أنا الحزين في هذا الوجود حديث البكاء وسبيلي مغمور بالأهوال ، خاصمني الحب بعد أن كنت صديقه الودود ، بذلت له كل ما يريد ، ولم أجد نفسي منه سوى مقيد بالكوابيس تحرقني نيران الصبابة والهوى ، ظمآن ، لم أجد نداء شفاه ، أحاكي الثريا والسهى ولم أحاكِ الصبايا أو العذارى .
أشعر بأني مسجون رغم تجوالي في صولات الشوارع بمظهر مجنون وحقيقة غامضة لم يعرفها إلا " أنا " المغشي بالأوهام المليء بالمآسي ، على كاهلي أسير في براري الحي ، فيفر الناس من أمامي وتلوح وجوههم عني ، وهم ينظرون إلي بوجهٍ كالح وشاحب وعينان مطرقتان من الأرق ورأس مكسي بالغبار وصدر أحرقه الالتياع ، أهمس في نفسي هنيهة وأحس بالعار لم أجد حلاً سوى الفرار إلى مكان ٍ قصي أتحدث فيه مع نفسي ، وأتسأل لماذا بما أنا عليه تجادبني خواطري الحزينة ، أخلع الداء وأصنع الأمل ، يا " أنا " أحاول ولكن قيوداً تمنعني وأصبح من الصعب فكها ، وهذا لا يعني أني أطرش في السلوك أعيش حياة سريالية وكأني في عالم الخيال ، ولكن أي خيال هذا ، أهو الألم المليء بالجحيم والغوغاء ، وكأني في رؤيا وحشية أبدية لن أصحُ من الكرى العميق .
وجدت نفسي فريسة للخطوب ، تجتاحني كما تريد ، نأني المرح والابتهاج ورافقني اليأس والعويل ، لم أجد مكاناً أستريح فيه ، فكل مكان مليء بالوحوش ، وتشمئز مني كل البرايا ، توجلني الأشباح في الطرقات ويمكر بي العيس في الرحلات وتعيق الأنشاب طريقي والدسر في الطرقات ، حتى تشحب الدماء مني وأصرخ بزمجرةٍ عالية .
فلأكن فريداً في الشقاء والعناء ، ضجيج ولعلعة في أذني رغم ابتعادي عن الأماكن الحية ، حتى السبايا والبروليتاريا يستعيذون مما أعاني .
أصبح العناء عادة أمارسها في حياتي يجذبني كل شيء محزن كالإنصات لمواويل الرباب والقيثار المحزنة والاندماج في جنائز الموتى والوقوف في تلال تلامسني فيها الرياح الهوجاء ، وأنا في عالم المتاهات ألملم كوابيس حياتي التي بعثرها الضنى والكمد وأحرقتها براكين مهجتي التي أضرمت في الحشى ، فأكون كوطن والحزن كمستعمرٍ فيني .