الحروب لا تصنع مستقبلا.. نعم للمطالب المشروعة لا لحصار صنعاء

الثلاثاء, 16 أيلول/سبتمبر 2014 17:39
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

الاشتراكي نت/ المحرر السياسي

أثناء الأزمة السياسية التي نشأت بعد الوحدة ، وذلك خلال عامي 1993/ 1994، أخذ البعض ينظرون ويعدون للحرب ، فرفعوا شعارا تعبويا كريها يقول إن "الحروب تجدد المجتمعات وتوقظ الشعوب من سباتها" . وفي لقاء برئاسة الرئيس السابق مع عدد من السياسيين من أطراف مختلفة (وقد بلغت الأزمة ذروتها ) ، أخذ أحد جهابذة الشعار يردده في ذلك اللقاء على نحو أرعن ، حتى أن عددا من الحاضرين ممن كانوا يلوكون هذا الشعار في جلساتهم الخاصة ، بما في ذلك ، جلسات التعبئة التي تتم مع مناصريهم ، أخذوا يهمهمون محرجين من التصريح بتلك الطريقة الفجة . لكن تلك الفجاجة في الحقيقة كانت مدروسة بهدف تدشين إطلاق ذلك الشعار على نحو علني لتبرير مواصلة التعبئة لتلك الحرب الملعونة . بعدها بيوم ، وفي أحد المعسكرات القريبة من العاصمة ، كان أحد المحاضرين يفسر معنى هذا الشعار على أنه انتصار الحق على الباطل من منطلق أنه هو الحق وأن الباطل هو غيره . أما في بعض المساجد فقد ارتفعت الأصوات مرددة" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل .... الخ " .

قامت الحرب وأغرقت البلد في مأساتها ، ولم يتجدد المجتمع ، بل إن "المجددين" نهبوا البلاد وأذلوا العباد ، واستنزفوا ثروات الشعب بدلا من إيقاظه من سباته ، وبعد أن كانوا لصوصا يتنازعهم الخوف من تهمة اللصوصية ، صاروا بفعل الحرب والنصر لصوصا جبارين لا يهابون التهمة  . فالحرب منحتهم مشروعية النهب والعبث والفساد . كيف لا وهم الذين "ضحوا" من أجل الوطن وغامروا بإشعال الحرب لتجديد المجتمع . لم يكونوا في ذلك إستثناء ، فالحروب لها منطقها ولها أدواتها ولها معادلها السلوكي والأخلاقي . أما منطقها فيقول إن المنتصر لا بد أن ينعم بانتصاره على النحو الذي يشبع عنده الشعور بالتفوق ، وأما أدواتها ففوق القانون وأعراف وقيم المجتمع ، وأما السلوك والأخلاق المعادلة فتتشكل في قلب الحدث المثخن بالجراح وبسفك الدم والقتل والتدمير ، وهما قيمتان تمارسان أثناء الحروب وبعدها ارتجالا وبدون نوازع إنسانية ووفقا لما تمليه الإرادة الرديئة للمنتصر ، ومعها يصبح كل ما تطاله يد هذا المنتصر رديئا بالضرورة .

في الجنوب ، الذي استهدفته الحرب ، جرى التعامل مع الشعب كمهزوم ، وكثيرا ما حرص المنتصرون على أن يذكروه بحرب الشمال على الجنوب في أمريكا . استباح المنتصر حق الناس في العمل فمارس التجويع والتفتيش في الضمائر لإنهاك " الخصم" كما قالوا ، وانتزعوا الأراضي من الفلاحين وسلموها لمن حاربوا في صفهم من خصوم النظام السابق ، وفتحوا بذلك طريقا للثأر من المشروع الوطني الذي كان موضوع الخصومة مع أولئك الذين عبأتهم صنعاء للحرب وكافأتهم بتلك الصورة التي كانت أبرز عنوان للفساد السياسي ، وقام المنتصر بتدمير وتصفية المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية وقذفت إلى الشارع عشرات الآلاف من العمال ، واستباح الأرض نهبا وتوزيعا كإكراميات للفاسدين والموالين والقتلة ، وقام بصورة ممنهجة بدعم خصوم المشروع الوطني وفتح بذلك باب العودة إلى مشروع "الجنوب العربي" كمرحلة أولى نحو العودة إلى الشرعيات القديمة للسلطنات والمشيخات ، وهيأ الأسباب لولوج البلاد رحلة التفكيك التي بدأت مع نهاية هذه الحرب .

وفي الشمال خاضت السلطة منذ نهاية تلك الحرب ستة حروب أخرى لم تجدد شيئا في المجتمع ، بل بعثت إلى السطح روائح الطائفية والعصبية البغيضة ، وأعادت إنتاجها بواسطة خطاب وفعل تعسفا الحاجة الموضوعية للاندماج الاجتماعي ، ولم توقظ تلك الحروب الشعب من سباته بل أدخلته في دهاليز التفتيش في أسباب وعوامل التفكيك والانقسام الاجتماعي ، وهي الحروب التي أشعلت بعد ذلك حروب الثارات والانتقام ، واستخدمت نفس عناصر الحشد التي سجلتها الحروب العدوانية السابقة كشواهد على رداءة كل هذه الحروب وبشاعة الأسباب التي ولدتها ، ولكن من موقع آخر .

كانت الثورة السلمية منذ عام 2007 حتى عام 2011 قد أعادت ، إلى حد كبير ، ترميم هذا الوضع المشوه الذي انتجته تلك الحروب ، واستعادت من ثم القيمة الفعلية للمشروع السياسي من خلال الحوار وإن بروح مثقلة بما تمخض عن الحروب من بروز قوى وأطراف تملك السلاح كخيار بديل للمشروع السياسي في الوقت المناسب . كنا نعتقد أننا ، باستعادة روح المشروع السياسي السلمي الديمقراطي ، قد وضعنا حاجزا قويا بين زمنين لكل منهما أدواته ، غير أن ما أثبتته الأيام نبهنا إلى حقيقة صادمة وهي أن الثابت في الحروب العبثية هو اعتمادها على مفاعلات الموروث الذي يتشكل على قاعدة مختلفة تماما عن الحروب الأخرى التي تقوم لأسباب سياسية مجردة عن تزكية الموروث الديني ذو المنحى الأيديولوجي وتنتهي آثارها بمجرد ما تتم التسوية السياسية على الأرض . تلك الحروب العبثية تقوم على تنازع الحق والباطل والخير والشر بين أطرافها ، وهو منطق مأفون بدوغما امتلاك الحقيقة ، وهو الذي أورث هذا البلد وغيره من بلاد العرب والمسلمين كل هذه الكوارث . وهو مترع بروابط أيديولوجية لا تغيب فيها المصالح العابرة للحدود ونوازع تصفية الحسابات في بلاد الغير حيث تتوفر شروط إنتاج الحامل الأيديولوجي أو المنفعي للقيام بهذه المهمة . والأيديولوجيات المسترخية فوق أكوام هذه المصالح المشوهة يكون من وظائفها الأولى طمس جوهر التسامح في الإسلام ، دين الجميع . وعندما تبرز تجليات هذا التسامح في الدعوة إلى الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن والأخذ بخيار  " تعالوا إلى كلمة سواء" فإن ذلك المنطق المأفون بروائح وغبار تلك الأيديولوجيات يتعرى أمام هذه الحقيقة الجوهرية للإسلام ككاهن شرقي دهن جسمه بالفوسفور ليخدع الناس بأنه ينير لهم درب الحقيقة .

لا يمكن أن نفصل ما يجري في بلدنا اليوم عن نتائج تلك الحروب العبثية وما ولدته من دوافع وأسباب وخبرات شيطانية في توظيف تلك الدوافع والأسباب لمواصلة السير في هذا الطريق الذي أنهك البلاد وخرب كل إمكانية لإصلاحه . لا يمكن أن تكون الحروب حلا مثلما أنها لم تكن كذلك في أي يوم من الأيام في تاريخ هذا البلد . الشعوب التي تناضل من أجل بناء مستقبلها لن يستطيع أحد أن يقنعها بأن الحرب طريق لبناء المستقبل ، لأن الحروب كانت دائما ما تصادر مستقبلها وتأخذ الجزء الأكبر من لقمة عيشها ومن كرامتها لتكافئ المنتصر .

اليوم لا يصطف تحت راية الحرب إلا المنتقمون بمعاولهم المعدة لهدم المعبد على الجميع ، أو النهابة الذين تراكمت في بطونهم نتانة ومخلفات الحروب . وإذا رأيت أحدا يدعو أو يعد أو يبرر للحروب فلن يكون إلا واحدا ممن ينتمون لهاتين الفصيلتين . وتستمد الحروب ، بسبب ذلك ، بشاعتها من بشاعة الأهداف التي يرمي هؤلاء إلى تحقيقها . جربنا الحروب وكانت النتيجة هي تأسيس المزيد من مراكز الخراب في المجتمع وفي قلب الدولة ، فلنجرب السلام فهو تراثنا القيمي المسكوت عنه " تحيتهم فيها سلام " .

حتى لا يبدو أن المنتقمين والنهابة قد قرروا السير بالبلد نحو الحرب فإنه لا بد من التوقف بمسئولية أمام ما قد حققه التفاوض من نتائج إيجابية حتى الآن لنقول جميعا وبصوت واحد نعم للمطالب المشروعة ونعم للعمل السلمي ولا للسلاح ولا لحصار صنعاء .

قراءة 2473 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 16 أيلول/سبتمبر 2014 17:42

1 تعليق

  • تعليق lmansour noman الأربعاء, 17 أيلول/سبتمبر 2014 10:25 أرفق lmansour noman

    حكومات الحروب دائماً اسرع من كتابات العقلاء من القوم لان الكتابه في حاجه الى وقت للتفكير- مقاله في حاجه لان يقرأها الناس ويعوا معانيها

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة