اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة الرابعة)

الأحد, 02 تشرين1/أكتوير 2016 18:22 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

موقف الجيش والأمن من ثورة التغيير ودوره في الثورة المضادة:

تعامل الجيش والأمن مع ثورة 2011م من منطلق عقيدته العسكرية والأمنية والمتمثلة في الولاء للرئيس وعائلته والولاء لقبائلهم الموالية للعائلة. ويعود ذلك لسبب موضوعي يتعلق بفقدان المؤسستين العسكرية والأمنية لطابعهما الوطني وتحول العقيدة العسكرية (القتالية) للجيش، والوظيفة الأمنية (للجهاز الأمني) إلى عقيدة داخلية مكرسة لحماية رأس النظام وعائلته، وليس حتى النظام كمنظومة، بعد أن حولهما الرئيس السابق إلى مؤسستين عائليتين تحميان أمن العائلة، وحدودهما حدود القبيلة التي ينتمي إليها قادة المؤسستين، وإن أمكن التوسع خارج هذه الحدود لجمع الثروة، وخضع الانتماء إليهما لمعيارين:

معيار الولاء للرئيس وعائلته، ومعيار الارتباط الجيوسياسي. ومن هذا المنطلق نظر الجيش والأمن إلى قطاع واسع من الشعب بأنه عدو للدولة، باعتبار الدولة الجهاز الذي يمكنهم من احتكار وتملك السلطة والثروة، وبالتالي، تعامل مع الثورة السلمية بصورة وحشية وصل حد إحراق ساحات الاعتصام بمن فيها، والقتل العمد، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بصورها المختلفة. ويرجع ذلك، إلى أن الجمهورية اليمنية قامت في مايو 1990م باتحاد دولتين لكل منها مؤسساتها المدنية والعسكرية ذات التوجه السياسي والفكري المتعارض إيديولوجياً، وعدم تجانس المؤسستين من حيث الكفاءة المهنية والعقيدة العسكرية والأمنية ومنهج العمل، ما جعل اندماج المؤسستين أمر غير ممكن، الأمر الذي أفضى إلى بقائهما مؤسسات منفصلة ومتضخمة وانقسام الولاءات. ومارس رئيس الدولة يومئذٍ ومن معه الفساد والإفساد الممنهج للأفراد والجماعات في الجيش والأمن لتغليب الولاء للرئيس وعائلته ولصالح العصبية الجيوسياسية الضيقة، التي يحتمون بها، مما قاد إلى المزيد من التوترات والأزمات السياسية التي أدت إلى حرب 1994م.  وكان من أهداف تلك الحرب تصفية المؤسستين العسكرية والأمنية من القوى القادمة من خارج العصبية الجيوسياسية، وبالتالي، غير الموالية للرئيس وعائلته. وتحقيقاً لهذه الغاية تم إبعاد عشرات الآلاف من منتسبي القوات المسلحة والأمن، خاصة من أبناء الجنوب، مع إقصاء منتسبي المؤسستين المشكوك في ولائهم من أبناء الشمال، وتم الإقصاء  بتدابير انتقامية: التسريح والفصل وعدم الترقية والتعيين والإحالة إلى التقاعد قبل الأوان، أي قبل حلول أحد الأجلين، الأمر الذي ترتب عليه أن أتسمت العقيدة العسكرية والأمنية بالولاء الشخصي للرئيس وعائلته في الدرجة الأولى، ثم الولاء القبلي والمناطقي الذي نخر جسد المؤسستين العسكرية والأمنية وأضعف هيبتهما ودورهما في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن، وعطل مهامهما الدستورية- القانونية الناظمة والمحددة لدورهما في أداء الوظيفة الدفاعية والأمنية وحماية المجتمع، وسيادة واستقلال البلاد. ولجأت السلطة بعد حرب 94م إلى ملئ الفراغ الذي خلفه إقصاء شراكة المجتمع السياسي ومنظمات المجتمع المدني بالتمدد في هذا الفراغ عبر قوات عسكرية خارجة عن بنية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية مثل الحرس الجمهوري والأمن المركزي، وإيجاد المزيد من الأجهزة الأمنية ذات الولاء لشخص الرئيس وعائلته، مما جعل علاقة هذه القوى العسكرية والأجهزة الأمنية مع الأحزاب والمواطن علاقة عداء وتخوف، وجرى الخلط بين الأمن والقوات المسلحة بحكم توحد المهمة في حماية الرئيس وعائلته وحكمه فقط، وفقدت الرقابة كليةً على أداء أجهزة الأمن والوحدات العسكرية المماثلة وموازناتها، خاصة بعد أن صار حزب السلطة يمتلك، بدون وجه حق، أغلبية كاسحة في مجلس النواب واستمر هذا الحال خلال الفترة الانتقالية.

  وعند اندلاع الثورة الشبابية الشعبية في 11 فبراير 2011م تمترس نظام الفساد والإفساد خلف هذه القوة التي جعلت من نفسها خصماً لدوداً لقطاع واسع من المجتمع وشرائحه المتعددة وقواه السياسية والاجتماعية المختلفة، وبالتالي، كان من شروط نجاح التغيير سرعة إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن ودمجها فعلاً مع القوات الأخرى من القوات المسلحة وأجهزة الأمن العام.  لكن عدم حدوث هذا الدمج جعل الرئيس السابق يواصل سيطرته على وحدات الحرس الجمهوري والأمن المركزي والحفاظ على ولائهم له ولعائلته، وتمكن من تحويل هذه الوحدات الى مليشيات استخدمها مع حليفه الحوثي في الثورة المضادة. إلى جانب المليشيات القبلية المشتركة.

وكانت الشهور الأولى للعملية الانتقالية حاسمة لتغيير هاتين المؤسستين، بوجود الثوار في الساحات، واستمرار الحالة الثورية وتوهجها، وضعف حظوظ نجاح الثورة المضادة في تلك اللحظة، ووجود ضرورة قصوى لإعادة هيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية وإعادة تأهيل كوادرها وتغيير العقيدة العسكرية والأمنية. وكانت الخطوة الأولى تتمثل في إعادة القيادات العسكرية والأمنية من المحافظات الجنوبية والشمالية الذين تم اقصائها بعد حرب 1994م وإجراء تغيير في القيادات العسكرية والأمنية وتحقيق الهيكلة على أرض الواقع. وهذه الفرصة ظلت سانحة خلال عامي 2012 -2013م، لكنها لم تستغل من قبل الرئيس الانتقالي الذي احتكر الملف العسكري والأمني وأضاع بهذا الاحتكار الفرصة السانحة للتغيير بأقل كلفة. فكان ثمن إضاعة الفرصة باهضاً. ولأن تحالف النظام القديم والبائد تمكن من قطع عملية الانتقال وتوقيف العملية السياسية ومنع التحول الديمقراطي باغتصاب السلطة وتكرار حرب 1994م بصورة مأساة وملهاة معاً، إذ كان علي عبدالله صالح ومعه الجيش والأمن يتمتعون بالصفة القانونية في حرب 1994م بينما كانت حربهم الأخيرة على اليمن شمالاً وجنوباً دونما صفة قانونية، وبالتالي، لا ينطبق على المحاربين وقيادتهم إلا الوصف القانوني للعصابة المسلحة، كما ينطبق على أعمالهم وصف الجرائم المنظمة ضد الشعب وممتلكاته، علاوة على فرق جوهري يتمثل في ان الحرب الثانية تمكن تحالفها من إضفاء البعد الأيديولوجي الديني المذهبي (الطائفي) بينما كان منحى التكفير في الحرب الأولى سياسياً وليس مذهبياً.

     لقد اقتصرت التغييرات في الجيش والأمن على إعادة تدوير القيادات العليا للجيش والأمن. وفي حالة التغيير، كانت البدائل من الموالين للنظام القديم، وفي الغالب من الموالين مباشرة للرئيس السابق وعائلته. وجرت بعد ذلك تعيينات ذات بعد سلالي بعد أن قام الجيش والأمن بتمكين مليشيات الحوثي من اجتياح العاصمة صنعاء واجتياح عدد من المحافظات في الشمال والوسط والجنوب، وفي عام 2015م، ازدادت درجة الدمج بين مليشيات الحوثي وصالح والوحدات العسكرية الواقعة تحت سيطرة صالح وتم دمج هذه المليشيات في هذه القوة العسكرية[1]، مما حولها إلى مليشيات من الناحية القانونية والفعلية.

   أما ما سميت بالهيكلة فكانت مجرد تغيير مسميات، على الرغم من أن إعادة هيكلة الجيش والأمن وإصلاح المؤسستين من المهام الرئيسية للفترة الانتقالية بمرحلتيها، طبقا للفقرتين (17,16) من اتفاق آلية تنفيذ العملية الانتقالية، وهي مهمة أنيطت بلجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار برئاسة رئيس الجمهورية الذي كان يطمئن ويركن إلى القيادات العسكرية والأمنية المعروف ولائها للرئيس السابق.

فقد حددت الآلية التنفيذية إصلاح القوات المسلحة والأمن بمهمتين رئيسيتين:

الأولى -مهمة عاجلة وهي توحيد القوات المسلحة بإنهاء الانقسام ومعالجة أسبابه وعودتها الى معسكراتها.

الثانية- مهمة مستمرة خلال المرحلتين، وهي بناء القوات المسلحة والأمن بما يحقق تكاملها كل على حده تحت قيادة مهنية وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، أي استبعاد الهيكلة القائمة بالأساس على الانتماء الجيوسياسي الضيق، وعلى عقيدة فاسدة قوامها الولاء لعصبية ضيقة. وترتب على ذلك انتهاك حقوق الإنسان وانقسام المؤسستين، واستبدال هذا الهيكل بهيكل جديد يوفر شروط حياد المؤسستين واستقلالهما، وإزالة آثار الهيكلة السابقة بإعادة تأهيل المنتمين إلى المؤسستين، بما يجعلهم قادرين على حماية الوطن والشرعية الشعبية والدستورية وحماية المواطن وحقوق الإنسان.

   لكن لم يتم تحقيق هذه المهمة عملياً، ولم يكن ما تحقق إنجازاً حقيقياً، بل مجرد خطوة شكلية على الورق لم تحقق في الواقع توحيد القوات المسلحة طبقاً للتقسيم التقليدي وضم الوحدات التي كانت تتواجد خارج ذلك التقسيم إلى الهيكل العام للقوات المسلحة وإلغاء الوجود الشكلي أو الرسمي لوحدات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع ووحدة المشاة جبلي مع استمرارها في الواقع تحت قيادة الرئيس السابق وعائلته، وتم أيضاً توحيد قيادات المناطق بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم (104) لسنة 2012م الذي حددت مادته الأولى مكونات الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة وقسمتها إلى:

أولاً-السلطة القيادية (رئيس الجمهورية -وزير الدفاع -رئيس هيئة الاركان العامة -نائب رئيس هيئة الأركان العامة).

ثانياً-جهاز الإدارة السياسية والعسكرية (وزارة الدفاع -وزير الدفاع -مساعد وزير الدفاع -هيئة الاركان العامة).

ثالثاً-المكونات الرئيسية للقوات المسلحة (القوات البرية -القوات البحرية والدفاع الساحلي-القوات الجوية والدفاع الجوي -قوات حرس الحدود -الاحتياط الاستراتيجي).

    وتتكون قوات الاحتياط الاستراتيجي من مكونين هما مجموعة الصواريخ التي تتكون من الالوية (8،6،5) والعمليات الخاصة والتي تتكون من: (القوات الخاصة ووحدات مكافحة الإرهاب واللواء الأول مشاة جبلي واللواء العاشر صاعقة)، وجميعها كانت تتبع الحرس الجمهوري. وتم شكلياً ضم باقي ألوية وتشكيلات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع إلى القوات البرية التي قسمت طبقاً لهذا القرار إلى سبع مناطق عسكرية لكن في الواقع ظلت وحدات الجيش على ماهي عليه.

   وفيما يتعلق بإعادة هيكلة الأمن وإصلاحه صدر قرار جمهوري رقم (50) لسنة 2013م بشأن مكونات الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، لكن هذا الهيكل لم يقترب من إحداث هيكلة جديدة أو تغيير العقيدة الأمنية والوضع القائم، عدا تغيير مسمى الأمن المركزي إلى قوات الأمن الخاصة.

   وعلى الرغم من أنه تم استبعاد أفراد عائلة الرئيس السابق من قيادة الجيش والأمن، حل محلهم في الغالب قيادات موالية لهم، ولم تمس القيادات الوسطى والدنيا، وتمكن أفراد العائلة من الاستمرار في القيادة السرية للمؤسستين بفعل الموقف المتخاذل للقاء المشترك وشركاؤه، وموقف المعنيين في السلطة الذين لم يقدروا مخاطر الثورة المضادة الآتية من هاتين المؤسستين. وترتب على ذلك وجود عوامل ثلاثة:-

الأول-بقاء وحدات الجيش وأجهزة الأمن على ما هي عليه.

الثاني-استمرار القيادات الموالية للرئيس السابق وعائلته في الجيش والأمن.

الثالث-تمكن عائلة الرئيس السابق من الاستمرار في دفع الأموال بفضل ما تم الاستيلاء عليها من أموال الشعب أثناء حكمه والتي قدرها فريق الخبراء المعني المنشأ بموجب قرار مجلس الامن رقم (2140) لسنة 2014م بمبلغ ستين مليار دولار.

    اعتمدت الثورة المضادة على تلك القوات وتحت قيادة علي عبدالله صالح وبمسميات الحرس الجمهوري والأمن المركزي ومشاة جبلي وأن كان من الناحية القانونية لم تعد توجد قوات بهذه المسميات ولم يعد لعلي صالح وأفراد عائلته أية صفة رسمية لقيادتها، مما يجعلها مجرد مليشيات تقوم بأعمال الجريمة المنظمة ضد الدولة والمجتمع.

    نخلص مما تقدم إلى أن القوات المسلحة والأمن في اليمن قد مثلت الأداة الأولى للثورة المضادة والانقلاب على ثورة فبراير 2011م ومنع التغيير والتحول الديمقراطي الأمر الذي يجعل مهمة هيكلة الجيش والأمن بعد استعادة الدولة وبسط سلطتها الشرعية على كل أجزاء البلاد، أولوية مطلقة طبقاً لأسس ومبادئ ومعايير وثيقة الحوار الوطني الشامل.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

 


[1]- راجع: التقرير النهائي للجنة خبراء العقوبات بشأن اليمن الصادر بتاريخ 30/1/2016.

قراءة 2611 مرات آخر تعديل على الإثنين, 03 تشرين1/أكتوير 2016 18:47

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة