، وفهم كل طرف هذا التلميح بطريقته غير الصحيحة.

الآن ونحن نرى كيف يتصرف هادي وقوات التحالف ومعهم المقاومة الشعبية، ندرك ان الجميع، لا يعرفون كيف يعمل الخصم، ليس لديهم رغبة حقيقية في انتهاج نفس السياسة القاتلة التي ينتهجها، لذا سيذهب الجميع الى معركة صنعاء، وترك صالح والحوثي في المناطق الأخرى، يحتفظون بنصف انتصار. سيكون عدم إلحاق الهزيمة الكاملة بصالح وشركائه في كل المناطق التي يتواجدون فيها، عونا لهم لإطالة عمر الحرب، أو مدهم بالطاقة الكافية التي ستمكنهم من اعادة ترتيب الأوراق.

بنفس طريقة صالح، بنفس استراتيجيته، من المهم أن تتحقق الانتصارات العسكرية في كل شبر من أرض الوطن، وعندما تفتح صنعاء ـ وهذي يجب أن تكون آخر معركة ـ فإن صالح وجماعة الحوثي سيكونون قد أصبحوا مجرد شيء معيب حدث في التاريخ اليمني، وفي أفضل الأحوال ذكرى سيئة.

الانتصار العسكري، الذي يترك أثره على الأرض، ولا يسمح لأي تواجد ملتبس يحل محله، هو بداية لبسط سلطة الدولة، بداية لتحقيق الانتصار الكامل في المعركة.

قراءة 2565 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة