عبد الكافـي .. المُفرد

الخميس, 15 تشرين1/أكتوير 2015 19:42 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

(1)

هو واحد من الكبار الذي طرحتهم الحياة في طريقي لتُزهر بسببهم. في بداية حياتي. قبل الجامعة وفي أيّام الثانوية العامّة وتلك المسافة التي كانت لنا في مقاهي الدائري بصنعاء ومعه نبيل قاسم ومن هؤلاء،من كلامهم المسائي اليومي تعلّمت وتعلّمت. كُنت تلميذ رسم وما أزال، يرون لأشغالي التي تنشرها نافذة المواهب في جرائد محلّية فيبتسمون. لغتي العربية كانت عائقاً أمام الكتابة فكان الرسم وتقليداً لأعمال فنّانين كبار بل وفعلت مرة أو مرتين اختزالاً لرسّام سوري نسيت اسمه وأعدت رسمته على هيئة يمنية. من بعدها كان دخولي جريدة «المُستقبل» التي قتلوها في حرب 94. بسبب من الكبيرين علي الصراري ومحمد عبد الرحمن الجمّيل ، رسمت على صفحتها الأخيرة وصرتُ أصغر فرد في الجريدة وصاحب تلك المساحة التي أرسم عليها وأستلم راتباً على ذلك. أول راتب في حياتي. ألفا ريال. لم أكن وقتها أعرف أنها جريدة تابعة لإعلام الحزب ومن يومها ستكون نقطة سيري فيه إلى اليوم وإلى الزاوية التي أجلس فيها الآن في «الثوري».

(2)

وكان أول راتب لي من الحزب سبباً في عودتي إلى طاولة النقاش في المقهى الدائري على هيئة واحد قادر على دفع حسابه وحساب الأخرين، عبد الكافي الرحبي ونبيل قاسم اللذان بقيا يدفعان لي كولد صغير فترة طويلة. وبقينا على كلامنا اليومي أو الاستماع اليومي من جهتي وكان إليها أسماء أخرى لا مجال لذكرها فالمناسبة هنا لعبد الكافي الرحبي.

(3)

لو تذكرت شيئاً لافتاً في سيرة الحياة التي مضت لكان ذلك المنهج في التوجيه دونما وضوح أو أبوية ساطعة. أن أمسك كتاباً رديئاً (ليس هناك من كتاب رديء) فسيكون الحديث عن غيره وإن كان في ذات السياق الذي يذهب الكتاب الرديء نفسه. بمعنى: لن يقول الرحبي أو نبيل قاسم هذا كتاب رديء بل سيذهبان للحديث عن كتاب جيّد يستحق القراءة وعدم تضييع الوقت. أتذكر هنا أيضاً صديقي الكبير عبد الرب قاسم الذي عرفته في «المستقبل» وكان دليلاً هاماً في القراءة والحياة.

من بعدها جاءت مرحلة مكتبة مركز الدراسات والبحوث أو كانت قبلها بكثير لكنّ العارف بأمورها ومن قام بتسهيل الدخول للعناوين الكبرى كان الرحبي. سأعرف أنسي الحاج هناك قراءة قبل أن أعرفه على الواقع في بيروت واشتغل معه. سأعرف «حجر الضحك» للروائية اللبنانية هدى بركات والتي كانت وقتها قد أصدرت روايتها الأولى وبسبب الرحبي أيضاً عرفتها قبل أن أعرفها من لحم ودم وتصير صديقة كبيرة ومرشدة وستكون سبباً في إنجاز سلسلة مقالات كتبتها عن شقيقي الراحل محمّد ونشرتها هنا في «الثوري» طوال عامين ماضيين وقالت هدى بركات أن يصدرا في كتاب وهو ما سوف يكون خلال أيّام قادمة في القاهرة حيث يُطبع الآن «كتاب محمّد».

(4)

كأن كل الحوادث الماضية قد تحققت لتكون مجتمعة على هذا السياق من نقطته الأولى ولا شيء يأتي مُصادفة. عبد الكافي الرحبي الذي فتح لي كل هذا النور ومشيت خلفه متتبعاً تلك الأسماء التي كان يقول بها فأبحث خلفها. إلى تلك الطريقة في الحياة ومثال النزاهة والرقي والارتفاع بصفة البشري ليظهر أرفع وأنقى. أُنسي الحاج وهدى بركات هكذا وعبد الكافي الرحبي. مواجهة فكرة الجماعة والحشد والحذر من فكرة الشمولية المقيتة ومقايل النميمة ونهش لحوم البشر. ابتعاد الرحبي عن القات لم يكن عبثاً ومجانياً في هذا السياق. وكأني هنا أقرأه مجدداً في قول لهدى بركات التي لم تقم طويلاً على قناعة ما « إلى حد الحساسية المفرطة والتشكيك المُسبق في أي شيء يتفق عليه أكثر من ثلاثة أشخاص».

علّمني عبد الكافي الرحبي كل هذا.

(5)

أحتاج وقتاً كي أتعلّم أن أقول للذين أحبهم إني أحبهم. دون انتظار لمناسبة أو .. وفاة. هكذا يبدو الكلام بلا معنى. يبدو بلا فائدة . أن أقول لعبد الكافي الرحبي أني كُنت أحبه. استخدام مفردات الماضي المريضة. صارت مفردات الماضي، كان وأخواتها لافتة لموت كثير صار يحيط بحياتنا ولم نعد قادرين على ترتيب مواعيد الرحيل وتكريس وترديد مفردات الوداع نفسها. كأننا،كل يوم نتكرر ونعيد أنفسنا ، لكن عبد الكافي .. مفرد.

وداعاً ..

قراءة 3581 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة