اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة العاشرة) مميز

الخميس, 12 كانون2/يناير 2017 17:18
قيم الموضوع
(0 أصوات)

دور الحوار والتفاوض في تحقيق الانتقال الديمقراطي والسلام

   بتاريخ 4 يناير 2017م، صدر بيان مشترك عن الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، كان جوهره التأكيد على خيار السلام المستدام، وتمسك الحزبين به، واستعادة دور الأحزاب السياسية وشراكتهم في أي مفاوضات قادمة إلى جانب الحكومة الشرعية. باعتبار أن المسارين الأمني والسياسي مطروحين على طاولة البحث والتفاوض، وهو مطلب لا يستثني الأحزاب الأخرى، بل يؤكد على حق الأحزاب في الشراكة على قدم المساواة. وفي بيان الحزبين دعوة واضحة إلى كافة القوى السياسية والاجتماعية والحراك الجنوبي لاستنهاض جهودهم والحوار على قاعدة الشراكة الوطنية، واستعادة العملية السياسية في إطار المرجعيات التي تحكم المرحلة الانتقالية والقرارات الدولية ذات الصلة، والشراكة الفاعلة مع الرئاسة والحكومة في اتخاذ القرار.

   وعلى الرغم من أن البيان قد أوضح أن السياق الجديد للمفاوضات قد أستوجب طرح طلب المشاركة فيها، باعتبار أن المسارين الأمني والسياسي مطروحين على طاولة البحث والتفاوض، وكنا في سياق هذه الحلقات قد أوضحنا سبب قبول الأحزاب باقتصار المشاورات والتفاوض على الحكومة والانقلابيين في المفاوضات السابقة، والمتمثل بتقسيم التفاوض إلى مرحلتين، تقتصر المرحلة الأولى على المسار العسكري والأمني فقط، بينما خارطة الطريق المقدمة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن وباتفاق الدول الأربع، قد جمعت بين المسارين السياسي والأمني. غير أن البيان والتوضيح يبدو أنهما لم يكونا كافيين، إذ طرح التساؤل من قبل الداعمين للعملية السياسية والوسيط الدولي سبب طرح طلب المشاركة بعد القبول بعدم المشاركة في المشاورات والمفاوضات السابقة، وفي حلقات خمس تالية نبين ببعض من التفصيل مسار الحوار والتفاوض، والدور الأصيل للأحزاب السياسية، ومبرر استبعادهم في مراحل سابقة وسبب طلب المشاركة في المفاوضات القادمة.

   نجحت الأمم المتحدة ومعها الدول العشر ثم الثمانية عشرة الداعمة للعملية السياسية وعملية الانتقال الديمقراطي في المساهمة بإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل. لكن جهدها في إنجاح الحوار لم يتجاوزه إلى التنفيذ وإيقاف اغتصاب السلطة بالتدرج، وخاصة بعد الاستيلاء على العاصمة صنعاء من قبل المليشيات المشتركة (اللجان الشعبية) بين الرئيس السابق وعائلته والحوثيين، عدا توقيع الأحزاب والمكونات السياسية اتفاق السلم والشراكة الوطنية وملحقه الأمني. وتوقف الجهد عند إبرام الاتفاق وامتناع تحالف الثورة المضادة عن تنفيذه على الرغم من الجهود التي بذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر من أجل استمرار الحوار بين الأطراف الموقعة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية لإيجاد توافق بشأن تنفيذه والعودة إلى العملية السياسية وعملية الانتقال وتنفيذ ما تبقى من مهام الفترة الانتقالية طبقاً لاتفاق المبادرة الخليجية واتفاق تنفيذ العملية الانتقالية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل. لكن هذه الجهود التي استمرت منذ منتصف عام 2014م حتى منتصف شهر مارس من عام 2015م ذهبت أدراج الرياح بسبب شن الانقلابيين الحرب على جنوب اليمن. وهنا توقف الحوار.

   وأثناء الحوار كان مسعى المؤتمر الشعبي العام لتعطيله ظاهراً للعيان، إذ كان يثير يومياً مناقشة أمور حسمت في مؤتمر الحوار الوطني، أي المنازعة في مرجعية الحوار واعتبار الأمور التي جرى التوافق عليها ولم يكن رئيس المؤتمر الشعبي العام راضياً عنها أموراً غير متوافق عليها، ومن ذلك شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية وهيئات الدولة الأخرى: مجلس النواب ومجلس الوزراء لعدم توفر الشروط المقررة في رئيس الحزب وأبنائه. وكان شريكه الحوثي يقبل بمرجعية مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لكنه ينازع حول الأساس الذي قامت عليه تلك المخرجات، أي أنه يرفض مرجعية اتفاق المبادرة الخليجية واتفاق آلية تنفيذ العملية الانتقالية.

   كان تحالف الثورة المضادة يواصل الحوار لهدف واحد، هو انتزاع اعتراف الأحزاب السياسية بشرعية الانقلاب وهيئات السلطة الموالية له، مثل مجلسي النواب والشورى والتخلي عن شرعية الرئيس، وبالتالي شرعية الدولة القائمة على شرعية الفترة الانتقالية.

حدثت حينئذٍ صحوة مؤقتة للقاء المشترك، فاتفقت أحزابه على: "رؤية اللقاء المشترك للخروج من الأزمة السياسية" التي تضمنت محورين:

أولاً:تهيئة المناخات والأجواء الآمنة المطمئنة للفرقاء السياسيين، وتضمن هذا المحور خمس نقاط، هي:

1-  تعزيز الثقة بين الأطراف السياسية، من خلال اعتماد الحوار لحل الخلافات وتجريم استخدام القوة أو التلويح بها لتحقيق أهداف سياسية والتوقف عن الإساءة للقوى السياسية في البلاد وعن إظهار التسلط على الجميع. 

2-    ضمان عدم التعرض للمظاهرات والاحتجاجات والمسيرات السلمية واحترام حق التعبير.

3-    رفع الحصار عن الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء وإطلاق حريتهم.

4-    وقف الانتهاكات بحق الصحفيين والمعارضين والناشطين السياسيين والإعلاميين.

5-  العودة إلى ما كان الوضع عليه في أمانة العاصمة وبقية المحافظات عند توقيع اتفاق السلم والشراكة، بما في ذلك، الانسحاب من دار الرئاسة ومحيط منزل رئيس الجمهورية والمواقع المحيطة بهما ومن المؤسسات وتغطية الفراغ الأمني من قبل الجهات الأمنية المختصة.

ثانياً: مقترح الحل السياسي (إعادة المسار السياسي):

   تضمن هذا المحور رفضاً واضحاً للانقلاب والتمسك بشرعية رئيس الجمهورية، إذ ورد فيه أنه: "عند توافر المناخات والأجواء الآمنة طبقاً لما ورد أعلاه يتقدم الفرقاء السياسيون كافة للرئيس عبدربه منصور هادي بطلب العدول عن الاستقالة وهو الخيار الذي تتوفر له فرص النجاح(...) ومن خلاله يمكن إعادة الروح للحياة السياسية شريطة الالتزام بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل واتفاق السلم والشراكة وملحقه الأمني والعسكري وكل الاتفاقات الموقعة وصولاً للاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية". ولا يعني عدم الإشارة هنا إلى المبادرة الخليجية التخلي عنها، وإنما جرى التأكيد على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها، إذ ورد في الرؤية: "إن أحزاب اللقاء المشترك وهي تتقدم بهذا المقترح لتؤكد على أنها تنطلق من الحرص على وجود شرعية غير متنازع فيها(...) إذ أن القبول باستقالة رئيس الجمهورية(...) سيمثل انقلاباً على العملية السياسية وإجهاضاً لها بما في ذلك مخرجات الحوار الوطني والاستفتاء على مشروع الدستور الجديد...".

خلص هذا الحوار إلى اقتراح الآتي:

1-  يتم توافق المكونات الموقعة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية على اختيار أربعة نواب لرئيس الجمهورية وبمعيار التمثيل الوطني، وتلتزم الأطراف الممثلة بمجلس النواب بتعديل المادة الدستورية المتعلقة بنائب الرئيس، وهو تعديل يندرج ضمن صلاحية مجلس النواب، أي لا يحتاج إلى استفتاء شعبي.

2-  تشكيل حكومة إنقاذ وطني من المكونات الموقعة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية بالتساوي فيما بينها باختيار ممثلين عنهم بصورة مباشرة في الحكومة يتم اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والإعلام من شخصيات مستقلة، ويتم التوافق على تسمية رئيس مجلس الوزراء.

    كان قد تم تلخيص الرؤية شفاهاً لممثل الأمين العام للأمم المتحدة والاتفاق معه على إعطاء ممثلي اللقاء المشترك عرض المقترح المكتوب في جلسة الحوار، وعندما هم ممثلو اللقاء المشترك بعرضه تفاجئوا بمغادرة حامل الورقة وعدم دخوله إلى قاعة الاجتماع[1].   

    في ذات الوقت كان تحالف الثورة المضادة يرفض شراكة رئيس الجمهورية في الحوار وفي العملية السياسية، أي جعل أطراف الحوار محل نزاع. وبعد تمكن الرئيس من الإفلات من الإقامة الجبرية في صنعاء والانتقال إلى عدن صار مكان الحوار محل خلاف أيضاً، إذ طرح رئيس الجمهورية تغيير المكان واختيار مكان آمن لا يجعل الحوار تحت ضغط استخدام القوة والسلاح من قبل تحالف الثورة المضادة. وتم تأييد هذا الطرح من قبل الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري. وظل مكان الحوار محل خلاف حتى دعى الرئيس إلى أن تكون الرياض مقراً للحوار. وأعلنت السعودية قبولها ودعت الأطراف إلى الحوار في الرياض تحت رعاية الأمانة العامة لمجلس تعاون دول الخليج العربية وأيد مجلس الأمن للأمم المتحدة دعوة الرئيس للحوار وقبول المملكة العربية السعودية وذلك في قراره رقم (2216). لم يكن هذا الاختيار في واقع الحال يمثل حلاً للخلاف حول مكان الحوار، بل زاده تعقيداً، إذ ليس من المعقول أن يوافق تحالف الثورة المضادة على الرياض، لاسيما إذا كان لحليفه الإقليمي-إيران-اعتراض. ومن الطبيعي أن يكون ذلك الاعتراض الإيراني قائماً، لأن الصراع الإقليمي أنتقل إلى الساحة اليمنية، وأزداد هذا الخلاف عمقاً بعد التدخل العربي العسكري في اليمن بقيادة السعودية. غير أن اختيار الرياض كان بعد شن الحرب على عدن ومحاولة قتل الرئيس بقصف الطيران وتبرع مليشيات الحوثي بالموانئ الجوية والبحرية لإيران، وإجراء مناورات عسكرية على حدود السعودية، وكان مجلس تعاون دول الخليج العربية يتشاور مع الأحزاب السياسية لاختيار مكان في إحدى دول المجلس وبما يحقق مشاركة كافة الأطراف اليمنية: الشرعية والأحزاب الداعمة لها من جهة، والمتمردون والأحزاب التابعة للانقلاب من جهة أخرى، وكان الخيار يتجه نحو عُمان أو الكويت، ومن ثم أتى اختيار الرياض بعد أن صارت المنطقة مهددة بحرب شاملة تشنها إيران من الأراضي اليمنية.

 

وكانت موضوعات الحوار تتمثل بثلاثة موضوعات رئيسية، هي:

1ـ مناخات التوافق، وتتمثل بإلغاء الإجراءات الانقلابية التي قام بها تحالف الثورة المضادة.

2-الشراكة في إدارة المرحلة الانتقالية والتأسيس للدولة: البرلمان، ورئاسة الدولة، والحكومة، والهيئات المستقلة: الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، اللجنة العليا للانتخابات، وهيئة مكافحة الفساد.

   وكانت المناقشات في الحوار تصطدم بمنطق متناقض، إذ كان تحالف الثورة المضادة يعتبر مجلس النواب يمثل الشرعية الدستورية وهو المجلس الذي انتهت مدته عام 2009م وأستمر فقط بالتوافق السياسي وفي الوقت ذاته يتمسك بعزل رئيس الجمهورية الذي يمتلك وحده شرعية شعبية قائمة على الانتخابات العامة، إذ تم انتخابه في الفترة الانتقالية ويتولى منصبه وفقاً لآلية نقل السلطة التي جرت الانتخابات على أساسها حتى انتهاء الفترة الانتقالية بإنجاز مهامها وانتخاب رئيس جديد وفقاً لشرعية الفترة الانتقالية المنصوص عليها في اتفاق المبادرة الخليجية واتفاق آلية تنفيذ العملية الانتقالية. ورفضت أحزاب اللقاء المشترك هذا التوجه.

3-استعادة الأمن والاستقرار: بالبدء باستعادة مؤسسات الدولة والسلاح، وانسحاب المليشيات من المؤسسات والمدن، وحل المليشيات، وهذا الموضوع لم يصل الحوار إلى الوقوف عليه، ولكن ثمة موقف سابق يبين أن تحقيق مثل هذه المهام غير ممكن اختيارياً من قبل المليشيات أو اللجان الشعبية. ومن مؤشرات ذلك أنه عند مناقشة مصفوفة خاصة بمعالجة قضايا صعده في اللجنة المشتركة المشكلة من أعضاء في الحكومة وقيادة أنصار الله كان الحوثيون يطرحون فكرة مؤداها أن يتم بسط نفوذ الدولة في كل أنحاء البلاد بعد بناء الدولة، أي تأجيل استعادة الدولة لسلطتها إلى أجل غير مسمى.

نصل مما تقدم إلى أن اتجاهات الحل كانت وتظل متمثلة فيما يلي:

1ـ استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب والحرب.

2ـ التوافق الوطني بالحوار الجامع في مكان آمن.

3-العودة إلى العملية السياسية وعملية الانتقال الديمقراطي لتنفيذ ما تبقى من مهام الفترة الانتقالية، مع إيقاف الأعمال التي تهدد وحدة الكيان الوطني ووحدته الترابية، وإنهاء التدخل الأجنبي لتغذية الطائفية والحرب الأهلية.

   بيد أن هذه الخيارات ليست ضمن برنامج الثورة المضادة التي قبلت فيما بعد بالتشاور أو بالأصح التفاوض خارج اليمن بدءً من سويسرا ثم الكويت، لكن هذا القبول لم يكن يتعدى التكتيكات السطحية بدافع أن التفاوض سيمكنهم من إحلال شرعية الانقلاب محل الشرعية الدستورية -التوافقية، كما تبين لاحقاً.

    وإلى جانب دعم الحوار الوطني، يدعم المجتمع الدولي، خاصة الدول العشر أو الثمانية عشرة[2] جانبين: الأول سياسي من خلال قرارات مجلس الأمن والثاني اقتصادي من خلال اجتماعات أصدقاء اليمن.

 


[1]- كان حامل الورقة هو نائب أمين عام اتحاد القوى الشعبية.

[2]- الدول العشر الداعمة، هي ـ دول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومجلس دول الخليج العربية ثم ضمت إليها دول أخرى ومنظمات دولية فصارت مجموعة العشر ثم مجموعة الثمانية عشرة.

قراءة 3332 مرات آخر تعديل على الجمعة, 13 كانون2/يناير 2017 17:52

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة