أن تثور سلمياً في بلد الـ 60 مليون قطعة سلاح

الأحد, 26 شباط/فبراير 2017 18:51 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ضمن ملف استعادة تفاصيل الأيام الأولى للثورة وأبرز المحطات، وبحث أسئلتها، وهو الملف الذي يفتحه موقع "الاشتراكي نت" بمناسبة الذكرى السادسة لثورة فبراير، كخطوة أولى على طريق تدوين الحدث الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر من زواياه المختلفة، ننشر هنا تباعا الكتابات المتصلة بموضوع الثورة تحت عنوان "أسئلة الثورة وتفاصيلها".

...........             

 الأغنية الوطنية كسلاح ثوري

بعد أن لعبت الأغنية الوطنية دور مهماً في تشكيل وجدان الشعب، وكانت مصدر إلهام في الثورة والتحرر من الرجعية والاستعمار، معززة للهوية الوطنية ومعبرة عن همومه الشعب وقضاياه السياسية والاجتماعية، باعتبارها صوت الشعب إلى الشعب، عملت أنظمة ما بعد الثورة والتحرر على إماتة هذا الصوت، وخلق الصوت المتغتي بالحاكم المستبد، إذ حل شخص الديكتاتور مكان الوطن والثورة، وبهذا أنحرف مسار الأغنية الوطنية وشوهت وأصبحت ذات دلالة على تمجيد الحاكم المستبد لا التمرد والثورة عليه.

وكما أحتكر نظام صالح الغارق بالتفاهة والطغيان، الأعياد والمناسبات الوطنية وصادر حق الشعب في الاحتفال بإنجازات تحولاته التاريخية، صادر الأغاني الوطنية أيضاً، وجعلها التلفزيون الرسمي سجينة، مقرونة بصور الطاغية لا تذاع إلا بعد خطابات القائد الأعلى صانع الوحدة ربان السفينة وباني اليمن الحديث!.

ولكي تتحرر الأغنية الوطنية ككل ما في البلاد، كان لابد من الثورة وكان فبراير الحدث العظيم، إذ أعادت ثورة الحادي عشر من فبراير الاعتبار للأغنية الوطنية لتقوم بواجبها الذي خلقت من أجله، دورها الرئيس وصيرورة بقاءها، به تحيا وبدونه تشوه لا قيمة لبقائها بدونه.

ففي فبراير، وعند كل مظاهرة ثورية، مثلت الأغاني الوطنية الثورية الوثيقة التاريخية، والصوت الجامع والأفق الناظم لكل اليمنيين، ونقطة اندفاعهم، وحادية أرواحهم نحو الوطن المراد بلهفة، مدشنة لمرحلة جديدة عنوانها التضحية والبطولة لا لشيء إلاً حباً للحياة الكريمة، ورغبة في الانتماء إلى الحاضر.

وبالقدر الذي كانت فيه الأغنية الوطنية تدبّ الحماس والروح الثورية في قلوب أبناء الشعب الواحد المنتمي إلى الحاضر، حاضر الثورة؛ كانت أيضاً تقذف الرعب في قلب النظام ويدّب العجز والهرم في جسده الذي ينتمي إلى الماضي ويحن إليه، مدركاً استحالة تعافيه بعد أن "وهبّ الشعب دمه الغالي.

**

الديكتاتور قد تهزمه أغنية..!

بمناسبة أو بدون مناسبة لم يكف المخلوع صالح عن الإساءة للشعب اليمني، إذ دأب على وصمّه بالإرهاب والتخلف والجهل والهمجية والعمالة وبأننا ليس أكثر من رعاع وقطاع طرق وبأحسن الأحوال مجموع قبائل ثأرية تناحرية لا ينتظم خطها إلا في منطق الفيد والغنيمة، وبالتالي يصعب حكم هذا الشعب البربري المتخلف إلا بالطريقة السافرة التي حكم بها صالح البلاد لأكثر من ثلاثة عقود طاغية.

بالطبع، كان علي صالح يخرج كل ما في جوفه وما تحويه حشوات هذا النظام من قذارة وانحطاط ليلقي بها على ظهر الشعب الطيب الصبور والمحتمّل - للحد الذي توجب معه الثورة - لأذية رجل سافل ومجرم منحط (الرئيس) تحوط به عصبة من القتلة والجهلة واللصوص والمهرجين )النظام( ظن صالح أنه من خلال إساءته المتكررة للشعب قد يهدف بالحد الأدنى، إلى كسب تعاطف خارجي مع نظامه يقيه أمر الثورة - كيف لا، وقد عصفت الثورة توالياً بإثنين من زملاءه في أشد قلاع الديكتاتوريات صرامة - إذ كان يقدم نفسه للخارج ليس باعتباره الرجل الحكيم والمخلص القادر على حفظ مصالح هذا الخارج، بل والنموذج الأمثل الأجدر على حكم شعب على تلك الصورة البربرية التي صدرها صالح للعالم عنه، ومن ثم إيجاد صيغ أخرى للاستبداد والقمع والنهب وإبقاء حالتي التخلف والاحتراب الأهلي كحالة دائمة تجعل من تأبيد حكم العائلة أمرا قيد التحقق، لكنه لم يكن يفعل شيئاً غير التعجيل في نضج زمن السقوط وبإيجاد صيغ أخرى تقربه أكثر من الهاوية، ومن ذا الذي يستطيع أن يقف في طريق شعبٍ قرر المضي قدماً، وكانت الثورة هي قراره الأول وطريقه الوحيد، وقد كانت فعلاً..!

عمل علي عبدالله صالح طيلة فترة حكمه على إشغال الناس في حروب عبثية أليمة دائمة، وأغرق البلاد بالفوضى والسلاح من خلال شبكات المافيا الواسعة، إذ كانت قد أشارت بعض التقارير عن "وجود 60 مليون قطعة سلاح بيعت ويتم حيازتها بصورة غير قانونية"، ولا يخفىّ على أحد أن "فارس مناع" المحافظ السابق لمحافظة صعدة - معقل الحركة الحوثية المسلحة - والمقرب جداً من صالح الرجل المافياوي الأول، يعدّ أكبر تاجر سلاح في اليمن وربما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحسبي أنه منذ انهيار نظام القذافي في ليبيا، أفرغت الساحة لـ"مناع" بالكامل ..! لكن، كيف يمكن لشعبٍ أن يترك "60 مليون قطعة سلاح" أن "يفلتْ سلاحه"، ويخرج بالثورة متسلحاً بأغاني أيوب والآنسي والمرشدي؟..

وحده المخلوع لا يدري كيف؟!

 في ذكرى الثورة، يمكنني القول أن علي عبدالله صالح قد خسر الراهن، وكسب اليمنيون احترام العالم بعد أن احترموا أنفسهم أولاً، وقرروا الانتماء إلى الحاضر، رافضين الاستلاب وموتهم القهري في قماقم الانتماء القروي.

في 11 فبراير طمس الشعب الصورة القاتمة التي رسمها وأطرها النظام الحاكم وصدرها للعالم ضده، بعد أن أعاد تعريف نفسه بشكل حقيقي يليق بأرثه النضالي وبتأريخ حركته الوطنية، وأظهر للعالم أجمل ما يمكن أن يقدمه أي مجتمع أخر صاحب حضارة في ثورة سلمية هي من أعظم الثورات في التاريخ على الإطلاق.

**

الأغنية الوطنية كسلاح ثوري

في 11 فبراير 2011 قامت قيامة الشعب اليمني - الذي أغرقه نظام صالح ب60 مليون قطعة سلاح وبظروف إقتصادية صعبة - وخرج بكل أطيافه في يومٍ واحدٌ للمجد، ولا يكن ذلك إلاّ في اليوم الذي تصنع فيه الشعوب تاريخها وتكون كلمة الشعب هي العليا.

خرجت جموع الشعب معلنةً، هتافةً رففة المرشدي "أنا شعب.. أنا الشعب زلزلة عاتية"، بصدور عارية ووجوه حالمة وأقدام حافية وقلوب مؤمنة مرددة "أنا الشعب.. أنا قضاء الله في أرضي" في شوارع صنعاء وتعز وعدن والحديدة وذمار وإب وعمران ومآرب وكل مدن ومديريات الجمهورية مطالبةً لأول مرةٍ برحيل الطاغية وبإسقاط النظام الحاكم ومحاكمة رموزه، ومناديةً بقيام نظام ديمقراطي عادل وبدولة الحرية والمواطنة المتساوية.. وإذ ذاك جن جنون الطاغية وشرع وبلاطجته بإفراغ ذخيرة الموت الحية في صدور وجماجم جموع المتظاهرين العزل - إلاّ من أغاني الشعب والثورة - وقتل وجرحى وأعتقل أجمل ما في هذا البلد، أجمل ما فينا نحن الذين كنا نقف إلى جوارهم وبقينا على غير قصد منا على قيد الحياة، فلتغفروا لنا هذا الخطأ الخارج عن إرادتنا يا رفاقنا الشهداء، يا أجمل خلق الله.

إبان الثورة تقمص صالح دور عالم الاجتماع متحدثاً في مقابلة تلفزيونية عن البنية الاجتماعية القبلية (المتخلفة) وبأننا شعب مسلح ولسنا أهلٌ للثورة ناهيك عن السلمية كالشعب التونسي أو المصري "اليمن ليست تونس.. اليمن ليست مصر" الخ؛ رغبة منه في جرّ البلاد إلى مربع العنف وشباب الثورة إلى حمّل السلاح وهذا ميدانه بالطبع، لكن التصميم على سلمية الثورة كان أكبر وكان لابد من خوض التجربة، إلى أن تحن ساعة تنظيم الناس للدفاع عن أنفسهم، "فالشعب ماشي وعارف طريقه" يا شيخ إمام، أقول هذا ونحن في فبراير 2017، في الذكرى السادسة للثورة.

أرسل الطاغية قناصته لإماتته وكتم نفسْ السلمية، فانهمرت رصاصات الحقد كالمطر، وتساقط رفاقنا الذين لا نعرفهم كالورد، ونحن لا نزال نهتف رفقة أيوب طارش "مثل سيلٍ وسط ليلٍ يرتمي" ننتشل من سقطوا بسرعة، ونمضي في الملحمة الثورة على طريق النصر.

لم تكن حشود الثورة أبداً تسمع الصوت الصادر عن الطاغية، أقصد صوت الرصاص الحي، كان صوت الأغنية الوطنية أعلى وصوت "أيوب" أكثر حضوراً وحركةً، لكأن هنالك ستين مليون حنجرة أيوبية تهتف معنا "وهبناكِ الدم الغالي.."، لا ال"60 مليون قطعة سلاح" التي أغرق بها صالح البلاد.

 في الثورة الفبرايرية غابت القيادة، فحضرت الأغنية الوطنية وكانت القائد في الظل والمحرك الأول لاستمرارية الفعل الثوري. في ساحة التغيير، كانت حشود الثورة تنتزع خيامها عن نفسها وتنسى انتماءها السياسي وتكتلاتها الساحاتية، فور سماع صوت الوطن ونداء الثورة على لسان أيوب طارش أو علي بن علي الآنسي أو محمد مرشد ناجي، لتقف دفعة واحدة مرتصّة حول سارية العلم؛ إذ من النادر رؤية من هو قاعد وأيوب مردداً ومنادياً "رددي أيتها الدنيا" أو"أهتفوا للشعب إن الشعب.." الجميع واقف وقد هتفوا وجرى الهتاف ودمائهم. وبينما هم كذلك - أقصد وقوف حشود الثورة والأغنية الوطنية - يمكنك بوضوح مشاهدة اليمن الذي نحب في عين طفل من "خولان الطيال" يلتف العلم الوطني حول عنقه بأناقة، ويقف بأنفة وشموخ بكونه يمني أولاً والواثق بالثورة بكونه مشارك فيها ثانياً إلى جانب جدّه وهما يرددان رفقة علي بن علي الآنسي "نحن الشباب.. نحن الشباب"، وفي "نشوان" المرشدي فإن الجميع يفتش في مخابئ نفسه عن نشوان ليقرأ عليه نبأ الثورة "فكر بباكر ولا تبكي على ما كان"، أما في "إملؤوا الدنيا ابتسامة" لأيوب طارش فإنني أراهن أنه ليس بمقدور أية قوة كونية أن تحجب عنك مشاهدة جبال وأنكاب اليمن مجتمعة وهي تلتمع كالأمل بين شارة نصر حشود الشعب في ساحات وميادين ثورة الحادي عشر من فبراير المجيد.

**

الخلاص الأخير

بالطبع، أتحدث هنا عن ما كان لا عما يجب أن يكون، عن بعث دور الأغنية الوطنية في سياق تاريخي ثوري محدد، غلب عليه طابع السلمية المطلقة، ولست بصدد الحديث عن أولويات الصراع وأدواته إجمالاً، أو الإنطلاق بالثورة من موقف رومانسي ليبرالي لزّج على الإطلاق.

ويا لسفاهة تلك الرطانة الداعية إلى مقاومة أنظمة القهر والإستبداد وإسقاطهما بالموسيقى والرقص والرسم، هذا هراء ليبرالي باطل ليس من الثورة في شيء وأبعد ما يكون عن فهم المسألتان الوطنية والاجتماعية بالطبع، فأنظمة عربية تافهة كنظاميّ صالح والأسد أو حتى البشير في السودان لا يمكن إسقاطها إلا بعنف ثوري منظم عبر قوة السلاح وتنظيم الناس سياسياً وعسكرياً، وما قيام الثورات المضادة ومآلات "ثورات الربيع" وتحولات المشهد الثوري خصوصاً في اليمن وسوريا إلا تأكيداً على صوابية ما نقول بغض النظر عن المعطيات الإقليمية والدولية وأثرها في الصراع..! 

بالتأكيد كان مسلك السلمية في بلد "60 مليون قطعة سلاح" أمر عظيم وخارق لا يخلو من الإلهام، كان تعبير واضح وصريح عن نبل ونقاء وحلم أخضر لجيل جديد صادق، رغبة منه بضرورة ابتكار أدوات جديدة في النضال وإحداث التغيير السلمي، لكن من المؤكد أنه لم يكن كافٍ لإسقاط أنظمة إستبداية وعصبوية يتزعمها مجرمين وقتلة حقيقين كعلي عبدالله صالح وبشار الأسد.

"خلاص خلاص.. مالكوش خلاص، غير بالقنابل والرصاص" بهذه الطريقة قررّ "الفاجومي" إرسال كلماته قبل الأخيرة للشعوب المقموعة في مرثية "جيفارا مات" الشهيرة في رحيل صديقنا الثائر الأممي "تشي" وقد غنّها زعيم الأغنية السياسية "شيخ إمام" آنذاك، وأرى أنه من الضرورة بما كان أن تكون شعاراً لشعبنا المقاوم في الذكرى السادسة لثورته. وأعتقد أن الشعب الذي ثار في 2011 سلمياً وصنع الحدث وواجه آله القمع الوحشية بمسيرات ومظاهرات سلمية إلاّ من صوت الآنسي والمرشدي وأيوب، قادراً اليوم على صدّ الردة الحضارية وهزيمة قوى الثورة المضادة الرجعية، بتنظيم نفسه وحمّل السلاح دفاعاً عن نفسه وانتصار لثورته..! 

  قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

قراءة 2733 مرات آخر تعديل على الأحد, 26 شباط/فبراير 2017 18:57

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة