خـــــــــــــريــف الــــــــذاكـــــــــرة

الثلاثاء, 12 آب/أغسطس 2014 16:10
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

يعزى ضعف الذاكرة عند من أدمنوا الفساد والاستبداد كحكام إلى عامل أصيل ومتجذر في سلوك منحرف جعلهم يفقدون حاسة الألم تجاه ما ارتكبوه بحق شعوبهم من جرائم وآثام، وما صنعوه بأيديهم من مآسي وأشعلوه من حروب وشيدوه من بنيان للكراهية.

لا أسوأ من طغيان القوة عندما يمارسها أناس من موقع المسئولية وهم يتسكعون داخل تاريخ من الشذوذ النفسي أو الشعور بالنقص أو المهانة. يسجل التاريخ نماذج  للقوة التي تقع بأيدي هؤلاء لتنتهي الأوطان إلى خرائب، كالتي نراها اليوم في أكثر من بلد، كشاهد على فداحة الجرم الذي صنعه هؤلاء ببلدانهم.

من ثنايا وشقوق هذه الأبنية المشيدة من رماد الحروب والثارات والتعصب والتطرف والفساد يتناسل أمثال أولئك القتلة والسفاحون الذين ارتكبوا تلك الجريمة البشعة في حوطة حضرموت بحق الجنود الأربعة عشر وقتلهم غيلة وبوحشية يندى لها الجبين، ويشمئز منها أعتى القتلة وأشدهم إيغالا في الدم.

من أين استحضر أولئك السفاحون كل هذا السلوك الشاذ إذا لم يكن من نفس مدرسة الإرهاب المعجون بفساد الحكم وبتاريخه الطويل في رعاية ودعم التطرف وإنتاج أدواته في هيئة أفكار ودعوات تحريضية وجماعات معدة للقتل والترويع. لقد ظل يحضر هذه الأدوات ويجلبها من كل الأمصار ويستخدمها في معاركه وضد خصومه ويغسل ويلاقح فيما بينها في معامل خاصة ليصل في نهاية المطاف إلى هذه الطبعة التي جسدت على الواقع أردأ ما صنعته تلك الأيادي الآثمة التي صنعت الإرهاب ووظفته، وها هي وتواصل تخريب الوطن بجرائمه  المروعة.

وفي الوقت الذي اهتز فيه اليمن من أقصاه إلى أقصاه مدينا ومستنكرا هذه الجريمة البشعة في أروع موقف جسد تلاحما وطنيا نادرا لكل أبنائه في مواجهة الإرهاب مستشعرين خطره الداهم الذي عكسته هذه البشاعة وهذا السلوك المنحرف، نجد على الطرف النقيض من يحاول أن يختلق إطارا ذرائعيا مختلفا لهذه الجريمة ويبحث عن أغطية مزيفة لتبريرها بعيدا عن أسبابها ودوافعها الحقيقية، ويقحم فيها الوحدة والشمال والجنوب بصورة لم تخل من ذلك القبح الذي طالما ظل يحمي التطرف ويشجع الإرهاب ويبرر القتل وسفك الدماء.

لقد عودنا هؤلاء وفي مواطن مماثلة كثيرة أن يثيروا عواصف من الغبار كطاقية إخفاء للمعامل التي يجري فيها صناعة كل هذا الشر الذي يهدد البلاد والعباد بالخراب.

حاولوا أن يكسبوا هذه الجريمة الغادرة لونا غير لونها الرديء المغمس في أوحال سنوات من الغدر والاغتيالات، والملطخ بأوساخ المعامل التي جرى فيها توليد هذه الطبعة من الإرهاب حتى تضل الحقيقة طريقها كما كان شأنهم دائما في تضليلها.

وبدلا من البحث في كيفية مواجهة هذه الآفة المتربصة بمستقبل هذا البلد يواصل هؤلاء وبكل خفة الدفاع عن الأسباب المنتجة للإرهاب وتضليل الناس بتسويق أسباب سياسية لا صلة لها بهذه الآفة المستشرية وأسبابها الحقيقية.

وهم في هذا العمل يواصلون اللعبة القديمة بنفس الأدوات التي يعاد انتاجها معتمدين على خريف الذاكرة.

لم يستوعب هؤلاء الدرس.. منحتهم الحياة أكثر من فرصة لكنهم أوغلوا في الإنتقام من الحياة نفسها، مع أن للحياة منطقها الذي لا يقهر.

قراءة 2256 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة