أخـــر الأخبــــار

 

عمال الأجر اليومي في زمن "كورونا".. تفاصيل من المعاناة والبؤس مميز

  • الاشتراكي نت/ عدن-

الثلاثاء, 29 حزيران/يونيو 2021 21:01
قيم الموضوع
(0 أصوات)
عمال الحراج في شارع التسعين عدن عمال الحراج في شارع التسعين عدن

يتخذ المئات من العاملين بالدخل اليومي المحدود الأرصفة بأكثر من مديرية في مدينة عدن "جنوب اليمن" مقرا للبحث عن عمل في البناء و السباكة و الحفريات وغيرها من الأعمال الشاقة بغية تحسين أوضاعهم المعيشية اليومية.

كما يعد الرصيف مأوى للعديد منهم ومتنفس  لتبادل همومهم ومشاكلهم المادية والنفسية رغم قسوة الصيف هذا العام،  حتى أن تلك الشوارع اكتسبت شهرة المسمى " الحراج" والبؤس في آن، والاسم هنا يحمل دلالات مأساوية يتكبدها هؤلاء العمال منذ ساعات الصباح الأولى حتى المساء طيلة سنوات مخلوطة بالحزن والفرح، بالحرب والسلام، بالصحة والمرض، إلى جانب مخاطر العمل بالأدوات القديمة كالسلالم الخشبية والحبال غير الآمنة وغيرها.

ويجازف عمال اليومية بحياتهم مقابل سبعة آلاف ريال يمني أي ما يعادل نحو 7 دولارات باليوم الواحد بصرف مركزي عدن، وهو أمراً يراه العامل أهون بكثير من الجلوس شارداً دون عمل أو اقتراض مبلغ يعادله كصرفة يومية من أحد المعارف لديه، حيث يمضي العامل في سبيل انجاز عمله دون كلل أو تكاسل متسلحا بالمثل الشعبي "اشقى بالألف الريال ولا تتسلفه".

وكان الشاب يونس "28 عاما"، أب لثلاث فتيات، قد لقى حتفه قبل 3 سنوات، يقول أحد أقاربه لـ "الشارع"، إنه فارق الحياة إثر سقوط حجر "طوب" من الدور الخامس على رأسه  في صنعاء بينما كان يعمل في خلط مادة الاسمنت.

لم يكن يونس إلا واحداً من عشرات العمال الذين يواجهون المخاطر بشكل يومي، حيث تتراوح فترات العمل الزمنية من 12 إلى 14 ساعة يوميا، في حين ويواصل البعض العمل ليلاً بسبب اعتدال الجو نسبيا على الظهيرة اللافحة.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.3 مليون شخص في عام 2020 كانوا معرضين لخطر الجوع والمرض ومنهم حوالي 14.4 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة، ويرزح الأغلبية الساحقة منهم تحت وطأة الجوع والفقر الذي يزداد سوءً كما أنه أثر على نصف إجمالي سكان اليمن البالغ عددهم حوالي 29 مليون نسمة.

كما يوجه عمال اليومية، ضغوطا أسرية كبيرة، تنعكس سلبا على حالتهم النفسية، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 40% من الأسر اليمنية تجد صعوبة في شراء أدنى مقومات الحياة كالغذاء والدواء بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي وجمعية الأمم المتحدة ومنظمات عدة.

أحوال تتشابه ما قبل كورونا وفي ظلها

في زمن "الكوفيد -19" غابت الخيارات أمام العمال على الرصيف، كما غابت معها  أماني الغد المحمود في بلد انهكته  الحرب منذ سبع سنوات، دُمرت خلالها البنية التحتية والنظام الصحي وتصدرت الأزمات الواجهة أبرزها أزمة كورونا، في حين ذكرت تقارير الأمم المتحدة أن 19.9 مليون شخص بدون رعاية صحية كافية.

ولم يترك الحظ للعمال بارقة أمل، غير تلك المعاول المتآكلة والمجارف في سلل البلاستيك، على بعد مترين أو أقل  من كل واحد منهم.

وبتعدد المخاطر، تتزايد أحوال عمال اليومية، سوءً خاصة مع استمرار تفشي الأوبئة  بالمدينة  مثل "المكرفس والضنك والملاريا وكوفيد-19"، غير أن هذا الأخير، أثرت تداعياته بشكل مباشر على حياة اليمنيين ككل، بمن فيهم العمال ذوي الدخل المحدود.

ومع غياب الحقيقة وتضارب المعلومات وتضلليها، لم يلتزم العديد من العمال بالإجراءات الوقائية، وظلوا يعملون، فيما  البعض الآخر التزم نسبيا بتحذيرات وزارة الصحة والمنظمات، كعدم الاختلاط أو التجمعات حرصا وخوفا على حياته وأولاده من الإصابة بالفيروس.

يقول اسماعيل ، وهو يستظل تحت شجرة على رصيف شارع التسعين بمدينة عدن لـ"الشارع "، إن "الفارق الذي ممكن أن يحدثه كورونا لا يهمني، فبعض الأيام تمضي بوجبة واحدة، نأكل نفر "عصيد" الظهر، وعليها لليوم الثاني.  

ويرى اسماعيل، أن النتيجة المصيرية قد تتشابه لكنه في الوقت ذاته، مستعد للالتزام بالإجراءات الاحترازية إن توفرت الامكانيات.

وتشير احصائيات سابقة، لمركز الإعلام والدراسات الاقتصادي، إلى أن مليون ونصف المليون عامل، خسروا وظائفهم في القطاع العام والخاص وغير المنظم.

وفي هذا الصدد، يقول مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، إن "تأثير كورونا على الحياة الاقتصادية كان قاسياً بالنسبة  لعمال اليومية، كما أن تأثير كورونا على الاقتصاد اليمني ككل قاسي أيضاً وليس فقط على قطاع محدد، وانما بدرجات متفاوتة من قطاع لآخر".  

ويضيف، خلال حديثه لـ "الشارع"، أن "أكبر تداعيات فيروس كورونا كانت على تحويلات المغتربين، لا سيما بعد الاغلاق التام في المملكة العربية السعودية وبعض الدول الأخرى التي شهدت اغلاقا تاما".

ويتابع: "وبالتالي تأثرت التحويلات بصورة كبيرة وصلت إلى ما يقارب 72 % وهذا طبعاً أثر بصورة مباشرة على العمالة اليومية، كون الكثير من العمالة اليمنية التي تعمل بأعداد كبيرة  في مجال الانشاءات والبناء والمقاولات تعتمد بشكل كبير على تحويلات المغتربين الذين عادة ما يقوموا بمشاريع بناء كالفنادق أو المنازل والمشاريع الصغيرة.

ويرى نصر، أن "هذه واحدة من الاشكاليات المباشرة التي حدثت لقطاع واسع من عمال الأجر اليومي، ناهيك عن بعض العاملين في بعض المشروعات البسيطة والمتوسطة أثناء الإغلاق، رغم أنه لم يكن هناك اغلاقا شاملا في اليمن وإنما كان هناك تخوف واحترازات معينة اثرت سلبا على كثير من المشروعات الصغيرة كالمطاعم وقاعات الأعراس وهذا أثر بشكل مباشر على العاملين في هذا القطاع".

تختلف أحوال المئات من  العاملين في هذه المدينة، وغيرها من المدن اليمنية، وتتوحد همومهم الحياتية ومطالبهم وأمانيهم أيضا.

ويقول نصر لـ"الشارع"، "عندما تم ايقاف بعض الأنشطة أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة في أغلب القطاعات أثناء الجائحة، الكثير من الأشخاص الذين يعملون سواءً بالمكافأة أو الأجر اليومي، فقدوا أعمالهم في قطاعات البناء والخدمات بشكل عام".

ويعتقد نصر، أن "كورونا لم يؤثر على القطاعات المتعلقة بالغذاء والدواء بقدر كبير".

للحرب أثرها البالغ

كان للحرب بين الفرقاء اليمنيين أثراً بالغاً على حياة العاملين، حيث تسببت في تسريح الكثير من وظائفهم إلى جانب انقطاع صرف المرتبات لموظفي الدولة، وتدهور سوق العمل وإغلاق الشركات الكبيرة والمتوسطة، الأمر الذي دفع الكثير من الموظفين إلى البحث عن مهن أخرى حتى وإن كانت لا تتناسب مع مستواهم التعليمي كالعمل في المخابز والأعمال اليدوية في مهن الخرسانة والبسطات.

كان عبدالرحمن، يتكئ على حجرة مربعة بظل عمارة على الشارع العام، في عدن، الوحيد الذي بدأ التفاؤل على سمرته الشاحبة، لكن حديثه عن غلاء الأسعار في ظل أزمة كورونا، أنهك قواه وخاصة في ظل انخفاض الأجور وزيادة المسؤوليات.

عبدالرحمن، وأقرانه العاملين في قطاعات الأجر اليومي، يدركون أن العمالة غير المنتظمة خارجة عن أي مظلة تأمينية،  فقط حياتهم تمضي بشكل يومي حسب الأعمال التي يقومون بها، ومن يوم لآخر تكثر شكاوي عبدالرحمن ومثله الملايين، من الأوضاع التي يعيشها اليمن اقتصاديا وصحيا وسياسيا وأمنيا.

يقول أحمد عبدالوهاب، وكيل قطاع الرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لـ "الشارع"، "لوحظ في الشوارع والطرقات وجود العاملين بكثرة وفي المطاعم  والورش المهنية وغيرها وكل ذلك بسبب سوء الأحوال المعيشية الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأيضا ناجمة عن تحمل مسؤولية توفير دخل الأسرة حتى تستمر الحياة وهذه أعباء فرضتها الحياة على العاملين  بالأجر اليومي".

و يواصل: "كل هذا يعد عاملا مساعدا لانتشار مخاطر فيروس كورونا، والأمراض الاخرى المعدية، التى تؤثر على حياة الإنسان وممكن وتؤدي به إلى الوفاء".

ويحمل عبد الوهاب، "الحرب مسؤولية مصير هؤلاء العمال فلولاها لما كانت نتائج كورونا قاسية لهذه الدرجة" كما يقول.

مع توسع رقعة انتشار الفيروس، وارتفاع الأرقام، سافر المئات من العمال نحو الأرياف دون الخضوع للفحص الطبي خشية الإصابة بكوفيد -19، والبعض ظل في المدينة يعمل خشية الجوع وما بينهم ظلت المخاوف ثابتة.

ويقول المهندس عمر القاضي مدير شركة توب سيفل للمقاولات العامة: "كان لفيروس كورونا أثر كبير على الشركة وأيضا العمال، البعض أجبره أهله على مغادرة المدينة والقليل منهم بقي يعمل مع القلق والخوف.

ويضيف لـ "الشارع"، "بالنسبة للشركة استمر عملها ولكن بشكل غير دائم ما قبل كورونا وما بعدها، وذلك بسبب عدم الاغلاق التام، التزمنا بالإجراءات نسبيا، ولكننا عانينا من تراجع الأعمال وهذا بالطبع يؤثر على عمال اليومية".

حاليا، لا تتوفر أي إحصائية دقيقة بعدد عمال الأجر اليومي في اليمن، بيد أن تقديرات الاتحاد العام لنقابات العمال، تشير إلى أن عدد العمال بلغ في العام 2010 أكثر من مليوني عامل.

ينشر هذا التقرير بدعم من "JDH / JHR- صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".

قراءة 961 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 29 حزيران/يونيو 2021 22:04

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة