تكريس الإرهاب في الوعي العربي

الأربعاء, 09 كانون1/ديسمبر 2015 19:26 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مما لا شك فيه ان الإرهاب كطباع بشرية لا يمكن اصباغه بهوية جغرافية او قومية اذ يعرف المختصون بهذا الشأن  ان الإرهاب هو أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لاتجيزها القوانين المحلية أو الدولية.

وخلافا لما يروج له ان الارهاب هوية عربية إسلامية لكن الحقيقية تفرض نفسها على ان هذه القوميات باتت حاضنة دافئة للإرهاب والإرهابيين لأسباب تتعلق بالفكر وأسلوب المعيشية والتعليم وأهمها التكريس السياسي داخليا وخارجيا بغية تحقيق أهداف سياسية تخدم طرفا دون اخر .

 وفي البلدان العربية  أعلن الإرهاب عن ظهوره كقوة قادرة على خلق القلاقل واحداث تغيير في موازين القوى المتصارعة  كنتيجة منطقية لتاريخ متواتر من الظلم والاستغلال والعبودية والإصرار على تحويل الانسان العربي الى مسخ قذر لا يجيد الا الإيذاء وصناعة الموت . لذا عمد حكام تلك البلدان على تكريس الإرهاب في وسائل التعليم وفي الفعل الديني على انه جوهر الانسان العربي لنيل حقوقه الشخصية والعامة نتيجة شعوره المتزايد بالظلم وفقدان فرص مشاركته في صناعة الحياة رفقة الشعوب المتقدمة ،  وكذا لارتكانه على تاريخ متخم بالتزييف وغير ذي صلة بواقعية العصر الحديث ووسائله .

نجحت الطبقة الحاكمة طيلة مئات السنين الماضية في إحلال التاريخ الانساني الديني المتشعب والمتناقض أصلا ، بدلا عن الدين السماوي الأصل ، ما يعني زج تلك الشعوب الأمية والمتخلفة والمقهورة ، في أتون صراعات وحروب متواصلة أهلكت الحرث والنسل ، كان الهدف الرئيس من هذا الفعل الشيطاني والنزق هو ضمان استمرارية الحكم وإقصاء العقل الانساني من اداء وظيفته الاساسية في التفكير والقراءة والتغيير والتغير بالقدر الذي تفرضه ضروريات الحياة الطبيعية على الضد مما يجري الان وما تعيشه تلك البلدان .

ونتيجة لذلك التعمد في تجهيل الشعوب ومحاصرتها في زاوية علوم تأويلية تتنافى في أحايين كثيرة مع أساسيات الدين الحق ، وإقناعها بنفعيتها دون باقي العلوم والمعارف الانسانية بعد ان دأبت مع مرور الوقت على رسم صورة مشوهة عن تلك العلوم بوصفها غزوا فكريا من شأنه سلب الانسان العربي إرثه القيمي والأخلاقي والديني وخلق شعور شعبي منفر إزاءها وهو ذات الامر الذي  زاد من حدة تشبث هذه الشعوب بمعارفها - المفروضة عليها في حقيقة الامر - باعتبارها منتهى العلم ، وابعادها بكل السبل والإمكانيات عن كل ما يكشف حقيقة هذه المحاصرة التي سهلت التمكن منها وتوظيفها في خدمة سياسات الطبقة الحاكمة  وتوجهاتها دون مراعاة للنتائج الكارثية لهذه المغامرات .

 ويقينا ان الطبقة الحاكمة عززت من بقاء الإرهاب في عمق الوعي الشعبي العربي بعدما فشلت تماماً في احداث نقلات نوعية لحياة شعوبها وتحقيق أدنى الطموح الآدمية رافق ذلك هروب واضح من مجابهة احتياجات الشعوب المتزايدة للعيش الكريم والحرية ومناهج التعليم المتطورة ولو بحدود دنيا مقارنة ببلدان العالم المتقدمة وما زاد من قلق تلك الطبقة هي الثورة التكنولوجية والإعلامية التي عرت كهنوت الحاكم العربي  ووضعته في مأزق الإجابة على عديد تساؤلات بدأت تتبادر الى الذهن الشعبي العربي ، منها عن العلاقة بين الأديان ببعضها ، وعن جوهرها الداعي الى الحفاظ على الحياة الانسانية ودعم تطورها وتقدمها في كافة المجالات .

واستباقا لمقلقات شعبية محتملة سخرت الطبقة الحاكمة الكثير من اموال بلدانها لذات الغرض المقدس القاضي بحكم أبدي لها وشعب يقتل بعضه نيابة عنها ، من خلال مناهج دراسية تسطح العقل البشري وتحبسه داخل أفكار وضعية يعد التفكير في تجاوزها او حلحلتها أمر مستحيل وجلل ، فضلا عن تكثيف تعليم وتلقين كل ما من شأنه التحريض على العنف والقتل والتقليل من أهمية الحياة ، يقابل ذلك تقديس الموت كأوامر  ربانية .

والحاصل ان تضييق هامش الحريات الفكرية والثقافية والإبداعية كما والإصرار على التصدي لأي محاولة من شانها تحديث الوعي العربي ، فضلا عن التراجع الواضح لرواد هذه المجالات بوصفها الحل الناجع لخلق مجتمعات على قدر مقبول من الفهم لأساسيات حياتها وسلمها الاجتماعي ، نتيجة إشغالها بالبحث عن وسائل إنقاذ معيشية لحياة شعوب تتداعى على بعضها نتيجة الصراعات والحروب المناطقة والطائفية والعرقية وما تخلفه من آفات منهكة ، مثل الفقر والأمية وانعدام الأمن الغذائي وكل تلك الأشياء مجتمعة ، ساعدت على ازدهار الإرهاب في البلدان العربية حتى بات اقرب الى نمط حياتي تعيشه هذه البلدان وشعوبها .

قراءة 5471 مرات

من أحدث وضاح الاحمدي

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة