التعصب حرب أخرى تدمر اليمن

  • الاشتراكي نت / كتبه - آزال الصباري

الخميس, 01 شباط/فبراير 2024 16:21
قيم الموضوع
(0 أصوات)


في السنوات الأخيرة

رسبت على السطح تعصبات خطيرة في المجتمع اليمني، وأصبحت الحساسية الفكرية و المذهبية أو.. طفح مجتمعي مخيف، ربما لأن الأغلب مشحون بهذا تاتعصب لم  ننتبه لهذا الطفح الذي شرع إعلان وبائيته، وطفق يفسد أجمل ثمار المجتمع اليمني إلا وهو ترابط نسيجه الاجتماعي. فإذا قمنا بقراءة مستقبلية من صفحات الواقع سنرى أن السنوات القادمة ستشهد تفكك وانقسام كبيرين في المجتمع اليمني.

أنت شمالي، جنوبي، أنت قبيلي، أنت سيد، مزين،  شيعي، سني، أنت إخواني، أنت حوثي، أنت عفاشي، أنت..،  أنت.... قد نراها  جمل خطابية عادية بينما هي سموم  قاتلة

لماذا هذا القراءة التشائمية؟ هل تعني الشعب هذه المسميات؟  تساؤلات كثيرة قد يطلقها  ساخر  ما، بحجة أن الناس في نهاية المطاف منشغلة في توفير متطلبات الحياة، التي أصبحت مجهدة لحد كبير يحجب عن المجتمع الالتفات لغيرها، فالعقول تبحث عن طرق لإشباع البطون الجائعة لا التفكير في افكار أخرى غير مجدية ... إنه رأي صحيح   لكنه ناقص، حيث أفقدنا جزء  كبير، من الفكرة التي جاء بها  إلا وهي الجهد الكبير الذي يبذله السواد الأعظم في سبيل إشباع غريزة الجوع، إن هذا الجهد المبذول يعني أمر في  غاية الخطورة، خلاصته أن غريزة الجوع لم تشبع كليا وبذلك يظل التأجج والاحتقان موجود، وهذا الاحتقان  ينتج عنه  أغماء كلي للتفكير االمنطقي. إذن ماذا؟

إذن نحن نواجه سواد أعظم جائع نسبيا  مغيب عن أي تفكير آخر، وهذا السواد سيكون  ناقم، ساذج،تائه،  فكريا، أمعاؤه فارغه مما يجعله مشحون  بالغضب ومن السهل أن تُمرر عليه هذه المسميات لتصبح منهج قولي وفعلي، يلوكها عوضا عن قطعة لحم يشتهيها منذ زمن، ووهم يتعلق به بدلا عن أمل مقيد  وحلم مفقود.

هذا السواد مشحون بالتعصب الأعمى، والتعصب شعور يهزم العقل ويتفوق عليه ولا يمكن لشخص متعصب لفكر معين أو رأي أن يتقبل الرأي الآخر، ولا يذهب لحقيقة أن صاحب ذلك لرأي المختلف معه هو لبنة من بناء كبير هو جزء منه وإذا ذهبت تلك الطوبة سيهدم البناء بمن فيه،يقول ريتشار سينيت في كتابة ( في مواجهة التعصب  معا لأجل البقاء)  : " نحت الناقد الأدبي الروسي ميخائيل ياختين كلمة حوار Dialogleليعبر بها عن نقاش لا يُحل بنفسه، بل عبر إيجاد أرضية مشتركة. يمكن للناس أن يصبحوا أكثر وعيا لوجهات نظرهم نتيجة عملية تبادل بينهم وأن يزيدوا من فهم أحدهم للآخر،  على الرغم من عدم تمكنهم إلى اتفاقات مشتركة"

يريد ريتشارد أن يخبرنا أن البقاء معا يشترط تقبل الآخر حتى وإن لم نتفق معه في رأيه أو توجهه أو عقيدته.

التعصب آفة تقتل أخلاص المرء لذاته، فيتخلى عن تطويرها ، عن دعمها، ويتنكر للمصداقية  والأصالة.

حينما يفقد الإنسان حلمه في تغيير واقعه وأمله في الخلاص من مشكلاته، ويفشل في إيجاد حلول للخلاص من واقع أنهكه وأتعبه.التعصب آفة تقتل أخلاص المرء لذاته  يفقد  فيتخلى عن تطويرها ، عن دعمها، ويتنكر للمصداقية  والأصالة،   ويركض  هاربا مذعورا من حقيقة ذاته، ليذهب خلف جماعات فيعلن لها الولاء والطاعة ويقدم نفسه ضحية لها، وبالمقابل يعلن العدائية ضد الضد الآخر،  إنها حالة نفسية معقدة وخطيرة  خلقتها ظروف قاسية، وهذه الحالة العصبية التي أهلكت طاقة الفرد الانتاجية، وحولته لتابع عدائي، ستولد عنفا وعنفا مضادا في المجتمع ككل، إذ   التعصب  يولد عدائية، والعدائية تولد العنف، والعنف يولد إرهاب، والإرهاب يدمر مجتمع.

 التعصب كسلوك اجتماعي جمعي في  أي بلد إنما هو ردة  فعل غياب العدل والمواطنة المتساوية، لذلك يظل القضاء عليه أمر في متناول أي مجتمع

نعم التعصب موجود في هذا الكوكب كطبيعة إنسانية أوجدتها البيئات  التربوية المختلفة والطبيعة  الجغرافية والأديان، وصحيح أن تلك التسميات كانت موجودة  في اليمن وهي جزء من مسيمات المجتمع، لكنها لم تكن في متناول الجميع أو لنقل السواد الأعظم وظلت لفترة طويلة مسميات سياسية، مذهبية، مناطقية و طبيقة محصورة في مربعات معينة من المجتمع. ماذا حدث حتى نجحت تلك التسميات وتجاوزت مربعاتها لتطيش وتعصف بنسيج هذا المجتمع؟

  أن التعصب لا يغدو مرضا فتاكا يدمر النسيج المجتمعي إلا حين يغيب القانون الإنساني العادل، فوجود العدل يعني لا وجود للتعصب  كمرض.

وعليه فإقامة قانون عادل  يحترم الآدمية ويقدم الإنسانية على الانتماءات الجغرافية والدينية، ويشرع قانون تسير تحت سقفه كل التوجهات والأفكار بانسجام، ويسلم المهام وفقا لأفضلية  للهمم  والقدرات، فلا أفضلية ولا احتكار، ولا تسلط، ولا سطو، يعني موت حتمى للعصبية المجتمعية، وإذا ما تحقق ذلك نستطيع القول: أن التعصب سيظل غريزة منزوية، ذليلة  ، غير قادرة على تجاوز محيطها الضيق. بذلك سيصبح هذا المجتمع سيتجاوز الضعف الذي خلفته الحروب وينجح في صنع  دولة وحضارة عظيمة.  يقول فرويد في (مستقبل الوهم):"إن الحضارة عندما تتخطى المرحلة التي يكون فيها إشباع قسم من أفرادها، مشروطاً باضطهاد الآخرين، ربما اضطهاد الأكثرية، وهذا هو حال جميع الحضارات الراهنة، يغدو ممكناً فهم تعاظم عداء شديد، في قلب المسحوقين، للحضارة التي صارت ممكنة بفضل كدحهم، لكنهم لا يجنون من مواردها سوى نصيب ضئيل جداً. لا يمكن عندئذٍ ارتقاب وجود استبطان للمحظورات الثقافية لدى هؤلاء المقهورين، فهم بالأحرى أشدّ استعداداً لعدم الاعتراف بهذه المحظورات، وينزعون إلى تحطيم الحضارة نفسها، وحتى الإنكار المحتمل للأسس التي تقوم عليها”

لا شك ولا ريب أن الثورات  الشعبية أفُسدت بأيدٍ سياسية وتحولت مسيرة التغيير إلى صراعات وإنقسامات  عصفت بالبلاد-وزدات الطين بلة- ونتيجة لتلك الحروب   غاب  العدل، وكان غيابه هو من ضاعف الشقاء والبؤس، ثم حرم   ذلك  السواد  الأعظم - آنف الذكر - تغيير واقعه البائس والشقي، وقيده عن عمل أي قفزة نحو حياة معيشية يشاهدها واقعا طبيعيا في العالم  الذي هو جزء منه،  وظلما منح طبقة معينة من المجتمع حياة النعيم والترف، فخلق بذلك شروخ كبيرة  بين مكونات المجتمع التي يجب أن تكون منسجمة ومتجانسة منطقيا، حتما إن  هذه الشروخ ستتسع وسيصعب ردم فراغاتها، وسيكون نتاجها عداء الفرد للجماعة وعداء الجماعة للفرد، وعداء الجماعة للجماعة والفرد للفرد، تغذي هذه  الثنائيات العدائية تلك المسميات الخطيرة التي تمزق نسيج المجتمع ، وتوقف مسيرته الوطنية، وتعيدنا إلى مربعات أشد  ضيقا وتضييقا من سابقتها.

التعصب شعور أهوج  يهدم المجتمعات فلا ينتصر لذات ولا يبني أوطان ولا يرسم  حضارة

 التعصب  شعور داخلي يتشدد له الإنسان فيرى نفسه دائما على حق ويرى الآخر على باطل بلا حجة أو برهان. ويظهر تعصبه بصورة ممارسات ومواقف متزمتة ينطوي عليها احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته، هل يمكن لشعور أهوج تقوده الأنا أن يكون شخصية متنزنة أو  يصنع حضارة عظيمة ؟ بالطبع لا.

إن تلك المسميات التي أخرجت الفرد من ذاته، وشتت طاقته الإبداعية، وضيقت مداركه الفكرية وحصرتها في دائرة تحاصرها توجهات تلك المسميات الرجعية قد أوجدت أفكارا عنصرية  متخلفة لا تقبل الآخر ولا تتقبل اختلافه، ولا يريد صاحب الفكر الواحد  سوى  تسلط جماعته أو فرديته المطلقة.

إن فكر العداء المشبع بالأنا التي تتمتع بها  جماعة مترفة، وتلهث خلفها قطيع جائع، تائه، ومشحون بالعصبية تسعى لتشبع رغبة تلك الأنا، مستخدمةً ذلك القطيع الذي بطبيعة الحال هو المجتمع ككل.

لذلك سنقول دائما وأبدا، التعصب يهدم المجتمعات فلا ينتصر لذات ولا يبني حضارة، وعلى وجه الخصوص فتلك المسميات العنصرية سموم فكرية أسست لعداء طائش يتسلق سلم الوهم، ويخوض معارك هوجاء تخدم فئة معينة فقط، فيخيل له أنه يصنع  المجد في حين  هو يهدم  لا يبني،  ويدمر  ولا يأسس لأي وجود  . وبذلك لايمكن أن يبني هذا المجتمع الذي تتقاسمه العدائية  حضارة تواكب بقية الحضارات في هذا العالم.

 

قراءة 424 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة