تعز.. حرب أخرى شرسة تدور في الظل "تقرير" مميز

  • الاشتراكي نت/ وسام محمد

الخميس, 10 أيلول/سبتمبر 2015 18:53
قيم الموضوع
(0 أصوات)

هنا في تعز، ثمة حرب أكثر شراسة تدور في الظل، ليس بوسعك ملاحظتها من المرة الأولى، لكن مع الايام ستشعر بها في تعب الناس، في قلقهم اليومي، ومع نهاية كل شهر، سترى كيف تتجلى صورة هذه الحرب.

ككل الخدمات والمصالح المتوقفة في تعز، كان سوق العمل قد توقف منذ وقت مبكر، عاد العمال الى منازلهم قبل أن تبدأ الحرب، ومع استمرار الحرب، أصبح وضع أولئك الناس مأساويا، على الصعيد المادي والنفسي، وأصبح من الصعب وصف هذه البطالة الاجبارية، بأنها اجازة طويلة.

بعد خمسة أشهر من الحرب، رغم أن الأسعار لم تعد بذات الجنون الذي ظهرت به في الشهرين الأولين، إلا أن سوق التداولات اليومية، أصبح يشهد ركودا مخيفا. في هذا الوضع يصبح الراتب الوظيفي مهما ليس فقط لإعالة أسر الموظفين الحكوميين، ولكن لضمان بقاء حركة السوق بحدها الأدنى.

دخل الراتب الحكومي بطريقة غير مباشرة كأحد أدوات الحرب التي تسعى لإخضاع مدينة تعز بكل السبل. بل ان الراتب الى جانب خدمات أخرى حساسة، يشكل انقطاعها حربا أخرى، واذا زرت أحد مكاتب البريد في المناطق الأمنة، وشاهدت كيف أن منسوب اليأس قد أرتفع في وجوه الموظفين، على الفور ستكتشف حجم المأساة وحجم الحرب التي تدور على هذه الجبهة.

مر أكثر من ثلث الشهر الحالي، بينما الموظفين لم يتسلموا رواتبهم بعد، كل يوم يذهبون الى البريد، فيقال لهم أن شبكة الأنترنت منقطعة، وعليهم أن ينتظروا لأيام أخرى. ليست هذه بمعاناة جزئية، ولكنها مترابطة ومتكاملة مع معانات أخرى يتكبدها سكان تعز.

قبل 3 أسابيع، أنقطع التيار الكهربائي عن المدينة، بشكل كامل، بعد قصف مليشيا الحوثي وصالح لمحطة كهرباء عصيفرة والحوجلة واخراجهما عن الخدمة. أما في ريف تعز حيث غالبية السكان ووجهة النازحين، فإن الكهرباء كانت قد انقطعت في بداية الحرب مطلع ابريل الماضي، ولا تزال منقطعة حتى الآن.

اُستخدمت شبكات الاتصالات والأنترنت من قبل المليشيا، بما يخدم معاركها على الأرض، وكأداة فاعلة لانهاك السكان ومضاعفة عزلتهم.

يتحدث أحد الشباب في مدينة تعز، عن هذه المعاناة بالقول: في ريف تعز، تجد أن شبكة الاتصالات التابعة لهذه الشركة تعمل، بينما التابعة للشركة الأخرى تعمل بشكل رديء، لكن في كل الأحوال فإن شبكات الاتصالات في مدينة تعز، تحديدا في المناطق المسيطر عليها من قبل المقاومة، تبقى منعدمة، وفي أحسن الأحوال يعمل بعضها بشكل سيء.

يؤكد هذا القول ما يتداوله الناس في تعز، عن كيف أن شركة "يمن موبايل" للاتصالات أوقعت بهم خلال شهر رمضان، حينها كانت المعارك على أشدها فتوقفت جميع شركات الاتصالات باستثناء "يمن موابايل" وهي شركة أسسها نجل المخلوع صالح ويمتلك القدر الأكبر من أسهمها.

يقول السكان أنهم لجأوا لكي يتجاوزوا هذا الحصار إلى شراء هواتف جديدة تشغل "يمن موبايل"، فبطاقات هذه الشركة تتطلب جهازا من نوع خاص، ليس نفس الأجهزة التي تعمل بها بطاقات الشركات الأخرى.

الامر ليس استبدال بطاقة بأخرى، ولكن استبدال هاتف وبطاقة، وحينها كان سعر الكيس الدقيق قد وصل الى 10 الف ريال، وأمر الحصول عليه لم يكن سهلا، لكن رغم الأعباء الكثيرة، ليس بوسع الناس الاستسلام للعزلة التي تفرضها الحرب.

اذا زرت تعز، المدينة أو الريف، سترى كيف أن أسطح المنازل، أصبحت تزدحم بألواح الطاقة الشمسية، أما كيف أصبح سعر هذه الألواح ومتطلباتها جنونيا فجأة، فهذه قصة أخرى.

عقب عيد الفطر، انقطعت شبكة الانترنت عن تعز، وانقطعت معه شبكة "يمن موبايل" والاتصالات الأرضية، فعاد الناس لتفقد هواتفهم القديمة، ومن لم يمتلك فقد بادر لشراء هاتفا جديدا.

هذه المرة، أصبحت شبكة "أم تي ان" تعمل بشكل مقبول، بينما انقطاع الأنترنت والاتصالات الأخرى، كان بسبب المعارك التي دارت حول "السنترال" وانتهت بسيطرة المقاومة عليه. عملت المقاومة في الاسابيع اللاحقة على اصلاح الاعطال واضرار الحرب، فأعادت تعز اتصالها بالعالم الخارجي على ذلك النحو المتواضع.

يقول مراقبون ان استهداف شبكة الأنترنت من قبل المليشيا يأتي في اطار حصارها لتعز وعزلها عن محيطها الداخلي والخارجي، يأتي أيضا كأحد أدوات الحرب ومضاعفة معاناة السكان، لكن بكثير من لدقة لمنع وصول جرائمها الى الاعلام.

يبدو هذا دقيقا، فخلال الثلاثة الأسابيع الأخيرة، أمعنت المليشيات في ارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين، وكان جزء من سياستها لكي لا تصل هذه الجرائم الى الاعلام الداخلي والخارجي هو قطع شبكة الأنترنت. غير أن الأمر يبالغ في خطورته هذه المرة، فالانقطاع ليس مؤقتا كما تشير المعلومات بل اصبح قرارا فجا من قبل المليشيا.

تقول المعلومات أن انقطاع شبكة الانترنت بصورة كاملة منذ مطلع الأسبوع، كان سببه، أن المليشيا لم تسمح بمرور ناقلات الديزل التابعة لمؤسسة الاتصالات. هي لا تسمح بمرور اشياء كثيرة، بينها الغذاء والدواء والبشر. لكن معلومات أخرى تؤكد ان انقطاع الشبكة كان بسبب تدخل مركزي من صنعاء. في كلا الحالتين يعوزنا أن نتصور حجم الاضرار الذي سيخلفه مثل هذا الاجراء، ليس لأن رواتب الموظفين ستتوقف وحسب، ولكن لأن شركات الصرافة قد توقفت عن العمل ايضا، لأن المعركة قد وصلت الى حد محاربة الناس في الحصول على كل ما يبقيهم على قيد الحياة.

يتحدث مراقبون عن سيناريوهات مرعبة، في حال استمر الحصار وانقطاع ابسط الخدمات عن تعز، يقولون ان هناك اخبار تتحدث عن تهريب ما تبقى من أدوية الى خارج المدينة، تهريب مواد غذائية، ومضايقة كل من يحاول ان يدخل شيئا الى تعز. اما العامة وقد شعروا بحجم الحرب المعلنة ضدهم، فيقولون ان استهداف مبنى شركة الكريمي الاسبوع الماضي، عندما سقطت عليه قذيفة لم يكن مصادفة، بل كان بسبب أن هذه الشركة تعتمد على الانترنت عبر الاقمار الصناعية، وأي موظف سوف يستعين بصديق أو بأحد أقاربه ليستلم راتبه من محافظة أخرى، فإن مليشيا الحوثي وصالح لا تريد هذا الوظف ان تنتهي رحلة بحثه عن الراتب باستلامه عبر شركة الكريمي. الأمر اصبح شخصيا بالنسبة لهؤلاء الناس.

قراءة 2530 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة